حكمة الصين في الحوكمة العالمية

رغم انتهاء قمة مجموعة العشرين، التي عقدت في مدينة هانغتشو الصينية، فإن روح تقاسم نفس القارب، ومفهوم بناء الاقتصاد العالمي المبتكر والحيوي والمترابط والشامل، بدأت تجذب تفكير الناس. وتهتم الأطراف المعنية بمساهمة واندماج حكمة الصين في الحوكمة العالمية. خلال هذه القمة، شرح الرئيس الصيني شي جين بينغ بشكل شامل رؤية الصين  لحوكمة الاقتصاد العالمي، سواء في كلمته الرئيسية أو خلال لقاءاته مع قادة الدول المختلفة. أشار الرئيس شي إلى أن حوكمة الاقتصاد العالمي ينبغي أن تتخذ المساواة كأساس، والانفتاح كاتجاه، والتعاون كقوة محركة، والمصالح المشتركة كهدف، من أجل بناء منظومة عادلة وفعالة للحوكمة المالية العالمية، وبناء منظومة منفتحة وشفافة لحوكمة الاستثمار التجاري العالمي، وبناء منظومة خضراء ومنخفضة الكربون لحوكمة الطاقة العالمية، وبناء منظومة شاملة ومترابطة لحوكمة التنمية العالمية. إن قمة مجموعة العشرين في هانغتشو تساعد الاقتصاد العالمي في فتح طريق جديد وتوسيع حدود جديدة، وفي تركيز التوافق العام على بناء آلية جديدة للتعاون الدولي، وفي دفع انفتاحه وتبادلاته واندماجه، وكتبت بذلك فصلا جديدا للحوكمة العالمية، التي أصبحت معلما في تاريخ قمم مجموعة العشرين.

وقد كان لقمة مجموعة دول بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) التي عقدت في غوا بالهند، هدف مماثل لقمة مجموعة العشرين في هانغتشو، وأكدت الدور القيادي للاقتصادات الرئيسية في مساعدة الاقتصاد العالمي في الخروج من الانكماش عن طريق الابتكار المترابط والتعاون المتبادل. ووافقت الدول المشاركة على أن الصين تلعب دورا متزايد الأهمية في حوكمة الاقتصاد العالمي، على أمل أن تدفع الصين نظام الحوكمة العالمية إلى اتجاه أكثر عدالة وعقلانية وفعالية. تعزيز الحوكمة العالمية ودفع إصلاح نظام الحوكمة العالمية يتماشيان مع التيار العام للعصر. مشاركة الصين الإيجابية في الحوكمة العالمية اختيار ضروري لتنمية الصين الذاتية وهي أيضا مطلب ضروري لدفع تطور الحوكمة العالمية نحو المساواة والعدالة.

الحوكمة العالمية تحتاج إلى حكمة الصين

حوكمة الاقتصاد العالمي الفعالة ضمان لأداء الاقتصاد العالمي بشكل جيد. لقد دفعت قمة مجموعة العشرين بشكل فعال، تحول مجموعة العشرين من السياسات القصيرة المدى إلى سياسات طويلة المدى، ومن مواجهة الأزمة إلى آلية الحوكمة الطويلة المدى، بجانب دفع تحسين هيكل التجارة والاستثمار والمال. منذ ولادتها خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، أصبحت آلية قمة مجموعة العشرين منصة هامة في مواجهة الأزمات وإرشاد حوكمة الاقتصاد العالمي. باعتبارها الدولة المضيفة لهذه القمة، لعبت الصين دورا دافعا هاما في إبداع وتأكيد آلية حوكمة الاقتصاد العالمية، وفي رفع قدرة مجموعة العشرين على الحوكمة العالمية، وفي توسيع مفاهيم القمة ومستقبلها.

في قمة هانغتشو لمجموعة العشرين، شرحت الصين رؤية الحوكمة العالمية بصورة شاملة لأول مرة، وقدمت برنامج حلول لتحسين حوكمة الاقتصاد العالمي، ودشنت مرحلة جديدة لإصلاح الحوكمة العالمية، وكسبت تأييد المجتمع العالمي وتقديره العالي.

