لي جيا تسون
فنان مسلم متعدد المواهب

من المعروف أن الإعلان من أهم وسائل ترويج المنتجات، ويكون "الشعار" محور أي إعلان. في الصين، من أشهر شعارات الإعلانات شعار لإعلان عن معجون أسنان يقول "الأسنان الصحية والمعدة السليمة تعززان شهيتك وصحتك". ذاع هذا الشعار البسيط في كل أنحاء الصين بعد بثه على شاشات التلفزة، ومازال ملايين الصينيين يتذكرون لي جيا تسون، الفنان المسلم الذي لا تفارق الابتسامة وجهه، مُقدِم هذا الشعار.

في الاستوديو الخاص به في بلدة تشينغيونديان بحي داشينغ بجنوبي بكين، أجرت ((الصين اليوم)) مقابلة خاصة مع لي جيا تسون. عمل لي جيا تسون في هذا الحي في فترة شبابه، وأطلق على الاستوديو اسم "أرتشيتانغ" الذي يعني "تحمل مشقات العمل". بالقرب من الاستوديو مقصورة جميلة اسمها "هوايشيوان"، أي "مقصورة الشوق للأم". قال لي جيا تسون إن الأم هي أعظم شخص في الدنيا، ومحبتها لأولادها لا تقدر بمال، وعلى كل ابن أن يبر أمه، وكما يقول العرب إن "الجنة تحت أقدام الأمهات".

فنان متعدد المواهب

أشار السيد لي إلى الصور المعلقة على الجدار قائلا: "هذه صور لأدوار أديتها في مسلسلات تلفزيونية وأفلام في السنوات الماضية. عندما يُذكر اسمي، تظهر في مخيلة المشاهدين صورة شيخ سمين مبتسم." ولد لي جيا تسون في جنوبي بكين ونشأ في أزقة بكين القديمة، فهو نموذج للمواطن البكيني الأمين في أخلاقه والمخلص في عمله. شخصيته المميزة أهلته للحصول على دور مصارع في المسلسل التلفزيوني "تشن سان". من أجل تأدية هذا الدور بشكل مثالي، استشار خبراء متخصصين حول حركات المصارع، ودقق في كافة التفاصيل البسيطة، حتى تعبيرات العينين. وقد نال السيد لي ثناء مخرج "تشن سان"، فانطلق في عالم التمثيل منذ ذلك الوقت.

أدى لي جيا تسون أدوارا كثيرة في مسلسلات تلفزيونية وأفلام، منها دور طباخ فكاهي في مسلسل "رحلة الإمبراطورة تسي شي"، ودور يوان شي كاي، الرئيس المؤقت للدولة في تاريخ الصين الحديث، في مسلسل "الطبيب شي لاي له" وغيرهما من الأدوار في الأعمال التلفزيونية والسينمائية المشهورة  في الصين. برغم أنه لا يلعب الدور الرئيسي في العمل الفني الذي يشارك فيه أحيانا، إلا أنه يقرأ كثيرا من الكتب ويستشير الخبراء المعنيين لدراسة الشخصية التي يؤديها، فحظي بتقدير المشاهدين.

فضلا عن موهبته في التمثيل، يجيد السيد لي تمثيل أوبرا بكين أيضا، متأثرا بأحد أفراد أسرته الذي كان ممثلا في هذه الأوبرا المشهورة في الصين. تتلمذ على يد فنانة مشهورة في أوبرا بكين، فاكتسب مهارات عالية في التمثيل. أثناء مقابلتنا، غنى مقطوعة من أوبرا بكين، فأعجبنا كثيرا صوته الرنان وذهنه المتوقد.

قال السيد لي إنه تعلم في عام 1988 فن "شيانغشنغ" (الحوار الفكاهي(، على يد قاو ينغ بي، فنان الحوار الفكاهي المشهور. "شيانغشنغ" ليس مجرد فن فكاهي ينتزع ضحكات المشاهدين، وإنما أيضا أسلوب ينقل من خلاله الفنان حكمة الحياة.

 

رسام يحلم

ربما لا يعرف كثيرون أن لي جيا تسون واحد من كبار الرسامين في الصين حاليا. الرسم ليس مجرد رغبة مؤقتة بالنسبة له وإنما حلم طفولته منذ صغره. وبسبب انشغاله في التمثيل، لم يكن يجد وقتا لممارسة وإتقان هوايته المحببة. نصحته زوجته بمواصلة دراسة الرسم في الجامعة. في الحقيقة، في سبعينات القرن الماضي، درس السيد لي الرسم الصيني على يد السيد كانغ نينغ، الذي يعد تلميذا من الجيل الثالث للرسام المشهور تشي باي شي. عمل لي جيا تسون بنصيحة زوجته والتحق بالمعهد المركزي للفنون الجميلة، وكان أكبر طلاب فصله سنا وأفضلهم مهارة، فكان يجلس دائما في الصف الأول في كل محاضرة ويكمل كل واجباته المنزلية بدون تردد.

