معرض الصين والدول العربية- تطلعات للمستقبل

    أقيم في النصف الأول من شهر سبتمبر، "معرض الصين والدول العربية عام 2017"، بمدينة ينتشوان في منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوي. هذا المعرض، الذي كان يحمل اسم "منتدى التعاون الصيني- العربي للتجارة والاقتصاد" سابقا، يعتبر منصة حقيقية للتعاون بين الصين والدول العربية في العصر الجديد.

    في رسالته بمناسبة افتتاح هذه الدورة للمعرض، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: "إن الصين والدول العربية تعتبران صديقين جيدين، وصارا شريكين هامين في بناء الحزام والطريق، كما أن  المعرض يعتبر منصة هامة للصين والدول العربية لتوسيع مجالات التعاون بينهما."

    وحسب تقارير إعلامية، شارك في هذه الدورة أكثر من ألف وثمانين شركة ومؤسسة من سبع وأربعين دولة، وتم خلالها توقيع مائتين وثلاثة وخمسين عقدا، قيمتها الإجمالية  05ر186 مليار دولار أمريكي في ثمانية مجالات، منها عقود في مجالات الزراعة ومعالجة المواد الغذائية والتقنيات الجديدة ومعدات التصنيع وإنتاج الأدوية والطاقة والمنسوجات الصديقة للبيئة، وبناء الحدائق الصناعية والخدمات الحديثة، ما يجعل هذه الدورة أضخم وأكبر دورة ثمارا في تاريخ المعرض.

    من المعروف أن التعاون الصيني- العربي له تاريخ طويل، فمنذ ما قبل الميلاد قام المبعوث الإمبراطوري الخاص تشانغ تشيان بزيارة منطقة غربي آسيا عدة مرات، مما قدم مساهمات عظيمة في  إقامة علاقات التعاون الصيني- العربي في ذلك الوقت.

في العصر الحديث، وخاصة بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ومع إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والدول العربية، شهدت العلاقات بينهما تطورات جياشة متواصلة.

نينغشيا هي المنطقة الذاتية الحكم الوحيدة لقومية هوي المسلمة في الصين، تتمتع، مقارنة مع مقاطعات ومناطق الصين الأخرى، بمزايا خاصة لإقامة التعاون مع الدول العربية، تتمثل في ما يلي:

    أولا: الموقع الجغرافي، إذ تقع نينغشيا في نقطة الوصل بين شرقي وغربي بر الصين الرئيسي. وقد أهلها ذلك لتكون محطة ربط هامة على "طريق الحرير القديم"، وسوف تواصل لعب دورها الإيجابي في التبادلات الصينية- العربية في العصر الجديد؛

   ثانيا: الموارد البشرية، إذ يمثل المسلمون أكثر من ثلاثين في المائة من سكان المنطقة، وتصل نسبتهم في بعض المحافظات والأحياء التابعة للمنطقة إلى أكثر من ستين في المائة، مما يجعل تواصلها وتعاونها مع الدول العربية والإسلامية أكثر يسرا وسهولة؛

    ثالثا: السياسات التشجيعية، فقد وضعت الحكومة الصينية المركزية وحكومة نينغشيا المحلية سلسلة من السياسات التشجيعية لتحفيز إقامة هذا التعاون وتوسيعه. تغطي تلك السياسات مختلف القطاعات، بما في ذلك تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية، تسهيل الإجراءات، بل وتقديم الدعم المالي، مما يعطي قوة دافعة للشركات والمؤسسات من الجانبين.

