العوامل السلبية في العلاقات الصينية- الأمريكية

قبيل أيام من الاجتماع الثاني عشر لمجموعة العشرين (قمة هامبورغ يومي 7 و8 يوليو)، أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكي دونالد ترامب مباحثات هاتفية تبادلا خلالها الآراء حول العلاقات الثنائية وقمة العشرين وقضية شبه الجزيرة الكورية. وحسب وكالة أنباء ((شينخوا)) الصينية، أكد الرئيس شي للرئيس ترامب أن نتائج هامة قد تحققت في العلاقات بين البلدين منذ اجتماع الرئيسين في إبريل 2017 بمنتجع مار آلاغو بولاية كاليفورنيا الأمريكية. بيد أن السيد شي أشار إلى أن "العلاقات الصينية- الأمريكية قد تأثرت أيضا ببعض العوامل السلبية"، وقال إن بلاده تولي اهتماما كبيرا بتأكيد ترامب على أن الولايات المتحدة الأمريكية ستلتزم بسياسة دولة واحدة للصين، ولكنه كذلك أعرب عن أمل الصين في أن تتعامل واشنطن مع قضية تايوان بشكل مناسب، وفقا لمبدأ "الصين الواحدة" و"البيانات المشتركة الصينية- الأمريكية الثلاثة".

فما هي العوامل السلبية التي أشار إليها الرئيس الصيني؟ وهل يمكن تسويتها أو تجاوزها؟

أولا: تايوان

لعل من أبرز تلك العوامل ما أعلنت عنه وزارة الخارجية الأمريكية في التاسع والعشرين من يونيو 2017، بموافقتها على بيع معدات عسكرية لتايوان تقدر قيمتها بنحو مليار وأربعمائة مليون دولار أمريكي، تشمل دعماً فنياً للإنذار المبكر عبر المراقبة بالرادار وصواريخ وطوربيدات، وتحديثات للأسلحة التايوانية الأمريكية الصنع، بما في ذلك المعدات اللازمة لتحويل الأنظمة الدفاعية الحالية من تماثلية إلى رقمية. صحيح أن الإدارة الأمريكية أعلنت أن مبيعات الأسلحة لا تعكس أي تغيير في سياسة "الصين الواحدة" القائمة منذ فترة طويلة والتي تعترف بجمهورية الصين الشعبية. الصين من جانبها، حذرت في ذات اليوم على لسان سفيرها لدى واشنطن تسوي تيان كاي، من أن مبيعات الأسلحة الأمريكية تقوض الثقة المتبادلة بين البلدين. وقال السفير تسوي إن الصين تعارض دائما بحزم مبيعات الأسلحة إلى تايوان، إذ أنها تنتهك مبدأ "الصين الواحدة" والبيانات المشتركة الثلاثة بين البلدين.

البيانات الثلاثة التي تذكّر بها الصين دائما تمثل الإطار الذي يحكم العلاقات الدبلوماسية بين بكين وواشنطن، وهي: بيان شانغهاي في 28 فبراير 1972، الذي صدر بعد زيارتين إلى الصين قام بهما مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي (آنذاك) هنري كيسنجر تمهيدا لزيارة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون للصين في الحادي والعشرين من فبراير 1972. هذا البيان يعد مرشد العلاقات بين البلدين؛ البيان الثاني هو البيان المشترك لبدء العلاقات الطبيعية بين جمهورية الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية، وصدر في الأول من يناير 1979، وتعترف فيه واشنطن بأن حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة للصين؛ البيان الثالث صدر في السابع عشر من أغسطس 1979، وقد تعهت فيه واشنطن بتقليل مبيعاتها من الأسلحة إلى تايوان وصولا إلى وقف هذه المبيعات تماما.

الحقيقة أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تلتزم أبدا بتعهداتها، وباعتراف كامل منها، فقد قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيزر نويرت في 29 يونيو 2017: "الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بمبيعات دفاعية إلى تايوان منذ نحو خمسين عاماً، ولم يتغير شيء."  كانت آخر صفقة أسلحة أمريكية لتايوان، قبل الصفقة الجديدة، قد وافقت عليها إدارة الرئيس باراك أوباما في ديسمبر 2015، وبلغت قيمتها مليارا وثمانمائة وثلاثين مليون دولار أمريكي.

