على الطريق لمزيد من الانفتاح

قبل أربع سنوات، وفي جامعة  نزارباييف في كازاخستان، ألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطابا للتعبير عن أمله وتطلعاته نحو الحزام الاقتصادي لطريق الحرير. وأكد نهجا مبتكرا وتعاونيا لتعميق التعاون وتوسيع نطاق التنمية في منطقة أوراسيا.

ويُنظر للمبادرة بأنها مهمة ضخمة من شأنها أن ترفع إلى حد كبير مستوى معيشة مئات الملايين من مواطني البلدان الواقعة على طريق الحرير. وتدعو المبادرة إلى البدء في مناطق ومجالات محددة، ثم ربطها مع مرور الوقت، لتحقق في نهاية المطاف، سياسات منسقة، وتحسين البنية التحتية، والتجارة غير المقيدة، والتكامل المالي والتفاهم بين الشعوب بشكل حيوي.

قال هو أن قانغ، مدير معهد الصين للدراسات المعاصرة بجامعة تشينغهوا الصيني، إن مبادرة  الحزام والطريق تدل على أن الصين تتخذ سياسة الأبواب المفتوحة على المستوى العالمي، وتحفز ثورة غير مسبوقة في الجغرافيا الاقتصادية في تاريخ البشرية.

تجارة صربيا مع الصين

مقاطعة شنشي في وسط الصين هي نقطة البداية لطريق الحرير القديم، وتعتبر أيضا بمثابة نقطة البداية الجديدة ومركز منطقة الحزام الاقتصادي لطريق الحرير. كل عام،  تستضيف المقاطعة المعرض الدولي لطريق الحرير ومنتدى الاستثمار والتجارة والتعاون بين الشرق والغرب والصين  في حاضرتها مدينة شيآن، وتهدف إلى تأسيس مركز نقل تجاري يربط بين كل من الأجزاء الشرقية والغربية من الصين والبلدان الواقعة على طريق الحرير.

ومن خلال الدمج الكامل لمبادرة الحزام والطريق، تتوقع المقاطعة أن تكون محورا مركزيا للتعاون الدولي، وقاعدة علمية وتعليمية لتعزيز الابتكار ومركزا ثقافيا وسياحيا ومركزا ماليا إقليميا أيضا. وتأمل شنشي أن تلعب دورا في رفع مستوى الانفتاح في وسط وغربي الصين، وتسريع التعاون البناء مع الدول على طول الحزام والطريق.

تقع منطقة تشيوجيانغ في الجنوب الشرقي من مدينة شيآن، وتركز على تطوير الصناعات الثقافية والسياحية. معبد الأوز البري الكبير الذي يعود تاريخه إلى 1300 عام، معلم شهير لمدينة شيآن، وتوجد فيه كتب مقدسة بوذية جلبها من الهند القديمة الراهب الشهير شيوان تسانغ. وبني في شيآن حي جديد مع صفوف متراصة حديثة من التجمعات السكنية الراقية ومحلات تجارية معفاة من الرسوم الجمركية لتخزين البضائع المستوردة. وبالتالي، فقد استعادت الحاضرة القديمة مكانتها مرفقة بوسائل الراحة والمرافق الحديثة.

في يونيو 2017، عقد المعرض الدولي لطريق الحرير في مركز تشيويجيانغ للمؤتمرات والمعارض، حيث شارك فيه أكثر من ثلاثمائة شركة من أكثر من اثنتين وأربعين دولة ومنطقة مختلفة، منها صربيا وباكستان والهند وتايلاند وروسيا وجمهورية كوريا والبرازيل. باعتبارها الدولة ضيفة الشرف، أقامت صربيا جناحها في أكبر مساحة من المعرض حيث تم عرض السلع الصربية مثل مسحوق الحليب، العسل والنبيذ. إضافة إلى الأغاني والرقصات الصربية الشعبية التي أثارت إعجاب الجماهير.

