الصين والشرق الأوسط

في السادس عشر من أغسطس 2016، أجرت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)حوارا معي، للتعليق على زيارة قام بها مسؤول عسكري صيني إلى دمشق، التقى خلالها مع وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج. المسؤول الصيني قال، وفقا لما نقلته وسائل الإعلام العالمية عن وكالة أنباء الصين الجديدة ((شينخوا))، إن الصين لعبت دوماً دوراً إيجابياً في السعي إلى حل سياسي في سورية. وأضاف: "يرتبط جيشا الصين وسورية تقليدياً بعلاقات ودية، ويريد الجيش الصيني مواصلة تعزيز التبادل والتعاون مع الجيش السوري." هذه العبارة الأخيرة تحولت إلى عناوين مثيرة في وسائل الإعلام العربية والعالمية، ومنها: "الصين ترغب في علاقات عسكرية أوثق مع دمشق"، "التنين الصيني يدخل سورية"، "الصين ستدعم الجيش السوري عسكريا"، إلخ.

الحقيقة أن زيارة الأدميرال قوان يو فيّ، مدير مكتب التعاون العسكري الدولي في اللجنة العسكرية المركزية للصين على رأس وفد من جيش التحرير الشعبي الصيني إلى دمشق والتي تضمنت لقاء مع وزير الدفاع السوري، أثارت من جديد الحديث عن دور الصين في منطقة الشرق الأوسط. وقد تبانيت الآراء حول مغزى زيارة السيد قوان في هذا التوقيت والتصريحات التي أدلى بها.

صحيفة هوانتشيو (غلوبال تايمز) الصينية نشرت في الثامن عشر من أغسطس 2016 تقريرا بعنوان "الصين تعزز دعم سورية"، جاء فيه أن خبراء يرون أن الوقت مناسب للجيش الصيني لمزيد من المساهمة في إنهاء الأزمة السورية، عقب تقارير بأن وفدا عسكريا صينيا زار دمشق في السادس عشر من أغسطس للحديث حول التعاون العسكري والمساعدات الإنسانية. وقالت التقارير إن الجانبين وافقا على مزيد من التعاون في تدريب الأفراد والمساعدات الإنسانية من الجيش الصيني، وفقا لما ذكرته وزارة الدفاع الوطني. ونقلت ((هوانتشيو)) عن قوان قوله إن الصين تلعب دورا فاعلا في السعي إلى حل سياسي للأزمة السورية، وتؤيد الاستقلال الذاتي لسورية، وإن الجيش الصيني يرغب في تقوية التعاون مع نظيره السوري.

خلال زيارته إلى دمشق، التقى السيد قوان أيضا مع جنرال روسي لبحث "القضايا ذات الاهتمام المشترك". وهذا اللقاء أضاف مزيدا من البهارات للتقارير الإعلامية.

البروفيسور تشاو وي مينغ، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، قال: "هذا هو الوقت المناسب للجيش الصيني للمساهمة أكثر نحو حل سلمي للأزمة السورية، ومكافحة إرهاب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". وأوضح تشاو أن الأزمة (السورية) ليست حادة الآن كما كانت من قبل، وأن الولايات المتحدةالأمريكية وروسيا قد بدأتا الحديث عن حلول سياسية بعد وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية ومجموعات المعارضة في فبراير 2016. وأضاف السيد تشاو: "طالما أن الولايات المتحدة الأمريكية تتدخل عسكريا في الفناء الخلفي للصين ببحر الصين الجنوبي، فإن ذلك (التحرك الصيني) قد يكون ردا من الجيش الصيني في المنطقة، هي الشرق الأوسط، التي تعتبر تقليديا مجالاً للنفوذ العسكري الأمريكي. الجيش الصيني لم يرسل قوات عسكرية لمحاربة الإرهابيين في سوريا مباشرة، ولكن زيارة قوان قد تكون الخطوة الأولى قبل المزيد من التعاون."

ومن المعلوم أن الصين قد عبرت عن تأييدها لجهود مكافحة الإرهاب في سوريا. ويقول مراقبون إن الصين قلقة من تأثير الإرهابيين على المتشددين الدينيين في منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم، وفقا لتقرير ((هوانتشيو)).

وقد نشرت صحيفة ((جيش التحرير الشعبي)) اليومية، وهي الجريدة الرسمية للجيش الصيني، مقالة في السادس عشر من أغسطس، جاء فيها أن الصين يمكن أن تتعلم من إجراءات وتكتيكات روسيا في سوريا وشبه جزيرة القرم.

غير أن هوا لي مينغ، سفير الصين الأسبق لدى إيران وخبير شؤون الشرق الأوسط، قال: "إن الارتباط العميق للصين مع الحكومة السورية لا يعني بالضرورة أن بكين سوف تبدأ أي نوع من التدخل العسكري في سوريا. موقف الصين في الأزمة السورية لن يتغير، وهو السماح للسوريين بتقرير مصير بلدهم. التدخل من الخارج يمكن فقط أن يوسع الأزمة، ومن ثم سوف تحافظ الصين على العلاقة مع الحكومة، وتشجع المفاوضات بين الأطراف المختلفة."

وقال سونغ تشونغ بينغ، وهو محلل عسكري خدم سابقا في جيش التحرير الشعبي الصيني، إن التعاون العسكري بين الصين وسوريا له تاريخ طويل. وأضاف: "تم توقيع العديد من العقود قبل الحرب الأهلية السورية، ونتيجة للوضع غير المستقر لم يكن ممكنا تنفيذ الكثير منها خلال السنوات القليلة الماضية. الوضع الداخلي في سوريا يصبح أكثر استقرارا، ويمكن التواصل من جديد بشأن تلك العقود."  