بفضل التدريبات المتواصلة وتوجيهات أساتذته، حقق السيد لي تقدما عظيما في مهارات الرسم، فنال تقدير الرسام الكبير فان تسنغ، الذي قال عنه: " يرسم لي جيا تسون بدقة وقوة ونشاط. علينا أن نحترمه احتراما عاليا." الديك هو "بطل" معظم لوحاته. والمدهش أن ملامح الديك وحركاته في كل لوحة تختلف عن الأخرى. قال السيد لي: "الديك يتميز بسمات الشخصية الصينية، فهو رمز للجشاعة والأدب والأمانة والصدق. لذا، أحببت رسم الديك." من أجل مراقبة حركات الديك بدقة، يربي بضعة عشر ديكا في فناء بيته. أحيانا، يذهب إلى حظيرة الديوك ليستوحي من حركاتها وأصواتها، ثم يعود إلى مرسمه.

يقول الصينيون "ملامح وجهك تبدي ما تفكر فيه". بعد حديثك مع لي جيا تسون قد تدرك أن هذه المقولة ليست مكتملة، إذ يمكن أن تقرأ وترى أفكاره في لوحاته أيضا. السيد لي، وهو شخص متفتح الذهن، يرى أن للديك طبائعه وأخلاقه، فيرسمه كحيوان ذي أخلاق.

 

مسلم مخلص لا ينسى واجباته

لي جيا تسون ليس فقط فنانا متعدد المواهب، وإنما أيضا مسلم مخلص لا ينسى واجباته أبدا. هو عضو بالجمعية الإسلامية الصينية ونائب الأمين العام للجمعية الإسلامية في بكين. يؤمن بأنه كمسلم صيني عليه واجب نشر الثقافة الصينية الممتازة إلى العالم بأسره، وأن يعرّف  الآخرين بمسلمي الصين وحياتهم الحقيقية في العصر الحديث.

في إبريل عام 2006، قبل إقامة الدورة الأولى لمنتدى الشركات الإسلامية الصينية في بكين، وُجِهت الدعوة إليه لحضور هذا المنتدى. قال: "رغم أنني مشغول، كان ينبغي أن أحضر." أوفى بوعده، واهتم بكل المشاركين في المنتدى، فتأثر حضور المنتدى بأدبه وخلقه الرفيع.

في إبريل عام 2016، تم اختيار لي جيا تسون سفيرا للترويج لقطاع رعاية المسنين التابع للجمعية الإسلامية الصينية، ورئيسا فخريا لدار وانجياشيوان لرعاية المسنين المسلمين في بكين. قال السيد لي إنه مع تطور الاقتصاد الصيني وارتفاع مستوى معيشية  الشعب، صارت رعاية المسنين شأنا هاما في الصين. بسبب عاداتهم الخاصة في مأكلهم وحياتهم، من الصعب أن يجد أبناء المسنين المسلمين دور الرعاية المناسبة لذويهم. تطور رعاية المسنين المسلمين لا يحل مشاكلهم في الحياة فحسب، وإنما أيضا يعكس احتراما للمسلم. السيد لي يرغب في بذل كل جهوده في تعزيز تطور قطاع رعاية المسنين المسلمين.

قال السيد لي في كثير من المناسبات الرسمية وغير الرسمية إنه مسلم مخلص، لا ينسى كلامه أبدا. هذه الجملة هي وعد للجماهير وكل الإخوة المسلمين والمسلمات وحتى لنفسه. عندما يصور أدورا في المسلسلات أو الأفلام في أماكن مختلفة، يزور أحياء المسلمين هناك ويتحدث معهم حول حياتهم واعتقادهم. يريد أن يرى كثيرا من المسلمين الصينيين الحقيقيين، المخلصين في دينهم والمجتهدين في أعمالهم. بالإضافة إلى ذلك، يتبرع بالمال لكثير من المساجد في الصين لمساعدة المسلمين الفقراء. قال: "أريد أن أدعو مزيدا من الناس للاهتمام بالمسلمين الصينيين." من هذه الجملة البسيطة، ندرك أن السيد لي مسلم نقي ومخلص.

بعد لقاء مع لي جيا تسون استمر نصف يوم، أدركنا أنه فنان حقيقي، أثّر فينا بأقواله وأفعاله. باختصار، هو ممثل ممتاز على الشاشة ورسام موهوب ومسلم مخلص، لا ينسى واجبه أبدا.