قال نيكولا باونوفي، رئيس الاستقبال في الجناح الصربي: "آمل في تقديم وتسويق السلع، ومنتجات التكنولوجيا العالية والخدمات الصربية إلى الصين والبلدان الأخرى الموجودة على طول طريق الحرير". وقد أرسلت صربيا وفدا كبيرا يضم أكثر من مائة شخص. في الجناح الصربي، كان الموظفون مشغولين بشرح السياسات التجارية والبرامج الصناعية للعملاء الصينيين، ورجال الأعمال من مختلف الدول، مع مناقشة فرص التعاون في مجالات الخدمات اللوجستية والزراعة والثقافة والسينما والترفيه.

كانت هذه ثاني زيارة لباونوفي إلى شيآن، وهو مفتون بثقافتها. وبناء على اتصالاته مع الشركات الصينية، اكتشف أنه على الرغم من وجود إمكانيات جيدة للتعاون، فإنها أعيقت بسبب نقص المعرفة بالسياسات الصربية وديناميكيات السوق. لذلك، قام خصيصا بالتعاون مع متخصصين لتقديم برامجهم الموثوقة. إن اهتمام العديد من الزوار في جناح صربيا أثبت بأنها كانت فكرة حكيمة.

الصينيون الذين ولدوا في ستينات وسبعينات القرن الماضي على دراية وإطلاع بالفيلم الصربي "والتر يدافع عن سراييفو" وأغنية الفيلم. وقد قدم مخرج الفيلم إمير كوستوريكا مدينة كراغويفاتش الواقعة في المناطق النائية من أوروبا بهذه الكلمات: "لا يوجد مكان في العالم مثل موطننا ؛ ولا مكان مثله يستطيع عرض سر وسحر صربيا؛ ولا مكان يمتلك ثقافة صربيا المميزة كما تملكه مدينة كراغويفاتش". لقد كان لتلك الرسالة صدى قوي، ولامست قلوب الناس، الصينيين والصرب على حد سواء، وشجعت مدينة كراغويفاتش للتعاون مع الصين لصناعة الأفلام، وجعلتها قاعدة ثقافية للتلفزيون لجذب المزيد من السياح الصينيين والأوروبيين.

مدينة كراغويفاتش هي الشقيقة التاسعة والعشرون لمدينة شيآن، وهي مسقط رأس رئيس صربيا السابق توميسلاف نيكوليتش. وقد حضر إيغور ميتروفيتش عضو مجلس المدينة هذه المرة، وأوضح بعض التفاصيل عن البرامج في مجالات السينما والتلفزيون، والزراعة الحديثة والصناعية والمتنزهات.

وفي الوقت نفسه، قال ماريغا لابوفيتس، الرئيس التنفيذي لمنظمة السياحة الوطنية في صربيا في حوار مع ((الصين اليوم)): "سمحت صربيا للمسافرين الصينيين الدخول بدون تأشيرة، ونحن نأمل بأن يأتي المزيد من الزوار والسياح الصينيين للتمتع بعطلاتهم في صربيا. وبحلول نهاية هذا العام، ستكون هناك رحلات مباشرة بين العاصمة الصربية بلغراد وبكين."

في 15 يناير 2017، دخل الاتفاق الثنائي حول إلغاء التأشيرة بين البلدين حيز التنفيذ رسميا. وبحلول نهاية أبريل 2017، ازداد عدد السياح الصينيين إلى صربيا بنسبة 300%، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2016. تظهر الإحصاءات أيضا أن هذا العدد من الزوار الصينيين حافظ على نمو قوي مزدوج الرقم على مدى خمس سنوات متتالية، منذ عام 2012.

رجل أعمال باكستاني في الصين

صديق ميمون رجل أعمال باكستاني شارك في المعرض في مدينة شيآن للمرة الثالثة. ويبدو أنه أكثر معرفة بالزبائن الصينيين من نظرائه الصربيين.

