التعاون الصيني- العربي في إطار مبادرة الحزام والطريق

تشهد العلاقات الصينية- العربية تطورا سريعا منذ العام الماضي الذي صادف الذكرى السنوية الستين لانطلاقها، حيث كان هناك عدة زيارات متبادلة رفيعة المستوى بين الجانبين وفي مقدمتها الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ لكل من السعودية ومصر وألقى خلالها خطابا تاريخيا في مقر جامعة الدول العربية، معربا عن حرص الصين على تنمية العلاقات مع الدول العربية. في هذا الخطاب، الذي يعد خريطة طريق لتطوير العلاقات الصينية- العربية، أكد شي على دعم الصين للقضايا العربية وتعهد بتقديم مزيد من المساعدات للشعب الفلسطيني. وأصدرت الحكومة الصينية أول وثيقة رسمية بشأن السياسة الصينية تجاه الدول العربية. وتكللت فعاليات العام الثقافي الصيني في مصر والعام الثقافي المصري والقطري في الصين بنجاح تام. وتم عقد الاجتماع الوزاري السابع لمنتدى التعاون الصيني- العربي في الدوحة، الذي ساهم في تكريس هذا الإطار المؤسسي للتعاون الصيني- العربي. وفي شهر مايو 2017، احتضنت بكين الدورة الرابعة عشرة لاجتماع كبار المسؤولين لمنتدى التعاون- الصيني العربي الذي جرت خلاله نقاشات مستفيضة حول سبل تعزيز العلاقات الصينية- العربية في الظروف الجديدة، وخاصة على ضوء البناء المشترك للحزام والطريق الذي أصبح عنوانا جديدا للتعاون بين الجانبين، علما بأن العديد من الدول العربية شاركت بفعالية في تنفيذ مبادرة الحزام والطريق وانضمت إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، سعيا إلى تحقيق التكامل بين خطط التنمية الوطنية وبين المبادرة الصينية الطموحة. ومن هذا المنطلق، يتعين على الجانبين تعزيز آليات التعاون القائمة وإيجاد سبل جديدة لتحقيق التنمية المشتركة لما فيه خير للشعبين الصيني والعربي. ونذكر هنا مرتكزات التعاون الصيني- العربي في الفترة الجديدة.

 

يأتي اجتماع كبار المسؤولين لمنتدى التعاون الصيني- العربي في أعقاب منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الذي أقيم في بكين، حيث شارك في هذا الملتقى الهام 29 رئيس دولة وحكومة و1500 ممثل من الأوساط السياسية والاقتصادية والأكاديمية، وكان للدول العربية حضور قوي في المنتدى، مما يدل على الأهمية التي يوليها الجانب العربي للمبادرة. وألقى الرئيس الصيني شي جين بينغ خطابا هاما استعرض فيه ما تم إنجازه منذ طرح مبادرة الحزام والطريق، وتعهد بضخ تمويل ضخم لصندوق طريق الحرير وبنوك الاستثمار الصينية لتمويل مشروعات البنية التحتية في الدول النامية، وخاصة التي تقع على طول الحزام والطريق مما يدشن عهدا جديدا لترجمة مبادرة الحزام والطريق إلى واقع ملموس، وتستفيد منها شعوب الدول النامية.

تعتبر مبادرة الحزام والطريق (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين) التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بيغ في عام 2013، خارطة طريق لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية إذ أن العالم العربي يقع في ملتقى الطريقين. لذا، الدول العربية شريك طبيعي للحزام والطريق، حيث بات إحياء مجد طريق الحرير القديم من مسؤولياتنا المشتركة، علما بأن طريق الحرير القديم هو بالأساس طريق لتبادل السلع، شأنه شأن مبادرة الحزام والطريق التي تهدف أولا وقبل كل شئ إلى تسهيل التبادل التجاري. من هنا، يجب على الجانبين اتخاذ مزيد من الإجراءات لتحرير التجارة البينية. رغم أن حجم التبادلات التجارية بين الصين والدول العربية تجاوز 200 مليار دولار أمريكي، أي زاد 10 مرات خلال العقد الماضي، لم يكن هناك أي ترتيب تجاري ومؤسسي لتيسير التجارة بين الجانبين. لذا، يجب تسريع مفاوضات منطقة  التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتوسيعها لتشمل جميع الدول العربية في المستقبل. وإضافة إلى ذلك، يجب تحويل العلاقة بين البائع والمشتري إلى كتلة اقتصادية موحدة لتفادي تذبذبات أسعار الطاقة والمعادن التي تؤثر سلبا على التجارة البينية، حيث هناك مجالات تعاون جديدة وواعدة بين الجانبين، على سبيل المثال، الاستثمار المشترك في الصناعة البتروكيماوية والطاقة الجديدة والمتجددة والزراعة والتكنولوجيا العالية والاستخدام السلمي للطاقة النووية، كما أشار إلى ذلك الرئيس شي في خطابه الذي ألقاه في الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي عام 2014، وخطابه في مقر جامعة الدول العربية أثناء زيارته لمصر عام 2016. ولا بد من الإشارة إلى أن هناك إمكانيات كبيرة في تعاون الجانبين في مشروعات البنية التحتية، ذلك أن الدول العربية بحاجة ماسة إلى تحسين البنية التحتية والصين قادرة على تمويل وتنفيذ تلك المشروعات بتقنيات متقدمة وجودة ممتازة وتكلفة معقولة.

