دول بريكس تعمل معا من أجل مستقبل أفضل

في منتصف يونيو 2017، التقى وزراء خارجية دول بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) في بكين لعقد اجتماع وزراء خارجية بريكس. قبل عشر سنوات، تجلى تعاون بريكس في التعددية القطبية العالمية والعولمة الاقتصادية، فانبلج عصر جديد لتعاون بلدان الأسواق الناشئة. هذا العام، وهو العام الأول من العقد الثاني لهذا التعاون، تولت الصين الرئاسة الدورية لدول بريكس، لذا جذبت هذه الدورة لاجتماع وزراء خارجية بريكس أنظار العالم. أصبحت كيفية قيام الصين بالتعاون مع دول بريكس الأخرى لتعميق الشراكة وخلق المستقبل، موضوعا هاما يلفت أنظار جميع الأطراف.

منذ عشر سنوات، وحسب الاتجاه الذي حدده قادة الدول الخمس، جرى التعاون في مجالات السياسة والأمن، والاقتصاد والمالية، والثقافة، وتم إحراز تقدم هام في هذه المجالات. نشأ التعاون بين دول بريكس من الصفر إلى أن أصبح أشجارا نابضة بالحياة ولعب دورا ملحوظا في الشؤون الدولية. وفقا لإحصاءات صندوق النقد الدولي، في العقد الماضي، ارتفعت نسبة مساهمة اقتصاد دول بريكس في الاقتصاد العالمي من 12% إلى23%، وتواصلت زيادة نسبة مساهمتها للنمو الاقتصادي العالمي حتى وصلت حاليا إلى أكثر من 50%. حاليا، لم يخرج الاقتصاد العالمي من الركود، ودول بريكس ليست استثناء، وتواجه تحديات التنمية أيضا. ولكن إذا قمنا بمقارنة أفقية، نجد أن الزخم الاقتصادي لدول بريكس لا يزال جيدا. أنشأت دول بريكس آليات للحوار والتعاون في مختلف المجالات، بالإضافة إلى اجتماع القمة السنوي لقادة الدول، هناك أكثر من عشرة اجتماعات وزارية، وكذلك مجلس الأعمال، ومجلس مؤسسات الفكر والرأي ، وفريق العمل لخبراء الأمن ولمكافحة الإرهاب، فضلا عن التبادلات والتعاون بين الهيئات التشريعية. وفي المؤسسات المتعددة الأطراف الرئيسية في نيويورك وجنيف وفيينا وغيرها من المدن، أنشأت دول بريكس آلية اجتماع لممثليها الدائمين هناك، لتنسيق مواقفها حول الشؤون الدولية والإقليمية الكبرى.

فيمؤتمر للأمم المتحدة حول التنمية المستدامة، عقد في الثامن عشر من إبريل 2017، قامت دول بريكس للمرة الأولى بإلقاء كلمة مشتركة لتجسيد "صوت بريكس" لدعم التنمية المستدامة، مما يعكس دور دول بريكس في الشؤون الدولية. التبادلات الثقافية بين دول بريكس متنوعة، والتبادلات الودية الشعبين عميقة، الأمر الذي يساهم في توطيد الأساس الاجتماعي والشعبي بين الدول الخمس. تقع دول بريكس في مرحلة مماثلة من التنمية، وتحمل مهمة تاريخية مماثلة، وتهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المشتركة. تعكس آلية بريكس التقدم التاريخي واتجاه التنمية البشرية، وهي صالحة لأن يكون عالمنا أكثر توازنا واستقرارا، وتدفع التعددية القطبية في العالم وديمقراطية العلاقات الدولية وحماية الحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية. من خلال النتائج التي تحققت على مدى العقد الماضي، نجد أن تعاون بريكس في المستقبل لا يزال لديه قوة دافعة داخلية قوية وإمكانات تطور كبيرة، فهذه الدول مازال لديها مساحة واسعة للتعاون.

التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال الاجتماع بوزراء خارجية دول بريكس، وأجرى محادثات ودية معهم. وقد قيّم الرئيس التعاون بين دول بريكس بتحقيق ثلاثة "تجاوزات"، وقال إن آلية التعاون لدول بريكس "لا تخدم الشعوب من الدول الخمس فقط، بل تقدم أيضا وصفة علاج دائمة لحل القضايا الأمنية ومشكلة الغذاء والكساء للعالم." وأشار شي جين بينغ إلى أن تعاون بريكس "تجاوز" النمط التقليدي القديم المتمثل في تشكيل التحالفات السياسية والعسكرية، بل تم تأسيس علاقات جديدة غير منحازة؛ و"تجاوز" العقلية القديمة القائمة على أسس أيديولوجية، لخلق طريق جديد مضيء يتميز بالاحترام المتبادل والتقدم المشترك؛ كما "تجاوز" الأفكار القديمة المتمثلة في أن الفائز يأخذ كل شيئ، وتم تشكيل أفكار جديدة لتحقيق المنفعة المتبادلة والتعاون المربح للجانبين. في السنوات العشر الماضية، تمسكت دول بريكس بالخط الرئيسي للتطور والتنمية، ليس فقط لصالح شعوب دولها، وإنما قدمت وصفة لحل مشاكل الغذاء واللباس والأمن جذريا للعالم كله. يربط بين دول بريكس مصير مشترك.

