تشيوانتشو
نقطة انطلاق طريق الحرير البحري

تقع مدينة تشيوانتشو في جنوب شرقي مقاطعة فوجيان، متكئة على الجبل ومواجهة البحر، تتمعج في داخلها سلسلة من التلال المتموجة والأودية والأحواض. جبل داييون، الذي يمتد من شمال شرقي المدينة إلى جنوبها الغربي، يحمل لقب "سقف مقاطعة فوجيان". هذه مدينة ذات تاريخ عريق، وهي منبع ثقافة ميننان (ميننان بمعنىجنوبي مقاطعة فوجيان). تشيوانتشو من أقدم الموانئ الصينية المفتوحة على الخارج، وتتمتع بوفرة من الثقافة التاريخية والمعالم المشهورة والآثار العتيقة، وفوق هذا وذاك، هي نقطة انطلاق طريق الحرير البحري، باعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).

ثقافة ميننان المميزة

في فترة أسرة هان (206 ق.م- 220 م) وفترة أسرة جين (265- 420 م)، هاجر عدد كبير من أبناء قومية هان من السهول الوسطى الصينية إلى منطقة تشيوانتشو، فبدأ التبادل والاندماج بين ثقافة السهول الوسطى وثقافة ميننان الأصلية، مما أدى إلى تشكيل وبزوغ ثقافة ميننان. ومع ازدياد عدد السكان وتطور الاقتصاد، أصبحت مدينة تشيوانتشو نقطة الانطلاق لطريق الحرير البحري وميناء شرقيا كبيرا في فترة أسرة سونغ (960- 1279م) وفترة أسرة يوان (1271- 1368م)، حيث جاء العرب والفرس إلى تشيوانتشو لممارسة التجارة وجلبوا معهم ثقافتهم الإسلامية، مما أثرى ثقافة ميننان. وفي فترة أسرة مينغ (1368- 1644م) وفترة أسرة تشينغ (1644- 1911م)، جاء التجار والمبشرون الأوروبيون إلى تشيوانتشو فأدخلوا الثقافة الغربية، وأصبحت ثقافة ميننان أكثر ازدهارا. بعد آلاف السنين من التصادم والتبادل والاندماج، تشكلت في تشيوانتشو ثقافة تعددية؛ تجمع بين الثقافة الزراعية والثقافة التجارية البحرية والثقافة الدينية وغيرها. يمكن القول إن ثقافة ميننان تجمع بين سمات الثقافة المحلية وسمات ثقافة السهول الوسطى وسمات الثقافة البحرية، فهي تحفة رائعة للثقافة الصينية.

نمط البناء يعكس بوضوح الثقافة المحلية. في مدينة تشيوانتشو، أسلوب العمارة التقليدي الأكثر تمثيلا هو أسلوب تسوه القديم (تسوه أسلوب عمارة محلي). البنايات بأسلوب تسوه القديم في مدينة تشيوانتشو ساحرة متألقة، وهي مبنية بالطوب والقرميد الأحمر والقواعد الحجرية البيضاء، وسقفها على شكل ذيل طائر السنونو، بينما زخارفها الجميلة منقوشة على الخشب والحجر، مما يجسد صورة كلاسيكية فخمة ذات حجم واسع.

بناية "كهكه" (صدفة المحار)، نوع آخر من البنايات التقليدية المتميزة في منطقة تشيوانتشو، جدرانها من أصداف المحار و الطوب والحجر، فتشكل الأصداف الرمادية مع حجر الغرانيت الأبيض الرمادي والطوب الأحمر صورة بهية بفضل التباين الحاد في ألوانها، بينما تبدو الأصداف على الجدران مثل قشر السمك.