وحسب ((هوانتشيو))، يوجد بالفعل مستشارون عسكريون صينيون في سوريا، يركزون على تدريب الأفراد على الأسلحة؛ ذلك لأن القوات الحكومية السورية تشتري الأسلحة الصينية، بما في ذلك بنادق القنص وقاذافات الصواريخ والرشاشات. 

وقال تشاو وي مينغ: "في الماضي، كان الجيش الصيني حذرا للغاية في تعاونه مع الحكومة السورية. وطبيعي، وفقا لما نراه في الإعلام، أن يكون التواصل بين الدبلوماسيين من الجانبين أكثر من التواصل بين العسكريين. ثمة أسباب عديدة لابتعاد الجيش الصيني سابقا عن الأضواء."

وأوضح السفير هوا لي مينغ أنه خلال السنوات الخمس الماضية منذ اندلاع "الربيع العربي"، غضب العديد من الدول العربية من الصين وروسيا بعد استخدامها لحق النقض في مجلس الأمن لمنع التدخل العسكري ضد الحكومة السورية. بيد أن تلك الدول العربية حاليا باتت تدرك أن التدخل الخارجي لا يمكنه حل الأزمة.

الباحث الصيني تيان ون لين، من معهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، تساءل في مقالة له بجريدة ((الشعب اليومية)) الصينية في الثامن عشر من أغسطس: "هل حان الوقت للصين لتتدخل في الشرق الأوسط؟"، وقال إن الصين لا يمكن أن تغيب طويلا عن شؤون منطقة الشرق الأوسط. من الناحية الإيجابية، فإن أهمية مصالح الصين في الشرق الأوسط تزداد. وفي الوقت الحالي، الدول العربية أكبر مورد للنفط الخام للصين وسابع أكبر شريك تجاري لها، وسوق هام للمقاولات والاستثمارات الصينية في الخارج. كما أن مبادرة "الحزام والطريق" لا تشمل منطقة الشرق الأوسط فحسب، وإنما أيضا تقع منطقة الشرق الأوسط في وسط ونقطة تقاطع "الحزام والطريق". ولا يمكن للدبلوماسية الصينية أن تتوسع بدون الشرق الأوسط. ومن الناحية السلبية، فإن منطقة الشرق الأوسط تعيش في أكثر فترة اضطرابا خلال ما يقرب من مائة سنة، حيث تزداد فيها التناقضات الطائفية، وانتشار التطرف، والتشظي الجغرافي. إن الاضطرابات في الشرق الأوسط إذا توسعت، قد يمتد تأثيرها إلى الصين عاجلا أو آجلا. إن استعادة الاستقرار في الشرق الأوسط بحاجة إلى التعاون بين دول المنطقة والمجتمع الدولي. ولكن القوة الأمريكية في الشرق الأوسط تتراجع حاليا، ولا يمكنها القيام بكل شيء. ومن الواضح أن استبعاد الصين وغيرها من القوى الأخرى لا يساعد على حل المشاكل في المنطقة. ومشاركة الصين في شؤون الشرق الأوسط بشكل مناسب أمر طبيعي.

في الوقت الحاضر، لا يزال هناك فضاء واسع للسياسة الصينية في الشرق الأوسط. وقد جاء في ورقة بحثية لأكاديمية صينية أنه لفترة طويلة ظلت الصين تلعب "الشوط الثاني" فقط من المباراة في الشرق الأوسط، أي بناء الاقتصاد، في حين أن مشاركة الصين مازالت محدودة في "الشوط الأول" المتعلق بالمجالات الأمنية والسياسية والعسكرية. ومهمة الصين حاليا، هي بذل الجهود للمشاركة في المباراة كلها. في الواقع، هذه التغيرات قد بدأت. وفي سوريا على سبيل المثال، استخدمت الصين عدة مرات حق النقض في الأمم المتحدة، وعينت مبعوثا خاصا لها إلى سوريا، وقدمت المساعدات الإنسانية، ما يُبين أن الصين قد بدأت في المشاركة في "الشوط الأول" من المباراة.

في الثالث والعشرين من أغسطس 2016، أوفدت الصين سفيرها لشؤون منتدى التعاون الصيني- العربي لي تشنغ ون، إلى مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة للعمل على تحقيق نتائج زيارة الرئيس شي جين بينغ للشرق الأوسط في يناير 2016، في إشارة إلى اهتمام الصين المتزايد بهذه المنطقة. وقال المسؤول الصيني في مؤتمر صحفي أثناء الزيارة إن الدول العربية تحتل مكانة هامة في السياسة الخارجية لبلاده.

الواضح أن المحللين الصينيين يتفقون على أنه ينبغي أن يكون للصين دور أكبر في الشرق الأوسط؛ دور يتجاوز الإطار الاقتصادي إلى أُطر أوسع وأعمق. ولعل هذه الرؤية الصينية تلتقي مع رؤى عربية متنامية تطالب الصين بالانخراط أكثر في شؤون المنطقة. بيد أن هذا الانخراط ينبغي أن يكون مدروسا ومتأنيا في منطقة مليئة بالألغام وساحة للصراعات الإقليمية والدولية. ويقينا، تدرك القيادة الصينية معطيات الواقع في الشرق الأوسط، مسترشدة بمقولة الزعيم دنغ شياو بينغ: "عندما نعبر النهر علينا أن نتحسس الأحجار تحت أقدامنا".