شيونغآن الجديدة
منطقة رائدة في الابتكار والتنمية المنفتحة

في إبريل 2016، حضرتُ ندوة بعنوان "مشاركة الصين والكويت في بناء الحزام والطريق"، أقامتها جامعة الكويت وسفارة الصين لدى الكويت في مركز جابر الأحمد الثقافي، حيث أجرى خبراء ورجال أعمال صينيون وكويتيون مناقشة عميقة حول آفاق التعاون في بناء "الحزام والطريق" والمشروعات الكويتية مثل "التنمية الشاملة في الخمس جزر" و"مدينة الحرير". خلال الندوة، فسر الخبراء الصينيون مفهوم الكسب المشترك في التعاون في بناء "الحزام والطريق"، مع إلقاء الضوء على خبرة بناء شنتشن وغيرها من المناطق الخاصة الصينية. رأى الخبراء الصينيون والكويتيون أن "الحزام والطريق" سيأتي بآفاق واعدة للتنمية المشتركة للدول على طول "الحزام والطريق"، ويمكن لمختلف الدول، التي تشارك في بناء "الحزام والطريق" بأساليب ملائمة، تقاسم الفرص وتحقيق التنمية المشتركة. وخلال المحادثات، عبّر بعض الحضور العرب عن اهتمام بالغ بخطة بناء منطقة شيونغآن الجديدة التي أعلنت عنها الصين مؤخرا. فما هي منطقة شيونغآن الجديدة؟ وكيف سيجري بناؤها؟ وهل يمكن أن تتيح فرصا جديدة للتعاون الصيني مع الخارج، خاصة التعاون بين الصين والبلدان العربية؟

 (1)

في أول إبريل الماضي، قررت الحكومة الصينية إنشاء منطقة شيونغآن الجديدة في مقاطعة خبي، والتي تقع في منطقة بين مدن بكين وتيانجين وباودينغ. تضم منطقة شيونغآن الجديدة محافظات شيونغشيان ورونغتشنغ وآنشين بمقاطعة خبي وبعض الأماكن المحيطة بها، وتبلغ مساحتها الإجمالية نحو ألفي كيلومتر مربع. وفقا للخطة، ستصبح منطقة شيونغآن الجديدة منطقة حضرية جديدة ذات بيئة خضراء وملائمة للإقامة، ومنطقة مرشدة للتنمية المدفوعة بالابتكار، ومنطقة نموذجية للتنمية المنسقة، ومنطقة رائدة في التنمية المنفتحة. هذا الخبر الذي انتشر في كل أنحاء البلاد، لم ينعش طموحات وآمال مئات الملايين من الصينيين فحسب، وإنما أيضا حظي باهتمام المجتمع الدولي على نطاق واسع. يعد إنشاء شنتشن وغيرها من المناطق الاقتصادية الخاصة، بداية لقضية الإصلاح والانفتاح الصينية التي حققت إنجازات مرموقة في الأربعين سنة المنصرمة، فمن الطبيعي أن إنشاء منطقة شيونغآن الجديدة، باعتباره قرارا كبيرا يسمى بـ"الخطة الوطنية للألفية"، يعد صفحة جديدة للتنمية الصينية، فهو يتحمل مهمة خلق التاريخ الجديد للإصلاح والانفتاح.

