مسجد العنقاء
دور جديد لمسجد عريق في هانغتشو

ذاعت شهرة مدينة هانغتشو بفضل جوها المعتدل ومناظرها الطبيعية الجميلة، وقدراتها الإنتاجية القوية في الصناعات الجديدة مثل التجارة الإلكترونية. تحتضن هذه المدينة أيضا مسجد العنقاء (فنغهوانغ).

تاريخ المسجد

يحمل مسجد العنقاء اسم مسجد تشينجياو "الدين الحق" أيضا، وهو من أشهر أربعة مساجد قديمة في الصين. أخذ المسجد اسمه من شكله المعماري الذي يشبه طائر "العنقاء" ناشرا جناحيه. والحقيقة أنه برؤية بانورامية، يلاحظ المرء أن بوابة المسجد التي يرتفع فوقها برج استطلاع الهلال التي تحمل اسم "وانغيوه" تشبه رأس العنقاء، وأن البنايات الموزعة في داخله تشبه جسم العنقاء بينما تشبه الأشجار العتيقة  بجانبي المسجد جناحي العنقاء.

مسجد فنغهوانغ هو ثاني أقدم مسجد في الصين، ويرجع تاريخ إنشائه إلى أسرة تانغ (907-618)، ما يعني أنه بني منذ أكثر من ألف سنة. في فترة أسرة سونغ (1279-960) تعرض هذا المسجد للتدمير، قبل أن يعاد بناؤه في فترة أسرة يوان (1368-1206). صمد هذا المسجد وظل شامخا برغم الأمطار والرياح. وفي عام 2009، خصصت حكومة مدينة هانغتشو الأموال اللازمة لاستعادة الملامح الأصلية لمسجد العنقاء، ما جعل المسجد يستعيد ملامحه التي كان عليها قبل أكثر من ألف سنة.

مسجد فنغهوانغ، الذي تبلغ مساحته الإجمالية حوالي ثلاثة آلاف وثلاثمائة متر مربع، في وسط شارع تجاري مزدهر بقلب مدينة هانغتشو، ويتميز بأناقة مهيبة، وبوابته المنقوشة بقراميد مزخرفة بديعة. يتكون المسجد من المئذنة وقاعة الصلاة وقاعة الدعاء على خطه المحوري من الشرق إلى الغرب. قاعة الصلاة المبنية بالقراميد، ويتجلى فيها تأثير العمارة الإسلامية. تتسع قاعة الصلاة لمئات المصلين، وفي صلاة الجمعة يحتشد فيها ما بين ستمائة وسبعمائة مصلٍ.

الأنصاب الحجرية المنقوشة باللغة الصينية القديمة واللغة العربية واللغة الفارسية تشهد على عراقة المسجد. ومن بين الأنصاب السبعة والعشرين الباقية في المسجد، عشرون نصبا منقوشة باللغتين العربية والفارسية، وستة بالصينية، وواحد بالفارسية فقط. تولي حكومة هانغتشو المحلية اهتماما بالغا لترجمة وشرح مضامين هذه النصوص. في عام 2012، وبالتعاون مع خبراء وأساتذة من جامعة لندن وجامعة طهران وجامعة بكين وجامعة نانجينغ، اكتملت أعمال تسجيل نقوش الأنصاب وترجمتها وشرحها، وتم نشر كتاب خاص بنتائج دراسة هؤلاء الخبراء، حيث وجدوا أن تاريخ هذه الأنصاب يرجع إلى فترة أسرة يوان، أي أنها ترجع إلى ما قبل نحو سبعمائة سنة. تسجل بعض الأنصاب قصص حياة أصحاب المقابر الموجودة في المسجد، ومنهم فرس وعرب. وقد حفرت على هذه الأنصاب آيات من القرآن الكريم، تثبت أن مسجد العنقاء كان موقعا دينيا في مدينة هانغتشو في فترة أسرة يوان.

يعيش حاليا في هانغتشو حوالي ثمانية آلاف مسلم، منهم بعض الطلبة العرب الذين يدرسون في جامعات هانغتشو. كثير من مسلمي هانغتشو يديرون المطاعم الإسلامية بالمدينة. يبذل أئمة مساجد هانغتشو والجمعية الإسلامية بالمدينة أقصى جهودهم لخدمة المسلمين ومساعدتهم في حياتهم الدينية والدنيوية. الانسجام والتناغم هما الملمح الرئيسي لحياة المسلمين في هذه المدينة.

المساهمة في نجاح قمة هانغتشو لمجموعة العشرين

من المعروف أن قمة العشرين عقدت في هانغتشو يومي الرابع والخامس من سبتمبر 2016، تحت شعار "نحو بناء اقتصاد عالمي إبداعي ونشيط ومترابط وشامل". حيث شارك في القمة زعماء تسع عشرة دولة عضوا في المجموعة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وكذلك عدد من الزعماء المدعوين. وتعتبر مجموعة العشرين منتدى رئيسيا لمناقشة أهم قضايا العالم الاقتصادية والمالية والتعاون الدولي في هذا المجال.

 قال الإمام معصوم يه مان سو، وهو نائب رئيس الجمعية الإسلامية بمدينة هانغتشو، إن مسجد العنقاء رحب بالضيوف العرب والمسلمين الكرام الذين شاركوا في القمة، وقام المسجد بأعمال كثيرة لتوفير الخدمات المعنية للقمة.

