منتدى الحزام والطريق يفتح مجالا جديدا للتعاون الصيني- العربي الشامل

،أولا

بعد انعقاد "منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي" في بكين في أواسط مايو 2017، أتيحت لي فرصة أن أقوم بزيارة استطلاعية لمصر وغيرها من الدول والمناطق، حيث شعرت بالاهتمام البالغ من الدول والمناطق التي تشهد تغيرات عميقة، بـ"منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي". وخلال التبادلات، أعرب الموظفون الحكوميون ومسؤولو جامعة الدول العربية والعلماء عن إعجابهم بنتائج هذا المنتدى، فهم يرون أنه جمع مسؤولين حكوميين وخبراء وعلماء وشخصيات أعمال وشخصيات من الهيئات المالية ووسائل الإعلام وغيرها من مختلف الأوساط من أكثر من 110 دول، ومسؤولين وممثلين من أكثر من 60 منظمة دولية، وتم فيه تلخيص الأعمال خلال الأربع سنوات الأخيرة للبناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، وأن المؤتمر مثّل رابطا بين الماضي والمستقبل، حيث أنشأ معلما تاريخيا جديدا في المسيرة العظيمة لبناء رابطة المصير المشترك للبشرية، التي تدعو الصين إليها، وتوصل إلى مزيد من التوافق، وتوضيح اتجاه التعاون ودفع تنفيذ المشروعات، بينما تم تحسين الأنظمة الداعمة وصياغة خطة التعاون في المستقبل. وأشارت النتائج المختلفة للمنتدى بوضوح إلى الربط بين بناء "الحزام والطريق" والدول الواقعة على طول الحزام والطريق والاستراتيجيات المختلفة دوليا وإقليميا للتنمية، مما يتيح فرصة جديدة للتعاون بين الجانبين الصيني والعربي، ويجعل رؤية الجانبين في إقامة التعاون بينهما في المستقبل أكثر وضوحا.

"مبادرة الحزام والطريق تمس أوتار القلب"، جملة قالها صديق عربي وتركت انطباعات عميقة في ذهني. ورثت مبادرة "الحزام والطريق" روح طريق الحرير القديم التي تربط الأمتين العريقتين الصينية والعربية، بينما تواكب تيار العصر وتلائم قوانين التنمية وتتفق مع مصالح الدول المختلفة، وتتمتع بآفاق واسعة. في كلمته التي ألقاها في هذا المنتدى، والتي حملت عنوان ((يدا بيد لدفع بناء "الحزام والطريق"))، أشار الرئيس الصين شي جين بينغ إلى أن هناك "عجزا" في مجالات السلام والتنمية والحوكمة، الأمر الذي يؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد والفوضى الناجمة عن الحروب والنزاعات والإرهاب وأزمة اللاجئين وغيرها من "قائمة المشكلات". وقال إن البشرية تواجه الموضوع الهام المتمثل في اتجاه التطور. ولا شك أن هذه الجملة تنطبق على منطقة الشرق الأوسط، وتثير تفكيرا عميقا. يرى الخبراء أن المعالجة الشاملة للمشكلات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، تكمن في التنمية. إن بناء "الحزام والطريق" لا يحقق الازدهار المشترك اقتصاديا فحسب، وإنما أيضا يحقق التواصل بين قلوب الشعوب من خلال التبادل والاستفادة الثقافية المتبادلة لجعل العلاقات بين الدول المختلفة أكثر تناغما. ويحمل بناء "الحزام والطريق" تطلع البشرية للسلام والاستقرار وسعيهم للتنمية المشتركة والحياة الجميلة، ويشير إلى الاتجاه الصحيح لتنمية وتقدم العالم.

ثانيا،

حظي بناء "الحزام والطريق" باستجابة طيبة من الأطراف المعنية، ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أنه يواكب تيار العصر المتمثل في السلام والتنمية، ويرشد العالم القابع في حيرة وصعوبة إلى طريق مضيئ. وفي إطار التعاون الدولي لبناء "الحزام والطريق"، فإن تمسك الأطراف المعنية بمبادئ التشاور المشترك والبناء المشترك والاستفادة المشتركة، ومواجهة التحديات التي تواجه اقتصاد العالم يدا بيد، هو اختيار حكيم. وأعرب الرئيس شي جين بينغ بوضوح في كلمته التي ألقاها في المنتدى عن أن الصين ستدفع إصلاح جانب العرض بنشاط في المستقبل، لتحقيق التنمية المستدامة، وضخ قوة جبارة لـ"الحزام والطريق"، لجعل "الحزام والطريق" دربا للسلام والازدهار والانفتاح والابتكار والحضارة، وتقديم فرصة جديدة لتنمية العالم. إن ذلك يمثل الأمنية الجميلة لمختلف الدول في التنمية المشتركة، كما يجسد حكمة الصين قي التغلب على التحديات وخلق المستقبل المشرق.

