الصين ستُبقي بابها مفتوحاً

قام الرئيس شي جين بينغ بزيارة دولة إلى سويسرا في الفترة من الخامس عشر إلى العشرين من يناير 2017، حضر خلالها الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس 2017)، الذي عقد تحت عنوان "قيادة متجاوبة ومسؤولة" كما قام بزيارة مقر الأمم المتحدة في جنيف ومقر اللجنة الأوليمبية الدولية ومقر منظمة الصحة العالمية.

 وقد قال مؤسس منتدى دافوس ورئيسه التنفيذي كلاوس شواب، إنه في ظل تزايد المخاوف العالمية بشأن الحمائية التجارية والمشاعر المناهضة للعولمة والقضايا الاقتصادية والسياسية الأخرى، فإن حضور الرئيس شي للمنتدى بالحكمة والخبرات الصينية يحمل أهمية تاريخية كبيرة. 

الرؤية الصينية لإصلاح الحوكمة العالمية

في ظل حركة اللاعولمة، جاءت مشاركة الرئيس شي في دافوس، مؤشرا على اتجاه تطور وإصلاح الحوكمة العالمية التي تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي وزيادة قدرة الناس على إدراك الذات ودعم انتعاش الاقتصاد العالمي. تدعم الصين إصلاح الحوكمة العالمية، وحضور الرئيس الصيني منتدى دافوس يوضح موقف الصين من هذا الإصلاح.

في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية لمنتدى دافوس، في السابع عشر من يناير، دعا الرئيس شي إلى بذل جهود مشتركة لرسم مسار للعولمة الاقتصادية وصياغة أنماط جديدة للنمو والتعاون والحوكمة والتنمية على المستوى العالمي، مشددا على أهمية التأقلم مع العولمة الاقتصادية وتوجيهها، والعمل على استفادة الجميع من منافعها. وقال: "إن اتهام العولمة الاقتصادية بالتسبب في مشكلات العالم يتعارض مع الواقع ولا يفيد في حل المشكلات"، مؤكدا على الحاجة إلى العمل بطريقة استباقية وإدارة العولمة الاقتصادية بشكل ملائم من أجل إطلاق العنان لآثارها الإيجابية وإعادة التوازن لها. ودعا كل الدول إلى اتباع التوجه العام، والتحرك وفقا لظروفها الوطنية الخاصة، والمضي على الطريق الصحيح للاندماج في العولمة الاقتصادية بالخطوات المناسبة. وأكد الرئيس الصيني على الحاجة إلى تحقيق التوازن بين الكفاءة والعدالة، لضمان أن تتقاسم الدول المختلفة والطبقات الاجتماعية المختلفة والمجموعات المختلفة منافع العولمة الاقتصادية. وأضاف: "الحمائية التجارية والشعبوية والنزعة القومية قادرة على تهدئة الاستياء الشعبي لفترة ما، ولكنها على المدى الطويل ستضر بالمصالح العامة للجميع".

إيجابية صينية في دافوس

تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية على صياغة النظام الدولي تحت القيادة الأمريكية، بهدف الإبقاء على الهيمنة الأمريكية، ودعم الحلفاء ونظام السوق الحرة. لكن هذا النظام الدولي لم يقدم حلولا تضمن العدالة والكفاءة والتضامن في مسيرة العولمة، وتحقق التوازن بين المصالح الإقليمية والعالمية، وتكامل نظام السوق في العالم. أما البرنامج الصيني، فيدعو إلى التنوع والتعايش، أي وجود أنظمة سياسية واجتماعية مختلفة وأساليب إدارية ومستويات تنمية مختلفة في هيكل دولي واحد. هناك نزاعات وتناقضات بين الدول المختلفة، إلا أن هذه الاختلافات لا ينبغي أن تحول دون الاحترام المتبادل والتعاون بينها. وفي المجال الاقتصادي، تثابر الصين على الاقتصاد المنفتح وتقسيم الأعمال الدولية، ودعم تشكيل هيكل تعاون دولي ذي أبعاد شاملة ومستويات مختلفة ونطاق واسع، على أساس التعاون الاقتصادي، لتشجيع الاقتصادات الهامشية على المشاركة في السوق الدولية والمحافظة على استقرار وكفاءة السوق العالمية.

