ملتقى للمترجمين والباحثين في الشؤون الصينية

في مساء الحادي والعشرين من نوفمبر 2016، وفي احتفالية استضافها المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، تم الإعلان عن تأسيس "ملتقى المترجمين والباحثين العرب في الشؤون الصينية"، ليكون أول كيان في الدول العربية يجمع المهتمين بالشأن الصيني، ترجمة وبحثا ودراسة. 

وقد جاء في الرسالة التي بعث بها المركز الثقافي الصيني بالقاهرة إلى من وجِهَت لهم الدعوة لحضور حفل تدشين الملتقى: "إن الجهود المتبادلة بين الصين والدول العربية وبخاصة مصر، قد أثمرت على مدى سنوات من التعاون في الميدان الثقافي والتعليمي إنجازات باهرة، من بينها إعداد أجيال من الدارسين العرب والصينيين في مجال اللغة والأدب. والآن، وبمناسبة مرور ستين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر، وهي الأولى بين الدول العربية والأفريقية كافة، فقد حان الوقت لتأسيس كيان يجمع المترجمين وخبراء اللغة ومن لديهم الرغبة الجادة من الباحثين في تنمية الوعي بالصين ثقافيا وحضاريا، على أساس احترام عميق لتاريخ طويل من الصداقة والود والتعاون بين الشعبين الصيني والعربي، على أن يحمل هذا الكيان اسم "ملتقى المترجمين والباحثين العرب في الشئون الصينية".

أقيم هذا الملتقى برعاية المركز الثقافي الصيني بالقاهرة الذي تقوده الدكتورة تشن دونغ يون، المستشارة الثقافية النشيطة بسفارة الصين لدى مصر. وتم تحديد أهداف الملتقى بأنها "تأسيس ملتقى للمترجمين والباحثين في الشؤون الصينية من المصريين والعرب، لإقامة دورات تدريبية وورش عمل وحلقات نقاشية وندوات، يكون من شأنها توسيع دائرة المعرفة بالثقافة الصينية في جوانبها المختلفة، وذلك لأغراض معرفية خالصة دون أي صبغة سياسية أو دينية"، إضافة إلى "تشجيع المبادرات في ميدان الترجمة بين اللغة العربية والصينية، بين الدارسين المتخصصين في الترجمة التحريرية، وكذلك الناشطين في الترجمة عن لغات وسيطة بما يمكن أن يثمر إنجازات مهمة في المجال الثقافي والمعرفي"، فضلا عن "تشجيع ودعم الصلة بين الدارسين المصريين ونظرائهم الصينيين، فيما يتعلق بتيسير وسائل الاطلاع والمعرفة وتبادل الخبرات في مجال الترجمة والتأليف عن الصين ثقافيا وحضاريا".        

وقرر القائمون على الملتقى فتح عضويته لكل من لديهم خبرة في مجال الترجمة التحريرية بين اللغتين العربية والصينية، على أن تكون لديهم أعمال مترجمة، ومن لديهم أبحاث ودراسات في الشؤون الصينية، ومن لديهم أعمال مترجمة عن لغات وسيطة فيما يتعلق بالجانب الثقافي والمعرفي، ومن لهم دور فعال في نشر الثقافة الصينية.

وقد أثنى المتحدثون، في حفل إطلاق المنتدى، على هذه الخطوة. وكشفت د. تشن دونغ يون، رئيسة مجلس إدارة الملتقى، عن أنها بدأت التفكير في هذا الكيان منذ وصولها إلى مصر قبل ست سنوات، لما وجدته من اهتمام أكاديمي مصري باللغة الصينية، ولما يواجهه المترجمون والباحثون في الشأن الصيني من مشاكل مالية وإدارية وتقنية. وأشارت د. ناهد عبد الله أستاذة الأدب والترجمة بقسم اللغة الصينية في جامعة عين شمس، إلى أنه سيتم من خلال الملتقى إقامة لقاءات وفعاليات بالتعاون مع الجهات المصرية المعنية، بالإضافة إلى تدريب كوادر المترجمين في كافة مجالات الترجمة الأدبية والعلمية، وكذلك ترجمة الأفلام والمسلسلات والوثائقيات وغيرها. وقال د. محسن فرجاني، أستاذ الترجمة بقسم اللغة الصينية في جامعة عين شمس: "الملتقى سيكون جسرا للتواصل بين الشعبين العربي والصيني، ذا بعد معرفي وثقافي شامل."