فأولا، قام أئمة مسجد العنقاء قبل انعقاد القمة بأعمال توعية بين المسلمين من خلال نافذة المسجد ونشر المعلومات الأساسية لمجموعة العشرين ومعنى وأهمية القمة، واستفادوا في ذلك من صلاة الجمعة. كما وزعوا بعض الكتيبات لدعوة المسلمين للمساهمة في نجاح القمة وتقديم الخدمات المعنية وشرح بعض المعلومات واللوائح الوطنية حول السياسة الدينية والعرقية. وأوضح الإمام معصوم يه أن الموضوع الرئيسي لأعمالهم هو "القضاء على التطرف ومكافحة العنف والإرهاب، والسير بإصرار على الصراط المستقيم، وتعزيز التناغم". وأضاف: "ثانيا، قمنا بأعمال الإرشاد. على سبيل المثال، كانت هناك بعض الأكشاك في الشوارع القريبة من المسجد لبيع لحوم البقر والغنم، وفي أيام الجمعة، كان أصحاب تلك الأكشاك يوزعون بعض الأطعمة المجانية على اخوتهم المسلمين. ومع أن مقاصدهم طيبة، كانت هذه الأعمال تؤثر على نظافة الشوارع، فسعى أئمة المسجد لتنظيف الشوارع مع أصحاب الأكشاك من أجل الحفاظ على النظام بالمنطقة القريبة من المسجد. ثالثا، تحمل المسجد مسؤولية مراقبة الأطعمة الحلال لقمة العشرين، حيث تولى أئمة المسجد والجمعية الإسلامية في هانغتشو مهمة ذبح الدواجن والبقر والغنم على الطريقة الإسلامية لضيوف القمة، وساعدوا اللجنة التحضيرية لقمة العشرين في هانغتشو لتجهيز قاعات للصلاة في مقر القمة والمركز الإعلامي لها. وأثناء فترة القمة، سلطت وسائل الإعلام الصينية والأجنبية أضواءها على قاعات الصلاة في المركز الإعلامي، مشيرة إلى اهتمام وعناية اللجنة التحضيرية الصينية بتقديم خدمات جيدة للقمة." 

يعمل حاليا في مسجد العنقاء أربعة أئمة، يتحملون كل أعمال المسجد وخدمة المسلمين في هانغتشو. أثناء فترة قمة العشرين، أسس أئمة المسجد خطا ساخنا لمساعدة المسلمين في حل مشاكلهم المتعلقة بالدين والحياة. وعلى سبيل المثال، إذا تواصل موظف استقبال أو متطوع مع ضيوف من الدول الإسلامية، فقد لا يعرف تقاليد الضيف أو كيفية التعامل معه، فيمكنه الاتصال بهذا الخط الساخن ليلجأ إلى أئمة مسجد العنقاء للحصول على المعلومات المفيدة. الأكثر من ذلك، أنه تم تزويد الخط الساخن بخدمة صوتية للعمل إذا انشغل الأئمة بعمل آخر، فيمكن الحصول على ردود الأئمة المسجلة.

متطوعو مسجد العنقاء

في عام 2014، سعى أئمة مسجد العنقاء لتأسيس فريق متطوعين مسلمين لتوفير الخدمات التطوعية. قال الإمام معصوم يه: "في البداية، رأينا أن قدرة المسجد محدودة، ولا بد أن نجمع قوة المسلمين العاديين في المجتمع، وأن تبدأ بأعمالنا الواقعية لنشر الصورة الجميلة الطيبة للمسلمين الصينيين. بعد تأسيس الفريق، قمنا بأعمال خيرية كثيرة، مثل إعداد شعرية "لاميان" التي تصنع باليد للمسنين في دور الرعاية الاجتماعية الأولى والثانية والثالثة في هانغتشو، حيث يقوم أئمة المسجد بشراء لحم البقر والخضراوات بأنفسهم، وأعدوا الشعرية لحوالي خمسمائة أو ستمائة مسن في كل مرة. كما يساعد المتطوعون الأطفال المعاقين في بيع منتجاتهم اليدوية في مسجد العنقاء، ما يساعد في تسويقها سريعا بفضل الدعاية والمساعدات من قبل المسلمين والأئمة. الجدير بالذكر هنا، أن الناس لا يساومون في أسعار المنتجات اليدوية، بل يشترونها مباشرة. "

بعد ذلك، تقام دورة تدريبية كل سنة لفريق متطوعي مسجد العنقاء، ليتعلموا من خبراء الجمعية. ومن الأعمال الأخرى لأعمال فريق المتطوعين المسلمين التي استعرضها الإمام معصوم يه؛ إعداد شعرية "لاميان" للمسنين في تجمع "طريق دينغأن" السكني، وتنظيم لقاءات تعارف من أجل مساعدة المكفوفين المسلمين في الزواج. وقال إن جوهر أعمال الفريق في المستقبل القريب هو جعل أعمالهم أكثر نظاما واحترافية.

أضاف الإمام معصوم يه: "أعتقد أن المسلمين على عاتقهم مسؤوليات اجتماعية، فبالإضافة إلى إكمال الواجبات الدينية، لا بد أن نساعد المحتاجين في المجتمع. بعد تأسيس فريق المتطوعين في مسجد العنقاء، بدأ إنشاء فرق مماثلة في بكين وقوانغتشو ونانجينغ وغيرها من المدن، وأظن أن هذا شيء جيد يجسد طيبة قلوب المسلمين."

في الوقت الحالي، يضم فريق المتطوعين المسلمين لمسجد العنقاء حوالي مائة وعشرين فردا، وفي الخطوة التالية، يعتزم الفريق توسيع نطاق خدماته لتوفير التسهيلات لمزيد من الناس.