نور الدين مي قوانغ جيانغ
أول صيني يحصل على جائزة الاقتصاد الإسلامي

الفنون والثقافة الإسلامية لها تاريخ عريق، ويُستخدم الخط العربي في حياة المسلمين على نطاق واسع، فهم ينسخون القرآن الكريم بالخط العربي الأنيق والجميل والواضح، ويزخرفون المساجد بالخط العربي القوي، ويزينون بيوتهم أيضا بلوحات من الخط العربي الدقيق، ويثرون حياتهم الفنية والثقافية بأعمال الخط العربي الحي والزاهي.

في الحادي عشر من أكتوبر عام 2016، عقدت الدورة الثالثة للقمة العالمية للاقتصاد الإسلامي في دبي بدولة الإمارات تحت شعار "استلهام التغيير لغد مزدهر"، والتي فاز فيها الخطاط المسلم الصيني الحاج نور الدين مي قوانغ جيانغ بالجائزة عن فئة الفن الإسلامي وقد قام الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي بمنحه الجائزة، وقالت لجنة التحكيم إن أعمال مي قوانغ جيانغ تمتاز بالمزج بشكل فريد بين الفنين الصيني والعربي، وتتمتع بأسلوب إبداعي وقيمة فنية عالية، كما قدم مي قوانغ جيانغ مساهمات بارزة في تطوير الاقتصاد الإسلامي العالمي.

طريق طويل إلى العلم 

وُلِد الأستاذ مي قوانغ جيانغ في عائلة مسلمة تقليدية في قرية هانتشوانغ بمحافظة يويتشنغ في مقاطعة شاندونغ، عام 1963. وقد تعود سمعه وبصره منذ صغره على الكلمات العربية. على سبيل المثال، من عادة أهل القرية عندما يقيمون بناء جديدا أن يستعينوا بأقاربهم وأصدقائهم لتجهيز زلابية يوشيانغ وغيرها من الأطعمة التقليدية للأقليات القومية من أجل ضيافة الجيران في يوم بدء البناء ومن عادتهم أيضا، دعوة إمام لكتابة "الدعاء" الذي يلصقونه على الرافدة للبناية، طلبا للبركة والسلام والتوفيق من الله الرحيم. كما أنهم يلصقون "الدعاء" على بوابة البيت وعتبة الباب العليا لغرفة العروسين في اليوم السابق ليوم الزفاف طلبا للبركة والسعادة. وقد أحب مي قوانغ جيانغ الخط العربي من خلال "الدعاء" الذي كان يراه في الحياة اليومية في صغره.

عندما بلغ السابعة عشرة من العمر، بدأ تعلم تلاوة القرآن على يد الإمام شا أن شيانغ في مقاطعة شاندونغ. وفي عام 1983، سافر إلى منطقة منغوليا الداخلية الذاتية الحكم للتلمذ على يد الإمام لي ون شيوان في مسجد هايلار في مدينة هولونبير. وفي عام 1986، بدأ يدرس اللغة العربية في مدرسة اللغة العربية بمدينة شانغتشي في مقاطعة شانشي. وفي ديسمبر عام 1987، ذهب إلى مدينة تسانغتشو بمقاطعة خبي للدراسة على يد الإمام شا جين ينغ. وفي فبراير عام 1988، درس بجامعة الدراسات الأجنبية ببكين. في مارس عام 1989، سافر إلى الكويت ليعمل مترجما في شركة صينية، فكان يتردد على الخطاطين المحليين في أوقات فراغه، وعرف كثيرا من أدوات الكتابة الأصلية للخط العربي. في عام 1991، ذهب إلى مصر، حيث درس وعمل لمدة ثماني سنوات. كان حلمه أن يدرس الخط العربي لتأسيس مدرسة لتعليم الخط العربي بعد عودته إلى الصين ونشر الخط العربي الحديث والأصلي في الصين، وجعل المزيد من محبي فن الخط العربي يستفيدون منها. أثناء وجوده في مصر، منحه رئيس جمعية الخطاطين المصريين مسعد خضير البورسعيدي شهادة تقدير حملت الكلمات التالية: "تتشرف جمعية الخطاطين المصريين بتقديم هذه الشهادة إلى السيد نور الدين مي قوانغ جيانغ تقديرا لجهوده العظيمة في مجال الخط العربي ومساهماته القيمة في نشر هذا الفن من مصر إلى الصين."

