السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي تفتح باب كنوز شرقي أفريقيا

لم يكن الحادي والثلاثون من مايو 2017 يوما عاديا في حياة الكينيين. في الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق بالتوقيت المحلي، انطلق أول قطار على السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي، والتي نفذتها شركات صينية، إيذانا ببدء التشغيل الرسمي لهذه السكة الحديدية، وانطلاق التنمية الكبيرة لشرقي أفريقيا في مجال بناء شبكة سكك حديدية وتكامل المنطقة. هذا المشروع، الذي قال عنه موقع (TUKO)  الإلكتروني الكيني: "لم نر مشروعا عظيما كهذا!"، يعتبر أولى ثمار تطبيق مبادرة "الحزام والطريق" وتنفيذ "خطط التعاون الكبرى العشر" لقمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي في جوهانسبرغ.

ولادة السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي

السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي، والتي يعتبرها الكينيون "مشروع القرن"، بلغت استثماراتها 8ر3 مليارات دولار أمريكي، وهي أكبر مشروع منشآت تحتية شهدته كينيا منذ استقلالها. هذه أيضا أول مرة تنفذ فيها الصين مشروع سكة حديدية في الخارج بمعايير صينية شاملة.

المسافة على خط مستقيم بين مومباسا ونيروبي أربعمائة كيلومتر فقط، ومع ذلك كانت الرحلة بين المدينتين تستغرق من عشر ساعات إلى اثنتي عشرة ساعة. بجانب السفر بالطيران المكلف، وسيلة النقل الرئيسية هي الحافلات. الطريق الرئيسي بين المدينتين ذو حارتين ، مزدحم دائما بالشاحنات المحملة بالسلع. في فترة الاستعمار البريطاني، كان هناك خط حديدي عرضه متر يربط بين المدينتين، وقد تهالك منذ تسعينات القرن الماضي. كانت سرعة النقل الحقيقية لا تجاوز ثلاثين كيلومترا في الساعة، ولم يكن ذلك يسد مطالب الشحن. في عام 2012، بلغ إجمالي حجم الشحن على هذا الخط 5ر1 مليون طن فقط، بينما كان الحجم السنوي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي يصل إلى خمسة ملايين طن.

في سنة 2011، وقعت شركة الصين لبناء الطرق والجسور (CRBC) مذكرة تعاون مع الحكومة الكينية، بموجبها تعهد الجانب الصيني ببناء السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي حسب معيار المستوى الأول الصيني لبناء السكة الحديدية. وهذه هي المرة  الأولى التي يتم فيها بناء سكة حديدية يبلغ عرضها 435ر1 متر في تاريخ كينيا، الأمر الذي يساعد كينيا في التخلص من السكة الحديدية القديمة بعرض متر واحد فقط. ووفقا للموقع الرسمي لشركة الصين لبناء الطرق والجسور، تبلغ سرعة القطار في هذا الخط الحديدي 120 كيلومترا في الساعة لنقل الركاب، و80 كيلومترا في الساعة لنقل البضائع. تقلص وقت النقل بين المدينتين من بضع عشرة ساعة إلى أربع ساعات فقط. وفر هذا المشروع  أكثر من ثلاثين ألف وظيفة للكينيين، مع تدريب عدد كبير من الأكفاء المتخصصين في تقنيات السكك الحديدية. وخلال عملية بناء هذا الخط، تم تدريب أكثر من عشرين ألف كيني. ولا يزيد عدد الموظفين الإداريين والفنيين الصينيين عن 2678 موظفا، وهو يمثل عُشر عدد الموظفين الكينيين فقط. وتم تدريب 743 متخصص كيني في إدارة المشروع، بما فيهم أول دفعة من سائقات القطارات في تاريخ كينيا.

خلال بناء هذا الخط، اعتمد كل من السكة الحديدية والقطار على معايير قياسية صينية، كما أن منشآت الدعم صينية الصنع أيضا. نمط المنشآت الداخلية لمحطة نيروبي الجنوبية يشبه المحطة الصينية للقطار الفائق السرعة، فأجهزة الفحص الأمني والبوابات الآلية والآلات الأخرى جميعها صينية الصنع. تقنية "اقتطاع الجبال وبناء الجسور" الصينية، هي التقنية الهندسية الصينية الأكثر إعجابا للأجانب. البيئة الجغرافية على طول هذا الخط معقدة، ومن أجل حماية الحيوانات البرية، لا بد من بناء جسور للسكة الحديدية. وقد بنيت 98 جسرا على هذا الخط،  يرتفع أعلاها 43 مترا فوق الأرض، و يمتد أطولها 215 مترا. قال كثير من الكينيين إنهم لم يروا من قبل خطا حديديا في الهواء، تدعمه مثل هذا العدد الكبير من الأعمدة من الصلب,

دفع التنمية الاقتصادية

حسب التقديرات المعنية، من المتوقع أن تساهم السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي في تنمية الاقتصاد بنسة 5ر1%. ووفقا لتقديرات الحكومة الكينية، سوف يقلل هذا الخط تكاليف النقل في منطقة شرقي أفريقيا بنسبة 79% ويقلل التكلفة التجارية ينسبة 40%، ويوفر نصف وقت النقل، حاليا تجري عملية توسيع ميناء مومباسا، باعتبارها نقطة بداية الخط، على قدم وساق. ومن المتوقع أن ترتفع قدرة التفريغ والشحن للميناء من 19 مليون طن إلى أكثر من 30 مليون طن سنويا، بحلول سنة 2030.