في قمة هانغتشو لمجموعة العشرين، لأول مرة تم اعتبار الابتكار ثمرة جوهرية؛ ولأول مرة تم وضع موضوع التنمية في مكان بارز في إطار السياسات العالمية الكلية، ولأول مرة تم تشكيل إطار مبادئ لاستثمار الأطراف المتعددة العالمية؛ ولأول مرة تم تحديد خطط منهجية لتنفيذ جدول أعمال التنمية المستدامة لعام 2030؛ ولأول مرة تم إصدار بيان الدولة المضيفة لتغيرات المناخ؛ ولأول مرة تم إدراج المال الأخضر في جدول مجموعة العشرين؛ ولأول مرة تم طرح إجراء التعاون لدعم التصنيع في الدول الأفريقية والدول الأقل نموا، الأمر الذي ترك بصمة الصين في تاريخ تطور مجموعة العشرين.

لقد ساهمت الصين في إرشاد القمة لتحقيق سلسلة من النتائج الابتكارية والقيادية والآلية عبر إقامة قمة مجموعة العشرين، وفي تقديم توجيه لتنمية الاقتصاد العالمي وفي وضع أساس سياسي للتعاون الدولي، وفي تجسيد المفهوم الصحيح للأخلاق والمصالح، وفي مفهوم العلاقات الدولية الجديدة باعتبار التعاون والفوز المشترك كنواة، وفي إتاحة قوة محركة مستمرة للنمو العالمي.

العالم يحتاج إلى التنمية المتوازنة

يفتقر الاقتصاد العالمي حاليا إلى القوة الكافية للانتعاش. دفع انتعاش ونمو الاقتصاد العالمي، يتطلب حوكمة أكثر عدالة وعقلانية وفعالية للاقتصاد العالمي. مفاهيم الابتكار والحيوية والترابط الشامل، مبادئ النقاش المشترك والبناء المشترك والمصالح المشتركة التي طرحتها الصين، تضع أساسا جيدا لمشاركة الصين في إصلاح الحوكمة العالمية. ينبغي لنظام حوكمة الاقتصاد العالمي أن يظهر تغيرات عميقة لهيكل الاقتصاد العالمي، ويزيد تمثيل وصوت الاقتصادات الناشئة والدول النامية. تطور الدول النامية التي تضم 80% من عدد سكان العالم هو أساس التطور المشترك للعالم. باعتبارها أكبر دولة نامية، الصين لديها فهم عميق وشامل إزاء الفرص والتحديات التي تواجهها الدول النامية عبر فترات مختلفة. لذا، فإن مفهوم الصين يلعب دورا إيجابيا هاما في استكمال حوكمة الاقتصاد العالمي.

في ظل الانتعاش الاقتصادي العالمي الضعيف وارتفاع الحمائية التجارية والاستثمارية، تبرز تدريجيا مساهمات الدول الناشئة والدول النامية، باعتبار الصين ممثلا لها، في استكمال حوكمة الاقتصاد العالمي. وبفضل التشجيع الصيني، تتخذ قمة مجموعة العشرين العولمة كمفهومها الجوهري، وتعزز تفاعل اقتصاد أعضاء مجموعة العشرين وتحسين حوكمة الاقتصاد والتجارة العالمية عن طريق دفع الإبداع الاقتصادي العالمي، لكي تخفف ظواهر الخلل في مجالات القواعد الاقتصادية وتنمية الاقتصاد وتوزيع الفوائد واستخدام الطاقة في عملية تنمية الاقتصاد العالمي، وتستكمل سلسلة القيم العالمية بشكل شامل وتدفع تنمية العالم المترابطة والشاملة.

في الحادي والعشرين من نوفمبر عام 2016، طرح رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ في الأمم المتحدة، "برنامج الصين" حول كيفية دفع التنمية المستدامة ومواجهة التحديات العالمية. أساس التنمية المستدامة هو التنمية، والتنمية هي أساس كل شيء. لا بد أن تكون التنمية مستدامة، ولا بد من تحقيق التناسق بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة. التنمية المستدامة هي التنمية المنفتحة والمترابطة والشاملة، وهي شأن مشترك يهم العالم كله. "برنامج الصين" يجسد ارتفاع وعمق الفهم الصيني في موضوع التنمية المستدامة، ويبرز مشاركة الصين العميقة في شؤون التنمية العالمية.