وفي كلمته بحفل الإطلاق، قال كاتب هذه السطور: "إن حجم الأعمال المترجمة بين العربية والصينية لا يتناسب مع الحضارتين العظيمتين للأمتين العربية والصينية، فضلا عن الفقر الشديد في البحوث العلمية لدى كل طرف حول الآخر. إن تأسيس كيان يجمع العرب المهتمين بالشؤون الصينية له أكثر من دلالة، ليس أقلها أن الانشغال العربي بالشؤون الصينية قد بدأ الدخول إلى مرحلة المياه العميقة، متجاوزا القشرة الاقتصادية التي طغت لفترة من الزمن، ما يعني إضافةَ ركيزةٍ هامة لجَسْرِ الفجوة المعرفية بين الصينيين والعرب. إنه لشرف كبير أن يكون المترجمون والباحثون في طليعة من ينهضون بتلك المهمة."

وقد طَرحتُ اقتراحين، أرى أنهما يساهمان في تعزيز مخرجات هذا الملتقى؛ الأول هو السعي بكل جهد للتواصل مع المعنيين بالشأن الصيني في كافة الدول العربية لضمهم إلى هذا الملتقى، الثاني، أن تبدأ الأمانة العامة للملتقى اعتبارا من شهر يناير 2017، إنشاء قاعدة بيانات بأسماء وعناوين الأعمال المترجمة بين الصينية والعربية والبحوث العربية حول الصين، وأن يقدم كل عضو للأمانة العامة للملتقى قائمة بالأعمال السابقة التي قام بها ترجمة وبحثا، وأن يُخطِر كلُ عضوٍ الأمانةَ العامةَ في نهاية كل شهر بما أنجز من أعمال وملخص لكل عمل، لتُصدر الأمانةُ العامة نشرةً شهريةً تتضمن مُجمل أعمال الترجمة والبحوث، يتبعها كتيبُ سنوي يكون مرجعا شاملا لتلك الأعمال.

والحقيقة أن تأسيس "ملتقى المترجمين والباحثين العرب في الشؤون الصينية" يفتح قضية بالغة الأهمية، ألا وهي الحالة المعرفية بين الصينيين والعرب. هذه القضية تُعنَى بالصورة الذهنية لكل طرف عن الآخر، والتي تأثرت في السنوات الأخيرة نتيجة للتغيرات التي شهدتها الصين والدول العربية، والتطور الذي أحدثه التقدم الهائل في تكنولوجيا المعلومات والإعلام الجديد بكافة أدواته. ويمكن القول إن الجانبين، الصيني والعربي، برغم ما بينهما من علاقات قوية على المستوى الرسمي والتاريخ الطويل من التبادلات الودية، تعرضا لتأثير هيمنة الثقافة الغربية والإعلام الغربي في ما يتعلق بصورة كل منهما لدى الآخر. وهناك أمثلة عديدة تبين الضرورة الملحة للتواصل الثقافي والإعلامي المباشر بين الجانبين وتعميق فهم الشعبين الصيني والعربي بحقيقة قضايا واهتمامات وثقافة وتطورات الجانب الآخر. وهنا، تلعب الترجمة والبحوث الدور المحوري في تشكيل الصورة الذهنية، على المستوى العام وعلى مستوى النخبة.

يدرك الباحثون العرب المهتمون بالشؤون الصينية والباحثون الصينيون المهتمون بالشؤون العربية أن عدد الأعمال المترجمة بين الجانبين قليل للغاية، وأنه في حالات كثيرة من الأعمال المترجمة، وخاصة من الصينية إلى العربية، تكون الترجمة متواضعة. وعلى الرغم من الزيادة النسبية في عدد الأعمال الصينية المترجمة إلى العربية في السنوات العشر الأخيرة، فإن ما يسمى بالترجمة للأغراض التجارية، أي اتخاذ الترجمة كعمل تجاري وليس كعمل إبداعي، قد يكون ضرره أكثر من نفعه، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا ذات حساسية خاصة بالنسبة للصينيين أو العرب. ويواجه الباحثون العرب الذين يختارون الصين موضوعا لبحوثهم صعوبة بالغة في العثور على مراجع علمية موثوقة باللغة العربية، فيضطرون للجوء إلى الكتابات الغربية، وهي وإن لم يكن كلها يحمل توجها ضد الصين انطلاقا من معايير سياسية وقيمية مختلفة، فإن الاعتماد عليها لا يعبر عن الصورة الحقيقية للصين، أو على الأقل يفقد أي بحث رصين عنصرا أساسيا وهو عرض رؤية الدولة محل البحث. وأذكر أنني تلقيت في شهر نوفمبر 2016، دعوة استكتاب لواحدة من أكثر الدوريات العربية ثقة في مجال البحوث السياسية، وكان الموضوع المقترح هو التنمية في الصين في ظل تراجع معدل نمو الاقتصاد الصيني. وقد تفضل مشكورا مدير تحرير هذه الدورية المرموقة بتزويدي ببعض المراجع التي يمكن الاستناد إليها في ورقتي البحثية، وكانت كلها غربية، باللغة الإنجليزية. وفي حديث مع مدير التحرير، أوضحت له أن مرجعي الأساسي في هذا الموضوع هو الدراسات الصينية، مع عدم إهمال الرؤى الأخرى، الغربية وغيرها.

