الصين تستعيد عقولها المهاجرة

خلال جولته التفقدية بمقاطعة آنهوي في الثلاثين من إبريل 2017، ألقى الرئيس شي جين بينغ كلمة في لقاء مع مجموعة من العلماء والباحثين والعاملين النموذجيين والشباب، قال فيها: إن المثقف شخص ذو مستوى رفيع في الثقافة ووفرة في المعلومات، وكثير من المثقفين خبراء في مجالات مختلفة، وأكد شي على دور المثقفين في الثورة وبناء وإصلاح وتنمية الصين في مختلف العصور، راجيا أن يواصل المثقفون لعب دورهم الريادي في الإبداع.

تهتم الصين حاليا، أكثر من أي وقت مضى، بدور المثقفين والأكفاء في تنمية الدولة. في فترة الثورة الثقافية (1966- 1976) تعرض المثقفون للإقصاء من جانب مختلف فئات المجتمع. ومنذ تنفيذ سياسة الإصلاح والانفتاح، وخاصة بعد المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، يشدد دائما القادة الصينيون والحكومات من كافة المستويات على دور المثقفين في تنمية المجتمع، وقد شكلوا مفهوما جديدا ذا خصائص صينية حول المثقفين وطوروا استراتيجية جديدة لتوظيف الأشخاص. في غرة يوليو سنة 2016، وأثناء مؤتمر الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والتسعين لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، يوليو عام 2017، قال الرئيس شي جين بينغ إن الصين عليها أن تجمع الأكفاء العالميين معا.

الصين تجذب أبناءها الأكفاء

الحديث عن عودة الأكفاء الذين يدرسون في خارج الصين، لابد أن يتضمن الإشارة إلى تيار الدراسة في الخارج الذي اجتاح الصين في عشرات السنين الأخيرة. في عام 1984، أصدر مجلس الدولة الصيني ((اللوائح المؤقتة حول الدراسة في خارج الصين على النفقة الخاصة))، مما فتح الباب أمام الطلاب الصينيين للدراسة في خارج بلادهم على نفقتهم الخاصة. تدفق الأكفاء الصينيون إلى خارج البلاد لفترة طويلة منذ ذلك الوقت. وفقا لإحصاءات وزارة التعليم الصينية، بلغ إجمالي عدد الصينيين الذين سافروا إلى خارج البلاد للدراسة 815 ألف شخص خلال الفترة من عام 1978 إلى نهاية عام 2004، عاد منهم إلى الصين 198 ألفا فقط، يشكلون 24% من العدد الإجمالي.

عدم رغبة الأكفاء في العودة إلى البلاد، كانت أسبابها ترجع إلى انخفاض مستوى الدخل وتأخر تجهيزات البحث العلمي وضعف الميزانية المخصصة له، وعدم الربط بين البحث العلمي وتطوير المنتجات. ولكن، مع ارتفاع القوة الشاملة للصين وتغير السياسات الصينية حول الأكفاء، بدأت هذه المشكلات تُحل كقد قصبة بحد السيف.

في عام 2007، تمت طباعة ونشر ((الاقتراحات حول بناء الممر الأخضر لعودة الأكفاء رفيعي المستوى من الخارج إلى الصين والعمل فيها)) بالتعاون بين وزارة شؤون العاملين ووزارتي التعليم والعلوم والتكنولوجيا وغيرها من ست عشرة وزارة، حيث تنص على السياسات في الأجور والرواتب وتهيئة معيشة الأبناء والأسرة والسياسة الضريبية التفضيلية لتأسيس المشروعات وغيرها من المجالات، من أجل جذب الأكفاء من خارج الصين للعودة إلى الصين. وبالإضافة إلى ذلك، منذ عام 2008، قررت الحكومة المركزية تنفيذ "برنامج الألف كفء" لمدة خمس أو عشر سنوات من أجل جذب ودعم عودة دفعة من الأكفاء رفيعي المستوى إلى الصين، لتأسيس مشروعات في المجالات الإبداعية الهامة والفروع العلمية الهامة والمختبرات الهامة على المستوى الوطني والمؤسسات والهيئات المالية المملوكة للحكومة المركزية وحدائق تطوير صناعة التقنيات العالية والحديثة، وغيرها من الحدائق الصناعية المختلفة في الصين. حتى الآن، جذب "برنامج الألف كفء" أكثر من ستة آلاف كفء عالي المستوى للإبداع وتأسيس المشروعات.

في الوقت نفسه، أصدرت الوزارات المختلفة والحكومات المحلية سلسلة من الإجراءات، مثل برنامج تشانغجيانغ (نهر اليانغتسي) لمكافأة العلماء، الذي أصدرته وزارة التعليم و"خطة المائة كفء" التي أصدرتها الأكاديمية الصينية للعلوم ومشروع بكين للأكفاء في الخارج و"خطة فنغهوانغ (العنقاء)" لمدينة بكين و"خطة إشراقة الفجر" لمدينة شانغهاي. وجدير بالذكر أن "خطة المائة كفء" التي نفذتها الأكاديمية الصينية للعلوم جذبت أكثر من ألفي كفء ممتاز منذ عام 1994، أكثر من 90% منهم لهم خبرة دراسة وعمل في خارج الصين، ومعظمهم جاءوا من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا.

تشجيع الابتكار العلمي والتكنولوجي

في السابع والعشرين من إبريل 2017، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تحديد الحادي والعشرين من إبريل كل عام يوما عالميا للابتكار العلمي والتكنولوجي، ودعت مختلف الدول إلى دعم "مشاركة الجماهير في ريادة الأعمال والابتكار". إن هذا المفهوم الذي طرحه رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ في منتدى دافوس الصيفي في مدينة تيانجين في سبتمبر عام 2014، قد أصبح معروفا لدى المجتمع الدولي على نطاق واسع.