جدول أعمال عام 2030 للتنمية المستدامة للأمم المتحدة يصف مستقبلا جديدا لتنمية العالم، وهو ملف منهجي لإرشاد السياسات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية. باعتبارها دولة مضيفة لقمة مجموعة العشرين في عام 2016، تتحمل الصين مسؤولية تنظيم العمل في وضع وتنفيذ هذا الجدول. نمط الصين سوف يكون مرجعا هاما للتنمية المستدامة العالمية.

من قمة الأمم المتحدة للتنمية في عام 2015، التي طرح فيها الرئيس الصيني شي جين بينغ إجراءات الصين لدعم التنمية المستدامة، إلى قمة مجموعة العشرين في عام 2016، التي دفعت الصين لصياغة خطة الأعمال لتطبيق جدول أعمال عام 2030 للتنمية المستدامة، ثم إلى ندوة "جدول أعمال عام 2030 للتنمية المستدامة" التي تلعب الصين دورا إيجابيا فيها، تتمسك الصين بموضوع "التنمية المستدامة" الذي يوافق عليه العالم، وأصبحت رائدا ودافعا في دفع التنمية المستدامة العالمية.

أفعال الصين تتفق مع أقوالها، فقد وافقت الصين على إصدار ((برنامج الصين لتطبيق جدول أعمال عام 2030 للتنمية المستدامة)). هذا الملف هو أول برنامج قُطْري ملموس لتطبيق الجدول حسب الإقليم والهدف، وهو دليل الصين ويعكس حزم الصين في تطبيق الجدول ويبرز ثقتها في تطبيق الجدول مع دول العالم كافة.

التاريخ يخبرنا أن التنمية عملية لا نهاية لها، وحل القضايا الناشئة بواسطة التنمية هو خبرة الصين الرئيسية. يعيش العالم اليوم حالة من التغيرات والتعديلات الكبيرة، حيث تواجه الصين فرصا وتحديات لا مثيل لها في التاريخ، وهي تتمسك بالتنمية كموضوع رئيسي، وتدفع السلام والتنمية إلى الأمام برؤى وأفكار وحلول التنمية باستمرار إزاء الموضوعات والاختبارات الجديدة،.

الصين تضع السلام والتنمية في إطار تنمية الاقتصاد العالمي، وتركز على السلام والتنمية، والعلاقات الصينية مع العالم تفتح فصلا تاريخيا جديدا. وبجانب ذلك، الصين تخطط للوضع الداخلي والخارجي معا، وترفع مستوى الانفتاح الخارجي بلا انقطاع، حيث تم طرح وتطبيق مبادرة "الحزام والطريق"، وآلية تعاون بريكس، وآلية منطقة التجارة الحرة في آسيا والمحيط الهادئ، ودعت إلى تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية. كل ذلك يجسد منصة التعاون المتعدد الأطراف المتفقة مع تيار العصر، التي تخلقها الصين على أساس احترام نظم ومنصات التعاون العالمي القائمة.

هذه الإجراءات  التي طرحتها الصين خلال أربع سنوات، منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، تتعلق بالإصلاح الاقتصادي الداخلي وتتفق مع مطالب الوطن، وهي أعمال واقعية تدفع التنمية المشتركة لدول العالم.

التنمية المستدامة تنمية منفتحة ومترابطة وشاملة، وهي شأن يخص دول العالم كافة. دفع تطبيق جدول أعمال عام 2030 للتنمية المستدامة مسؤولية مشتركة للمجتمع الدولي، ويحتاج إلى جهود مشتركة. تحقيق السلام والتنمية ليس هدفا عاما لدبلوماسية الصين فحسب، وإنما أيضا هدف الصين العام لدعم علاقات متعددة الأطراف تتمثل في التعاون والفوز المشترك. روح الصين وفكرتها وبرنامجها ترشد دول العالم في تنسيق الحوكمة الداخلية والدولية مع السلام والتنمية، وتساعد في تحقيق السلام والانفتاح والتنمية الشاملة وغيرها من مفاهيم القيم الأخرى. الصين كدولة كبيرة تتحمل مسؤولياتها، كانت ومازالت تشارك في التعاون الدولي بإيجابية، بجانب تطبيق الجدول بنفسها، ودفع تحقيق التنمية المستدامة في كل أنحاء العالم. إن "تحمل المسؤولية" وفكرة "المصالح المشتركة" توارث لجوهر ثقافة الصين التقليدية وإبراز لسياسات الدبلوماسية الصينية.

