اللاعبون الصينيون بعد الاعتزال

تعتبر الصين من أنجح دول العالم في الرياضة، ومنذ فترة طويلة، جاء ترتيب الصين ضمن المراكز الثلاثة الأولى من حيث الميداليات الذهبية للدورات الأولمبية الصيفية. في أولمبياد بكين 2008 احتلت المركز الأول، وفي أولمبياد لندن 2012 احتلت المركز الثاني. مع التطور السريع للرياضة الصينية، حقق كثير من الرياضيين الصينيين ميداليات ذهبية لوطنهم في السنوات الماضية، قبل أن يعتزلوا ساحات المنافسة. فماذا يفعل اللاعبون المعتزلون حاليا؟

في السابق لم يكن أمام اللاعب المعتزل إلا أن يكون مدربا. ولكن، مع نمو الاقتصاد الصيني تنوعت المهن التي يمارسها الرياضيون بعد الاعتزال، فمنهم من يعمل في التجارة أو قطاع الترفيه والتسلية والإعلام والفن، الخ

الرياضة اختيار إلى الأبد

خلال فترة أولمبياد بكين، كانت دنغ يا بينغ الفائزة بأربع ميداليات ذهبية لكرة الطاولة في دورتين أولمبيتين وجها مألوفا في المؤتمرات الصحفية.

في عام 1997، قررت دنغ يا بينغ، التي تربعت على عرش التصنيف العالمي ثماني سنوات، الاعتزال عن كرة الطاولة، وتقدمت لدراسة اللغة الإنجليزية في جامعة تشينغهوا المشهورة في الصين. لم تكن بطلة العالم تعرف كتابة حروف الإنجليزية، ولم تكن تفهم ما يقوله الأساتذة في المحاضرات، فتسجلها وترجع إلى القاموس تبحث كلمة كلمة. كانت تقضي أربع عشرة ساعة كل يوم في الدراسة، وبعد أشهر من الجهود حققت تقدما عظيما. في أوائل عام 1998 ذهبت دنغ يا بينغ في بعثة إلى جامعة كمبردج البريطانية لمواصلة دراسة اللغة الإنجليزية، فبدأت مرحلة شاقة للدراسة خارج البلاد. بسبب ضعفها في اللغة الإنجليزية، بذلت دنغ يا بينغ جهودا مضاعفة حتى حصلت على شهادة الليسانس. اجتهدت دنغ في الدراسة حتى نالت درجة الماجستير من معهد بحوث القضايا الصينية المعاصرة بجامعة نوتينغهام البريطانية، قبل أن تحصل على درجة الدكتوراه بقسم اقتصاد الأرض بجامعة كمبردج البريطانية عام 2008.

كتب خوان أنطونيو سامارانش، رئيس الجنة الأولمبية الدولية السابق، في مقدمة رسالة الماجستير لدنغ يا بينغ: العالم يفتح أبوابه لك، إذ كان لديك المفتاح!

في فبراير عام 2003، عادت دنغ يا بينغ من جامعة كمبردج لتعمل في قسم التسويق للجنة المنظمة لأولمبياد بكين، وهو عمل أتاح لها جمع مادة عملية لأطروحة الدكتوراه التي كانت تعد لها. كانت تعي جيدا أهمية أولمبياد 2008 لتطور الاقتصاد الصيني، واعتبرت الصعوبات التي تواجهها في العمل تحديا جديدا.

مقارنة مع اللاعبين المعتزلين الآخرين، دنغ يا بينغ ليست الأعلى منصبا ولكنها الأفضل تعليما. كانت تعمل بعد اعتزالها نائبة رئيس لقسم القرية الأولمبية التابع للجنة بكين المنظمة للألعاب الأولمبية ونائبة لمدير مركز إدارة التجهيزات التابع لمصلحة الدولة العامة للرياضة ونائبة لعصبة الشبيبة الشيوعية الصينية بمدينة بكين ونائبة لرئيس دار صحيفة الشعب.

في التاسع من يونيو 2016، أعلنت دنغ يا بينغ استقالتها من منصب نائبة الأمين العام لدار صحيفة الشعب. وفي التاسع والعشرين من أكتوبر 2016، تأسس صندوق دنغ يا بينغ للاستثمارات في الرياضة في مقاطعة خنان، ويعد هذا الصندوق أول صندوق رياضي يحمل اسم لاعب مشهور، وتعمل دنغ يا بينغ على مواصلة بذل جهودها لقضية الرياضة الصينية.

رجال وسيدات أعمال

لي نينغ، الذي أشعل الموقد الأولمبي الرئيسي بعد أن طاف بسقف ملعب عش الطيور في حفل افتتاح أولمبياد بكين، حاصل على ثلاث ميداليات ذهبية في أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984، وقبل اعتزاله سنة 1988 فاز بأكثر من مائة ميدالية ذهبية في مسابقات متعددة حتى حمل لقب "أمير الجمباز" في الصين. الآن لي نينغ يمتلك شركة قيمتها 8ر1 مليار دولار أمريكي، هي شركة لي نينغ المحدودة (Li Ning Co.)، وقد أصبح عملاقا تجاريا بين اللاعبين الصينيين المعتزلين.

