وو شيويه فنغ يرفع المباخر العربية في الصين

يجمع بين الصينيين والعرب عشقهم للعطور والبخور منذ قديم الزمان. وترتبط العطور والبخور بالطقوس الدينية في المساجد والمعابد عند الشرقيين، ويعتبرها كثير من المسلمين جالبة للبركة وواقية من الحسد.

وو شيويه فنغ (يوسف)، وهو صيني مسلم يشغل منصب نائب مدير المركز الصيني لدراسات ثقافة العطور والبخور، التابع للجمعية الصينية للعادات والتقاليد الشعبية، يعكف حاليا على دراسة ثقافة العطور والبخور عند الصينيين والعرب، وتعزيز التبادل بين الصين والدول العربية في هذا المجال. زار وو السعودية والإمارات والكويت وقطر، بغرض دراسة ثقافة العطور والبخور المحلية وتبادل المعرفة مع الهيئات المحلية والخبراء.

التعرف على العطور والبخور

في عام 2011، سافر وو شيويه فنغ إلى السعودية للعمل في فرع لشركة صينية كبيرة. هناك، اختلط مع العرب وعرف عاداتهم اليومية في استخدام العطور والبخور لتعطير الأماكن العامة والخاصة، باستخدام نوع واحد من العود أو مزج أنواع مختلفة منه للحصول على رائحة زكية. لاحظ وو شيويه فنغ أن للبخور مكانة متميزة لدى العرب والمسلمين، وأنه يرتبط ارتباطا وثيقا بحياتهم اليومية وبطقوسهم وعاداتهم، ويمكن القول إن العطور والبخور رمز لحياة العرب. في بلاد العرب، هناك من يستخدمها كعلاج أو لتعطير منازلهم برائحتها الطيبة. ولاحظ أيضا أن العرب يستخدمون، منذ قديم الزمان، أنواعا كثيرة من البخور والعطور.

في عام 2012، وبعد أن عاد من السعودية، قرر وو شيويه أن يتعلم علم العطور والبخور، وخاصة العود، على أيدي الخبراء في بكين. العود، وهو أغلى أنواع البخور، يحتوي العود على دهن خاص. أثناء مسيرة الدراسة، تعرف وو شيويه فنغ على السيد سون ليانغ، الذي كان يشغل منصب مدير المركز الصيني لدراسات ثقافة العطور والبخور ويعد من أشهر خبراء وجامعي البخور في الصين. قال سون ليانغ إنه سافر مرارا بين الصين واليابان ليدرس ثقافة البخور الصينية واليابانية.

رأى وو شيويه فنغ أن لديه فرصة ليكون جسرا لتعزيز التبادل بين الصين والدول العربية في مجال ثقافة البخور. قال: "يرجع تاريخ تبادل البخور بين الصين والدول العربية إلى زمن بعيد. كان التجار العرب يحملون البخور إلى الصين عبر طريق الحرير البري وطريق الحرير البحري، وكانوا يبادلونه بالحرير والخزف والشاي الصيني."

ثقافة البخور العربية

 في عام 2013، أنشأت الجمعية الصينية للعادات والتقاليد الشعبية مركزا خاصا لدراسة ثقافة البخور. يعتبر هذا المركز منصة لتعزيز التبادل بين الصين والدول الأخرى في مجال ثقافة البخور، كما أنه قاعدة للدراسات الجديدة في هذا المجال. وو شيويه فنغ، الذي يشغل حاليا منصب نائب مدير هذا المركز، قرر أن يكرس حياته لدراسة ثقافة البخور.

عرف وو شيويه فنغ أن العرب من أوائل الشعوب التي اكتشفت واستخدمت البخور في تاريخ البشرية، كما عملوا بتجارة العطور والبخور، وأن الجزيرة العربية هي مصدر اللبان والمر. وقد ذكر المؤرخ العربي المشهور أحمد صقر أن استخدام العطور والبخور كان عادة شائعة عند الفينيقيين. وكان العرب في جنوبي الجزيرة العربية ينقلون العطور والبخور إلى دول البحر المتوسط، كما كانت في الجزيرة العربية أسواق تقليدية لتبادل المنتجات، مثل سوق عكاظ. وفي هذه الأسواق، كان العرب يبيعون البخور والعطور. وبمرور الأيام، ارتفعت مكانة البخور حتى ظهرت مهنة المبخر، وهو الذي يقوم بالتبخير، ومازالت هذه المهنة موجودة حتى اليوم. وتستخدم المباخر في مناسبات عديدة، مثل حفلات الزفاق وتهيئة البيوت لاستقبال الضيوف، وغيرها من الاحتفالات العائلية أو الوطنية.

قال وو شيويه فنغ، وهو صيني مسلم، إن المسلمين يحبون استخدام العطور والبخور في الحياة اليومية، فذلك من العادات الجميلة والأصلية لديهم التي يتوارثها الأبناء عن الآباء. وأضاف: "بالنسبة للمسلمين، التعطر من السلوكيات الطيبة. مع حلول شهر رمضان المبارك تغزو البيوت والمحال والأحياء والمساجد الرائحة الطيبة للعطور والبخور، فلا يبخل الناس بشراء أفخر وأجود أنواع العود والعطور والبخور لاستعمالها. وعن أبي أيوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربع من سنن المرسلين الحياء والتعطر والسواك والنكاح. وفي العهد الإسلامي، كان الملوك يصرفون أموالا هائلة على شراء العطور والبخور، وكان عدد متاجر العطور والبخور كثيرا جدا. "

كما عرف وو شيويه فنغ أن ثقافة العطور والبخور العربية أثرت على العالم الغربي، وتعلم الفرنسيون من العرب طريقة تبخير العطر لإنتاج العطور الفرنسية المشهورة. وفي عام 1730، تأسست أول شركة للعطور في مدينة غراس الفرنسية، التي تعتبر العاصمة العالمية لصناعة العطور حاليا، على أساس الجمع بين الطريقة العربية التقليدية لتبخير العطور والأجهزة الحديثة بعد الثورة الصناعية الأوروبية.

تعميق الدراسة وتوسيع التجارة

بالإضافة إلى إجراء الدراسات حول تاريخ العطور والبخور وثقافتها، ينهض المركز الصيني لدراسات ثقافة العطور والبخور بوظائف متعددة، مثل إقامة الفعاليات المتعلقة بنشر ثقافة العطور والبخور، وطرق حرق البخور العربي في المبخرة. الأكثر من ذلك، يشتري المركز المواد الخام لصنع البخور، مثل خشب العود من خارج الصين، ليتولى المركز تصنيعها. ويعتزم وو شيويه فنغ تأسيس علامة تجارية خاصة به لتسويق هذه الأنواع من البخور.

قال وو شيويه فنغ: "الثقافات المتميزة في العالم بينها ترابط وتبادل. قديما في الصين، كان البخور رمزا للصفاء الروحي عند الأدباء والمثقفين الصينيين. كانوا عندما يكتبون الشعر أو يعزفون الموسيقى يحرقون البخور لتطهير نفوسهم. حاليا، ومع الاهتمام الدولي بالمنطقة العربية اقتصاديا وسياسيا، أرى أنه من اللازم أن نهتم بالتبادل الثقافي مع العرب. وأتمنى أن تكون ثقافة العطور والبخور جسرا ووسيطا للربط بين الصينيين والعرب. أرجو أن أتعمق في دراستي وأتوسع تجارتي لأساهم بنصيبي في نشر ثقافة العطور والبخور العربية."