خلال اجتماعهم، قام وزراء الخارجية بمناقشات مفيدة حول التعاون خلال العقد المقبل وصولا إلى التنمية على المدى البعيد. عبروا في المحافل الدولية، عن وجهات نظر متطابقة أو متشابهة في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، مما يجعل دول بريكس قوة هامة لحماية الإنصاف والعدالة الدولية، وتعزيز السلام والاستقرار في العالم. سوف تواصل هذه الدول الجهود الرامية إلى صون المكانة الأساسية للأمم المتحدة في الشؤون الدولية، وتشجيع التوصل إلى تسويات سياسية للقضايا الساخنة، ومواصلة دعم الدور الذي يلعبه القانون الدولي في الشؤون الدولية، ومواجهة التحديات العالمية مثل الإرهاب وتغير المناخ معا. لا تنسى دول بريكس مقصدها الأول لتعزيز التضامن والتعاون، ومواصلة دفع التعددية القطبية وديمقراطية العلاقات الدولية، وجعل النظام الدولي أكثر عدلا وعقلانية، وتوفير المزيد من المساهمة لتحقيق ازدهار وتقدم المجتمع البشري بـ"حكمة بريكس" و"برنامج بريكس"، ولعب دور إيجابي لبناء رابطة المصير المشترك للمجتمع البشري.

لدول بريكس مصالح مشتركة ومصير مشترك. في الفوضى الحالية التي تسود الوضع الدولي، وتواجهها دول بريكس، يجمع بين هذه الدول رابطة المصير المشترك، فمهامها المشتركة هي الحفاظ على الاستقرار والتنمية الوطنية، وخلق بيئة دولية مواتية، وجعل النظام الدولي أكثر عدالة. ثمة آفاق واعدة للتعاون تنتظر دول بريكس. يمكننا أن نقول إن تعاون بريكس يعكس المتطلبات الجديدة للبلدان الناشئة والتطلعات المشتركة للعلاقات الدولية، وهذا هو الاتجاه الجديد لبناء علاقات دولية جديدة، في تناقض صارخ مع عقلية الحرب الباردة. تتمتع دول بريكس بأساس تاريخي وهوية مشتركة، ويحافظ التعاون بينها على حيويته لتحقيق الفوز المشترك وخلق الأهداف المشتركة والمستقبل الأفضل.

خلال الاجتماع، أعرب وزراء الخارجية عن اهتمامهم بالوضع في الشرق الأوسط، وناقشوا سبل تحقيق السلام والاستقرار والتنمية والازدهار في الشرق الأوسط في أقرب وقت ممكن. على وجه الخصوص، أعربوا عن اهتمامهم بالأزمة في سوريا، مؤكدين أن الحل الوحيد للأزمة السورية في اتباع مبدأ "الشعب السوري هو صاحب الأمر"، ينبغي حماية سيادة واستقلال وسلامة الأرض السورية، لدعم قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 2254(2015). أعرب وزراء الخارجية عن دعمهم لمحادثات جنيف للسلام وعملية أستانا، ورحبوا بإنشاء مناطق تهدئة الصراع في سوريا. وعبروا عن معارضتهم لاستخدام الأسلحة الكيماوية من أي أحد، تحت أي ظرف من الظروف، ولأي غرض من الأغراض. كما أعرب الوزراء عن دعمهم الثابت للنضال العادل للشعب الفلسطيني، وأكدوا على مرجعية قرارات الأمم المتحدة، ومبادئ مدريد ومبادرة السلام العربية والاتفاقات المبرمة سابقا بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، لحل النزاع بينهما من خلال التفاوض العادل والدائم، لتأسيس الدولة الفلسطينية ذات السيادة الكاملة وتحقيق التعايش مع إسرائيل في سلام وأمن، وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.