 ثانيا: بحر الصين الجنوبي

في مساء الثاني من يوليو 2017، اعترضت سفن حربية ومقاتلات صينية، البارجة الأمريكية "يو إس إس ستيثم" (USS Stethem) المزودة بصواريخ موجهة، والتي أبحرت في نطاق اثني عشر ميلا بحريا من جزيرة "تشونغجيانداو، داخل مجموعة جزر شيشا في بحر الصين الجنوبي وقد نددت وزارة الخارجية الصينية باقتراب البارجة الأمريكية من الجزيرة،  معتبرة هذه الخطوة "استفزازا سياسيا وعسكريا خطيرا"، حسبما نقلت وكالة أنباء ((شينخوا)) عن المتحدث باسم الوزارة لو كانغ، الذي أكد أن "الجانب الصيني يدعو بقوة الجانب الأمريكي إلى الكف فورا عن هذا النوع من العمليات الاستفزازية التي تنتهك السيادة الصينية وتهدد أمن الصين"، وأضاف: "إن بكين ستواصل اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للدفاع عن سيادتها وأمنها الوطني."

لقد جاء هذا التصرف ضمن سلسلة متواصلة من سلوكيات تقول واشنطن إن الهدف منها هو إثبات "مبدأ حرية الملاحة" والاحتجاج على سيادة الصين أو أي بلد آخر على هذه الجزر ومياهها، بانتظار التوصل إلى حل دبلوماسي لهذه المسألة.

هذه المرة الثانية التي تقترب فيها سفينة حربية أمريكية من الجزر الصينية في بحر الصين الجنوبي منذ تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية؛ ففي الخامس والعشرين من مايو 2017، أبحرت السفينة الحربية "يو إس إس ديوي" بالقرب من جزر نانشا الصينية. وفي أكتوبر 2016، أجرت الولايات المتحدة الأمريكية مناورات عسكرية في بحر الصين الجنوبي، واتهمتها الصين بمواصلة الأعمال "الاستفزازية" وتهديد سيادة الصين ومصالحها الأمنية. وحثت بكين واشنطن على عدم تقويض الثقة المتبادلة والسلام والاستقرار. وقال تعليق نشرته ((شينخوا)) في ذلك الوقت: "إن واشنطن لطالما ادعت أن ما يسمى بعمليات حرية الملاحة التي يقوم بها الجيش الأمريكي تهدف لحماية الدخول العام إلى المياه والفضاء الجوي وفق القانون الدولي. المثير للسخرية أن واشنطن تدافع دوما عن خطوتها التعسفية بالإشارة إلى القانون الدولي لكنها حتى الآن لم تصدق على ميثاق الأمم المتحدة لقانون البحار الذي يضع نظاما قانونيا وقواعد في المياه الدولية."

الحقيقة هي أن ما يجري في بحر الصين الجنوبي سوف يستمر إلى أن تتضح معالم السيولة القائمة في النظام الدولي والإقليمي الراهن. إنه تنافس بين القوة العظمى الأولى في العالم والتي تشير مؤشرات عديدة إلى تراجع قدراتها، وقوة عالمية صاعدة تكتسب يوما بعد يوم قدرات جديدة. ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية هو أنها تسعى لتطويق الصين في إقليمها بالعديد من المشكلات التي قد تعوق مسيرة تقدمها وانطلاقها إلى خارج هذا الإقليم. ودليل ذلك أنه حتى سبعينات القرن العشرين لم تعترض أي دولة في المنطقة على سيادة الصين على جزر بحر الصين الجنوبي، قبل أن تتغير موازين القوى. الصين تنتهج نهجا حكيما في هذه القضية، وقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال جولته في أوروبا عام 2014، أن بلاده لن تثير أي مشكلة ولكنها ستحمي بثبات حقوقها الشرعية، عندما يصل الأمر إلى السيادة وسلامة أراضيها.