ثمار باهرة وافرة

قبل أكثر من ألف وثلاثمائة سنة، دخل الدين الإسلامي إلى الصين، ودخل معه الخط العربي. وفي أواخر فترة أسرة يوان (1271 – 1368 م) حتى بداية فترة أسرة مينغ (1368 –1644 م)، ومع ازدياد عدد المسلمين وتمازج الثقافات، تأثرت أعمال الخط العربي التي أبدعها الخطاطون الصينيون المسلمون بفن الكتابة والرسم الصيني، مع الاحتفاظ بالأسلوب الفني المميز لهم.

تميز مي قوانغ جيانغ بأسلوبه الصيني الفريد، حيث يمزج فن الخط العربي التقليدي بتقنيات ووسائل الكتابة الصينية التقليدية. أعماله لا تعكس أسلوبا فنيا رائعا فحسب، وإنما أيضا تجسد التمازج بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الصينية، وتعيد إلى أذهاننا علاقات التأثر والتأثير الحضاري التي نشأت على طريق الحرير منذ القرن السابع الميلادي بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الصينية، وتبعث على التفاؤل بانبعاثها من جديد في إطار مبادرة "الحزام والطريق". في تقديمه للأسلوب الصيني لفن الخط العربي، يقول مي قوانغ جيانغ إن الفارق بين فن الخط العربي التقليدي وأسلوبه الصيني في كتابة الخط العربي، يكمن في أربعة نقاط: أولا، يستعمل مي قوانغ جيانغ أدوات كتابة صينية، من أقلام وفُرَشٍ، وتكون غالبا مختلفة القياسات والأشكال؛ ثانيا، يستعمل أوراقا عرضية وأخرى أفقية ملفوفة في كتابة أسلوبه الصيني؛ ثالثا، يستعمل في هذا النوع من الخط العربي خاصية من خصائص فن الخط الصيني، وهي التوقيع إما من خلال ختم أحمر يحتوي على اسمه، أو من خلال إمضاء صينية تكتب عموديا؛ رابعا، يستعمل في أعماله من هذا الأسلوب تقنية الكتابة الفورية والمسترسلة، وهي تختلف عن أسلوب فن الخط العربي الذي ينقسم إلى مراحل.

من جهة أخرى، يتميز أسلوب الحاج نور الدين بالتجديد، حيث يسعى من خلال أعماله إلى كسر حاجز اللغة لدى المشاهدين الصينيين والعرب على حد سواء، فطور أعمالا فنية تحمل كلمات أو جملا يمكن قراءتها بالعربية والصينية في آن واحد، وتحمل نفس المعاني في الثقافتين، مثل الله و أو السلام و . أما بالنسبة للخط العربي التقليدي، فيجسد مي قوانغ جيانغ، المنمنمات العربية التقليدية داخل رموز ثقافية صينية، مثلما على أواني الخزف. ويقول مي قوانغ جيانغ إن أسلوبه يلقى إعجابا كبيرا من الزائرين الصينيين لمعارضه، كما يبدي الصينيون تذوقا كبيرا لأعمال فن الخط العربي التي يبدعها دون حاجة إلى فهم معاني الكلمات، لأن أعمال فن الخط العربي يمكنها إيصال معانيها ودخول قلوب المشاهدين الصينيين من خلال محتواها الفني الثري. ولا شك أن ما يقوم به مي قوانغ جيانغ، ليس فقط فنا للخط، وإنما أيضا محاولة لترجمة معاني التبادل الحضاري والصداقة بين الشعوب من خلال أعماله الفنية.