في موقف A074 في جناح طريق الحرير الدولي، عرض صديق ميمون زينة اليشم الأبيض والحلي النحاسية المزخرفة والمرصعة بالذهب، والمشهورة في مسقط رأسه. هذه الأدوات المنزلية والديكورات المكتبية المصنوعة يدويا ليست رخيصة؛ فمثلا سعر زوج من المزهريات من اليشم الأبيض بطول 30 سم، حوالي 1200 يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات). وحلي النحاس أغلى من ذلك. على سبيل المثال، يصل سعر زوج من مجسم لغزال في نفس الحجم إلى 1800 يوان. قال صديق ميمون: "كل هذه المعروضات النحاسية منحوتة بشكل رائع، ومصنعة ومصقولة ومطلية وملمعة من قبل حرفيين محليين."

صديق ميمون، 36 عاما، من سكان كراتشي، المدينة الأكبر والأكثر اكتظاظا بالسكان بين مدن باكستان. وقد توفي والده منذ زمن بعيد، تاركا وراءه والدته العجوز التي تعيش الآن مع زوجته وثلاثة أطفال. قال: "إن السوق هنا كبيرة جدا والأرباح تنمو عاما بعد عام. الآن تشكل إيرادات مبيعاتي في الصين 70٪ من مبيعاتي الكاملة في السنة!" وأوضح كذلك أن 30% الأخرى تأتي من باكستان والهند وتركيا مجتمعة.

ولتوفير رأس المال البشري، جلب صديق ميمون معه شقيقه الأصغر ومساعد، إلى شيآن هذه المرة. وتم نقل جميع السلع وشحنها عبر الطريق البحري إلى الصين، حيث استغرقت شهرا تقريبا. كانت مدينة قوانغتشو الساحلية، والميناء الشمالي في تيانجين، المكانين اللذين اختارهما صديق ميمون لتفريغ البضائع التي تم نقلها عن طريق البر إلى شيآن. على مدى السنوات الثلاث الماضية، سافر صديق ميمون إلى العديد من المدن الصينية، من بينها إيوو في مقاطعة تشجيانغ، والتي تركت فيه انطباعا عميقا، كما أنها تعد  سوق جملة للسلع الصغيرة الأكثر شهرة في العالم. أوضح صديق: "إيوو مكان جيد ومناسب للقيام بأعمال تجارية، والتعرف على الأصدقاء، وجمع معلومات مفيدة." إلى جانب ذلك، يحب صديق ميمون قوانغتشو وشيآن، وهما مدينتان دوليتان فيهما الكثير من المسلمين من نفس ديانته. قال مازحا: "الطعام فيهما أكثر ملائمة لمعدتي."

كونمينغ في مقاطعة يوننان هي خيار آخر جيد؛ حيث تلقى بضائعه رواجا كبيرا. وكان قد ذهب إلى جزيرة هاينان لعرض بضائعه، ولكن سرعان ما اكتشف أن السياح نادرا ما يقتنون أدوات الزينة والزخارف الثقيلة من الجزيرة إلى مدنهم وبلدانهم. وعندما سُئل لماذا لا يختار مدينة مثل بكين وشانغهاي لعرض بضائعه، أجاب على الفور: "الناس هناك دائما مشغولون وليس لديهم الوقت للتجول في المعارض أو شراء السلع".

بعد ثلاث سنوات من الخبرة، أصبح لدى صديق ميمون فهم جيد للسوق الصينية والعملاء المحتملين. حدثنا عن تجربته قائلا: "الناس في منغوليا الداخلية وهاربين يرغبون في شراء منتجاتنا من زخارف اليشم البيضاء العملاقة وحلي النحاس المطعمة بالذهب، وهم يشيدون بمنتجاتنا من أدوات الزينة والزخرفة الفاخرة، وبطيب خاطر." أما الطبقة الوسطى الصينية المتنامية، التي تتمتع بقوة شرائية هائلة، فقد نجح  رجل الأعمال الباكستاني الفطن، في كسبها كزبائن مستهدفين.

خلال المقابلة، قام صديق ميمون بعملية بيع أخرى، حيث باع زوجا من مزهريات اليشم الأبيض لزبون صيني كان يحاول المساومة لخفض السعر. فقام صديق ميمون، الموهوب الذكي، بإهداء زبونه لوحة يشم صغيرة وباع بنجاح المزهريات بسعرها الأصلي. يبدو أن لديه القدرة على معرفة نفسية وتفكير وميول كل زبون، وهو يفهم أن للعملاء قدرة مالية للشراء، لكن يفضلون تجربة نجاح الشراء بالمساومة على سعر أرخص.