إن قوة الفكرة الصحيحة تتجسد في الممارسة. وخلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2016، بلغ إجمالي حجم التجارة بين الصين والدول الواقعة على طول الحزام والطريق ثلاثة تريليونات دولار أمريكي. وتجاوز إجمالي الاستثمارات الصينية في الدول الواقعة على طول الحزام والطريق خمسين مليار دولار أمريكي. وأقامت الشركات الصينية أكثر من خمسين منطقة اقتصادية وتجارية للتعاون في أكثر من عشرين دولة وخلقت مائة وثمانية ألف وظيفة، وحقق مليارا ومائة مليون دولار أمريكي من الضرائب للدول المعنية. أتاح هذا المنتدى منصة لاستعراض "خطة التنمية" لصياغة مستقبل مزدهر جميل للبشرية بشكل أوضح: بناء نمط جديد للعلاقات الدولية يتمحور حول التعاون والفوز المشترك؛ وتعميق التعاون الصناعي وتركيز القوة على تعزيز المواصلات البرية والبحرية والجوية والشبكية؛ وصيانة وتطوير الاقتصاد العالمي؛ وبناء "طريق الحرير الرقمي للقرن الحادي والعشرين"، وتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بجهود مشتركة.

كما أعلنت الصين عن زيادة الدعم المالي لبناء "الحزام والطريق"، بتقديم مائة مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات) كمبلغ إضافي لصندوق طريق الحرير، وتشجع المؤسسات المالية من أجل تحفيز أعمال الصناديق الخارجية ليصل حجمها إلى حوالي ثلاثمائة مليار يوان. وسيقدم بنك التنمية الصيني للتنمية وبنك التصدير والاستيراد الصيني قروضا تقدر قيمتها بمائتي وخمسين مليار يوان و130 مليار يوان، كل على حدة، لدعم التعاون في مجالات بناء البنية التحتية والطاقة الإنتاجية والأعمال المالية في إطار "الحزام والطريق". كما أعلن الجانب الصيني أن الصين ستقيم معرض الصين الدولي للواردات اعتبارا من عام 2018. وأضاف المنتدى قوة جديدة إلى الاقتصاد العالمي، حيث يدفع تطوره نحو الانفتاح والتسامح والمنفعة العامة والتوازن والفوز المشترك. وقد أعلن الجانب الصيني عن توفير مساعدات مالية بقيمة ستين مليار يوان للدول النامية والمنظمات الدولية المشاركة في بناء "الحزام والطريق" خلال السنوات الثلاث المقبلة، وتقديم مساعدات غذائية طارئة بقيمة ملياري يوان للدول النامية الواقعة على طول الحزام والطريق، وتقديم مليار دولار أمريكي لصندوق تعاون الجنوب- الجنوب، وتنفيذ سلسلة من المشروعات وتأسيس مشروع مائة أسرة سعيدة ومائة مشروع لمساعدة الفقراء ومائة مشروع لعلاج المرضى للدول الواقعة على طول الحزام والطريق، إضافة إلى توفير مليار دولار أمريكي للمنظمات الدولية المعنية لتنفيذ المشروعات التعاونية التي تفيد الدول الواقعة على طول الحزام والطريق. ومن أجل بناء "جسر الصداقة" للتواصل بين قلوب الشعوب، ستستقبل الصين خلال السنوات الخمس المقبلة 2500 من العلماء الشبان لإجراء بحوث علمية وتدريب خمسة آلاف متخصص في التكنولوجيا والإدارة وتشغيل خمسين مختبرا مشتركا، وإجراء تبادلات علمية وإنسانية وإنشاء مختبر مشترك والتعاون في حدائق ومناطق العلوم والتكنولوجيا ونقل التقنيات، وبناء شبكة تعاون بين المنظمات الشعبية وإنشاء اتحاد التعاون الصحفي واتحاد التعليم الموسيقي ومنصات جديدة أخرى للتعاون الإنساني. وخلال هذا المنتدى، وقعت الصين اتفاقيات تعاونية اقتصادية وتجارية مع أكثر من ثلاثين دولة. وإن هذه الأرقام المذكورة تعكس الطاقة الجديدة للتنمية التي تأتي بها مبادرة "الحزام والطريق" للعالم، كما تعرض للعالم عزيمة الصين والأطراف المختلفة ونيتها الصادقة لخلق المنتجات العامة العالمية، مما يؤكد أن "حلم الصين" و"حلم العالم" مترابطان.

ثالثا،

"إن زهرة واحدة لا تصنع الربيع، لكن مائة زهرة متفتحة تملأ الحديقة كلها بأجواء الربيع." مبادرة "الحزام والطريق" أطلقتها الصين، ولكنها من أجل العالم كله؛ وهي ليست عزفا منفردا للصين؛ وإنما سيمفونية للأطراف المختلفة. وفي عملية البناء المشترك لـ"الحزام والطريق"، كل الدول، ومن ضمنها الدول العربية، مشاركة ومساهمة ومفيدة على قدم المساواة. وترحب الصين باشتراك دول العالم، ومنها الدول العربية، للمشاركة في التعاون الدولي لـ"الحزام والطريق" بنشاط، وجعل مبادرة "الحزام والطريق" مفيدة لمختلف الدول.