في يناير عام 1997، حصل مي قوانغ جيانغ على إجازة الخط العربي من مصر، وهو أول صيني ينال جائزة رفيعة في هذا المجال. وعرضت أعماله الفنية في العديد من المتاحف والمعارض الدولية في العالم، من بينها المتحف البريطاني ومتحف الفن الآسيوي في سان فرنسيسكو والمتحف الوطني في اسكتلندا ومتحف الفن في جامعة هارفارد وغيرها. في عام 2005، اقتنى المتحف البريطاني لوحة بأسماء الله الحسنى وعرضها بشكل دائم في جناح الفن الإسلامي من إبداعات مي قوانغ جيانغ، ويعتبر ذلك المرة الأولى التي تعرض فيها لوحة من هذا النوع للخط العربي بالأسلوب الصيني.

يتمتع مي قوانغ جيانغ بحكمة ومهارة فنية وقدرة إبداعية مميزة على إظهار الفن العربي الإسلامي بروح صينية وتقريبها للمشاهدين، وتدعوه كثير من المؤسسات التعليمية والهيئات الفنية المشهورة في العالم إلى إلقاء المحاضرات وإدارة ورش تعليم الخط العربي، وبينها جامعة بكين وجامعة هارفارد وجامعة كامبريدج وجامعة كاليفورنيا في بركلي وجامعة بوسطن ومركز قطر الثقافي الإسلامي (فنار). وأقام مي قوانغ جيانغ العديد من المعارض الفنية في دول مختلفة، مثل بريطانيا وكندا وأيرلندا وأستراليا وسنغافورة والإمارات وقطر وموريشيوس والكويت والجزائر ومصر وتركيا وإيطاليا والسعودية وجنوب أفريقيا والهند وباكستان وماليزيا، وغيرها.

في أكتوبر عام 2009، أسس مي قوانغ جيانغ مكتب قوانغجيده في مدينة تشنغتشو بمقاطعة خنان، ويعتبر هذا المكتب المؤسسة الأكاديمية الوحيدة الخاصة لبحوث الخط العربي في الصين في الوقت الحالي، ويعمل على دراسة وجمع نسخ القرآن الكريم بخط اليد التقليدي وتعليم الخط العربي بالأسلوب الصيني في كل العالم بدون مقابل، وإعداد متخصصين ذوي مستوى رفيع في مجال الخط العربي، والبحث في مصدر ومسيرة تطور ونشاطات وأعمال الخط العربي بالأسلوب الصيني. ويتعاون قوانغجيده مع المتاحف والجامعات والمؤسسات الأكاديمية والمؤتمرات الدولية والمراكز الفنية والمعارض المشهورة في إقامة المعارض والمحاضرات وغيرها من النشاطات المتعلقة بالخط العربي، ويهتم بتصاميم الفنون الإسلامية وزخرفة بنايات المسلمين وتقديم الاستشارة حول الفن الإسلامي، والقيام بالتبادلات والتعاون في مجال الخط العربي في العالم.

على مدى ثماني سنوات متتالية؛ من عام 2009 إلى عام 2016، اختارت جامعة جورجتاون في واشنطن مي قوانغ جيانغ ضمن "أهم خمسمائة شخصية إسلامية مؤثرة في العالم".

