في الدورة السابعة لمنتدى شيانغشان
التعاون الأمني لبناء نمط جديد للعلاقات الدولية

خلال الفترة من العاشر إلى الثاني عشر من شهر أكتوبر 2016، عقدت في بكين الدورة السابعة لمنتدى شيانغشان، تحت عنوان "بناء نمط جديد للعلاقات الدولية من خلال الحوار والتعاون الأمني". المنتدى الذي تأسس سنة 2006، وظل يُعقد كل سنتين، حتى تحول إلى منتدى سنوي منذ عام 2014، تقيمه الجمعية الصينية للعلوم العسكرية والمعهد الصيني للدراسات الاستراتيجية الدولية. في دورته السابعة، ناقش المنتدى أربع قضايا محورية هي: "دور الجيوش في الحوكمة العالمية؛ الاستجابة للتحديات الأمنية الجديدة في منطقة آسيا- المحيط الهادئ من خلال التعاون؛ التعاون في الأمن البحري؛ والتهديدات الإرهابية الدولية وتدابير المكافحة".

شارك في دورة هذا العام للمنتدى قيادات كبيرة من اللجنة العسكرية المركزية للصين ووزارة الدفاع الوطني الصينية ووزارة الخارجية الصينية، فضلا عن عدد كبير من  القيادات العسكرية وممثلي المنظمات الدولية والمسؤولين الحكوميين والعسكريين السابقين والخبراء من دول العالم. كنت واحدا من عدد قليل من المشاركين من الدول العربية، ضمن أكثر من أربعمائة مشارك من خمس وستين دولة.

أقيمت دورة هذا العام من المنتدى في فندق إيخه بينغقوان بالقرب من الجبل العطري (شيانغشان) الذي يحمل المنتدى اسمه. وقد كان الافتتاح الرسمي للمنتدى في الساعة التاسعة صباح الحادي عشر من أكتوبر بكلمة ألقاها عضو مجلس الدولة، وزير الدفاع الصيني تشانغ وان تشيوان، جاءت قصيرة ومركزة وشاملة. الجنرال تشانغ، الذي تحدث مرتديا الزي العسكري، قال إنه لا يمكن لأي بلد أن يعيش وحده، ولذا، يجب على دول العالم أن تتعاون من أجل الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة آسيا- المحيط الهادي والعالم. وأوضح الوزير أن ثمة ارتباطا وثيقا بين أمن دول العالم، إذ لا يمكن لأي بلد أن يعيش لقضاياه الخاصة، ولا يمكن لأي بلد أن ينفرد بكل شيء، مطالبا بنبذ عقلية الحرب الباردة التي عفى عليها الزمن، والتعاون لتأسيس مفهوم أمن جديد مشترك وشامل وتعاوني ومستدام. وقال: "البلدان المنفردة التي تضحي بأمن الدول الأخرى من أجل تحقيق أمنها المطلق لا تستحق التشجيع"، مشيرا إلى أن الصين تدعو إلى إقامة مفهوم جديد للأمن الدولي.

وقال الجنرال تشانغ إن العالم يمر حاليا بتغيرات غير مسبوقة. فمن ناحية أصبح السلام والتنمية وتعاون الكسب المشترك تيار العصر، وصارت الدول أكثر ترابطا من ذي قبل، كما أن بزوغ الدول النامية، وخاصة الاقتصادات الناشئة، يدفع بيئة القوة الدولية باتجاه التوازن. ومن ناحية أخرى، يواجه السلام والتنمية في العالم تهديدات وتحديات جديدة، وينبغي لنا أن نراقب عن كثب بعض الاتجاهات الجديدة في الوضع الأمني الدولي. وأعرب تشانغ عن استعداد وزارة الدفاع الصينية والجيش الصيني للعمل مع مختلف الأطراف لتعزيز الحوار، وتعزيز الثقة الأمنية المتبادلة، وتعميق التعاون، ومواجهة التحديات، والسيطرة على الخلافات، والحفاظ على بيئة آمنة، وتهيئة نمط أمني يتسم بالعدالة والمشاركة. وقال أيضا: "في عالم اليوم، ثمة ارتباط وثيق بين التنمية والأمن أكثر من أي وقت مضى. إن جذور الحروب والإرهاب وأزمة اللاجئين تكمن في التنمية المتأخرة، والحل النهائي لتلك المشكلات ينبغي السعي إليه من خلال التنمية أيضا."

