الصين في معرض أبوظبي للكتاب

معرض أبوظبي الدولي للكتاب بدولة الإمارات العربية المتحدة واحد من معارض الكتاب الهامة في المنطقة العربية. في دورته السابعة والعشرين، من السادس والعشرين من إبريل حتى الثاني من مايو 2017، احتضن هذا المعرض "الصين" كضيف شرف لدروة هذا العام. وحسب هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، المنظمة للمعرض، فإن اختيار الصين "يأتي تتويجا للعلاقات الثقافية التي تربط الإمارات والصين، وخاصة أن الصين القديمة أخرجت أكمل صورة من صور الإنسانية، وأنشأت أعلى ثقافة عامة عُرفت في العالم كله."

والحقيقة أن الجناح الصيني في المعرض كان صورة مبهرة للزوار وبؤرة اهتمام وسائل الإعلام ومثار إعجاب الجميع. ولم يكن مفاجئا أن تكرم هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في الأول من مايو الجناح الصيني، بجائزتي أفضل جهة عارضة وأفضل جهة منظمة، والذي تميز بمشاركة مشاهير الثقافة الصينية من كبار الكتاب ذوي الإصدارات العالمية الأكثر مبيعا، ونجوم الأدب الصيني المعاصر، وكبريات المؤسسات الثقافية ودور النشر الصينية. وقد عبّر عبد الله ماجد آل علي، المدير التنفيذي لقطاع دار الكتب بالإنابة في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، عن تقديره للمشاركة الصينية التي أبرزت التنوع الثقافي وثراء الثقافة الصينية وتطور صناعات النشر والتحرير والترجمة والطباعة في الصين، قائلا: "إننا نسعى إلى استقطاب الإبداع الصيني والاستفادة من التجربة الصينية العريقة في صناعة الكتب وأفضل ممارسات الكتابة والتأليف والنشر، انسجاما مع رؤية القيادة الرشيدة في التكامل الثقافي مع الدول الصديقة، والشراكة الاستراتيجية ثقافيا ومعرفيا لما فيه خير الطرفين ومصلحتهما المتبادلة في استدامة المعرفة وتبادل المحتوى وتطوير آليات وتقنيات نشره وترجمته". وأوضح محمد الشحي، مدير إدارة البحوث والإصدارات في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، أن هذا التكريم جاء للإشادة بجهود الجانب الصيني بهذه المشاركة التي تعدّ من أكبر المشاركات الصينية في الخارج، بالإضافة إلى تقديم منتج متنوع ضمن برامج الدولة ضيف الشرف سواء بالمحاضرات والضيوف الذين قدموا لزيارة أبوظبي، أو المجموعة الكبيرة من الكتاب المشهورين والأكثر مبيعا في العالم، بالإضافة إلى البرامج والورش المتخصصة. وقال: "إن الصين مهتمة بالمحتوى العربي الرقمي ونقل المحتوى الصيني إلى اللغة العربية ونحن لدينا أيضا نفس الاهتمام بنقل المحتوى العربي إلى اللغة الصينية وبالعكس، وباعتقادي تشكل ترجمة المحتوى جسرا للتبادل الثقافي بين الدول".

تشرف كاتب هذه السطور أن يكون ضمن وفد المجموعة الصينية للنشر الدولي بالمعرض، الذي ترأسه السيد  فانغ تشنغ هوي. وقد عرضت المجموعة حوالي ستمائة عنوان، من بينها أكثر من مائة عنوان باللغة العربية وأربعمائة باللغة الإنجليزية، تتناول موضوعات متنوعة، منها الثقافة الصينية والأدب الصيني وتعليم اللغة الصينية والطب الصيني وكتب الأطفال. ولعل كتابي "شي جين بينغ حول الحكم والإدارة" و"الحزام والطريق: ماذا ستقدم الصين للعالم بعد نهوضها" للرئيس الصيني كانا الأبرز حضورا خلال دورة هذا العام.