قال ميمون: "لم يتم حساب بيانات مبيعات هذا العام بعد، ولكن آمل أن تكون النتيجة جيدة." وأضاف وهو يتفحص تطبيق ويتشات على هاتفه المحمول: "الصينيون أذكياء جدا لاختراعهم وسيلة الدفع عبر تطبيق ويتشات، الذي يساعدني على بيع السلع والحصول على المال وأنا بعيد في بلدي باكستان."

الانفتاح على العالم

     من بلدان أوربا الوسطى والشرقية الواقعة على طرف آخر من أوراسيا الى الدول المجاورة  الآسيوية، فقد تحولت مبادرة الحزام والطريق من اقتراح إلى واقع بناء، لقي استجابة إيجابية من المزيد والمزيد من الدول.وهو أمر يشهده الجميع. إن توجه التعاون والتنمية المتبادلة يزيد من أهمية المبادرة أكثر مما تتضمنه من أجزاء وبنود، باعتبارها مبادرة استراتيجية للصين أو مسعى اقتصاديا، ويجعلها عملا إنسانيا عالميا قائما على المنفعة المتبادلة والنمو المتبادل. ومما يعزز مصداقيتها أيضا، ذلك النجاح الاقتصادي الهائل الذي حققته الصين والتحول المثير للدهشة والمحفز للعقل، على مدى العقود الثلاثة الماضية.

وتعرض مبادرة الحزام والطريق أيضا فكرة الاستراتيجية الصينية المتمثلة في الانفتاح على العالم على خطوط عرض جديدة على أمل خلق مستقبل أكثر انفتاحا وشمولا مع دول أخرى نحو مستقبل أكثر إشراقا للجميع. فمن ناحية، منذ انتهاج سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين في عام 1978، تدفق كل من رأس المال الأجنبي والتكنولوجيا والخبرات الإدارية والمواهب الى الصين، كعوامل مساهمة أساسية ومنتجة. ومن ناحية أخرى، تركز مبادرة الحزام والطريق على الترابط بين الهياكل الأساسية، وتكامل السياسات واللوائح، والمزيد من الاتصالات بين الأفراد، ومن ثم تيسير تبادل العوامل الإنتاجية الأساسية فيما بين البلدان على طول الحزام والطريق.

ومن الدائرة الاقتصادية لآسيا والمحيط الهادئ إلى المنطقة الاقتصادية الأوروبية، معظم البلدان الواقعة على طول الحزام والطريق من الاقتصادات النامية. وهي تواجه نفس المشاكل التي كانت الصين قد واجهتها وتغلبت عليها في المراحل الأولى من الانفتاح. نفس الظروف تصبح قاعدة واقعية للتعاون المتبادل المنفعة والتنمية المتبادلة. ولذلك، تركز الصين على إنشاء منصة شاملة ومفتوحة لتنفيذ التعاون الإقليمي على نطاق أوسع ومستوى أعلى.

وعلاوة على ذلك، فإن التحول يجلب أيضا فرصا للصين لتحديث مستوى اقتصاد مفتوح ومتنوع. وإلى جانب المنتجات المصدرة عالميا، تفتح الصين أبوابها أمام الاقتصادات الناشئة أيضا، وليس أمام الاقتصادات المتقدمة فقط، وتؤدي منصة التعاون الإقليمي دورا حاسما في السوق العالمية.

وهكذا، فإن سياسة الانفتاح في الصين يتم تجديدها وتحديثها من خلال مبادرة الحزام والطريق، مع تسهيل تجديد حيوية البلاد، في ظل الوضع الطبيعي الجديد للتنمية الاقتصادية، وفي الوقت نفسه تتشاطر الصين حكمة التنمية التي لا تقدر بثمن، مع البلدان والمناطق النامية على طول الحزام والطريق.