الصين لن تبتلع الثمرة المرة

في احتفال مهيب بقاعة الشعب الكبرى في بكين، بمناسبة ذكرى مرور تسعين سنة على تأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني، قال الرئيس شي جين بينغ، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ورئيس اللجنة العسكرية المركزية: "لا يجب أن يتوقع أحد أن نبتلع الثمرة المرة التي تضر بسيادتنا أو أمننا أو مصالحنا التنموية". وأكد السيد شي في الاحتفال الذي أقيم في الأول من أغسطس 2017، على أن "الشعب الصيني يحب السلام، ولا نسعى أبدا إلى العدوان أو التوسع، لكننا لن نسمح أبدا لأي شخص أو منظمة أو حزب سياسي بفصل أي جزء من الأراضي الصينية عن البلاد في أي وقت، بأي شكل من الأشكال. إن قواتنا الباسلة لديها الثقة والقدرة على هزيمة جميع الأعداء الغازية." وأضاف: "مهما تطورت الظروف ومهما تغيرت الأحوال فإن جيشنا هذا سيبقى دائما جيش الحزب وجيش الشعب. التاريخ يظهر لنا أنه يجب على الحزب دائما قيادة الجيش. إن ذلك هو الضمانة الأساسية التي استخلصها الحزب من معارك الدم والنار." وفي تأكيده على التلاحم التام بين الجيش والحزب، قال الرئيس شي: "الجيش يجب أن يزيد من وعيه السياسي، وأن يكون متسقا مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في الفكر والعمل، وأن يتمسك بمبدأ قيادة الحزب المطلقة للجيش. وبشأن هذا المبدأ، ينبغي أن نكون واضحين بمواقف راسخة وتصرفات حازمة. لا ينبغي أن يكون هناك أي شك أو تردد أو غموض بشأن ذلك."

الرئيس الصيني قال إن جيش التحرير الشعبي خاض معارك وحروبا وقدم تضحيات عظيمة وحقق انتصارات مجيدة منذ تأسيسه، حتى قهر أعداءه وأطاح بـ"الجبال الثلاثة الكبرى" المتمثلة في الإمبريالية والإقطاع والبيروقراطية الرأسمالية لإرساء أساس متين من أجل إقامة جمهورية الصين الشعبية. كما أشار الزعيم الصيني إلى أن جيش التحرير حقق انتصارات في الحرب الكورية التي امتدت من سنة 1950 إلى سنة 1953 لمقاومة العدوان الأمريكي ومساعدة كوريا. وقال إن جيش التحرير الشعبي الصيني قد أحبط تهديدات أمن الدولة وقهر جميع أشكال النزعات الانفصالية واشترك بنشاط في التبادلات العسكرية الخارجية وبعثات حفظ السلام الدولية.

هذه كلمات واضحة صريحة لا تحتمل تأويلا، مفادها أن الصين لديها جيش قوي مهمته هي الحفاظ على السلم والأمن والدفاع عن مصالح البلاد تحت أي ظرف.

حديث الرئيس شي جاء بعد يومين من العرض العسكري المهيب للجيش الصيني في قاعدة عسكرية بمنطقة منغوليا الداخلية. العرض الذي أقيم في الثلاثين من يوليو 2017، تضمن نحو اثني عشر ألف فرد من القوات البرية والبحرية والجوية والشرطة المسلحة وقوة الصواريخ، التي تم تشكيلها مؤخرا، وقوات الدعم الاستراتيجي. وفي كلمة له خلال العرض، استعرض الرئيس تاريخ جيش التحرير الشعبي، وقال إن أحد الأسباب الرئيسية التي عانت بسببها الصين من العدوان والاضطهاد والغزو في التاريخ الحديث هو الافتقار إلى جيش قوي.

وفقا لأحدث تقرير لموقع غلوبال فاير، في يوليو 2017 حول القوة العسكرية، يحتل الجيش الصيني المرتبة الثالثة بين أقوى جيوش العالم، بعد الجيشين الأمريكي والروسي. هذا التصنيف يعتمد على أكثر من خمسين عاملاً لتحديد درجة ما يسمى بـ"مؤشر القوة" لكل دولة. وهذا الترتيب لا يعتمد على العدد الإجمالي للأسلحة الموجودة لدى أي دولة، وإنما يركز بدلا من ذلك على تنوع الأسلحة، كما أن الأسلحة النووية لا تؤخذ بعين الاعتبار ولكن القوى المعترف بها نوويا أو يشتبه بأنها نووية تحصل على علامات إضافية. هذا فضلا عن أن العوامل الجغرافية، المرونة اللوجستية، الموارد الطبيعية والصناعة المحلية تؤثر على الترتيب النهائي.

