تربية علماء المستقبل تبدأ في الروضة

في غرفة دراسية بروضة الأطفال الثالثة التابعة للأكاديمية الصينية للعلوم في منطقة هايديان ببكين، يركض الأطفال بسرور خلف لعبة سيارة صغيرة. الحقيقة أن السيارة الصغيرة هذه ليست عادية، فإذا أمعن الأطفال النظر لوجدوا أن السيارة لا تتحرك إلا إذا سقطت عليها أشعة الشمس!

الأطفال الذين صاحوا مهللين "هذا سحر حقيقي"، سألوا: "لماذا لا تتحرك السيارة إلا مع أشعة الشمس؟" الإجابة هي: "لأنها تعمل بالطاقة الشمسية. كان هذا المشهد في أحد دروس تعليم معارف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وكيفية إنتاج الكهرباء بهذه الطاقات النظيفة. تولى الشرح للأطفال، البروفيسور جين كوي من مركز بحوث الفيزياء بالأكاديمية الصينية للعلوم. السيد جين ليس فقط ضمن "القائمة الوطنية للأكفاء الشبان الألف"، وإنما أيضا باحث خاص في "برنامج الأكفاء المائة" لمركز بحوث الفيزياء بالأكاديمية الصينية للعلوم. جين تشو رون، ابنة السيد جين، تدرس في هذه الروضة.

تعليم العلوم بالتجربة

 قال جين كوي: "من طبيعة الطفل أن يسأل، وأن يبحث عن الأسباب. إذا استطاع أولياء الأمور تحفيز رغبة الأطفال في هذه المرحلة العمرية، سيبدأ الأطفال ملاحظة الأشياء التي حولهم، ويحاولون معرفة أسباب حدوثها. إلقاء هذه الدروس العلمية على الأطفال له مغزى عميق. من ناحية أخرى، علينا أن نفكر من زاوية الأطفال لاستكشاف العالم."

السيد جين، الذي يعي قدرة فهم الأطفال ونمط  تفكيرهم، حكى لهم قصة خيالية مفعمة بالمعارف. بهذه الطريقة، يتعلم الأطفال طريقة عمل الطاقة النظيفة،  ويعرفون أن الشمس والريح يمكنهما إنتاج الكهرباء.

خلال الدرس، طرح جين كوي على الأطفال لغزا: "هناك عجوز ذو وجه أحمر، يستيقظ كل يوم مبكرا في الأيام الصافية، ويذهب إلى العمل بانتظام، فمن هو هذا العجوز؟" وما إن انتهت القصة حتى عرف الأطفال الإجابة، وصاحوا: "الشمس! الشمس!"

 سأل جين كوي الأطفال:"ما هي فوائد الشمس؟" تسابق الأطفال للإجابة، وقالوا: "تطهر الأشياء، وتحافظ على الصحة"، "عندما تنثر الشمس أشعتها على الأعشاب، تترعرع الأعشاب"، "الشمس تجلعني أعرق في الصيف، فأستطيع أكل الآيس كريم..." قال جين كوي: "إجابات الأطفال فاقت تصوري، كما أن قدرتهم على الفهم والملاحظة أدهشتني."

خلال حديثه عن الشمس، حكى جين كوي للأطفال قصته مع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وعندما شرح طريقة توليد الكهرباء بطاقة الرياح، عرض نموذجا مصغرا للتوربينات الهوائية الحقيقية يمكنه إنتاج الكهرباء. أراد السيد جين أن يعرف الأطفال الطريقة التي تحول بها التوربينات طاقة الرياح إلى كهرباء. دوّر جين كوي مراوح النموذج، فتولدت الكهرباء وأضاءت مصباحا صغيرا. كان الأطفال يشاهدون بدهشة، وتسابقوا لتجربة النموذج.

ومن أجل زيادة التفاعل بين الأطفال والنموذج، ربط جين كوي نموذج التوربين والمصباح الصغير وأميتر قياس التيار الكهربائي معا، فإذا نفخ أحد الأطفال صوب مراوح التوربين، ظهر على الأميتر رقم لإظهار قوة التيار الكهربائي، التي تزداد كلما اشتد النفخ. لذا، تسابق الأطفال في نفخ المراوح لإنتاج قدرة أعلى من التيار الكهربائي.

بعد أن استمتع الطلاب بتجربة التوربين الهوائي، سألهم جين كوي: "إذا كانت الرياح يمكن أن تنتج الكهرباء، فهل تستطيع الشمس أن تولد الكهرباء؟" وهنا، عرض أمامهم نموذجا آخر، ألا وهو "اليعسوب الكهربائي". اليعسوب، الذي صنعت أجنحته من ألواح شمسية، استطاع الطيران بالقوة الشمسية. شرح جين كوي أسباب تحرك اليعسوب، موضحا أن السر يكمن في الألواح الشمسية التي تحول أشعة الشمس إلى الكهرباء. الأكثر من ذلك، أنه عرض أيضا سيارة صغيرة تتحرك بالطاقة الشمسية. تحت أشعة الشمس، تتحرك السيارة.  بعد أن فرغ من قصصه وعرض نماذجه، صار الأطفال يعرفون كثيرا عن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. قال جين كوي: "أعتقد أن الأطفال لديهم رغبة شديدة في تعلم معارف الطاقة النظيفة، وأود أن أعلمهم مزيدا من المعلومات المفيدة."

