تهذيب الأخلاق وتقويم الأجساد بألعاب الووشو

تقع مدرسة تيانمو الابتدائية للأطفال المسلمين في منطقة بيتشن في مدينة تيانجين، وتعد هذه المنطقة من أكبر مناطق تجمعات المسلمين في شمالي الصين. تختلف هذه المدرسة الابتدائية عن المدارس العادية، ليس لأنها تقبل الأطفال المسلمين، وإنما لأنها تعلم الأطفال ألعاب الووشو التقليدية منذ صغرهم، وتوفر التعليم الشامل للأطفال.

مدرسة تهتم بالرياضة البدنية

رئيس مدرسة تيانمو الابتدائية مو روي يانغ

هذه المدرسة، التي تشجع طلابها على ممارسة الرياضة البدنية، يرجع تاريخها إلى أكثر من مائة سنة، وتؤكد المدرسة على بناء "أخلاق الووشو" في أذهان الطلبة. ذاعت شهرة مدرسة تيانمو  في تيانجين بل وفي الصين كلها، كونها مدرسة ذات تقليد ممتاز للتدريب على الووشو. فاز طلاب المدرسة عدة مرات بجوائز كبيرة في دورات الألعاب الوطنية للرياضات التقليدية للأقليات القومية. في الدورة الوطنية العاشرة للألعاب الرياضية للأقليات القومية عام 2015، فازت المدرسة بالجائزة الأولى.

يمارس طلاب المدرسة لعبة جيانتسي (عبارة عن كرة لها رأس تصنع من نقود معدنية أو شرائح معدنية يلصق بها ريش طائر، يلعب بها اللاعب بالقدم). فريق طلبة مدرسة تيانمو للعبة جيانتسي فاز بجوائز كثيرة بأدائها الرائع في اللعبة. مو دان، التي قدمت عرضا للعبة جيانتسي في دورة أولمبياد بكين 2008 وحملت الشعلة الأولمبية لهذه الدورة، من أشهر خريجي هذه المدرسة، وفازت ببطولة جيانتسي في دورة الألعاب الرياضية التقليدية في مدينة تيانجين. تعمل مودان حاليا معلمة تربية بدنية في المدرسة، وتدرب الأطفال على لعب جيانتسي.

يدرس الآن في مدرسة تيانمو أكثر من ألف طالب وطالبة. بالإضافة إلى الأطفال المسلمين من قومية هوي، تقبل المدرسة أيضا الأطفال من قومية هان والقوميات الأخرى. يدرس ويلعب الأطفال من مختلف القوميات والخلفيات الثقافية معا، لتشكيل فكرة التعايش بين القوميات والاحترام المتبادل والتنوع العرقي منذ صغرهم. قال مدير مدرسة تيانمو، السيد مو روي يانغ: "تهتم مدرستنا بالاندماج القومي، ونجد أن التعايش القومي بين الأطفال يساعدهم في التعرف على تقاليد القوميات الأخرى، ليعلموا أن لكل القوميات عاداتها وطقوسها الخاصة، يجب أن يحترم بعضهم البعض."

كما قال مو روي يانغ، إن المعلمين في المدرسة يساعدون الطلبة في التعرف على تاريخ القوميات المختلفة وعاداتها، يحفزون الأطفال لأخذ مأكولاتهم القومية إلى المدرسة، كما يشجعون الطلبة المسلمين لدراسة اللغة العربية في المساجد. بهذه الطريقة، يعرف الأطفال أنه مهما كان الزملاء من أي قومية، فلا بد أن يعاملوهم بالمودة والمحبة.

تعليم الأطفال رياضة الووشو

الطلبة يتدربون على الووشو التقليدي في ملعب مدرسة تيانمو بقيادة المعلم مو كاي

بالإضافة إلى لعبة جيانتسي، توفر المدرسة دروسا لتعليم رياضة الووشو التقليدية للطلبة. يقوم المدرس مو كاي بالتعليم والتدريب لهذه المادة. وهو شاب وسيم مستقيم تخرج في جامعة تيانجين للتكنولوجيا، وكان من أعضاء الفريق الوطني للووشو. في عام 2010، أخذ يعمل معلما رياضيا، عاقدا العزم على تعليم الأطفال الووشو التقليدية بنفسه.

قال مو كاي: "الووشو فن صيني عمره مئات السنين. الغرض منه هو تقوية الجسد، أو هو باختصار فن السيطرة على الجسد. ويمكن أن نقول إن نظريات الفلسفة الصينية الشهيرة مطبقة في رياضة الووشو. والووشو تساعد الأطفال في إيجاد الطاقة الداخلية المتمثلة بطاقة العقل ومعرفة الذات." وأضاف: "تعليم الووشو للأطفال له فوائد كثيرة. على سبيل المثال، يعلمهم الأخلاق والصبر والحكمة والتواضع، ويساعدهم في بناء أجسادهم بناء صحيحا لكي يكتسبوا المهارة والقوة، كما يساعدهم على تنشيط أذهانهم وتنمية قدرة الذكاء لديهم وعدم الاعتماد على الآخرين."