بفضل جهود المترجمين والباحثين العرب، وبخاصة في مصر التي توسعت فيها دراسة اللغة الصينية بشكل كبير، شهدت السنوات الخمس الأخيرة زيادة نسبية في عدد الأعمال المترجمة من اللغة الصينية إلى اللغة العربية والدراسات المعنية بالصين، وقد شاركت بنفسي في ما لا يقل عن ثلاثين عملا ما بين ترجمة ومراجعة وبحث خلال تلك الفترة. ولكن هذه الأعمال مبعثرة، وفي الغالب غير معروفة للمهتمين بالشأن الصيني. ومن هنا تأتي أهمية وجود "قاعدة بيانات" لأعمال الترجمة والبحوث العربية حول الصين، والتي نأمل أن يبادر "ملتقى المترجمين والباحثين العرب في الشؤون الصينية" بالعمل على إنشائها.

من ناحية أخرى، قد يكون من المفيد أن يهتم "ملتقى المترجمين والباحثين العرب في الشؤون الصينية" بتشجيع الباحثين العرب الدارسين للغة الصينية على مخاطبة الصينيين بلسانهم من خلال بحوث رصينة عن الدول العربية، وبخاصة التطورات الأخيرة في هذه الدول، حتى تتوفر للباحث الصيني المهتم بالشؤون العربية مصادر تعبر عن رؤية العرب لقضاياهم المختلفة، ولا يضطر أيضا للجوء إلى مصادر غربية، لا تعرض بالضرورة صورة حقيقية للأوضاع في المنطقة العربية. بهذه الخطوات، يمكن أن نقطع شوطا معقولا على طريق جسْر الهوة المعرفية في العلاقات الصينية- العربية.

لقد تحدث كثيرون وكتبوا وطالبوا بتعزيز التواصل الثقافي والمعرفي بين الصينيين والعرب، واتُخِذت مبادرات ليست قليلة في هذا الاتجاه في فترات متفرقة، وكانت في الغالب مبادرات ترتبط بأحداث معينة سواء على المستوى الدولي أو على مستوى العلاقات الصينية- العربية. ولكن ظلت هذه المبادرات مشتتة متباعدة، ليس بينها رابط أو تنسيق، وكانت تبدأ دائما بداية متحمسة ولكن ما تلبث أن تفتر مع الوقت، بانقضاء المناسبة أو بغياب القائمين عليها. ولهذا، قد يكون من المفيد العمل على جعل "ملتقى المترجمين والباحثين العرب في الشؤون الصينية" كيانا مؤسسيا، وأن يحظى برعاية من هيئات أهلية ورسمية من الجانبين الصيني والعربي، وأن تكون مخرجاته هي ركيزة استمراره وعنصر الجذب الذي يجمع إليه كل المهتمين بالشؤون الصينية في الدول العربية والمهتمين بالشؤون العربية في الصين. لا ينبغي أن يكون "ملتقى المترجمين والباحثين العرب في الشؤون الصينية" نسخة أخرى أو تكرارا لمبادرات سابقة، وأن يقدم جديدا مقنعا ومختلفا وفقا لرؤية إبداعية تواكب التطورات في الصين والدول العربية.

قديما، قال الصينيون: "إن الناس عندما يسيرون معا فإنهم يشقون دربا جديدا." وقال العرب: "ما قُرِن شيءٌ إلى شيء أفضل من إخلاصٍ إلى تقوى، ومن حِلمٍ إلى علمٍ، ومن صِدقٍ إلى عملٍ، فهي زينةُ الأخلاقِ ومنبتُ الفضائل."