إن إنشاء منطقة شيونغآن الجديدة عملية لصنع قرار منهجي بشكل جدي وحذر وعلمي وديمقراطي، وتم تحديد موقع المنطقة الجديدة بعد إمعان النظر بشكل شامل في مختلف العوامل، بما فيها المواصلات والجيولوجيا والهيدرولوجيا وتكلفة البناء. تتميز المنطقة الجديدة بالكثافة السكانية المنخفضة ودرجة الاستغلال المنخفضة ومجال التنمية الواسع وغيرها من الظروف الأساسية للبناء العالي المواصفات. نظمت الفرقة القيادية لبناء منطقة شيونغآن الجديدة بضعة عشر اجتماعا، لإجراء دراسات خاصة بالقضايا الهامة المعنية بإنشاء المنطقة الجديدة، وأرشدت مقاطعة خبي في إعداد الخطط المعنية. خلال هذه العملية؛ من تخطيط المنطقة الجديدة وتحديد موقعها إلى الموافقة على إنشائها، تم تطبيق الأفكار الاستراتيجية الهامة للرئيس شي جين بينغ وقرار الحكومة المركزية وترتيبها على نحو شامل، وتم الاستماع إلى آراء الأطراف المعنية، وبناء التوافق بين الأطراف، وسيتم تخطيط المنطقة وتصميمها وبناؤها بالمفاهيم الأكثر تقدما وحسب المعايير العالمية. وخلال التخطيط والبناء، سيتم الالتزام بالتوازن المكاني وتنسيق التوزيع في مجالات الإنتاج والحياة والبيئة بشكل موحد، بحيث يتحقق الربط العضوي بين الإنتاج والحياة والتعليم والصحة وغيرها، وبناء المواصلات الحضرية السهلة، ويتحقق التكامل بين العمل والحياة تدريجيا. كما يتعين الاهتمام بالتراث الثقافي وتطويره، وتجسيد العناصر المعمارية الكلاسيكية التقليدية الصينية، مع خلق ملامح حضرية تجمع بين الثقافة الإقليمية والتاريخ ومتطلبات العصر. ويجب التمسك الدائم بمنح الأولوية للبيئة والتنمية الخضراء، وتحديد حدود الاستغلال بصرامة ووضع الخط الأحمر في حماية البيئة، والتركيز على بناء منطقة جديدة خضراء وذكية تجمع بين الماء والمدينة.

(2)

إن إنشاء منطقة شيونغآن الجديدة خيار استراتيجي تاريخي حددته الصين، لا يستهدف حل المشكلات القائمة فحسب، وإنما أيضا يهتم بتخطيط التنمية الطويلة المدى، وله ثلاث خصائص جديدة: الأولى المفهوم الجديد، ويتمثل ذلك في خلق وضع جديد للتنمية المتناسقة لبكين وتيانجين وخبي يتحلى بتكامل المزايا وتفاعل الإيجابيات والتنمية ذات النفع المشترك؛ الثانية القوة المحركة الجديدة، ويتمثل ذلك في اتخاذ الابتكار كقوة محركة جوهرية لتنمية المنطقة الجديدة؛ الثالثة الهدف الجديد، ويتمثل ذلك في بناء مدينة خضراء وحديثة وذكية وإيكولوجية من الطراز العالمي. ستكون المنطقة الجديدة منطقة القلب للصين المبتكِرة الحديثة، ومنطقة رائدة في الدورة الجديدة من انفتاح الصين. إن إنشاء منطقة شيونغآن الجديدة قرار وضعته الحكومة الصينية من أجل تنفيذ استراتيجية التنمية المتناسقة لبكين وتيانجين وخبي بشكل معمق وفصل الوظائف غير الضرورية للعاصمة عن بكين بشكل سليم، فتعد منطقة شيونغآن الجديدة منطقة جديدة أخرى بعد منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة ومنطقة بودونغ الجديدة في شانغهاي تتميز بمغزى هام بالنسبة للبلاد كلها، فيعد إنشاؤها مشروعا استراتيجيا تاريخيا كبيرا. منذ تنفيذ الإصلاح والانفتاح، دفعت الصين تنمية دلتا نهر اللؤلؤ ودلتا نهر اليانغتسي بقوة عبر بناء منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة ومنطقة بودونغ الجديدة في شانغهاي. لا تجسد خبرة نجاح منطقة شنتشن الخاصة ومنطقة بودونغ الجديدة الحيوية الكبيرة الناتجة عن الإصلاح والانفتاح فحسب، وإنما أيضا تشير إلى المستقبل الجميل لمنطقة شيونغآن الجديدة. يتمثل ذلك في ناحيتين: الأولى، النمو السريع للحجم الاقتصادي. إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي في مدينة شنتشن 179 مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات) فقط في عام 1979، واقترب هذا الرقم من تريليوني يوان وتجاوزت القيمة الإجمالية للصادرات والواردات 6ر2 تريليون يوان في عام 2016، فاحتلت شنتشن المكانة الأولى بين مدن بر الصين الرئيسي لمدة أربع وعشرين سنة متتالية في هذا المجال. في عام 1990، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة بودونغ الجديدة ستة مليارات يوان، أي نحو 1ر8% من الناتج المحلي الإجمالي لشانغهاي، ثم ارتفع نصيب بودونغ إلى 8ر31% في عام 2016، وحافظت المنطقة على معدل نمو سنوي للناتج المحلي الإجمالي قدره 3ر9%لخمس سنوات متتالية، وتجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي لها 850 مليار يوان، وتجاوز معدل نصيب الفرد السنوي من الناتج المحلي الإجمالي في بودونغ عشرين ألف دولار أمريكي. الثانية، التفوق البارز في الهيكل الصناعي. اتخذت منطقة شنتشن الخاصة من الصناعات الناشئة كدعامة اقتصادية لها، وعملت بقوة على تطوير التكنولوجيا العالية والحديثة. في عام 2016، بلغ حجم إنتاج الصناعات ذات التكنولوجيا العالية والحديثة في مدينة شنتشن، أكثر من 9ر1 تريليون يوان، وتجاوز الإنفاق على البحث والتطوير 80 مليار يوان، أي 1ر4% من الناتج المحلي الإجمالي للمدينة، وبلغت نسبة إسهام الصناعات الناشئة في نمو الناتج المحلي الإجمالي 53%، وأصبحت المؤسسات في شنتشن، والتي تمثلها شركة هواوي وشركة زد تي إي وشركة بي واي دي، ماركات صينية مشهورة عالميا. أما منطقة بودونغ الجديدة، فتوطد هيكلها الصناعي، باعتبار الاقتصاد الخدمي قواما له. حتى عام 2016، بلغت نسبة القيمة المضافة للصناعة الثالثة (الخدمات) في القيمة المضافة الإجمالية في بودونغ 75%، وتجاوز عدد المؤسسات المالية بمختلف أنواعها 11 ألفا، وبلغ نصيب القيمة المضافة للقطاع المالي في الناتج المحلي الإجمالي 27%، وزاد عدد المقرات الإقليمية للشركات العابرة للحدود 90 مقرا في الخمس سنوات الأخيرة، وبلغت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر المستخدم فعليا 8ر27 مليار دولار أمريكي.

