نهضة الصين في الطيران الفضائي
بمناسبة الذكرى السنوية الستين لتأسيس القوات الجوية الصينية

في الساعة السابعة والنصف، صباح السابع عشر من أكتوبر عام 2016 (بتوقيت بكين)، أطلقت الصين بنجاح مركبة الفضاء المأهولة "شنتشو- 11" بنجاح من مركز جيوتشيوان لإطلاق الأقمار الاصطناعية في صحراء غوبي بشمال غربي الصين، على متن الصاروخ الحامل- المسيرة الطويلة- 2 (FY11).

المركبة التي تحمل رائدي الفضاء جينغ هاي بنغ وتشن دونغ، ستلتحم بمحطة مختبر الفضاء تيانقونغ- 2.

هدف إطلاق المركبة"شنتشو- 11" هو نقل الأفراد والمواد بين الأرض وتيانقونغ-2، واختبار تكنولوجيا الفضاء الخاصة بعمليات الالتقاء والالتحام والعودة، كما سيتم من خلال بقاء رائدي الفضاء في مختبر تيانقونغ-2 الفضائي اختبار قدرة مجموعة المركبة والمختبر على دعم حياة وعمل وصحة رواد الفضاء، وقدراتهم على تنفيذ مهام الطيران، وإجراء تجارب طبية فضائية، وتجارب لعلوم الفضاء والصيانة في المدار بمشاركة الإنسان، جنبا إلى جنب مع الأنشطة الهادفة لنشر المعارف العلمية. نجاح إطلاق "شنتشو- 11"، هو خطوة أخرى أخذتها الصين لتصبح دولة كبرى في مجال الطيران الفضائي، بعد مسيرة طويلة بدأت في عام 1956.

ضربة البداية

بدأ تاريخ الطيران الفضائي الصيني في عام 1956. شهد ذلك العام عددا من الأجراءات الهامة، ففي فبراير، طرح عالم الصواريخ والفضاء الصيني تشيان شيويه سن ((ملاحظات بناء صناعة الطيران الفضائي للدفاع الصيني)). وفي مارس، وضع مجلس الدولة ((منهج تخطيط تطور العلوم والتكنولوجيا خلال فترة ما بين عام 1956 وعام 1967)) (مسودة)، الذي دعا إلى تحقيق تطور مستقل لتكنولوجيا الطائرات والصواريخ خلال اثنتي عشرة سنة. وفي إبريل، تم إنشاء لجنة صناعة الطيران الفضائي الصيني. وفي العاشر من مايو، طرح نائب رئيس مجلس الدولة الراحل نيه رونغ تشن ((ملاحظات أولية لبناء أعمال الصاروخ الصيني))، وفي السادس والعشرين من مايو، ترأس رئيس مجلس الدولة الراحل شو أن لاي اجتماع اللجنة العسكرية المركزية لإجازة الملاحظات، وكلف لجنة صناعة الطيران الفضائي الصيني بتأسيس هيئات إدارة وبحث الصواريخ. وفي الثامن من أكتوبر، أقام تشيان شيويه سن أول معهد لبحوث الصواريخ- معهد البحوث الخامس لوزارة الدفاع (الأكاديمية الصينية لتكنولوجيا إطلاق المركبات حاليا).

في الساعة التاسعة صباح الخامس من نوفمبر عام 1960 (بتوقيت بكين)، نجحت الصين في إطلاق الصاروخ المحاكي- "دونغفنغ- 1" وإطلاق أول صاروخ موجه. لكنها فشلت في إطلاق "دونغفنغ- 2" في عام 1962. وفي عام 1964، عبر جهود دؤوبة وحثيثة، نجحت الصين في إطلاق "دونغفنغ- 2" ثلاث مرات. هذا يعني أن الصين صارت تمتلك تكنولوجيا الصواريخ، وتستطيع القيام بضربات بعيدة المدى.