في أواخر ثمانينات القرن الماضي، كان معظم اللاعبين المشاهير يتجهون إلى التدريب بعد اعتزالهم أو يصبحون مسؤولين في مجال الرياضة، ولكن لي نينغ اختار النزول إلى نهر التجارة وأصبح مساعدا خاصا لمدير عام شركة جيانليباو. في سنة 1990 أسس لي نينغ شركة للمنتجات الرياضية تحمل اسمه. وبعد جهود عشرين سنة تقريبا، صارت "لي نينغ" ماركة مشهورة للمنتجات الرياضية في الصين وانضم لي نينغ إلى قائمة الصينيين الأكثر ثراء.

سُجلت شركة لي نينغ في بورصة هونغ كونغ في عام 2004، مما يرمز إلى أن هذه الشركة التي تعد أول شركة صينية للمنتجات الرياضية دخلت مرحلة جديدة للتطور في السوق العالمي. وفقا للجدول المالي لشركة لي نينغ، وصل دخلها الإجمالي إلى ثمانية مليارات يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات) في حين بلغ ربحها الصافي 643 مليون يوان في عام 2016.

لي شياو شوانغ، الحاصل على ذهبية فردي الرجال للجمباز في أولمبياد أتلانتا، أسس شركة للمنتجات الرياضية في عام 1996. وفي سنة 1988 أنشأ لو يون، الفائز بذهبية حصان القفز في أولمبياد سيول 1988، شركة للتسويق الرياضي. يانغ شي، لاعبة منتخب الصين الفائز ببطولة العالم للكرة الطائرة عام 1981، أصبحت بعد اعتزالها في سنة 1982 صاحبة شركة للوساطة العقارية. وأقامت تشوانغ يونغ، صاحبة ذهبية السباحة الحرة 100م للنساء في أولمبياد برشلونة عام 1992، شركة إعلانات. وأسست يانغ ون يي الفائزة بذهبية السباحة الحرة 50م للنساء في برشلونة شركة للدعاية والإعلام الرياضي وفتحت نادي سباحة يحمل اسمها.

العمل بالتدريب

يعمل في مجال التدريب عدد كبير من الرياضيين الصينيين المعتزلين.

عندما كانت لانغ بينغ لاعبة في منتخب الكرة الطائرة الصيني، ساعدت الفريق في الفوز ببطولات عالمية خمس مرات، وحملت لقب "المطرقة الحديدية"، فكانت فعلا أسطورة في تاريخ الرياضة الصينية. خلال ثمانينيات القرن الماضي، كان منتخب الكرة الطائرة نموذجا لمختلف القطاعات في الصين، لدرجة أن صورة لانغ بينغ وهي تضرب الكرة وصورة منتخب الكرة الطائرة للنساء ظهرت على طوابع البريد والنقود والأوسمة التذكارية.

في عام 1985، اعتزلت لانغ بينغ، ولكنها ظلت تمارس أعمالا لها علاقة بالكرة الطائرة. في عام 1989 سافرت لانغ بينغ إلى إيطاليا لتلعب في أحد الأندية هناك. وفي عام 1990، عادت إلى الفريق الصيني للمشاركة في الدورة الحادية عشرة للبطولة العالمية للكرة الطائرة المقامة في بكين، وساعدت الفريق الصيني في الفوز بالميدالية الفضية.

بدأت لانغ بينغ مسيرتها مع التدريب منذ تسعينيات القرن الماضي. في عام 1995، عادت لانغ بينغ إلى الصين لتدريب فريق الصين للكرة الطائرة للنساء الذي كان وقتئذ مصنفا في المرتبة الثامنة عالميا. بعد سنة ونصف حصل هذا الفريق بقيادتها على الميدالية الفضية في أولمبياد أتلانتا عام 1996. وفي عام 1998، حصل على الميدالية الفضية في بطولة العالم للكرة الطائرة، قبل أن تتركه لانغ بينغ.

في عام 2005، تولت لانغ بينغ تدريب المنتخب الأمريكي للكرة الطائرة للنساء. ففاز بالميدالية الفضية بقيادة لانغ بينغ في أولمبياد بكين عام 2008. لم تفكر لانغ بينغ قبل وصولها إلى بكين مع الفريق الأمريكي أن نتيجة المنتخب الأمريكي بقيادتها قد تغضب الجمهور الصيني. ولكن، انهالت الانتقادات الموجهة ضدها على الإنترنت، وقال بعضهم: "لقد فقدت لانغ بينغ روحها الوطنية".

عادت لانغ بينغ إلى الصين مرة أخرى في عام 2009، حيث تولت تدريب فريق قوانغدونغ هنغدا، في إبريل من عام 2013، تم اختيار لانغ بينغ لتدريب منتخب سيدات الصين للكرة الطائرة، ففتحت صفحة جديدة لهذا الجيل للمنتخب الصيني. في بطولة كأس العالم للكرة الطائرة 2015، ساعدت لانغ بينغ فريقها للعودة إلى قمة العالم مرة أخرى، بفضل خبرتها الدولية وأسلوبها في التعامل مع اللاعبات.

في يوم 21 من أغسطس عام 2016، نجح المنتخب الصيني للسيدات في تحقيق ذهبية الكرة الطائرة في المسابقة النهائية في أولمبياد ريو أمام صربيا تحت قيادة لانغ بينغ.