عمارة فانتساي، نمط أخر من البنايات السكنية التي تجمع بين الأسلوبين الصيني والغربي، وقد شيد معظمها المغتربون الصينيون الذين عادوا إلى الصين من جنوب شرقي آسيا في فترة جمهورية الصين (1912 – 1949م). تتمتع عمارة فانتساي بسمات البنايات السكنية التقليدية في منطقة جنوبي فوجيان وبنايات جنوب شرقي آسيا، وقيمتها الفنية عالية بفضل الأفكار المختلفة للمصممين المعماريين. النقوش على الحجر والطوب، والرسوم الملونة، وتشاكيل قطع الطوب المجموعة وغيرها تعجب الناس، وهي كنوز معمارية لموطن المغتربين الصينيين في منطقة ميننان.

لمعلوماتك:

المنزل القديم لأسرة تساي

يقع في قرية تشانغلي ببلدة قوانتشياو في مدينة نانآن التابعة لمدينة تشيوانتشو. بناه مغتربان صينيان من الفلبين وهما تساي تشي تشانغ وابنه تساي تسي شن في أواخر القرن التاسع عشر، وتعتبر هذه البناية نموذجا لعمارات تسوه القديمة في مدينة تشيوانتشو. تضم البناية خمس عشرة دارا، مع باحة ومعبدا للأسلاف ونحو أربعمائة غرفة كبيرة وصغيرة، ويبلغ إجمالي مساحتها الإنشائية 16300 متر مربع. ما زالت هذه البناية قائمة حتى اليوم، بأسلوبها المميز والنموذجي للبنايات القومية التقليدية في منطقة جنوبي فوجيان، والتي تعكس أيضا ثقافة جنوب شرقي آسيا وسمات فنون الزخرفة الغربية، فيمكن اعتبارها عملا يجمع بين الفن المعماري للبيوت القديمة في منطقة جنوبي فوجيان وفنون العمارة خارج الصين.

 

ثقافة طريق الحرير البحري التي تربط القديم بالحديث

قبل أكثر من ألفي سنة، فتح الصينيون شبكة تجارية عالمية تبدأ من مناطق جنوب شرقي الصين وتمر بشبه جزيرة الهند الصينية وبلدان منطقة بحر الصين الجنوبي، وتعبر المحيط الهندي وصولا إلى البحر الأحمر حتى شرقي أفريقيا وأوروبا. وقد أطلق التابعون على هذا الطريق البحري الذي يربط الشرق بالغرب، اسم "طريق الحرير البحري"، إذ كان الحرير أهم سلعة يتم تبادلها عبر هذا الطريق التجاري. وبعد القرن الثامن، صار طريق الحرير البحري بديلا لطريق الحرير البري، وأصبح المسار الرئيسي للتبادلات التجارية والثقافية بين الصين والدول الأخرى، بسبب الحروب وانتقال مركز الثقل الاقتصادي وغير ذلك.

وقد نشأت تبادلات بين تشيوانتشو ومختلف بلدان بحر الصين الجنوبي منذ زمن قديم يعود الى القرن السادس، و في القرن الثالث عشر أصبحت تشيوانتشو أكبر ميناء في الصين، كانت شهرته تضارع شهرة ميناء الإسكندرية في مصر. كانت التجارة البحرية تبدأ من تشيوانتشو وتمتد إلى اليابان شرقا وإلى جنوب شرقي آسيا وبلاد فارس والدول العربية وأفريقيا. كانت صادرات الصين تشمل الفخار والخزف والحرير والشاي والحديد والصلب وغيرها، بينما كانت وارداتها تشمل التوابل والفلفل والأدوية واللؤلؤ وغيرها. كانت هناك تبادلات تجارية وثقافية بين الصين ونحو مائة دولة ومنطقة في العالم.

كانت تشيوانتشو واحدة من ترسانات صنع السفن الهامة في فترة أسرة سونغ وأسرة يوان، وكانت السفن التي تصنع فيها تتميز بالمتانة والاستقرار وتتمتع بصلاحية الإبحار، وكانت تجهيزات السلامة فيها ذات مستوى متقدم في ذلك الوقت.