ثالثا: كوريا الشمالية

لعل السؤال الهام هنا، هو: هل هي قضية كوريا الشمالية أو المسألة النووية أم قضية شبه الجزيرة الكورية؟ لا شك أن سلطة الحكم والقدرات النووية لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية جزء من المشكلة، ولكنها يقينا ليست كل المشكلة. هناك أكثر من خمسة وثلاثين ألف فرد من القوات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية ونحو أربعين ألفا في اليابان، وهناك منظومة ثاد الصاروخية التي تنشرها واشنطن في شبه الجزيرة الكورية.

لقد قطعت الأطراف المعنية شوطا طويلا في تسوية هذه القضية، خلال ما عرف بمحادثات الأطراف الستة، التي بدأت عقب انسحاب كوريا الشمالية في عام 2003 من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وضمت بيونغ يانغ وسول وبكين وواشنطن وموسكو وطوكيو، حتى أعلنت بيونغ يانغ انسحابها منها في إبريل 2009، احتجاجاً على إدانة مجلس الأمن الدولي لها عقب إطلاقها لقمر اصطناعي، قالت واشنطن إنه صاروخ.

في ديسمبر 2011، رحل الزعيم الكوري الشمالي كيم دونغ إيل وحل محله ابنه كيم جونغ أون، وبدا واضحا أن الزعيم الشاب الجديد مستعد لاتخاذ مواقف أكثر تشددا من والده.

الصين من جانبها، تحاول أن لا يتدهور الوضع في شبه الجزيرة الكورية، وتبذل جهودا حثيثة لدفع الأطراف المعنية، بما فيها بيونغ يانغ، على تبني حلول دبلوماسية. بيد أن ثمة تصورا أمريكيا، ليس حقيقيا، بأن بكين يمكنها السيطرة على قرارات بيونغ يانغ، استنادا إلى أن الصين هي الرئة التي يتنفس بها الشطر الشمالي من شبه القارة الكورية. هذا التصور يتجاهل حقيقة أن الصين أدانت التجارب الصاروخية والنووية التي أجرتها بيونغ يانغ غير مرة، وأنها تنفذ قرارات مجلس الأمن الدولي "تنفيذا كاملا وفعالا"، حسبما أكد سفير بكين لدى واشنطن تسوي تيان كاي، في 30 يونيو 2017، تعقيبا على قيام وزارة المالية الأمريكية بفرض عقوبات على بنك صيني وشركة صينية وفردين صينيين بزعم مساعدتهم كوريا الشمالية. السفير تسوي قال: "إذا كان هناك أي كيان أو فرد صيني ينتهك عقوبات الأمم المتحدة، فسوف نجري تحقيقاتنا وسنتابع القضية في المحكمة وفقا للقانون الصيني. ولكننا نعارض هذا النوع مما يسمى بسلطة اليد العليا التي يمارسها الجانب الأمريكي."

ومنذ صعود ترامب إلى سدة الحكم الأمريكية، زادت وتيرة المطالبات الأمريكية لبكين للضغط على بيونغ يانغ، في ظل توجه أمريكي واضح للتصعيد في شبه الجزيرة الكورية، إذ أرسلت واشنطن حاملات طائرات لترابط مقابل شبه الجزيرة الكورية، وكتب ترامب تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أكد فيها أن "الولايات المتحدة الأمريكية ليست خائفة من مواجة كوريا الشمالية بمفردها"، ما دعا وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى التحذير في 14 إبريل 2017 من احتمال اندلاع النزاع في أي لحظة، قائلا: "إذا اندلعت الحرب فلن يكون هناك منتصر". وكانت شبه الجزيرة الكورية محل نقاش أيضا في المحادثة الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين شي وترامب في الثالث من يوليو.

ليست هذه القضايا الثلاث هي فقط العوامل السلبية في العلاقات الصينية- الأمريكية، فهناك القضايا التجارية المستمرة بين البلدين، ولكنها تكون غالبا انعكاسا لقضايا أخرى ووسيلة ضغط للوصول إلى مكاسب في ملفات بعينها.