إن الطلب المتبادل أساس التعاون، فتكمن حتمية الشراكة الاقتصادية الصينية- العربية في وجود مزايا تكاملية عديدة بين الطرفين. تتمثل هذه المزايا في وجود إمكانيات تعاون كبيرة في الصناعة والتصينع وخاصة أن أمام الصين والدول العربية مهمة مشتركة لتحويل نمط التنمية الاقتصادية. لأسباب تاريخية لم تكلل عملية التصينع في الدول العربية بنجاح، فيغلب على الاقتصاد العربي عموما الطابع الريعي غير المنتج، مما يجعله عرضة لتذبذبات السوق ويؤدي إلى عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة. بينما تملك الصين طاقة إنتاجية هائلة ووفرة مالية كبيرة. يمكن أن تساهم الصين في عملية التصينع وتنويع قاعدة الإنتاج في الدول العربية حيث يتمتع العديد من الدول العربية بمقومات صناعية كثيرة، مثل وفرة العمالة والأراضي والسوق فضلا عن الموقع الجغرافي المميز. ومن خلال نقل المنشآت الصناعية من الصين إلى الدول العربية، يمكن أن تساهم الصين في تسريع وتيرة التصينع في الدول العربية وخلق فرص عمل للشباب وتنمية القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. الجدير بالذكر في هذا الصدد أن الصين لن تنقل مصانعها المتخلفة والملوثة إلى الدول العربية.

 

تعتزم الصين، كدولة تدعو دائما إلى السلام والعدالة ولم تكن يوما قوة غازية، تعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول العربية على أسس متكافئة لأنها تعتبر الدول العربية أخا وصديقا وشريكا. وقد أثبت التاريخ أن الصين تختلف عن قوى الاستعمار والإمبريالية التي لا ترى العالم العربي إلا مكانا لنهب الثروات وتحقيق المطامع. كما أكد الرئيس شي في خطابه التاريخي في جامعة الدول العربية أن الصين لن تسعى إلى بسط النفوذ والبحث عن وكلاء في الشرق الأوسط. وستساهم المبادرات الصينية التي تهدف إلى خير شعوب المنطقة في تهدئة الوضع واستتباب الأمن والاستقرار من خلال التنمية الاقتصادية وتحسين معيشة الشعب، بما يتماشى مع أجندة التنمية لما بعد 2015 وتطلعات الشعب العربي إلى حياة أفضل، حيث تثبت التجربة الصينية أن التنمية دون غيرها مفتاح لانتشال جذور النزاعات بكل صورها وأشكالها.

 

    وفي السنوات الأخيرة، طرحت الدول العربية استراتيجيات تنمية عديدة وعلى رأسها رؤية 2030 السعودية، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط وتنويع القاعدة الإنتاجية ومصادر الدخل. وسيتم تحقيق أهداف الرؤية من خلال دفع عجلة التصينع وتطوير القطاع الخدمي، الأمر الذي خلق آفاقا رحبة ومزايا تكاملية كبيرة لتنسيق سياسات التنمية وبلورة خطة مشتركة للتعاون الصناعي في إطار مبادرة الحزام والطريق وخطط التنمية الكبرى للدول العربية.

إضافة إلى ذلك، أدركت الصين أهمية التبادل الثقافي والإنساني مع الدول العربية، الذي يرسي أسسا متينة للتعاون الصيني- العربي. لذا، تعهدت الصين بتقديم المزيد من المنح الدراسية وفرص التدريب للطلاب والمهندسين والمدراء العرب وأطلقت مشروعا وطنيا لترجمة الكتب المشهورة من وإلى اللغة الصينية، وغيرها من الطرق والقنوات لتعزيز التفاهم والتبادل بين الأمتين والشعبين.

 

ترى الصين أنه من خلال تعزيز آليات منتدى التعاون الصيني- العربي، والبناء المشترك للحزام والطريق، يمكن للجانبين الارتقاء بالعلاقات الصينية- العربية إلى مستوى جديد. وقد أشار الرئيس شي إلى أن مبادرة الحزام والطريق ستساهم في تحقيق التنمية، باعتبارها مفتاحا لحل المشاكل في الشرق الأوسط. وسيؤدي التبادل الثقافي والإنساني إلى تجاوز صراع الحضارات وتعزيز التلاقح والتناغم بين الحضارتين العريقتين الصينية والعربية في الحقبة التاريخية الجديدة.

--

د. دينغ لونغ، وكيل كلية الدراسات الأجنبية بجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية ببكين.