من المنظور الدولي، يكون حل "مشكلة المدينة الكبيرة" هو بناء مدينة جديدة في معظم الأحوال؛ فيجب التصميم والبناء بالمفاهيم الأكثر تقدما وحسب المعايير العالمية، والالتزام بمفاهيم "النظرة العالمية، المعايير الدولية، الخصائص الصينية، الانطلاق من نقطة مرتفعة"، والعمل على بناء منطقة شيونغآن الجديدة لتكون منطقة نموذجية لابتكار التنمية تطبق مفهوم التنمية الجديد. ستتمسك الحكومة الصينية بالتخطيط قبل العمل، والإرشاد بالتخطيط، والاستفادة من الخبرة الدولية، وإعداد الخطة العامة للمنطقة الجديدة والخطط المعنية وفقا للمعايير العالية، وتنظيم الكفاءات المحلية في التصميم من الدرجة الأولى للتصميم الحضري. كما أكدت الحكومة الصينية على احترام قواعد الاستغلال والبناء الحضريين، والسيطرة على سرعة التنمية بشكل عقلاني، في سبيل الإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإفادة الأجيال اللاحقة.

أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ على ضرورة بناء منطقة حضرية ذات بيئة خضراء وملائمة للإقامة. فيجب أن يجسد بناء منطقة شيونغآن الجديدة متطلبات بناء الحضارة الإيكولوجية، لتكون المنطقة نموذجا إيكولوجيا، والالتزام بمنح الأولوية للبيئة الإيكولوجية والتنمية الخضراء، لتكون البيئة الطبيعية جيدة. ويجب تحديد حجم البناء في المنطقة الجديدة بشكل عقلاني، وإكمال الوظائف الإيكولوجية، وإبراز اتجاه التنمية "العلمي والتكنولوجي والإيكولوجي والملائم للإقامة والذكي"، وخلق بيئة رائعة للإقامة ومدينة إيكولوجية.

يهتم الرئيس شي جين بينغ ببناء منطقة شيونغآن الجديدة لتكون منطقة مرشدة للتنمية المدفوعة بالابتكار. إذ أشار إلى أنه لا يمكن أن تكون منطقة شيونغآن الجديدة منطقة تتجمع فيها المؤسسات الصناعية، خاصة المؤسسات الصناعية التقليدية ومؤسسات العقارات، بل يجب التركيز على الابتكار، لتكون منطقة رائدة في الإصلاح. ويتعين التمسك بتنفيذ استراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار، واتخاذ التنمية المدفوعة بالابتكار كنقطة أساسية لتنمية منطقة شيونغآن الجديدة، والإسراع في الابتكار المؤسسي والعلمي والتكنولوجي، وتحسين بيئة الابتكار وريادة الأعمال، وجذب وحشد العوامل والموارد الابتكارية في بكين وتيانجين وأنحاء البلاد، وإيجاد دفعة رفيعة المستوى من وحدات الابتكار وريادة الأعمال من خلال حشد معاهد البحث العلمي وتنمية الصناعات ذات التكنولوجيا العالية والحديثة، في سبيل جذب المؤسسات ذات التكنولوجيا العالية والحديثة لتتجمع هنا، وبناء منطقة مرشدة للابتكار ومنطقة تجريبية للإصلاح الشامل، وتشكيل منصة للتعاون في الابتكار بين بكين وتيانجين وخبي.