في تحليله للأسباب الجذرية للاقتصاد العالمي الضعيف، أشار الرئيس شي إلى قلة القوى المحركة للنمو العالمي وعدم ملاْءمة الحوكمة الاقتصادية العالمية وتفاوت التنمية العالمية، وطالب بتطوير نموذج ديناميكي للنمو مدفوع بالابتكار، ونموذج تعاون يتسم بالانفتاح والربح المتبادل ومنهج منسق جيدا ومترابط، ونموذج للحوكمة النزيهة والعادلة يتوافق مع توجه العصر، ونموذج تنمية متوازن وعادل وشامل. وقال: "النمو السريع في الصين أصبح محركا قويا ومستداما لاستقرار الاقتصاد العالمي وتوسعه، والتنمية المترابطة للصين وعدد كبير من الدول الأخرى جعلت الاقتصاد العالمي أكثر توازنا. وأضاف: "الإنجاز العظيم الذي حققته الصين في تخفيف حدة الفقر أسهم في نمو عالمي أكثر شمولا. كما أن التقدم المستمر للدولة في الإصلاح والانفتاح أعطى قوة دافعة كبيرة لتحقيق اقتصاد عالمي مفتوح." وتعهد شي بأن تنمية الصين ستواصل تقديم فرص لمجتمعات الأعمال في دول أخرى، وقال: "في الأعوام الخمسة القادمة، من المتوقع أن تستورد الصين سلعا بقيمة ثمانية تريليونات دولار أمريكي، وتجذب استثمارات أجنبية بقيمة ستمائة مليار دولار أمريكي، وتحقق استثمارات خارجية بقيمة سبعمائة وخمسين مليار دولار أمريكي، وسيقوم الصينيون بسبعمائة مليون زيارة إلى الخارج."

 وتعهد زعيم ثاني أكبر اقتصاد في العالم بأن تبقي الصين أبوابها مفتوحة، معربا عن أمله في أن تبقي الدول الأخرى أبوابها مفتوحة أيضا أمام المستثمرين الصينيين وتوفير بيئة مناسبة لهم. وقال: "الصين ستدفع بناء منطقة التجارة الحرة لآسيا والمحيط الهادئ ومفاوضات الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية، لتشكيل شبكة عالمية من اتفاقيات التجارة الحرة." وأكد شي أن الصين ليس لديها نية لدفع تنافسيتها التجارية من خلال خفض قيمة عملتها (الرنمينبي) وليس لديها نية لإطلاق حرب عملات، محذرا من العودة إلى سياسات الحمائية التجارية، قائلاً: "لن يخرج أحد فائزاً من حرب تجارية." وشبه الرئيس الصيني الحماية التجارية "بأن يحبس المرء نفسه في غرقة مظلمة" لكي يحمي نفسه من الخطر، ولكنه يحرم الغرفة في الوقت نفسه من "النور والهواء". وحثّ دول العالم على ألا تحمي مصالحها الخاصة على حساب مصالح الآخرين.

وحول التقدم في مبادرة "الحزام والطريق"، قال الرئيس: "دائرة الأصدقاء على طول الحزام والطريق تتسع، والاستثمارات الصينية في البلاد الواقعة على طول طرق المبادرة تجاوزت حاجز الـخمسين مليار دولار أمريكي في السنوات الثلاث الماضية. ورحبت أكثر من مائة دولة ومنظمة دولية بالمبادرة ودعمتها. كما وقعت أكثر من أربعين دولة ومنظمة على اتفاقيات تعاون مع الصين. وفي الوقت ذاته، أطلقت شركات صينية عددا من المشروعات الضخمة في الدول الواقعة على طول الحزام والطريق، ما حفز التنمية الاقتصادية بتلك الدول ووفر العديد من فرص العمل للسكان المحليين." وأوضح شي أن مبادرة الحزام والطريق، منشئها الصين ولكنها تعود بالنفع على كثيرين خارج الحدود الصينية، مشيرا إلى أن بكين ستستضيف في مايو 2017، منتدى لبحث الأفكار فيما يتعلق بالتنمية المترابطة لبحث سبل معالجة المشكلات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، وإيجاد طاقة جديدة للتنمية المترابطة وضمان أن تقدم مبادرة الحزام والطريق منافع أعظم لشعوب الدول المشاركة.