هناك اتفاق عام بين الخبراء الصينيين والعرب حول مستقبل بناء الحزام والطريق، إذ يرون أن التعاون الصيني- العربي في بناء البناء المشترك للحزام والطريق، بفضل العقيدة التاريخية لطريق الحرير، يتمتع بمصادر عميقة وأساس ثابت، وأن لدى الجانبين رغبة شديدة، ويتخذ كل منهما الطرف الآخر كشريك تعاوني طبيعي. وتركز مبادرة "الحزام والطريق" على التنمية وتنطلق من الانفتاح وتسعى إلى الفوز المشترك، وتتفق مع الحاجة الملحة للجانب العربي في تعزيز التواصل والترابط والتعاون المتبادل المنفعة، وتتفق مع مصالح التنمية الطويلة المدى للدول المختلفة. بين الصين والدول العربية تكامل قوي في التنمية، ولهما مصالح مشتركة للتنمية. ويمكن للجانبين أن ينسقا السياسات استفادة من المفاهيم والمبادئ وطرق التعاون لـ"الحزام والطريق" للربط بين استراتيجيات التنمية وتعميق التعاون الفعلي، وتحقيق مزيد من ثمار التعاون وفوائد التنمية للدول والشعوب. وأكد بعض الخبراء العرب على أن العالم العربي حلقة هامة ومركز "للحزام والطريق"، وأنه لا ينبغي أن يكون ممرا بين الشرق والغرب فحسب، بل يجب البحث الجيد في الربط بين استراتيجيات التنمية للدول العربية ومبادرة "الحزام والطريق"، وزيادة القوة المحركة والقوة الحيوية للتنمية. مثلا، إن بناء مشروع تنمية محور قناة السويس المصري وتنفيذ "رؤية المملكة 2030" السعودية وغيرهما من خطط التنمية لدول الخليج يمكن إسراع في عملية بنائها اغتناما لقوة "الحزام والطريق"، بينما يمكن أن تصبح نقطة الارتكاز لبناء "الحزام والطريق". وأكد بعض الخبراء على أهمية التعاون في مجال التمويل، والربط العضوي بين صناديق الثروة السيادية للدول العربية والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وتحقيق التنمية المشتركة والازدهار المشترك اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، والقضاء على الفقر في أسرع وقت ممكن من أجل تجريف التربة التي يعتمد بقاء الإرهاب عليها.

الآن، تحول بناء "الحزام والطريق" تدرجيا من مرحلة "عبور النهر بتحسس الحجارة" إلى مرحلة جديدة، حيث تشكلَ الإطار الأساسي وصار طريق العمل أكثر وضوحا والاتفاق على التعاون أوسع وثمار البناء أوفر. إن اتخاذ التنمية كالمفتاح العام في بناء نمط جديد للعلاقات الدولية يتمحور حول التعاون والفوز المشترك مع تعميق التبادل والاستفادة المتبادلة للحضارة سيضع أساسا ثابتا للسلام الدائم؛ وإن اتخاذ الانفتاح كالاتجاه المرشد واتخاذ الابتكار كقوة محركة سيكشفان عن قوة دافعة جديدة للتنمية وفتح فضاء جديد للتنمية لبناء رابطة التنمية المشتركة للمشاركة في السراء والضراء وإكمال وتحسين الحوكمة الاقتصادية العالمية، كي تتقاسم كل الشعوب التي تشارك في بناء "الحزام والطريق" ثمار التنمية بشكل متكافئ، وتحقق الازدهار المشترك.

في هذا العصر الذي يسوده الاعتماد المتبادل بين الدول المختلفة والتحديات العالمية المتلاحقة، يصعب على دولة واحدة أن تحسن نفسها بقوتها الذاتية، ولا يمكن حل المشكلات التي تواجه العالم. كما قال السيد أنطونيو غوتيريس أمين عام الأمم المتحدة، إن مبادرة "الحزام والطريق" رؤية تهدف إلى تنمية العالم، ويمكن أن تدفع التنمية العادلة والمنصفة للدول الأعضاء وتعزز الرخاء لشعوب الدول المختلفة. وتلعب الصين أهم دور في قضية تعددية الأطراف في العالم، وتركز قوتها على معالجة عدم التوازن في التنمية وصعوبة الحوكمة والفجوة الإلكترونية والفجوة في التوزيع وغيرها من المشكلات، لبناء العولمة الاقتصادية المتسمة بالانفتاح والتسامح والمنفعة العامة والتوازن والفوز المشترك. إننا نسلك طريقا مفعما بالأمل. وطالما نتقدم إلى الأمام يدا بيد، سنستقبل الغد الجميل وستكون قضيتنا اليوم ميراثا للأجيال القادمة وسوف تكون مصدر سعادة لخلفنا.

انطلاقا من منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي، يندمج حلم الصين مع حلم العالم، وستجتمع القوة المحركة الجبارة للتعاون والفوز المشترك لخلق مستقبل أكثر إشراقا لتنمية البشرية. ويتطلع الناس إلى الدورة الثانية لـ"منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي" في عام 2019، والتي ستحقق نتائج أوفر.