وتحدث الوزير بوضوح عن التهديدات التي تحيق بالاستقرار الاستراتيجي العالمي، مشيرا إلى تعزيز دول بعينها للتحالفات العسكرية، سعيا إلى الهيمنة العسكرية المطلقة والأمن المطلق لنفسها على حساب أمن دول أخرى. وقال إن بعض القضايا الإقليمية الساخنة اشتدت حدتها بسبب التحريض الخارجي، مما يثير حالة من عدم اليقين في الأمن الدولي. الأكثر من ذلك، تتصاعد التهديدات الأمنية غير التقليدية وتتزايد وتيرة وكثافة الأعمال الإرهابية حول العالم مسببة خسائر متزايدة.  وقال إنه من أجل الحفاظ على البيئة الأمنية العالمية، فإن الصين مستعدة للعمل مع مختلف الأطراف لإقامة المزيد من الحوارات وتعزيز الثقة الأمنية المتبادلة وتعميق التعاون والتعامل مع التحديات وإدارة الخلافات والسيطرة عليها. وأشار في هذا الصدد، إلى أنه خلال عام 2017، ستجري القوات البحرية الصينية تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات البحرية لدول رابطة جنوب شرقي آسيا (آسيان)، وستجري البحرية الصينية والبحرية الأمريكية تدريبات مشتركة وندوات ونقاشات تركز على تهيئة ممارسات أفضل وأكثر مهارة لقواعد السلوك من أجل الملاحة البحرية والمواجهات الجوية الآمنة.            

في كلمته بنفس الجلسة الافتتاحية، دعا نائب وزير خارجية الصين ليو تشن مين، إلى مفهوم أمن جديد وبنية أمنية تقوم على التوافقات والقواعد الدولية والقانون الدولي. وخلال كلمته الختامية، لخص رئيس الجمعية الصينية للعلوم العسكرية الجنرال تساي ينغ تينغ التوافقات التي توصل إليها أكثر من أربعمائة ممثل من خمس وستين دولة ومنظمة في خمس نقاط، هي: "حماية السلام والاستقرار مسؤولية مشتركة لجميع الأطراف المعنية"، و"حماية الأمن البحري بحاجة إلى تعاون قوي من مختلف البلدان"، و"الإرهاب عدو مشترك للإنسانية"، و"العمل معا على دفع تغيير نظام الحوكمة العالمية مطلب عصري"، و"العمل سويا على دفع تشكيل نمط جديد من العلاقات الدولية يتسم بالتعاون والفوز المشترك."

في هذه الجلسة، كانت هناك مداخلة لمساعد وزير الدفاع المصري لشؤون التعاون الدولي اللواء محمد الكشكي، تحدث فيها عن أهمية التعاون الدولي في مجال تبادل المعلومات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، بالنظر إلى الدور الوقائي لتلك المعلومات في منع وقوع الأعمال الإرهابية وتحجيمها. وقد كان تعليق المنصة على هذه المداخلة هو أن التعاون في هذا المجال برغم أهميته البالغة يكون للأسف مرتبطا في الغالب بقرارات تتخذ من مستويات القيادة العليا في الدول. 

في الجلسة الصباحية للثاني عشر من أكتوبر، عقدت أربع حلقات نقاش متخصصة لمناقشة الموضوعات التالية: علاقات القوى الكبرى والهيكل الاستراتيجي العالمي؛ العولمة مقابل تفكك العولمة: الانعكاسات على الأمن الدولي؛ آخر التطورات في الإرهاب والإبداع في نهج التعاون؛ وإدارة الأزمات البحرية والأمن الإقليمي. وقد اخترت أن أشارك في حلقتي النقاش المعنيتين بالموضوعين الأول والثالث.

