شينجيانغ تتألق على ضفاف النيل بالقاهرة
عروض تقليدية للغناء والرقص لتقوية العلاقات على مسار "الحزام والطريق"

على أرض وادي النيل وشواطئ البحر المتوسط،، حلت  ألوان وأغاني أرض الغناء والرقص "شينجيانغ" كضيف عزيز على الجمهور المصري لمدة أسبوع. في أيام شديدة الحرارة نظمت السفارة الصينية، والمركز الثقافي الصيني بالقاهرة، مع دار الأوبرا المصرية، مهرجانا ثقافيا لعرض ثقافة منطقة غربي الصين، لتتحول الأيام الخمسة للمعرض إلى نقطة انطلاق نسائم لطيفة، تبعث في الحضور بهجة ومحبة. خلال العروض الثلاثة على دار الأوبرا المركزية في العاصمة القاهرة، ومثليها في مدينة "الأسكندرية" الساحلية الأشهر والأكثر سحرا، تفاعل الجمهور المصري مع الفرق الصينية، التي  استطاعت أن تخطف قلوب الحضور بأغانيها التراثية المعبرة عن القوة والسحر والجمال الطبيعي. عكست الألوان والرقصات مدى غنى التراث الذي تحمله الفرق الفنية، وقدرة الشباب على الحفاظ على غنائهم وتاريخهم الغني على أكتافهم، ليبهروا به كل من يشاهد عروضهم المحترفة شديدة الإتقان.

 قبل أن يدخل الجمهور المصري الغفير إلى قاعة العرض الرئيسية، التي تتسع لنحو 1500 مشاهد، كان عليه أن يتجول في معرض صور أقيم تحت عنوان" شينجيانج متعددة الألوان". يشرح المعرض الثراء الطبيعي الذي تتميز به أراضي شينجيانع من جبال وسهول وأنهار وبحيرات عذبة، وحقولها المتسعة الغنية بكل أصناف الزهور والفاكهة، وخيولها البرية التي تخطف الألباب، ومراعيها الغنية بالنعاج الشهباء. وعلى جانب المعرض نماذج طبيعية للآلات الموسيقية التي  يستخدمها أبناء القوميات المختلفة في منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم. ويدلف الزوار إلى قاعة عرض ملابس قوميات شينيجانغ، التي تظهر جاذبية الأزياء الشرقية والآسيوية، وتعكس ألوانها الزاهية، عمق اختلاط المواطنين بالبيئة، وما تفرزه الأرض من نباتها وزهورها الصفراء كلون الذهب والخضراء كالحرير والحمراء القانية التي يهوى لونها الملوك والأمراء.  وتعكس صور الرقصات التي انتشرت على جدران قاعة الفنان المصري آدم حنين بمركز الهناجر للفن التشكيلي في دار الأوبرا بالقاهرة، التراث العريق، وروح وطبيعة منطقة شينجيانغ، يشهدها المار في القاعة، على 80 لوحة تشكيلية، تعرض رؤية للرمال الذهبية، لصحراء تكلامكان والتي تعد ثاني أكبر صحراء تضم كثبانا رملية متحركة في العالم، وتنتشر بعدها مساحات شاسعة من المزارع التي تنتج حبوب القمح والأرز ويعيش بها ملايين من قطعان الماشية.

 تتميز الملابس التقليدية المعروضة بحملها تراث 13 قومية تعيش في المنطقة من بين 56 قومية تعيش في الصين. ومن أشهر هذه القوميات، الويغور، القرغيز، هان، الروس، والطاجيك. وتشمل عباءات مطرزة وعباءات الرجال المزركشة، المعروفة باسم "توكتشيكمان" ذات الأطراف المزخرفة والقماش الأسود. وضم معرض الآلات 30 آلة موسيقية تقليدية، تشبه إلى حد كبير الآلات العربية مثل الناي والعود والسلامية، والطبل والرق، والدف.

جاء افتتاح العروض في حضور السيدة تسوي يوي ينغ، نائبة رئيس دائرة الدعاية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، التي قالت: "إن مصر والصين ينتميان لحضارات عريقة، وثقافات باهرة، وقدما مساهمات جليلة للبشرية، والجذور التاريخية تعود إلى عمق التاريخ، حيث ربط طريق الحرير بينهما من ألفي عام، والآن تعد مصر منارة هامة على طريق الحرير القديم، وملتقى الحضارات الشرقية والغربية، على محور مبادرة الحزام والطريق، بما تتميز به من تنوع ثقافي واجتماعي وتطور حضاري سريع." واعتبرت السيدة تسوي المعرض فرصة ثقافية ليتعرف الشعب المصري على ثقافة منطقة شينجيانغ التي تقطنها مجموعات مسلمة كبيرة. حضر الافتتاح أيضا وكيل أول مجلس النواب المصري السيد الشريف والدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر الأسبق، وسفير الصين لدى مصر سونغ آي قوه والدكتورة تشن دونغ يون المستشارة الثقافية بسفارة الصين لدى مصر. وقد عبر السيد الشريف عن أمله في أن يسهم المعرض في تقوية العلاقات بين مصر والصين، منوها إلى حرص البرلمان المصري على توقيع الاتفاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. وأكد الشريف أن مبادرة "الحزام والطريق"  والمشروعات المشتركة في ممر قناة السويس يشكلان عمق الشراكة بين مصر والصين، منوها إلى دور الجانب الثقافي في تقوية العلاقات بين الشعوب.