يعد هذا العام عاما هاما لتعاون بريكس في عملية التنمية. أعربت الصين، بصفتها الدولة المضيفة لهذه الدورة من اجتماع وزراء الخارجية، عن استعدادها لبدء العقد الثاني للتعاون بين دول بريكس. وسوف تواصل التعاون على أساس التوافق مع الدول الأخرى، لتطوير التعاون بنشاط مع الدول الناشئة، وتوسيع آلية "بريكس +" للحوار والتعاون، وبناء علاقات شراكة أوسع، حتى تورق شجرة تعاون بريكس أكثر. في المجال السياسي، تتمسك الصين بـ "الحوار بدلا من المواجهة، والشراكة بدلا من التحالف"، لبناء رابطة المصير المشترك مع الدول في المنطقة، كما تجري التعاون على جميع المستويات في مختلف المجالات مع الدول الأخرى؛ تتخذ الصين الموقف الصحيح تجاه العدالة والمصلحة، وتعزز الوحدة والتعاون مع الدول النامية في آسيا وأفريقيا، لتشكيل إطار كامل للتعاون مع البلدان والمناطق النامية، والارتقاء بالتعاون مع البلدان النامية إلى مستوى جديد.

وفي المجال الاقتصادي، تعمل الصين على تشكيل نمط جديد للتنمية الشاملة. يحافظ اقتصاد الصين على تنمية مطردة ومستمرة في الوضع الطبيعي الجديد، وهذا في حد ذاته يعد مساهمة كبيرة من الصين للتنمية الاقتصادية في العالم. تشارك الصين بشكل كامل في المناقشة والتعاون في إطار الأمم المتحدة من أجل التنمية المستدامة، وتعمل بنشاط على تحديد جدول أعمال للتنمية المستدامة بحلول عام 2030. وفي إطار مبادرة "الحزام والطريق"، تدفع الصين بنشاط مشروعات التعاون المتبادلة المنفعة. وتسعى الصين إلى تعميق التعاون في قدرة الإنتاج الدولية، لتشكيل آلية تعاون تغطي آسيا وأفريقيا وأوروبا والقارة الأمريكية، ونشر نتائج التنمية لتخدم نطاقا أوسع. أسست الصين البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وصندوق طريق الحرير، وبنك بلدان بريكس لتعزيز وتحسين إصلاح الآلية الاقتصادية العالمية؛ تعمل الصين مع دول بريكس معا لبناء العلاقات الدولية الجديدة لتحقيق التعاون والفوز المشترك، وتعزز التنسيق حول القضايا العالمية الرئيسية، من أجل تحقيق السلام العالمي والاستقرار والازدهار؛ تبذل الصين جهودها لتشكيل الشراكة القائمة على التمسك بمفهوم الفوز المشترك، وتدعم التعاون العملي في مختلف المجالات؛ تشجع الصين أبناء مختلفة البلدان، ومن مختلفة الخلفيات الثقافية والتاريخية على التبادل العميق، وتعزيز فهم بعضهم البعض، والعمل معا لبناء رابطة المصير المشترك للمجتمع البشري.

      تدرك الصين وغيرها من أعضاء بريكس أن تعاون بريكس، مثل ركوب قارب في عكس اتجاه تيار المياه، إذا لم يحقق التقدم فسوف يتراجع. على مدى السنوات العشر الماضية، بفضل الجهود المشتركة من دول بريكس، قد حقق تعاون بريكس "ثلاثة تجاوزات"، وفي السنوات العشر المقبلة، على تعاون بريكس أن يتقدم بخطوات جديدة إلى الأمام، وأن يكون أكثر صلابة وأقوى. في سبتمبر 2017، ستعقد في مدينة شيامن بجنوبي الصين، الدورة التاسعة لقمة قادة دول بريكس، حيث سيجري خلالها حوار بين دول الأسواق الناشئة والبلدان النامية. على دول بريكس أن تلعب الدور الدافع للتنمية العالمية، وأن تبذل أقصى جهودها في تحديد جدول الأعمال للتنمية المستدامة بحلول عام 2030.

لقد أثبت الواقع، وسوف يثبت دائما، أن تعاون بريكس لا يخدم الدول الخمس فحسب، بل يخدم المزيد من دول الأسواق الناشئة والدول النامية. وقد قال وزير خارجية الصين وانغ يي للصحفيين في ختام اجتماع وزراء خارجية بريكس، إن دول بريكس ستتمسك بروح دول بريكس المتمثلة في الانفتاح، والتسامح، والتعاون، والفوز المشترك، وتدعو إلى تعايش مختلفة الثقافات وتحقيق المنفعة المتبادلة وتشكيل نماذج التنمية المختلفة وتوسيع "دائرة الأصدقاء" ، للحفاظ على الرفاه والمصالح المشتركة للدول النامية. في ظل الوضع الجديد، على دول بريكس أن تقوم بالتنسيق والتعاون الوثيق لتواجه بشكل مشترك التحديات العالمية. نعتقد أنه بالجهود المشتركة لجميع أعضاء بريكس، سوف يزيد التعاون بينها الرفاه المشترك وترتفع مكانتها ونفوذها في المحافل الدولية. إن الشراكة الودية بين دول بريكس قادرة على فتح مستقبل أكثر إشراقا.