(3)

مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية الصينية، يصبح الإصلاح والانفتاح بشكل متزايد سياسة صينية ثابتة. لذا، يجب أن تكون منطقة شيونغآن الجديدة منطقة رائدة في التنمية المنفتحة. لابد أن تتكيف المنطقة مع الوضع الطبيعي الجديد للتنمية الاقتصادية، وتتماشى مع تيار العولمة الاقتصادية بمبادرتها الذاتية، وتلتزم بالانفتاح على الخارج، وترفع مستوى الاقتصاد المنفتح على نطاق أوسع وبدرجة أعمق. كما يتعين دمج تخطيط المنطقة الجديدة وبنائها في بناء "الحزام والطريق"، والإسراع في تحويل وظائف الحكومة، واستكشاف سبل ابتكار النمط الإداري بنشاط، وتشكيل منظومة للابتكار المؤسسي ترتبط بالقواعد الاستثمارية والتجارية الدولية، وإيجاد تفوق تنافسي جديد في التعاون الإقليمي المنفتح، في سبيل إقامة بناء مرتفع جديد لتوسيع الانفتاح ومنصة جديدة للتعاون الخارجي.

الصين والبلدان العربية من الدول النامية والاقتصادات الناشئة الرئيسية، ويعد تحقيق التنمية وتحسين معيشة الشعب رسالة تاريخية مشتركة للجانبين. ومع إنشاء "منطقة شيونغآن الجديدة"، صارت عبارة "المنطقة الخاصة"، التي تجسد الإنجازات الهائلة المحققة في الإصلاح والانفتاح في الصين، تعكس الحيوية القوية والإمكانيات الجبارة مرة أخرى. ذكرتُ أن كثيرا من قادة البلدان العربية ورجال الأعمال والخبراء العرب قاموا بزيارات استطلاعية إلى شنتشن وغيرها من المناطق الاقتصادية الصينية، وأصبح إنشاء "المنطقة الخاصة" الاقتصادية محل تفكير بعض البلدان العربية الساعية للتنمية، وتحولت عبارة "المنطقة الخاصة" من عبارة تجريدية إلى قوة محركة جديدة للإصلاح والتنمية تدريجيا. سافرتُ إلى منطقة السويس الاقتصادية بمصر للاستطلاع مرات، وشهدت إنشاءها وتطورها. وعرّفتُ رجال الأعمال الصينيين بتخطيط منطقة الدقم الاقتصادية في عمان، لتشجيعهم على السفر إليها للاستطلاع والاستثمار فيها. كما تأثرتُ بمشروع "مدينة الحرير" ومشروع "التنمية الشاملة في الخمس جزر" في الكويت، وانتهزت فرصة حضور الندوة في الكويت، للاستعلام من أصدقائي الكويتيين عن الأفكار والخطط المعنية، وناقشتهم حول آفاق التعاون الثنائي. يحتاج بناء "الحزام والطريق" إلى الربط بين العديد من المناطق الاقتصادية والموانئ، وذلك من أجل تحقيق التنمية المشتركة لشتى الأطراف وتشكيل رابطة مصلحة مشتركة ومصير مشترك. لقد وصل التعاون الصيني – العربي إلى مستوى جديد ونقطة انطلاق جديدة، فلابد أن يكون التعاون في بناء المناطق الاقتصادية الخاصة وسيلة هامة، ستصبح منطقة شيونغآن الجديدة نافذة جديدة تقوم الصين بالانفتاح والتعاون الخارجي عبرها. أثق بأن الجانبين الصيني والعربي يستطيعان إيجاد ملتقى جديد للتعاون، في سبيل تشجيع الربط بين استراتيجيات التنمية الصينية والعربية، ودفع التعاون الثنائي العملي إلى الأمام، وكتابة صفحة جديدة للمنفعة المتبادلة والكسب المشترك والتنمية المشتركة للصين والبلدان العربية.