حلقة النقاش المعنية بعلاقات القوى الكبرى والهيكل الاستراتيجي العالمي، أدارها هوانغ رن وي، نائب رئيس أكاديمية شانغهاي للعلوم الاجتماعية، وشارك فيها د. فلاديمير كوزين كبير مستشاري المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية، وتشنغ يونغ نيان مدير معهد شرقي آسيا بالجامعة الوطنية في سنغافورة، وستابلتن روي السفير الأمريكي الأسبق لدى الصين، والسفير سو قه رئيس المعهد الصيني للدراسات الدولية، وبول إفانز الأستاذ بمعهد البحوث الآسيوية بجامعة كولومبيا البريطانية في كندا. في هذه الحلقة، كانت مداخلة فلاديمير كوزين هي الأكثر إثارة للقلق بما تضمنته من بيانات ومعلومات مرعبة حول تطور الترسانة النووية الأمريكية. من جانبه تحدث بول إيفانز عن ما أسماه بدور القوى المتوسطة، مثل كندا، في إقامة نمط علاقات دولية جديدة.

حلقة النقاش التي خصصت لموضوع "آخر التطورات في الإرهاب والإبداع في نهج التعاون"، أدارها راستام موهد عيسى رئيس معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية بماليزيا، وتحدث فيها هلتون هلتون نايونغ مدير مكتب العمليات رقم 1 في ميانمار، ومو تشانغ لين الباحث بمعهد الصين للدراسات الاستراتيجية، وتيموثي نيبلوك الرئيس الشرفي لمعهد الشرق الأوسط للدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، ومحمد غانديجوست كبير الباحثين في معهد الدراسات السياسية والدولية بإيران، ومنير الزمان السكرتير العسكري الأسبق لرئيس بنغلاديش. وقد تحدثت في مداخلتي عن العلاقة بين التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول وظهور التنظيمات الإرهابية، مستشهدا بما حدث بعد التدخل الأمريكي في الصومال والغزو السوفيتي لأفغانستان والاحتلال الأمريكي للعراق والتدخل الغربي في ليبيا وفي سوريا. وقلت إن التدخل الأجنبي لا يقتصر على الأعمال العسكرية، وإنما يشمل أيضا التدخل من خلال دعم مجموعات دينية وعرقية بعينها، مما يشجع تلك المجموعات على اللجوء إلى العنف لتحقيق أهدافها وما ينجم عن ذلك من عدم استقرار سياسي وأمني يفضي في النهاية إلى تهيئة بيئة حاضنة للإرهاب.

وقد شهدت هذه الحلقة نقاشا حادا بين محمد غانديجوست من إيران، الذي دافع عن حزب الله اللبناني، وقال إن هذا الحزب مشارك في الحكومة اللبنانية، والأكاديمي السعودي محمد المصيبيح الذي قال إن إيران من خلال سعيها لتصدير ثورتها الإسلامية منذ عام 1979، ساعدت على انتشار الأعمال الإرهابية.

على هامش المنتدى، هناك عدد من الملاحظات التي لا بد من الإشارة إليها، وهي: أولا، أن المناقشات جرت بصراحة تامة، فقد عبر كل طرف عن رؤيته في أجواء هادئة وتمت منافشتها بعمق، مع إفساح المجال للجميع لإبداء وجهات نظرهم؛ ثانيا، أن تنظيم أعمال المنتدى، كعادة الصينيين، اتسم بالدقة الشديدة، منذ لحظة وصول المشاركين إلى المطار حتى مغادرتهم؛ ثالثا، أن حالة الانبهار بما يجري في الصين مازالت مستمرة، فما رآه المشاركون في بكين من تقدم على كافة المستويات كان مدهشا، وتساءل بعضهم، كيف يمكن إدارة مدينة يصل عدد سكانها إلى نحو ثلاثين مليونا بهذه المهارة؛ رابعا: أن الشرق الأوسط وبحر الصين الجنوبي كانا لهما النصيب الأوفر من المناقشات، مما يدل على سخونة وخطورة الأوضاع في هاتين المنطقتين؛ خامسا، أن التمثيل العربي في دورة منتدى شيانغشان هذا العام لم يكن متناسبا مع حجم القضايا التي نوقشت والمرتبطة مباشرة بالأمن والتنمية في المنطقة العربية ومحيطها الشرق أوسطي.

وأخيرا، فإن منتدى شيانغشان دليل آخر على توجهات السياسة الصينية الداعية إلى الحوار والتفاهم بديلا عن المواجهة والصراع.