في السنوات الأخيرة، تضع الصين الابتكار العلمي والتكنولوجي في مكانة هامة، وتعزز استثمارها في الابتكار العلمي والتكنولوجي باستمرار. وفقا للأهداف التي حددها ((المنهاج الاستراتيجي الوطني للتنمية المدفوعة بالابتكار)) الذي صدر في عام 2016، ستدخل الصين صفوف الدول المبتكرة بحلول عام 2020، وستدخل الصف الأمامي للدول المبتكرة بحلول عام 2030، وستصبح دولة قوية في مجال العلوم والتكنولوجيا في العالم بحلول عام 2049 الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.

في الثلاثين من مايو عام 2016، أشار الرئيس شي جين بينغ في المؤتمر الوطني للابتكار العلمي والتكنولوجي، إلى أن "ازدهار العلوم والتكنولوجيا يؤدي إلى ازدهار الأمة، والعلوم والتكنولوجيا القوية تؤدي إلى الدولة القوية"، وينبغي "الإسراع في الابتكار العلمي والتكنولوجي في مختلف المجالات واغتنام الفرصة للتنافس العلمي والتكنولوجي في العالم". هكذا، وضعت الصين مشروعها لبناء قوة علمية وتكنولوجية على المستوى العالمي.

في عام 1999، أصدرت الصين ((اللوائح الوطنية للمكافأة في مجال العلوم والتكنولوجيا)) التي تتضمن الجائزة الوطنية الأعلى للعلوم والجائزة الوطنية للعلوم الطبيعية والجائزة الوطنية للتكنولوجيا والابتكار والجائزة الوطنية للتقدم العلمي والتكنولوجي والجائزة الدولية للتعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا. وبالإضافة إلى هذه الجوائز على المستوى الوطني، أنشأت مختلف القطاعات والحكومات المحلية جوائز العلوم والتكنولوجيا على مختلف المستويات للتشجيع على الابتكار العلمي والتكنولوجي ودفع التقدم العلمي والتكنولوجي للقطاعات والأقاليم.

ومن أجل التشجيع على تحويل ثمار العلوم والتكنولوجيا، اتخذت الدولة إجراءات لزيادة دخول الباحثين منذ عام 2016، وتشجيعهم على الحصول على دخل معقول من خلال تحويل ثمار العلوم والتكنولوجيا إلى منتجات. كل ذلك يهدف إلى دفع تحويل ثمار العلوم والتكنولوجيا الذي يحققها المبدعون والمبتكرون إلى منتجات علمية وتكنولوجية إلى حد أكبر، وإذكاء حماسة الابتكار في التكنولوجيا والمعلومات وتوظيف دور المبدعين في خدمة التنمية الاجتماعية والاقتصادية ودفع تنفيذ استراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار بشكل كامل.

التحول من دولة كبيرة إلى دولة قوية في مجال الأكفاء

الصين دولة كبيرة السكان، فمن ناحية الكمية، يمكن القول إنها دولة كبيرة في مجال الأكفاء. وفقا لبيانات وزارة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي الصينية، بلغ عدد أعضاء الأكاديمية الصينية للعلوم الصينية والأكاديمية الصينية للهندسة الصينية أكثر من 1600 أكاديمي حتى نهاية عام 2015؛ وهناك 172 ألف خبير يتمتعون بالعلاوة الحكومية الخاصة؛ وأكثر من 5300 شخص يتم اختيارهم في مشروع المائة كفء ومشروع الألف كفء على المستوى الوطني؛ و97ر17 مليون شخص حاصلون على أوراق الاعتماد للعاملين التقنيين في مختلف التخصصات.

في نفس الوقت، تجذب الصين الأجانب للعمل في الصين من خلال السياسات المختلفة. حتى نهاية عام 2015، قد بلغ عدد الأجانب الذين يعملون في الصين ويحملون بطاقة العمل، 240 ألف شخص. وتدعو الحكومات المحلية والهيئات العلمية الصينية الأكفاء الأجانب للعمل في الصين لمدة طويلة أو قصيرة، وقد استقدمت بعض الفائزين بجائزة نوبل وعشرات الأكاديميين من الدول المتقدمة وآلاف الأساتذة من الجامعات المشهورة في العالم. في الرابع عشر من مايو 2017، أعلن الرئيس شي جين بينغ في كلمته بحفل افتتاح منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، أن الصين ترغب في تعزيز التعاون مع الدول المختلفة في مجال الابتكار وتشغيل برنامج أعمال الابتكار العلمي والتكنولوجي لـ"الحزام والطريق"، والقيام بأربعة برامج وهي التبادلات الإنسانية في مجال العلوم والتكنولوجيا والبناء المشترك للمختبرات المشتركة والتعاون في الحدائق والمناطق العلمية والتكنولوجية ونقل التكنولوجيا، وستدعو 2500 شخص/ مرة من العلماء الشبان للعمل العلمي في الصين لمدة قصيرة في الخمس سنوات المقبلة وستدرب 5000 شخص/ مرة من عاملي العلوم والتكنولوجيا والإدارة، مع البدء في تشغيل خمسين مختبرا مشتركا.

أمام الصين طريق طويل للتحول من دولة كبيرة إلى دولة قوية في مجال الأكفاء. كما قال ياو تشي تشي رئيس معهد علوم المعلومات المتعددة التخصصات، "من أجل تحقيق هذه الهدف، لا بد أن نجعل العلماء يعتقدون أن العودة إلى الصين أفضل اختيار لهم."