عالم واحد، أسرة واحدة

"وسط أصوات الألعاب النارية، يصل عام آخر إلى نهايته، وتدخل أنفاس الربيع الدافئة كل دار."

هذا البيت المشهور لوانغ آن شي، وهو واحد من أعظم شعراء أسرة سونغ (960- 1127)، يجسد مشهدا نموذجيا خلال عيد الربيع (السنة الصينية الجديدة). هذا العيد الذي بدأ الاحتفال به قبل أكثر من أربعة آلاف عام، صادف الثامن والعشرين من يناير هذا العام. على مدى خمسة عشر يوما، بدءا من عشية العام الجديد، تحتفل كل أسرة في أرجاء الصين بالعيد من خلال نشاطات مختلفة، ومنها إلصاق دوبيتات الشعر المكتوبة على ورقات حمراء، تناول العشاء العائلي، وزيارة الأقرباء والأصدقاء.

في موسم العيد، تقام فعاليات ثقافية مختلفة، ومنهامهرجانات ليلية للاحتفال بالعيد، عروض أوبرا بكين، رقصة الأسد ورقصة التنين، والعروض الفكاهية والأكروبات. هذه الفعاليات تثري الحياة الثقافية للناس، وفي ذات الوقت تبرز أهمية تقاليد التئام شمل الأسرة الصينية والتواصل مع الطبيعة والنهضة التي تأتي من البدايات الجديدة. وهي أيضا تبين فلسفة احتضان الصينيين للطبيعة. 

بعد عقود من الانفتاح والتقدم، طفقت الصين  تتقاسم منجزاتها في التنمية مع العالم. وقد نال تقدم الصين ونهجها في تحقيق النفع المتبادل والفوز المشترك ترحيبا من المجتمع الدولي. عيد الربيع، وهو رمز جوهري للثقافة الصينية، يُحتفل به حاليا في بلدان كثيرة حول العالم. الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، وهو ذو معرفة واسعة حول الصين، استخدم كلمة "نحن" في تعليقه حول احتفالات العام الصيني الجديد، مبديا هوية ثقافية تشمل الممارسات الثقافية/ الاجتماعية الصينية. شيراك ليس الوحيد. اليوم، قادة دول عديدة، منها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأستراليا، يرسلون التهاني الطيبة للجاليات الصينية في بلدانهم خلال عيد الربيع. وفي الغالب، تقدم تلك الجاليات عروضا متنوعة يؤديها عارضون ولاعبون يأتون من الصين. ويبدي عدد متزايد من الناس في تلك البلدان اهتماما بالمشاركة في احتفالات عيد الربيع.

في الولايات المتحدة الأمريكية، العام الماضي، كان عرض الألعاب النارية في ولاية نيويورك بمناسبة عيد الربيع الصيني، احتفالا ضخما لا يقل عن الاحتفال بيوم الاستقلال الأمريكي. في المملكة المتحدة، تضيف المطاعم غير الصينية غالبا أطباقا خاصة إلى قوائمها بمناسبة هذا العيد، بينما يكون الحي الصيني في لندن ساحة لعروض هائلة، منها رقصة التنين والألعاب النارية، ويتمتع بها حشد كبير من الناس. العديد من الفرنسيين مهتمون أيضا بالثقافة الصينية، وبعضهم يشتري طعام جياوتسي (كرات عجين محشوة باللحم) من المتاجر الفرنسية، تماما مثلما يفعل نظراؤهم الصينيون، في ذلك الوقت من السنة. في الصين حاليا، صار من الشائع أن يتناول كثيرون وجبة عشية عيد الربيع الصيني في مطعم بدلا من البيت، وقد صار ذلك تيارا في فرنسا أيضا. في ألمانيا، يتم التعريف بعيد الربيع في حصة اللغة الإنجليزية بالمدارس الابتدائية قبل ذلك اليوم الكبير. تساعد وريقات تحتوي على أسئلة وحقائق مشوقة الطلاب في معرفة المزيد عن العيد وخلفيته الثقافية. وفي دبي بالإمارات العربية المتحدة وفي القاهرة بمصر تقام احتفالات عديدة بمناسبة عيد الربيع الصيني. وقد تم اعتبار عيد الربيع عطلة وطنية في أكثر من عشر دول أجنبية، منها كندا، ماليزيا، سنغافورة، موريشيوس وسورينام. كما أن تلاميذ المدارس العامة في ولاية نيويورك يحصلون على عطلة لعيد الربيع الصيني.

في عام 2016، طافت فعاليات "عام صيني جديد سعيد"، التي نظمتها وزارة الثقافة الصينية بأكثر من أربعمائة مدينة في مائة وأربعين دولة ومنطقة، وتضمنت ألفين ومائة نشاط، منها العروض والمسيرات وأسوا ق المعبد والمعارض ومهرجانات الأطعمة.  شارك في تلك الفعاليات أكثر من مائتين وخمسين مليون فرد في أنحاء العالم. 

التراث الثقافي غير الملموس والموسيقى التقليدية الصينية كانا محور فعاليات "عام صيني جديد سعيد" لسنة 2017، وخاصة في التبادلات الثقافية مع الدول الواقعة على طول الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين.

عيد الربيع يمثل أمنية بالاتحاد والسلام والنجاح والتناغم، لكل الناس. هذه البركة، التي هي رمز للثقافة الصينية، يتقبلها المزيد والمزيد من الناس حول العالم، كما أنها تعزز الثروة الروحية والقوة. وبينما يقدم العالم للثقافة الصينية مسرحا واسعا، فإن الصين تحترم وتقبل الثقافات الرائعة والمتنوعة لكل البشر. التبادل الثقافي يقوي الروابط بين الشعوب المختلفة، لأن العالم أسرة واحدة كبيرة.