مشاركة أولياء الأمور

تدعو الحكومة الصينية إلى تعليم يضمن رفع القدرات الشاملة للطالب. في عام 2007، حدد مجلس الدولة الصيني "برنامج التعليم العلمي لجماهير الشعب (2006-2010-2020 )"، حيث طالب بـ "القيام بالتعليم العلمي للأطفال قبل التحاقهم بالمدارس الابتدائية".

روضة الأطفال الثالثة التابعة للأكاديمية الصينية للعلوم قاعدة لنشر العلوم للأطفال، اختارتها لجنة عصبة الشبيبة الشيوعية بالأكاديمية الصينية للعلوم، وأنشأت فيها مركز بحوث تنشئة الأطفال التابع لمعهد علم النفس بالأكاديمية. هذه الروضة لديها موارد مميزة للقيام بالتعليم العلمي، إذ أن كثيرا من أولياء أمور أطفالها يعملون في الهيئات العلمية للأكاديمية، وتخصصاتهم لها علاقة بمجالات العلوم المتنوعة، بما فيها الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، علم النبات، علم الأصوات، علم الأحياء الدقيقة، الجغرافيا، إلخ. وهم لديهم وفرة من المعارف العلمية والمتخصصة، مما يؤهلهم لتدريس المعارف بطرق لطيفة أثناء النشاطات التعليمية العلمية للأطفال. يقوم أولياء الأمور أثناء الدروس بالتجارب العلمية الممتعة، لإثارة اهتمام الأطفال بدراسة المعارف، وإذكاء فضولهم في التعرف على الظواهر العلمية في الطبيعة. بهذه الطريقة، يتوسع الأفق العلمي عند الأطفال.

قالت المعلمة وي يينغ يينغ: "كانت الروضة تقيم نشاطات التعليم العلمي في السابق، لكن معلمي الروضة أنفسهم لم يكن لديهم فهم واضح للعلوم، فإذا طرح طفل سؤالا صعبا لم يكن المعلم يملك إجابة عن السؤال. الآن، ندعو أولياء الأمور لتعليم الأطفال. هم متخصصون في مجالات معينة، ولديهم القدرة على إجابة أسئلة الأطفال، وإثارة رغبتهم في فهم أكثر."

أسست روضة الأطفال الثالثة التابعة للأكاديمية الصينية للعلوم، نظام "استقدام المستشارين"، لدعوة أولياء الأمور لإلقاء المحاضرات. على سبيل المثال، عندما قامت روضة الأطفال بنشاط عنوانه "التعرف على البكتيريا"، دعت أولياء الأمور الذين يعملون في مركز بحوث الأحياء الدقيقة لإلقاء المحاضرات؛ وعندما قامت بنشاط حول "الأشجار"، دعت أولياء الأمور من مركز بحوث النبات. تحافظ روضة الأطفال على التواصل الوثيق مع أولياء الأمور. فمن جانب، يحصل الأطفال على مزيد من المعلومات العلمية، ومن جانب أخر، تتعزز العلاقة بين روضة الأطفال وأولياء الأمور.

يلقى هذا الأسلوب ترحيبا من أولياء الأمور. قالت والدة طفل بالروضة اسمه شي شيوان يو: "هؤلاء الخبراء يقدمون معارف العلوم العلمية بطريقة ممتعة، يحبها الأطفال. تترك هذه الدروس انطباعا عميقا لدى الأطفال، وسيبقى تأثيرها معهم طوال حياتهم، وستشكل لديهم عادة حب واحترام العلم."

تربية الباحثين منذ الصغر

محاضرات تعليم العلوم دخلت إلى المدارس الإعدادية والثانوية أيضا. على سبيل المثال، في "يوم الطيران الفضائي" بالصين، في الرابع والعشرين من إبريل 2017، دعت مدرسة يوتساي بمدينة تشنغدو، تشن يونغ نائب مدير قسم نشر العلوم بمركز بحوث الضوء والكهرباء في الأكاديمية الصينية للعلوم، لشرح معارف استكشاف القمر للطلاب. قال تشن يونغ: "أتيت إلى هنا لأشجع الطلبة على متابعة الأخبار العلمية، والمثابرة على الدراسة والإبداع."

ينص ((قانون نشر المعارف العلمية)) الصيني على تشجيع العلماء والباحثين على نشر المعارف العلمية حسب تخصصاتهم العلمية، والمشاركة في النشاطات العلمية ودعمها. قيام العلماء والباحثين بألقاء المحاضرات في المدارس لا يساعد الطلاب على تنمية روح الاستكشاف لديهم فحسب، وإنما أيضا غرس البذور العلمية في نفوسهم. لابد أن تبدأ تربية العلماء منذ الصغر، فهؤلاء العلماء الصغار سيصبحون في المستقبل علماء كبارا.

*ليو سو فانغ، رئيسة روضة الأطفال الثالثة التابعة للأكاديمية الصينية للعلوم.