السلام والتنمية هما أمل الإنسان المشترك

تطور العولمة العميق يحتاج إلى نظام حوكمة عالمية يتفق معه. مفهوم التعاون والتنمية الذي تدعو إليه الصين، يؤكد مفاهيم السلام والتعاون والتنمية والفوز المشترك. تدعو الصين إلى الانفتاح والتسامح والعملية والفعالية والمعالجة الفرعية والجذرية. في ظل الوضع المتغير الكبير من حيث هيكل المصالح والتنمية والسياسة، كيفية تحقيق عالم سلمي ومستقر ومزدهر هو موضوع عصري متعلق بمصير كل فرد. الصين تتمسك بطريق التعددية، وتطبق مبادئ وقواعد ميثاق الأمم المتحدة، وتحافظ على النظام الحديث باعتبار الأمم المتحدة نواته وميثاق الأمم المتحدة أساسه. تحقيق السلام والتنمية ليس هدفا عاما لدبلوماسية الصين فحسب، وإنما أيضا هدف الصين العام لدعم علاقات متعددة الأطراف متمثلة في التعاون والفوز المشترك.

الصين تدفع حل القضايا الساخنة بشكل سياسي، وتشارك بشكل شامل في التعاون والتنمية العالمية، وتدعم كثيرا أعمال الأمم المتحدة في مجالات المجتمع وحقوق الإنسان والحد من التسلح، وقد قدمت مساهمات كبيرة في ضمان السلام العالمي ودفع التنمية المشتركة ودفع التعاون الدولي.

حاليا، يبرز في منطقة غربي آسيا وشمالي أفريقيا موضوع السلام والتنمية. الصين تشارك إيجابيا في الحل السياسي للقضايا الإقليمية الساخنة وتنمية الشرق الأوسط، وتساهم مساهمة كبيرة في دفع التعاون الثنائي. حاليا، البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبناء "الحزام والطريق" يدخلان فترة التطبيق العميق، دول غربي آسيا وشمالي أفريقيا "تنظر إلى الشرق"، ويزداد تعاونها مع الصين والدول الآسيوية الأخرى. وفي نفس الوقت، دعوة الصين المتمثلة في "بناء نظام دولي جديد باعتبار التعاون والفوز المشترك نواته" تستمر في لعب دورها الإيجابي الشامل في حل القضايا الساخنة في منطقة الشرق الأوسط.

الصين، كدولة نامية كبيرة تتحمل مسؤولياتها، قد أحرزت نجاحات ملحوظة في مجالات الحد من الفقر والصحة والتعليم وغيرها، حيث حققت هدفها في تقليل عدد الفقراء في البلاد بنسبة 50%، وأنجزت بذلك كثيرا من مهمة الحد من الفقر العالمي.

الأمم المتحدة تحمل حلما جميلا للمجتمع العالمي من أجل دفع تنمية الاقتصاد وتطور المجتمع المشترك، وتبني منصة واسعة للتطور الإنساني، وتقدم تأييدا كبيرا للدول النامية، وتصب حيوية كبيرة لتعاون العالم وتطوره. إن مفهوم الحوكمة العالمية التي طرحتها الصين، والتي تدعوللتعاون والفوز المشترك، تؤكد بناء "شبكة الشراكة العالمية" وتحقيق التنمية المشتركة على أساس المنفعة المتبادلة والفوز المشترك، وقد حظي بالاعتراف الدولي،وأصبح توافقا واسعا مشتركا.

 إن اعتبار الإبداع قوة محركة، والتمسك بطريق الانفتاح وروح الترابط والهدف الشامل، سوف يجعل التنمية والنمو في مصلحة كل الدول وكل الشعوب. حوكمة الاقتصاد العالمي تحتاج إلى برنامج الصين؛ حوكمة المجتمع العالمي تحتاج إلى نمط الصين. حكمة الصين وفكرة الصين وخبرات الصين وبرنامج الصين تبرز قيمتها العالمية. المزيد من الناس يدركون أن العالم سوف يصبح أجمل بفضل مساهمات الصين.