وكانت الصين قد أعلنت في شهر مارس، عن زيادة ميزانيتها العسكرية لعام 2017 بنسبة

7٪ لتصل إلى تريليون وأربعة وأربعين مليار يوان (43ر151 مليار دولار أمريكي)، أي ما يعادل ربع الإنفاق الدفاعي الأمريكي لنفس العام.

ترافق مع احتفال الصين بالذكرى السنوية التسعين لجيشها، إقامة أول قاعدة عسكرية صينية خارج حدودها، وهي القاعدة العسكرية البحرية في جيبوتي، التي تم تدشينها في الأول من أغسطس 2017، بحضور أكثر من ثلاثمائة فرد، من بينهم وزير دفاع جيبوتي وقائد القوات البحرية الصينية. وحسب صحيفة ((هوانتشيو شيباو) "غلوبال تايمز" الصينية فإن القاعدة العسكرية ستسهم في ضمان أمن الممرات البحرية الاستراتيجية، من خلال قيام الأسطول الصيني بمناورات وتدريبات ودوريات مشتركة مع قوات حفظ السلام الأممية والأطراف المعنية الأخرى في مياه الصومال وخليج عدن. وقالت "غلوبال تايمز" الصينية في تقريرها الذي نشر في الثاني من أغسطس 2017، بعنوان "الصين تفتتح أول قاعدة دعم عسكرية في الخارج"، إن القاعدة التي شرعت الصين في تشييدها عام 2016، مخصصة للأغراض اللوجستية وسيتم استخدامها لتموين وإسناد القطع البحرية الصينية المشاركة في عمليات حفظ السلام، والمهمات الإنسانية قبالة السواحل اليمنية والصومالية على وجه الخصوص.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ، قد اعتبر في الثاني عشر من يوليو 2017، أن القاعدة جزء من الجهود الجارية للمساعدة في تحقيق السلام والأمن في المنطقة، وقال: "الصين تقوم بنشر سفن بحرية في المياه قبالة الصومال في خليج عدن للقيام بمهام مرافقة منذ عام 2008. إنجاز القاعدة وتشغيلها سيساعد الصين على الوفاء بالتزاماتها الدولية بشكل أفضل في القيام بمرافقة البعثات والمساعدة الإنسانية، وسيساعد أيضا في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جيبوتي."

 ويرجع الاتفاق بين حكومتي الصين وجيبوتي بشأن إنشاء القاعدة العسكرية إلى ديسمبر عام 2015، عندما أعلن وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف، على هامش قمة جوهانسبرغ لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقي، أن الصين ستمتلك قاعدة بحرية لوجستية في جيبوتي قبل نهاية 2017 من حيث المبدأ. وقال إن هذه القاعدة الجديدة "تندرج في إطار الجهود التي تبذلها جيبوتي لمكافحة الإرهاب والقرصنة".

والحقيقة أنه منذ صدور أول وثيقة رسمية بشأن السياسات الصينية تجاه الدول العربية في يناير عام 2016، يسير التعاون العسكري بين الصين والدول العربية بخطى متسارعة. وحسب تقرير نشرته وكالة أنباء ((شينخوا)) الصينية في الثاني من أغسطس 2017، فإنه بمقتضى هذه الوثيقة، تخطط الصين لتعميق التواصل والتعاون في المجال العسكري مع الدول العربية، إلى جانب تعزيز الزيارات المتبادلة بين القيادة العسكرية لدى الجانبين، وتوسيع دائرة التواصل بين العسكريين، وتعميق التعاون في الأسلحة والعتاد ومختلف التقنيات المتخصصة، وإجراء تدريبات مشتركة بين القوات المسلحة، فضلا عن مواصلة دعم بناء الدفاع الوطني والجيوش للدول العربية من أجل صيانة السلم والأمن في المنطقة. وتولي الصين اهتمامها لتطوير العلاقات العسكرية مع مختلف الدول العربية. ففي الفترة من يناير إلى فبراير 2017، قام أسطول من البحرية الصينية بزيارات ودية لأربع دول عربية حيث وصل إلى السعودية يوم 9 يناير ثم قطر والإمارات والكويت. وفي ذات السياق، وصل أسطول من البحرية الصينية إلى مسقط في يونيو، في زيارة ودية دامت أربعة أيام إلى سلطنة عمان. وخلال هذه الزيارات المكوكية، قام الطرفان الصيني والعربي بلقاءات رفيعة المستوى ومنافسات ثقافية ورياضية وغيرها من الأنشطة المتنوعة.

الصين لن تبتلع الثمرة المرة لأن لديها جيشا وطنيا قويا قادر على حماية سيادتها ووحدة أراضيها. إنه درس للدول العربية لتحافظ على جيوشها الوطنية كونها خط الدفاع الأول عن وجودها.