    على هذا الأساس، فإنني أرغب في تقديم بعض الملاحظات حسب تجاربي وخبراتي على مدى عشرات السنين في تطوير التعاون التجاري والاقتصادي مع الدول العربية:

1-            التصدير والاستيراد: تتواصل التجارة السلعية وتجارة البضائع بين الصين والدول العربية بصورة سليمة نسبيا منذ فترة طويلة، ولكن في ظل عجز تجاري لدى معظم الدول العربية التي ترغب في تحقيق التوازن التجاري مع الصين. ومن ثم، علينا أن نبذل الجهود معا لزيادة البضائع العربية المصدرة وخاصة المنتجات غير النفطية إلى الصين من أجل تحقيق هذا التوازن. على الصين أن تحاول، بقدر الإمكان، استيراد بعض المنتجات الزراعية أو الجيولوجية العربية؛

2-            الاستثمارات المتبادلة: يتعين محاولة زيادة القيمة المضافة لهذه الاستثمارات. ينبغي للاستثمار العربي في الصين أن يركز على مجالات الطاقة البديلة والتقنيات العالية المستويات وحماية البيئة. وبالمقابل، يركز الاستثمار الصيني في إنشاء الصناعات الوطنية في الدول العربية، حيث توجد حاجة حقيقية لإنشاء هذه الصناعات التي سوف تساعد في حل مشكلة البطالة وزيادة الصادرات في نفس الوقت، مع تحقيق التنوع الاقتصادي؛

3-       تكوين شركات برأس مال مشترك لفتح مجالات جديدة للتعاون مثل مجال الفضاء ومجال الطاقة النووية للأغراض المدنية والمجالات الزراعية؛

جاء في ((إعلان يينتشوان ))، الصادر عن مؤتمر رجال الأعمال لمنتدى التعاون الصيني- العربي الذي عقد على هامش هذه الدورة من معرض الصين والدول العربية، أن اقتصادات الصين والدول العربية تتمتع بمزايا تكاملية كثيرة وآفاق تعاون رحبة، فيجب علينا أن نوثق التعاون العملي وفقا لمبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، وخاصة من خلال التشارك في بناء "الحزام والطريق"، الذي سيتم في عملية تناسق استراتيجيات الجانبين للتنمية، وتوظيف ما لديهما من المزايا والإمكانيات الكامنة، والدفع بالتعاون الدولي في مجال الطاقة الإنتاجية، وتوسيع دائرة التعاون في البنية التحتية ومجال تسهيل التجارة والاستثمار، إضافة إلى الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة والزراعة والمالية وغيرها.

    على هذا الأساس فإنني على ثقة تامة بأن التعاون الصيني- العربي سيدخل مرحلة جديدة، مع أن التحديات والصعوبات لا تزال موجودة أمامنا والأوضاع السياسية والأمنية في بعض مناطق الشرق الأوسط غير مستقرة. وفي هذه الحالة، يمكننا أن نشجع  وندعم  تدخل القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أكثر لكي تلعب دورا أكبر في تنمية التجارة، وكذلك من خلال إقامة ملتقى الشركات الصغيرة والمتوسطة وورش العمل لتبادل الخبرات التقنية والإدارية، فإن إقامة معرض الصين والدول العربية قد خلقت البيئة الملائمة لإحياء نشاطات هذه المؤسسات وسوف نستمر في إيجاد مثل هذه الفرص المناسبة، كما نرجو من القطاع الخاص من كلا الطرفين أن يتحرك حقيقيا وبذل الجهود الواقعية لتحقيق أهدافنا المشتركة.

    كما قال وزير خارجية الصين وانغ يي، إن الجانبين الصيني والعربي يتمسكان بمبادئ الاحترام المتبادل، والمعاملة الندية، والمحافظة على الإخوة المتبادلة والصداقة والشراكة مهما تغيرت الأوضاع الدولية. ونحن نقف في انطلاقة تاريخية جديدة، ندعو إلى تعميق علاقات التعاون الاستراتيجي الصينية- العربية على أساس التعاون الشامل والتنمية المشتركة، وبناء رابطة مصير مشترك بين الصين والدول العربية.

واعتقد بأن مستقبل علاقات التعاون الاستراتيجية الصينية- العربية سيكون أجمل وأكثر واقعية. وستكون مجالات التعاون المنبثقة من إقامة معرض الصين والدول العربية أوسع فأوسع.

     

لي يوان تشينغ، كان مستشارا تجاريا في سفارة الصين لدى السعودية وهو نائب رئيس جمعية التبادل الصيني العربي حاليا.