نعود إلى سؤالنا: هل يمكن تسوية أو تجاوز تلك "العومل السلبية"؟ أم أنها يمكن أن تدفع علاقات البلدين إلى مواجهة مفتوحة؟

الواقع أن الصين، بحكمة عمرها خمسة آلاف عام، استطاعت خلال الثلاثين عاما الأخيرة توظيف قدراتها الشاملة في وضع إطار لعلاقات القوى العالمية الكبرى معها، وهو إطار يفرض على صانعي ومتخذي القرار في أي دولة التفكير مليا في أي تصرف طائش تجاه الصين. ففي الحالة التي نحن بصددها، جعلت الصين كل فرد ينتمي إلى أي قطاع أو أي طبقة اجتماعية يقيم على أرض الولايات المتحدة الأمريكية له مصلحة مباشرة وغير مباشرة في تحقيق الحد الأقصى من التفاهم الصيني- الأمريكي. ولنمعن النظر في الحقائق التالية:

في عام 2016، بلغ حجم التبادل التجاري الصيني- الأمريكي 3ر524 مليار دولار أمريكي، مقارنة مع مليارين ونصف المليار دولار في سنة 1979، أي أنه زاد مائتين وتسع مرات. الصين هي أكبر سوق للصادرات الأمريكية خارج أمريكا الشمالية، وهي أيضا من أسرع أسواق التصدير الرئيسية نموا للولايات المتحدة الأمريكية. وخلال السنوات العشر المنصرمة، بلغ معدل النمو السنوي ​​للصادرات الأمريكية إلى الصين 11%، مقارنة مع معدل نمو الصادرات الأمريكية الذي بلغ 4% سنويا في نفس الفترة. الصين حاليا من أهم أسواق المنتجات الزراعية الأمريكية، ففي عام 2016 استوردت من الولايات المتحدة الأمريكية 66ر33 مليون طن من فول الصويا قيمتها 8ر13 مليار دولار. وفي ذات العام، صدرت الولايات المتحدة الأمريكية للصين طائرات ركاب قيمتها 5ر12 مليار دولار (25% من طائرات بوينغ تباع للصين)، وسيارات قيمتها 1ر12 مليار دولار، ودوائر متكاملة قيمتها 7ر9 مليارات دولار، وخدمات قيمتها 9ر86 مليار دولار، وبلغ حجم الفائض التجاري الأمريكي مع الصين في تجارة الخدمات 7ر55 مليار دولار.

في عام 2016 أيضا، أنفق السياح الصينيون في الولايات المتحدة الأمريكية 22ر35 مليار دولار أمريكي، بمتوسط 97 مليون دولار في اليوم الواحد، استفادت منها قطاعات أمريكية مختلفة.

وفقا لتقرير مصلحة الهجرة والجمارك الأمريكية صدر في مايو 2016، يوجد على الأرض الأمريكية حوالي 353 ألف طالب صيني يمثلون 34% من الطلبة الدوليين هناك. وطبقا لتقديرات وزارة التجارة الصينية فإن الطلبة الصينيين الذين يدرسون في الولايات المتحدة الأمريكية حققوا عوائد للمجتمع الأمريكي بلغت 9ر15 مليار دولار في عام 2016.

وبحلول نهاية عام 2016، بلغ إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة الصينية في الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 109 مليارات دولار، تغطي قطاعات الخدمات والتصنيع والعقارات والضيافة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والترفيه والخدمات المالية. ويتجاوز عدد الأمريكيين العاملين لدى الشركات الصينية 141 ألف شخص. الصين توفر للمواطن الأمريكي البسيط سلعة جيدة بسعر معقول.

هذه حقائق، وليست تصريحات أو تصرفات قد يكون الغرض منها دعاية سياسية أو اكتساب شعبية زائفة!

--

أشرف السيد محمد، باحث مصري متخصص في الشؤون الآسيوية.