في الحادي عشر من أكتوبر عام 2016، فاز مي قوانغ جيانغ بجائزة الاقتصاد الإسلامي التي تأسست في عام 2013، وتشمل الجائزة مجالات الفن الإسلامي والتمويل الإسلامي والصحة والغذاء والإعلام والسياحة والضيافة وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والبنية التحتية المعرفية للاقتصاد الإسلامي والإنجاز مدى الحياة، وتهدف إلى تشجيع المشروعات التجارية والأفكار الإبداعية المتفقة مع السنة والمستقرة وعلى المستوى العالمي والتي يمكن أن تدفع اقتصاد وتطور الاقتصاد للمسلمين مما يحقق ازدهار وسعادة وسلام العالم. قال مي قوانغ جينغ إن فوزه بهذه الجائزة يرجع إلى ازدهار وقوة الصين ومكانتها الملحوظة ومهمتها في الشؤون العالمية أولا، وثانيا يهدف إلى تقدير مساهماته في الفنون والثقافة الإسلامية في العالم، خاصة جهوده في توارث فن الخط العربي بالأسلوب الصيني القديم والتقليدي والمحافظة عليه وتعميمه وإعداد جيل جديد من فناني الخط.

توارث وتطوير الخط العربي بالأسلوب الصيني 

الفنون والثقافة الإسلامية متنوعة، ومع تعميم تقنيات الكمبيوتر، تتلاشى تدريجيا فنون يدوية تقليدية كثيرة، وبعضها يتدهور ويندثر. مي قوانغ جيانغ يبذل كل جهوده من أجل المحافظة على الخط العربي بالأسلوب الصيني وتعظيمه وتوارثه بكل وسيلة ممكنة. ومن خلال فوزه بهذه الجائزة، سيواصل جهوده في تطوير وتوارث فنون وثقافة القوميات لبلادنا، ورفع المزايا الثقافية لأبناء الأقليات القومية ومواصلة تعليم وتوارث وتعميم الخط العربي بالأسلوب الصيني، استفادة من تقنيات الكمبيوتر. الإسلام إيمان وثقافة وفن، ويدعو الإسلام إلى السلام في المجتمع والحياة، ويدعو إلى حسن التعامل مع الآخرين والتعايش في وفاق والتنمية المشتركة.

من أجل توارث الخط العربي بالأسلوب الصيني، الذي يعتبر تراثا ثقافيا غير مادي لثقافة قومية هوي، فتح مي قوانغ جيانغ دورة لتعليم الخط العربي بالأسلوب الصيني في مسجد بيشياجيه في مدينة تشنغتشو بمقاطعة خنان في مارس عام 2008، وقد شارك أكثر من ثمانمائة شخص في الدراسة النظامية لهذه الدورة، وحضر أكثر من خمسة آلاف شخص المحاضرات التي ألقاها لتدريس الخط العربي بالأسلوب الصيني. ويعكف مي قوانغ جيانغ حاليا على تأليف ((مقرر الخط العربي بالأسلوب الصيني)) و((الخط العربي بالأسلوب الصيني الجميل)) و((البسملة بالخط العربي بالأسلوب الصيني)) و((الخط العربي في الصين)) وغيرها من الكتب. ويعتزم إنشاء إجازة للخط العربي بالأسلوب الصيني لتوارث هذا الفن العريق. يحرص على إقامة المعارض وإلقاء المحاضرات في الجامعات المشهورة وفي المساجد بالمناطق الريفية في الصين وفي الجامعات المشهورة في العالم.

قال السيد مي قوانغ جيانغ بتواضع: "العلم بحر بلا شاطئ، وأعمل معلما الآن، ولكنني مازلت تلميذا. رغم أن عمري قد جاوز خمسين سنة، ما زلت أبحث عن الأساتذة لأتعلم منهم." في يوليو عام 2008، سافر إلى اسطنبول في تركيا، وتعلم من الخطاط المشهور للخط العربي حسن جلابي ليواصل دراسة الخط العربي، باعتباره الطالب الصيني الوحيد، وعرف كثيرا من الخطاطين المشهورين للخط العربي في اسطنبول التي تعتبر مركز دراسة فن الخط العربي. يرى مي قوانغ جيانغ أن التعلم والتعليم يؤثر ويدفع كل منهما الآخر، وقال: "الخط عالم جميل للمسلمين وهو أسمى طريق للتعبير عن الفن الإسلامي، كما أنه الفن الرائع الذي أدرسه طول حياتي. وإن الله جميل يحب الجمال."