في عام 1964، أعد علماء الصين ((تقرير خطة القمر الاصطناعي)). وفي 29 يونيو من ذلك العام، نجحت الصين في إطلاق صاروخ متقدم قصير ومتوسط المدى مرة أخرى. وفي 27 أكتوبر من عام 1966، نجحت الصين في تجربة إطلاق صاروخ محمل برؤوس نووية، وقد أصاب رأس الصاروخ الهدف بدقة وأحدث انفجارا نوويا. في نوفمبر، بدأت بحوث الصاروخ الحامل الذي يحمل اسم "تشانغتشنغ-1" ((المسيرة الطويلة-1))، والقمر الاصطناعي الذي يحمل اسم "دونغفانغهونغ-1". في 26 ديسمبر، نجحت الصين في إطلاق صاروخ متوسط المدى. في الساعة التاسعة من مساء الرابع والعشرين من إبريل عام 1970 (بتوقيت بكين)، نجحت الصين في إطلاق "دونغفانغهونغ- 1" إلى الفضاء؛ وهو أول قمر اصطناعي أطلقته الصين في تاريخها. أصبحت الصين خامس دولة في العالم تطلق قمرا اصطناعيا بصورة مستقلة. وهو أول مَعْلم في تاريخ الطيران الفضائي الصيني.

تطور عميق

بعد فترة وجيزة من إطلاق القمر الاصطناعي، بدأت الصين في تخطيط هندسة أقمار الاتصالات الاصطناعية، في مشروع حمل اسم "هندسة 311". في 28 ديسمبر عام 1977، شاركت سبع وزارات في تحديد اسم الصاروخ "تشانغتشنغ-3"

تم إطلاق "دونغفانغهونغ- 2" في عام 1984، وتوسعت وظائفه ومهامه، واستطاع نقل معلومات التلفزيون والهاتف والراديو وغيرها من المعلومات الأخرى، التي يمكنها تغطية كل أرجاء الصين.

في ثمانينات القرن العشرين، أصبحت التجارب الفضائية على أساس تكنولوجيا استعادة الأقمار الاصطناعية، نقطة ساخنة في العالم. وأضحى الفضاء سوقا تجريبية واسعة. في أكتوبر عام 1985، أعلنت حكومة الصين أن الصاروخ الحامل "تشانغتشنغ" سوف يدخل السوق الدولية، ويحمل مهمة الإطلاق التجارية للعملاء في الداخل والخارج. دخلت أعمال الطيران الفضائي الصيني مرحلة التنافس في سوق الفضاء وصارت تواكب التطور الدولي في استكشاف الفضاء.

في أغسطس عام 1987، أطلقت الصين قمرا اصطناعيا تاسعا قابلا للاسترداد، من مركز جيوتشيوان لإطلاق الأقمار الاصطناعية، وحمل جهازين تجريبيين للجاذبية الصغرى، لشركة ماترا الفرنسية. بعد استعادة هذا القمر، نجحت شركة ماترا في تجربتها المعنية، وهي أول محاولة للطيران الفضائي الصيني لدخول سوق الفضاء الدولية. في السابع من إبريل عام 1990، نجحت الصين في إطلاق الصاروخ الحامل- "تشانغتشنغ- 3" من مركز شيتشانغ لإطلاق الأقمار الاصطناعية، ونقل قمر الاتصالات- "آسيا- 1" المصنوع في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مداره المحدد سلفا، وحققت الصين لأول مرة نجاحا في إطلاق قمر اصطناعي لعميل أجنبي. وفي السادس عشر من يوليو عام 1990، نجحت الصين في إطلاق الصاروخ الحامل "تشانغتشنغ- 2" ذي القوة الدافعة الكبيرة الذي بحثته الصين ذاتيا في مركز شيتشانغ لإطلاق الأقمار الاصطناعية. وفي السادس من أكتوبر عام 1992، نجحت الصين في إطلاق القمر الاصطناعي السويدي "فوليا" إلى مداره المحدد بشكل "صاروخ مع قمرين اصطناعيين". في الثاني والعشرين من فبراير عام 1994، بنت الصين أول محطة أرضية للقمر الاصطناعي البحري.

حتى اليوم، نقل صاروخ "تشانغتشنغ" أنواعا من الأقمار الاصطناعية التجريبية والأقمار الاصطناعية العلمية والأقمار الاصطناعية لمراقبة الأرض والأقمار الاصطناعية للأرصاد الجوية وأقمار الاتصالات الاصطناعية إلى الفضاء، وقدم خدمات الإطلاق التجارية لعملاء من باكستان والسويد والفلبين وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية. وقد وقعت شركة هيوز التجارية الأمريكية للطائرات، أكبر شركة للأقمار الاصطناعية- اتفاقية تعاون طويل الأجل مع مؤسسة سور الصين العظيم الصناعية.