في الندوة التي أقامتها المجموعة حول كتاب "شي جين بينغ حول الحكم والإدارة" والتي تحدث فيها كل من سفير الصين لدى الإمارات ني جيان، فانغ تشنغ هوي، أوه سانغ تشي نائب رئيس الهية الوطنية الصينية للصحافة والنشر والإذاعة والسينما والتلفزيون، وعلي بن تميم مدير عام شركة أبوظبي للإعلام، قلت إن كتاب "شي جين بينغ حول الحكم والإدارة" يكشف قدرة الرئيس شي على التحليل ونفاذ البصيرة والحكمة والتنظيم السليم، وتأكيده وتمسكه بمفهوم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وأهميتها في تحقيق تنمية الصين، نظرا لارتباط تلك المفاهيم بمسيرة جمهورية الصين الشعبية منذ تأسيسها عام 1949، وكونها جزءاً لا يتجزأ من تطور الأمة الصينية. كما يكشف رؤية الرئيس الصيني لأوضاع العلاقات بين الصين ودول العالم. فعلى سبيل المثال، أثار شي عددا من الأفكار بشأن السياسة الخارجية تستند إلى الثقافة الصينية التقليدية، منها دعوته لإحياء الدبلوماسية التي تتميز بالصداقة والإخلاص والتعاون على قدم المساواة، وإصراره على اتباع الصين لنهج سليم أكثر توازنا في علاقاتها الخارجية. واستخدم الرئيس شي عبارات مثل "الفوز المشترك"، و"بناء نموذج جديد للعلاقات بين الدول الكبرى"، "الحزام الاقتصادي لطريق الحرير"، و"طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين".  ويتضمن الكتاب كلمة الرئيس شي في الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني- العربي، والتي قال فيها إن السنوات العشر القادمة فترة هامة لتنمية الجانبين الصيني والعربي. وقال إن الصين لن تنسى ما تعهدت به أمام الدول العربية من دعم نضال الشعب الفلسطيني، ودعا إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

كما أشرت إلى عدد من أقوال الرئيس شي التي تضمنها الكتاب؛ مثل: تطلع أبناء الشعب للحياة الجميلة هو هدف كفاحنا؛ حكم بلد كبير صعبٌ مثل طبخ سمكة صغيرة؛ الحلم لن يتحول إلى واقع إلا بالعمل الواقعي؛ إطلاق حلم الشباب في الممارسة الحيوية لتحقيق حلم الصين؛ لابد من دفع الإصلاح إلى الأمام مهما كانت صعوبته، تحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية حلم مشترك لأبناء الأمة الصينية داخل الصين وخارجها. وقلت في النهاية إن هذا الكتاب موسوعة حقيقية لمن يريد أن يفهم الصين المعاصرة.

وفي ندوة أخرى حول مشروع ترجمة "كنوز الثقافة الصينية"، قلت في كلمتي إن هذا المشروع واحد من مبادرات المجموعة الصينية للنشر الدولي العديدة لبناء جسر بين الصين والعالم. وكان شرف لي أن أشارك في هذا المشروع من خلال ترجمة بعض الأعمال إلى العربية، وأشرت إلى اثنين منها، هما كتاب "منشيوس" ورواية "رحلة إلى الغرب".

كتاب ((منشيوس)) من أهم المؤلفات الكونفوشية الكلاسيكية الصينية، ألفه منشيوس وتلميذه وان تشانغ وآخرون في عصر الممالك المتحاربة. يؤكد الكتاب على أن الإنسان هو الأساس، وأن "الإنسان طيب وخير بطبيعته"، وهما المبدآن اللذان تركا تأثيرا عميقا في تاريخ الفكر الصيني. طرح منشيوس نظرية "الشعب أهم من الحاكم" التي تعتبر من أهم مساهماته في تاريخ الفكر، فقال: "الأهمية الأولى تكون للشعب، ومن بعده يأتي الجيد من الأرض والحبوب، والأهمية الأخيرة تكون للحاكم. وعلى أساس هذه النظرية، طور منشيوس نظريته حول "الحكم الرحيم"، وطالب بـ "ترسيم حدود الأرض" و"تقسيم الحقول بشكل عادل" و"تخفيف الضرائب والجبايات" و"تخفيف العقوبات والغرامات" و"إلغاء الرسوم في الممرات والأسواق". وطلب من الحكام ضمان توفير "مائة مو من الأرض" لكل أسرة للعمل الزراعي، و"عدم التدخل في العمل الزراعي"، وبعد ضمان معيشة الشعب، يجب "توجيه الانتباه إلى التعليم ".أما "رحلة إلى الغرب"، فهي رواية كلاسيكية صينية خيالية، تحكي مغامرات راهب أسرة تانغ الإمبراطورية (618- 907) شيوان تسانغ، الذي يشار إليه في الرواية باسم سان تسانغ، وتلاميذه؛ القرد سون وو كونغ والخنزير تشو با جيه والراهب شا وو جينغ، في سفرهم  إلى الغرب بحثاً عن الأسفار البوذية. المقصود بالغرب هنا هو المناطق الواقعة غربي الصين وليس الغرب بدلالته الحالي. هذه الرواية تعكس الأفكار التقدمية لمجتمع ذلك الزمان، وتتميز بحبكة قصصية متماسكة ومكتوبة بلغة فكاهية. الرواية بكل كائناتها الخارقة، تخلق عالما من الخيال والوهم. بيد أن هذا العالم الخيالي يعكس أنواعا كثيرة من التناقضات في مجتمع عصر مؤلفها وو تشنغ أن. شخصيات الشياطين في الرواية هي تعميمات وإسقاطات لشخصيات من البشر العاديين. ويصل الخيال والواقع في الرواية إلى درجة عالية من التوليف والجمع بينهما. وقد أجاد كاتبها في الجمع بين طبائع البشر والآلهة والحيوانات، فالقرد ذو شخصية حيوية ذات عقل حاذق وسرعة بديهة، بينما الخنزير ذو عقل بسيط أناني وشره. يلعب القرد دورا محوريا في كل معركة مع الوحوش، ليس فقط بمواجهتهم وجها لوجه، وإنما أيضا بمساعدة رفاقه في التغلب على العقبات والمعوقات المتأصلة في نفوسهم. وبعد التغلب على كل أنواع الشرور والأعداء المراوغين، يصل المسافرون في النهاية إلى الفردوس الغربي وينجزون مهمتهم المقدسة بأخذ الأسفار والعودة بها. الروح القوية وشخصية الرفاق الأربعة في قتال الأعداء والتغلب على العوائق من أجل بلوغ هدفهم، واضحة بجلاء، كما أنها تصوير حي لروح وشخصية الأمة الصينية.