منذ أن طرحت الحكومة الصينية مبادرة "الحزام والطريق"، أخذت تشيوانتشو تشارك في بناء "الحزام والطريق" بنشاط، لتحول تفوقاتها التاريخية وتفوقاتها في الموارد إلى فرصة جديدة للتنمية. حاليا، تتجاوز قدرة التفريغ والشحن لميناء تشيوانتشو مائة مليون طن سنويا.

لمعلوماتك:

أطلال جمارك تشيوانتشو

تقع في زقاق شويمن بحي ليتشنغ، وهي الأطلال الوحيدة الموجودة لجمرك قديم في الصين. كان الجمرك هو الهيئة الحكومية الصينية المسؤولة عن إدارة التجارة الخارجية البحرية قديما. في عام 1807، تأسست مصلحة الجمارك بمدينة تشيوانتشو رسميا، لتتولى مسؤولية تفتيش السفن ومكافحة التهريب والقيام بإجراءات إقلاع وعودة السفن وفرض ضريبة البضائع والتصدير والاستيراد واستقبال وإدارة السفراء والتجار الأجانب وغيرها. انتقلت هذه المصلحة إلى مدينة فوتشو في عام 1472، وما زالت أطلال مقرها باقية حتى اليوم.

البنايات القديمة لميناء تشيوانتشو

تقع في شرقي مدينة تشيوانتشو على مسافة حوالي عشرة كيلومترات من وسط المدينة. تشتمل على برج قوساو وبرج ليوشنغ ومعبد تشنوو وميناء شيهو ورصيف ونشينغ ورصيف ميشان. بُني برج قوساو خلال الفترة من عام 1131 إلى عام 1162، وكان يستخدم كعلامة ملاحية. برج ليوشنغ، الذي يحمل اسما آخر هو برج وانشوه، بُني في عام 1113. ويقع رصيف ميشان في منطقة التقاء النهر والبحر، فهو يحتل موقعا جغرافيا مميزا.

 

ثقافة شاي آنشي الساحرة

تقع محافظة آنشي في غربي مدينة تشيوانتشو على مسافة نحو 53 كيلومترا من وسط المدينة، وهي مصدر شاي "تييقوانين" ومنطقة إنتاجه الرئيسية. داخل المحافظة جبال متراكبة وجداول مترنمة، ومناخها معتدل ربيعي على طول السنة، وتشتهر بأنها "عاصمة الشاي في الصين". يرجع تاريخ تصنيع شاي آنشي إلى أكثر من ألف سنة، ويزرع الفلاحون المجتهدون في محافظة آنشي شاي تييقوانين المشهور، وقد اكتسبوا كنوزا من التجارب في زراعة وتصنيع وتقييم وتذوق الشاي، مما شكل عادات وتقاليد مميزة حول الشاي وخلق ثقافة شاي آنشي القديمة الساحرة.

مباراة الشاي هي أروع عادة شعبية حول الشاي في آنشي، وقد أصبحت نشاطا شائعا في حياة ثقافة الشاي منذ زمن قديم. ولها ثلاثة أنواع، الأول هو مباراة الشاي في حقول الشاي الجبلية، أي تذوق وتقييم الشاي الجديد داخل معمل تصنيع الشاي في منطقة زراعة الشاي؛ والثاني هو مباراة الشاي في السوق والمدينة، أي النشاطات التي ينظمها الباعة وعشاق الشاي في محلات الشاي لجذب الزبائن؛ والثالث هو مباراة الشاي بين النبلاء، أي النشاطات الأنيقة لتذوق الشاي التي كان يقيمها الأدباء والمثقفون ومسؤولو البلاط في المناطق السياحية أو القصور الإمبراطورية. الآن، ما زالت هناك مباريات شعبية للشاي في محافظة آنشي، كما تنظم الحكومات على مختلف المستويات مباريات الشاي لتقييم الشاي من حيث شكله ولونه وعطره ومذاقه. وتكون مباريات الشاي عادة حامية ومفعمة بالنشاط.