في الحادي والعشرين من سبتمبر عام 1992، قررت حكومة الصين تطبيق مشروع الطيران الفضائي المأهول، وحددت استراتيجية "الثلاث خطوات". الخطوة الأولى، إطلاق مركبة فضائية مأهولة، وإنجاز مشروع مركبة الفضاء التجريبي الأولي المتكامل والقيام بتجارب عملية في الفضاء. الخطوة الثانية، بعد نجاح إطلاق أول مركبة فضاء مأهولة، السعي لإتقان تكنولوجيا الالتحام بين مركبة فضاء مأهولة ومركبة فضاء أخرى، وإطلاق مختبر تجريبي وحل مشاكل التطبيقات الفضائية في نطاق معين وتحت رعاية رائد الفضاء لمدة قصيرة. والخطوة الثالثة، بناء محطة فضائية مأهولة، وحل مشاكل التطبيقات الفضائية في نطاق أوسع وتحت رعاية رائد الفضاء لمدة طويلة.

في الساعة السادسة والنصف صباح العشرين من نوفمبر عام 1999، نجحت الصين في إطلاق "شنتشو- 1"؛ أول مركبة فضاء تجربية صينية، وأصبحت الصين  ثالث دولة تجيد تكنولوجيا الفضاء المأهولبعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. وبعد إحدى وعشرين ساعة من تجارب العلوم الفضائية، هبطت شنتشو-1 في الساعة الثالثة فجر اليوم التالي (بتوقيت بكين). إطلاق واستعادة مركبة الفضاء التجريبية "شنتشو- 1" بنجاح أصبح معلما جديدا في تاريخ الطيران الفضائي الصيني. من "شنتشو- 1" إلى "شنتشو- 4"، كلها مركبات فضاء تجريبية غير مأهولة. الخامس عشر من أكتوبر عام 2003 يوم غير عادي في تاريخ الصين الفضائي، فقد تم فيه إطلاق "شنتشو- 5" إلى الفضاء وعلى متنها رائد الفضاء يانغ لي وي في الساعة التاسعة صباح ذلك اليوم (بتوقيت بكين)، ورفرف العلم الصيني في الفضاء. وتم فتح عصر جديد في تاريخ الطيران الفضائي الصيني. وفي الساعة السادسة صباح السادس عشر من أكتوبر عام 2003 (بتوقيت بكين)، هبطت "شنتشو- 5" في مرج بمنغوليا الداخلية بنجاح، وهنا انتهى التاريخ الذي لم يكن للصينين فيه بصمة في الفضاء. وبعد ذلك، أطلقت الصين مركبات فضاء من "شنتشو-6 " إلى "شنتشو- 11"، وتمضي الصين قدما في تحقيق استراتيجية "الثلاث خطوات" لأعمال الطيران الفضائي الصيني.

بجانب ذلك، بدأت الصين برنامجها القمري، الذي يتكون من ثلاث مراحل: استكشاف القمر بدون رائد فضاء، الهبوط المأهول على سطح القمر، بناء محطة على سطح القمر. في الساعة السادسة مساء الرابع والعشرين من أكتوبر عام 2007، نجحت الصين في إطلاق المسبار القمري "تشانغآه- 1"، وبعد إكمال المهمات المحددة، ارتطم المسبار بسطح القمر في عام 2009 تحت السيطرة وحسب الخطة المحددة. ثم تم إطلاق "تشانغآه- 2" في عام 2010، وبعد أن تجاوز نقطة L2، وهي إحدى نقاط لاغرانغ الخمس (نقاط توازن الجاذبية)، توجه المسبار إلى عمق الفضاء، لإجراء اختبار نظام الاتصالات في الفضاء العميق. وفي الثاني من ديسمبر عام 2013، أطلقت الصين "تشانغآه- 3" الذي اشتمل على المركبة القمرية "يويتو" (الأرنب اليشمي) للقيام بمهمة استكشاف سطح القمر.