تحمل مسؤولية إصلاح الحوكمة العالمية

تشارك الصين في إصلاح الحوكمة العالمية بطرح رؤية صينية، وتبادر إلى تحمل مسؤوليات حقيقية في التصرفات الواقعية. تشارك الصين في صياغة النظام المالي الدولي وتعديله من خلال إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبنك التنمية الجديد لمجموعة دول بريكس. كما طرحت الصين مبادرة "الحزام والطريق" لتعزيز التواصل والتبادل بين الدول على طول طريق الحرير، في سبيل تحسين عدم التوازن والتكافؤ في نظام التجارة الدولي الحالي وتوفير فرص التنمية للدول المتوسطة والصغيرة. تتحمل الصين مسؤولية واقعية بتصرفاتها في مجالي المال والتجارة لتحمل المسؤولية الواقعية في إصلاح الحوكمة العالمية، ودعم مزيد من الناس للتمتع بإنجازات التنمية الاقتصادية، وتشكيل نظام دولي جديد معقول وأكثر تسامحا وتوازنا.

وقد أشار الرئيس شي في كلمته إلى أن تاريخ العالم يظهر أن طريق الحضارة البشرية لم يكن أبدا سهلا، وأن البشرية حققت التقدم بتجاوز المصاعب، مطالبا المجتمع الدولي بالتضافر والارتقاء إلى مستوى التحديات، وقال: "التاريخ يصنعه الشجعان، هيّا نعزز الثقة ونأخذ إجراءات ونسير يدا بيد باتجاه مستقبل أفضل".

دبلوماسية متنوعة

في الثامن عشر من يناير، قام الرئيس شي بزيارة مقر الأمم المتحدة في جنيف، حيث ألقى هناك كلمة أكد خلالها حرص بلاده على دعم السلام العالمي وتعهد بأن تقدم الصين مائتي مليون يوان (الدولار الأمريكي يساوي 9ر6 يوانات)) كمساعدات إنسانية جديدة للاجئين السوريين والأشخاص النازحين. وقال: "ستظل الصين ثابتة على التزامها بدعم السلام العالمي. لآلاف عديدة من السنوات، ظل السلام يجرى في دمنا نحن الصينيين، وهو جزء من حمضنا النووي"، مقتبسا عن الحكيم الصيني كونفوشيوس قوله: "لا تفعل مع الآخرين ما لا تحب أن يفعله الآخرون معك". وأشار إلى أن الصين تطورت من دولة فقيرة وضعيفة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ليس بالتوسع العسكري أو النهب الاستعماري، وإنما بالعمل الشاق لشعبها وجهودهم لدعم السلام. وتعهد بأن الصين لن تتهاون في مسعاها وراء التنمية السلمية، ولن تسعى أبدا للهيمنة والتوسع ومجالات النفوذ، وقال: "التاريخ قد برهن على هذا، وسيظل يفعل ذلك".

وفي ذات اليوم، قام الرئيس شي بزيارة مقر منظمة الصحة العالمية، حيث شهد مع المديرة العامة للمنظمة مارغريت تشان، مراسم التوقيع على مذكرة تفاهم بين الصين والمنظمة تهدف إلى تسريع التعاون في مجال الصحة في إطار مبادرة "الحزام والطريق". وقد أشادت تشان بالإسهامات الهامة التي تقدمها الصين للصحة العالمية والعمل الذي قامت به المنظمة خلال السنوات الماضية، فضلا عن الحملة التي تقوم بها الصين لتحسين صحة شعبها.

وأثناء زيارته إلى مقر اللجنة الأولمبية الدولية، ولقائه مع رئيسها توماس باخ، تعهد الرئيس الصيني بجعل دورة بكين الأولمبية الشتوية لعام 2022 حدثا عالميا رائعا وغير عادي، وأعرب عن تقديره للإسهامات الدائمة والمهمة للجنة في التنمية القوية للحركة الأولمبية الدولية ومساعدة الصين في تعزيز أنشطتها الرياضية.

وقد التقى الرئيس شي مع كلاوس شواب، حيث شهدا التوقيع على مذكرة تفاهم بين اللجنة الوطنية الصينية للتنمية والإصلاح ومنتدى دافوس. وقال شي: "عنوان المنتدى يرتبط بالوضع العالمي الحالي ويحدد طريقة الخروج من المشكلات"، مضيفا أنه منذ تأسيس المنتدى، يزداد وضعه وتأثيره يوما بعد يوم نظرا لأنه يدعم روح الابتكار ويحافظ على حيويتها ويدفع من أجل بحث القضايا العالمية المشتركة. وأشار الرئيس الصيني إلى أن التعاون بين الصين والمنتدى أصبح جوهريا ومثمرا بازدياد، وقال: "يجب علينا إرسال إشارات إيجابية معا وتعزيز الثقة في عملية العولمة الاقتصادية."