بدأ مو كاي تعليم الووشو لتلاميذ الصفوف الرابع والخامس والسادس. في البداية، لم تكن هناك معدات ومخصصات مالية للقيام بتدريب الأطفال. اشترى مو كاي بنفسه بعض المعدات والملابس والأغذية للطلبة، ولم يكن يتقاضى أجرا عن عمله بالتدريب. عرف أولياء أمور التلاميذ أنه يوفر الدروس المفيدة لأولادهم، فزال قلقهم تدريجيا وشجعوا أطفالهم للمشاركة في درس الووشو في أوقات فراغهم. ثم عرف مدير المدرسة أن مو كاي يدفع بنفسه نفقات تدريب الأطفال، فوفر أموالا خاصة له لتأسيس فريق الووشو بالمدرسة. وبفضل هذه الجهود، يتدرب في المدرسة أكثر من مائتي طفل على ألعاب الووشو بمختلف الأنواع، مثل السيف، والسيف العريض، ورقصة التنين والأسد، والملاكمة، والعصي، وغيرها.

قال مو روي يانغ: "لاحظت تحولا كبيرا على الطلبة بعد تدربهم على الووشو. كان هناك بعض الطلبة يصابون بأمراض خفيفة دائما، وكانت أجسادهم ضعيفة، فلا يمكنهم التركيز في الدراسة. بعد ممارستهم الووشو التقليدية، قويت أجسادهم تدريجيا، وتحسنت نتائجهم في الدراسة. كما كان هناك بعض الطلبة الأشقياء يخالفون نظام المدرسة دائما، ولكن بعد ممارستهم الووشو، عرفوا أن روح الووشو تتطلب منهم الالتزام بنظام المدرسة واحترام المعلمين."

مو كاي يعلم طالبا وطالبة استخدام السيف والسيف العريض

قال مو كاي: "على الطالب أن يستوعب نمط وخصائص حركات الألعاب. ويمكن له اختيار ما يحب من الأنواع المختلفة من ألعاب الووشو، بسلاح أو من دون سلاح. على المتدرب أن يستوعب كل أنماط الحركات الصحيحة، وأن لا يخلط بينها. بعض الحركات في الووشو ممتدة وسريعة وقوية، فعلى الطفل أن يتعلمها بدقة. وبالنسبة لبعض الطلبة الأكبر سنا نسبيا، يمكنهم محاولة التدرب ببعض الأسلحة التي تختلف في الشكل والحجم. أيا كان نوع الووشو، فلابد أن يمارسه الطالب بلا كلل. بالمثابرة فقط يمكن تحقيق الهدف." ما أدهش مو كاي هو أن معظم الأطفال يثابرون على ممارسة الووشو. والآن يمارسون الووشو من يومين إلى أربعة أيام كل أسبوع في الدروس الرياضية أو في أوقات فراغهم بعد الدروس.

قال مو روي يانغ، إن المدرسة تود ترسيخ "ووده"، أي أخلاق الووشو، في أذهان الطلبة. كلمة ووشو تشير إلى كل الفنون الصينية للدفاع عن النفس، أما أخلاقها فتشير إلى الفضيلة والتواضع. وقال إن مفهوم "ووده" يتضمن العديد من العناصر الفلسفية والرؤى الشرقية المفعمة بالمحبة، بل يتعلق بجوهر الوجود الإنساني والروح والعقل. وأضاف مو روي يانغ: "مع أن الطالب قد لا يستوعب كثيرا من أخلاق الووشو، لكننا نعلمهم القواعد الأساسية. على سبيل المثال، على كل متدرب أن يقوم بحركة "باوتشيوان"، وهي أن يضع قبضة يده اليمنى في راحة يده اليسرى أمام الصدر. تعني هذه الحركة احترام المعلم وعدم مهاجمة الآخرين، نُعَلِم الطلبة كل هذه المعاني ليعرفوا أن الووشو الصينية ليست أسلوبا قتاليا في نهاية المطاف، بل هي أسلوب لتهذيب الروح وتقوية الجسد. لا نتمنى إلا أن يكون طلابنا سعداء وفرحين."

جمعية تيانمو لنشر الووشو

بالإضافة إلى تعليم الأطفال الووشو التقليدية، يعمل مو كاي على نشر ثقافة الووشو في المجتمع. يعمل مع إخوته لتأسيس "جمعية تيانمو لنشر الووشو". يقوم مو كاي بتعليم الووشو مجانا لنشر روح الووشو التقليدية. يجسد في حركاته خصائص الووشو لقومية هوي، ومنها ملاكمة "باجي". في مسابقة الووشو الوطنية للأقليات القوميات عام 2017، فاز مو كاي بالجائزة الأولى لسيف تشنغبينغ، وملاكمة باجي لفريق الشباب، وأخذ الطلبة للمشاركة في مسابقة الفرق الطلابية. قال موكاي، إن التقاليد الصينية من أروع الكنوز الثقافية في العالم، وإنه يرغب في المساهمة للحفاظ عليها ونشرها إلى أنحاء العالم.