الهدف الجديد

22 إبريل عام 2016، أعلنت الصين أنها ستقوم باستكشاف المريخ. منذ ستينات القرن الماضي، أطلق كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق والاتحاد الأوروبي مسبارات للمريخ عدة مرات. حتى الآن، أجرى الإنسان مهمات استكشاف في المريخ 43 مرة، لكن نصفها باء بالفشل، فهذا النوع من المهمات صعب جدا.

الهبوط على سطح المريخ وإطلاق مركبة إلى المريخ خطوة أساسية لتحقيق مهمة الاستكشاف. أقرب مسافة بين الأرض والمريخ 55 مليون كيلومتر، ومن ثم يكون هناك تأخر في نقل البيانات من الأرض إلى مسبار المريخ. لهذا، المسبار الأكثر ذكاء الذي يستطيع إجراء التعديل بنفسه مهم جدا. قال بنغ تاو، الخبير بالمعهد الخامس لمجموعة الصين للعلوم والتكنولوجيا الفضائية: "مسبار المريخ الصيني مزود بتكنولوجيا التجول الذاتي، حاسوب، جهاز استشعار، مما يساعده في التجول الذاتي بدون تعليمات من الإنسان."

الغلاف الجوي الرقيق والعواصف الرملية تسبب صعوبات كبيرة لهبوط مركبة على المريخ، لذا، الهبوط الآمن يحتاج إلى خطوات معقدة.

قال تشانغ رونغ تشياو، كبير مصممي مهمة استكشاف المريخ الأولى للبرنامج الصيني لاستكشاف المريخ: "ستقوم الصين باستكشاف المريخ في عام 2020 ومسبار المريخ سوف يحقق ثلاثة أهداف: الإحاطة بالمريخ، الهبوط على المريخ، التجول على سطح المريخ، لم تنجز أي دولة هذه الأهداف الثلاثة في مرة واحدة في استكشافها الأول، وتواجه الصين تحديات غير مسبوقة في إنجاز عمليات الاستكشاف هذه. المسافة الأبعد بين الأرض والمريخ تبلغ 400 مليون كيلومتر، بعد مغادرة الصاروخ، سيبقى مسبار المريخ في الفضاء سبعة أشهر، ثم تتحكم فيه جاذبية المريخ. يتكون مسبار المريخ من جزأين: جهاز محيطي وجهاز دوري. ينطلق الجهاز المحيطي حول مدار المريخ ويدخل المدار المحدد، وبعد انفصاله عن الجهاز الدوري يقوم باستكشاف محيطي للمريخ، وفي نفس الوقت يقدم اتصال التتابع للجهاز الدوري. أما الجهاز الدوري فيدخل أجواء المريخ بعد انفصاله عن الجهاز المحيطي. ثم يتم تقليل سرعة الهبوط عن طريق التكوين الديناميكي الهوائي ومظلة الباراشوت والمحرك العكسي، ثم يهبط على سطح المريخ أخيرا، وتنفصل مركبة المريخ عن الجهاز الدوري، وتقوم باستكشاف متجول حول التضاريس والتربة والبيئة والغلاف الجوي، ودراسة توزيع الجليد والمياه، والمجال الفيزيائي، والبنية الداخلية.

تأخير أو فارق الوقت الكبير لنقل المعلومات بين مسافات بعيدة يتطلب قدرة ذكية قوية لمركبة المريخ. إضافة إلى أن الضوء الضعيف ودور الغلاف الجوي للمريخ في تخفيف الضوء، يؤدي إلى صعوبات كبيرة لتزويد المركبة بالطاقة. قال تشانغ رونغ تشياو: "هذه العناصر تزيد الصعوبات والتعقيد لمهمة استكشاف المريخ، رغم ذلك، مازلنا نتمتع بثقة كافية لإكمال المهمات."

استكشاف المريخ يرمز إلى دخول الصين عصر استكشاف الفضاء العميق. من إطلاق أول قمر اصطناعي إلى استكشاف المريخ، تتطور أعمال الطيران الفضائي الصيني بثبات، وتتقدم إلى هدف أعلى.

--

تمت الاستعانة في هذه المقالة ببعض المعلومات من شبكة إدارة الفضاء الوطنية الصينية والشبكة الحكومية الصينية للفضاء المأهول.