حول تكاليف النقل، قال آتاناس ماينا مدير عام شركة كينيا للسكك الحديدية، إن تكلفة نقل حاوية بحجم 20 قدما من مومباسا إلى نيروبي بهذا الخط لا تتعدى خمسمائة دولار أمريكي، أي أقل بنسبة 30% من التكلفة مقارنة مع نقلها بالشاحنات. انخفاض التكلفة سوف يجذب الشركات ويشجعها على تأسيس مصانع على طول السكة الحديدية، وهذا سوف يدفع تقدم التصنيع في كينيا. مع تحول وسائل النقل من الطرق إلى السكة الحديدية، سوف تتراجع درجة تهالك الطرق ونسبة التلوث بعوادم السيارات. قال آتاناس ماينا: "قطار الشحن يستطيع نقل حوالي 200 حاوية، أي ما يعادل قدرة النقل لمائة شاحنة، وهذا تغير  كبير جدا."

سوف يكون قطاع السياحة من الصناعات المستفيدة من تشغيل هذا الخط. قال وزير السياحة الكيني نجيب بلالا، إنه يتوقع زيادة عدد السياح إلى كينيا إلى الضعف، في السنة المقبلة. هناك كثير من المواقع السياحية على طول السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي، وفي المستقبل، سوف يستطيع السياح، من على متن القطار، مشاهدة الحيوانات البرية في حديقة أمبوسيلي الوطنية وحديقة تسافو الوطنية.

فتح باب كنوز شرقي أفريقيا

قبل حضور "منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي"، قال الرئيس الكيني أوهورو كينياتا: "لا أرى أن السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي يخص نيروبي أو كينيا فقط." هذا الخط سوف يربط بين مناطق شرقي أفريقيا، ويفتح ممرا لقارة أفريقيا، ويساعد القارة السمراء في جذب الاستثمار والتمويل.

تلعب السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي دور "رأس التنين" لشبكة السكك الحديدية في شرقي أفريقيا. في مايو عام 2014، شهد رؤساء كينيا وأوغندا ورواندا وجنوب السودان وغيرهم من قادة دول شرقي أفريقيا، توقيع اتفاقية التمويل للسكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي، ما يجسد الرغبة المشتركة لدول شرقي أفريقيا في دعم بناء "شبكة السكك الحديدية في شرقي أفريقيا".

في أكتوبر 2016، بدأ بناء المرحلة الأولى للسكة الحديدية بين نيروبي ومالابار، وهذا يرمز إلى أن السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي ستمتد من نيروبي إلى الحدود بين كينيا وأوغندا.

كينيا هي منفذ العبور لسلع وبضائع كل منطقة شرقي أفريقيا. السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي سوف تصبح بوابة "شبكة السكك الحديدية في شرقي أفريقيا"، وسترفع فعالية نقل السلع من الميناء إلى المناطق النائية في شرقي أفريقيا، وسوف تدفع تنمية الاقتصاد الإقليمي كثيرا.

حاليا، إسراع تطوير المنشآت الأساسية لمجالات الطاقة والنقل والمعلومات والاتصال، وتحقيق تنمية وتحول الاقتصاد على أساسه، أصبح توافقا لكل أفريقيا.

قال ليما سنبات، مسؤول التحالف الأفريقي للبحوث الاقتصادية، إن الصين هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا، وأصبحت مصدرا رئيسيا للاستثمار الأجنبي المباشر لأفريقيا. التعاون الصيني- الأفريقي في مجالات التجارة والاستثمار والمنشآت التحتية سوف يجلب تغيرا كبيرا ومثمرا لأفريقيا.

يعتقد سنبات أن مبادرة "الحزام والطريق" تتيح مصالح وفوائد كبيرة للدول الأفريقية، وأن الشراكة بين الصين وأفريقيا قائمة على أساس الاحترام المتبادل وطموح الحلم المشترك، وعلى الدول الأفريقية الالتفات إلى الصين من حيث تحقيق التعددية الاقتصادية وبناء التكامل الاقتصادي وبناء النظام السياسي.

مع التشغيل العميق للسكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي، سوف يحقق اقتصاد شرقي أفريقيا التنمية السريعة.

وباعتبارها الثمرة الأولى لتطبيق مبادرة "الحزام والطريق" وتنفيذ "خطط التعاون الكبرى العشر" لقمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقي في جوهانسبرغ، تظهر السكة الحديدية بين مومباسا ونيروبي دورها الإيجابي تدريجيا ، ومع استمرار تشغيلها، سوف تقدم قوة دافعة كبيرة لدول منطقة شرقي أفريقيا، وسوف تظهر للعالم بريقها وتألقها باستمرار.