على بعد خطوات من قاعات عرض الأزياء والصور والآلات الموسيقية، تعلو قباب الأوبرا المصرية، التي شهدت التصفيق الهادر للجمهور، مع أول إطلالة للفرقة الصينية على المسرح الكبير، حيث عرضت فقرات غناء وعزف ورقصات مختلفة لمنطقة شينجيانغ. وارتفعت أصوات الفنانين بقوة بما يشبه الغناء الأوبرالي الأوروبي، وبرقة الغناء العربي والهندي، تفاعلت فيها أجسادهم وأنغامهم. شمل العرض الأول رقصا جماعيا لقومية الويغور "سلام كاشغر" لفرقة الرقص والغناء لمسرح فنون شينجيانغ، للممثلين؛ بارهاتي، نيغاتي، رينا عبد الكريم. وتعد كاشغر الواقعة جنوبي منطقة شينجيانغ نقطة لامعة في طريق الحرير القديم، وملتقى الثقافات الصينية والغربية، لذلك يعبر رقصها عن رغبة شباب الويغور في السعي إلى الحب والانفتاح والتفاؤل بالحياة.

وأطرب الجمهور بأغنية القرغيز "نهر بارا" التي شدت بها المطربة تورهان ، حيث تعكس كلماتها العذبة حول العشق تحت أضواء القمر، والعواصف الجياشة تحت السماء الصافية، والجبال الشاهقة، عمق السعادة والسرور التي يعيش فيها أبناء المنطقة عبر العصور. وشهد الجمهور عرضا بهلوانيا لفرقة بهلوانات مسرح فنون شينجيانغ، ورقصة جماعية لقومية الطاجيك، تحت عنوان "الناس أكثر اقترابا من الشمس"، التي تروي علاقة البشر بالسماء الزرقاء والسحب البيضاء والرياح التي تهب على أبناء قومية الطاجيك وهم يعزفون بالمزمار المشكل من عظام الصقور، ويعبرون عن حبهم بالرقص اللطيف، وتقديرهم للحياة السعيدة. وعبرت أغنية " المروج والوردة المحبوبة" التي أداها المطرب من الدرجة الأولى على المستوى الوطني بفرقة الغناء والرقص بمسرح فنون شينجيانغ يارهالي عن قصة الحب الجميلة التي تربط بين الفتاة الجميلة مريم والشاب الوسيم دودور لتخلد للأبد ذكرى عاشقين.

وخطفت أجواء الرقص الجماعي النسائي لقومية الويغور، التي أداها مملثون من الدرجة الأولى على المستوى الوطني بمصاحبة موسيقى فلكلورية تقليدية لأبناء المنطقة، سمع وبصر المشاهدين، وهي تجسد روح كفاح أهل المنطقة المتمثل في حب الحياة والتضامن ومواجهة صعوبات الطبيعة، وخلق حياة جميلة ومنسجمة. وصفق الجمهور بشدة للمطربة تشايهان، كبيرة المغنيات الممتازات بفرقة الرقص والغناء لمسرح فنون شينجيانغ، عند أدائها أغنية "موعد مع المروج" والتي تعبر عن رغبة الحبيبة في السكن مع الحبيب بخيمته المنصوبة بين المروج، لتحكي له عن أشواقها وحبها الباقي في قلبها إلى الأبد.

عبرت رقصة "سلطانية فوق الرأس" الجماعية لنساء قومية الويغور، عن التقارب في فنون الفولكلور بين العرب والصين، حينما حملت النساء الأطباق على رؤوسهن، وظللن يرقصن بما يسمى الرقص الكلاسيكي للقرن العشرين، لإظهار مهارتهن الرائعة وجمالهن الفريد. واختتم العرض الكبير برقصة "مقام طولان" الجماعية لقومية الويغور، الذين يعيشون في حوض نهر يارتشانغ في الصين وابتكروا هذه الرقصة المفعمة بالحياة. وكان العرض قد فاز بالجائزة الخاصة في عروض الاحتفال برأس السنة الصينية التقليدية، التي نظمتها محطة التلفزيون الصينية المركزية في عام 2011.