وفي ندوة حملت عنوان "الصين في كتابين"، تحدثت السيدة همت لاشين رئيسة نادي قراء ((الصين اليوم)) في الإمارات عن كتابها "عشق الصين"، فقالت إن "عشق الصين" تجربة الدخول إلى عالم الإنسان الصيني من بوابة اللغة الصينية، ودعـوة للحب والسلام وخلق جو من التناغم والتآلف مع الآخر من خلال اللغة. والكتاب سيرة ذاتية مصورة ودعـوة لكل من يتعلم لغة أجنبية أن يتعامل مع شعبها عن قرب وأن يكون منفتحاً على معرفة عاداتهم وتقاليدهم وطباعهم، وأن يجتهد لترسيخ مزيد من التقارب والحوار والتأثير الإيجابيين لبناء جسر للتواصل بين الشعوب لتصبح لغة التفاهم حقيقة تنعم بها الإنسانية.

وتحدثت أنا عن كتابي "سِفْرُ الصين" فقلت إن "سِفْر الصين" ليس كتابا عن اقتصاد أو سياسة الصين بقدر ما هو محاولة لفهم الشخصية الصينية في ماضيها وفي حاضرها، والتغيرات التي شهدها المجتمع الصيني في السنوات الثلاثين الماضية، وإن كان هذا لا يعني أنه يخلو من إطلالات على التنمية الاقتصادية والسياسية في الصين، ولكنها إطلالات لم يكن ممكنا تجاوزها لعلاقتها الجدلية بكافة جوانب حياة الصينيين المعاصرين. وأوضحت أن معظم ما كُتب عن الصين، في السنوات الأخيرة يدور في فلك الاقتصاد والسياسة، فتأثير التجربة الاقتصادية الصينية ونمو الاقتصاد الصيني طغى على جوانب كثيرة من الصورة الصينية، وبحثُ حالة التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية الفريدة في الصين جار على النظر في مجتمع الصينيين وثقافتهم وأدبهم وفنونهم. وفي عبارة قصيرة، لا يرى كثيرون في الصين غير السلع الصينية التي تشاركهم حياتهم، يرونها منتجات اقتصادية، وتلك رؤية مبتورة ومجحفة بحق الصينيين.

وقد كانت مجلة ((الصين اليوم)) حاضرة بقوة خلال فعاليات المعرض، ليس فقط من خلال عرض نسخ لأعداد مختلفة منها، وإنما أيضا للشغف الواضح الذي أبداه زوار المعرض باقتنائها والاشتراك فيها، فضلا عن الحضور المميز للندوة التي حملت عنوان "الصين اليوم.. جسر للصداقة بين الصينيين والعرب"، والتي قلت فيها إن شهادتي لمجلة ((الصين اليوم)) قد تكون مجروحة، فأنا أنتمي لهذه المجلة منذ ربع قرن تماما. ولكن، لابد أن أعترف أنني عندما يتم تقديمي في لقاءات مختلفة كخبير في الشؤون الصينية، أتذكر فضل هذه المجلة عليّ، وعلى كثيرين من المهتمين بالشأن الصيني، في معرفتنا بالصين من مصادر أصلية. بعبارة أخرى، تتيح هذه المجلة لقارئها معرفة الحقيقة، التي يجري تزييفها في وسائل الإعلام الغربية كثيرا، والعربية أحيانا. ((الصين اليوم)) نافذة حقيقية على الصين تقدم صحافة متوازنة موضوعية، فنحن نكتب عن كل شيء، البطالة، الفقر، الفساد، ونكتب عن النجاح في الصين، النمو الاقتصادي السريع، وننشر تحليلات ودراسات حول التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمشاكل والتحديات التي تواجهها، نكتب كل ذلك مدعوما بالبيانات الدقيقة.