أليف ينشر ثقافة الويغور بالمحبة

في دار عادية ذات خصائص ويغورية واضحة، يعيش المعلم الويغوري أليف. الدار يتوسطها فناء نظيف به نباتات الزهور وأشجار الفاكهة، وفي أركانه تتناثر أدوات زراعية ودراجة نارية قديمة. ما يميز هذه الدار عن غيرها من البيوت الأخرى أن فيها "غرفة دراسية" متوسطة الحجم تلاصق حجرة صاحب الدار. في الغرفة الدراسية سبورة معلقة على الحائط، ولوحة مفاتيح إلكترونية موسيقية تعتلي طاولة المعلم. جدران الغرفة مزينة بلوحات رسم وخط أبدعها أطفال من قومية الويغور.

أسرة سعيدة

في الساعة السابعة والنصف مساء، وبعد انتهاء اليوم الدراسي في المدارس العادية، يقصد التلاميذ إلى فناء دار أليف حيث تتعالى أصواتهم وضحكاتهم فتشيع في جوانب الدار أجواء من البهجة والحيوية. يأتي إلى الدار التلاميذ من المدارس الابتدائية المجاورة كأنهم قد عادوا إلى بيوت ذويهم. في مشهد مؤثر، رأينا أطفالا وقد ألقوا حقائبهم المدرسية على أريكة في الدار، وصاح بعضهم بأنهم جوعى، فما كان من زوجة أليف، السيدة نورينست، إلا أن أعدت لهم الشاي بالحليب الساخن مع الخبز. أكل الأطفال حتى شبعوا، وجلس بعضهم إلى الطاولات لإكمال واجباتهم المدرسية، بينما أمسك آخرون بآلة دوتار الموسيقية الويغورية التي تشبه القيثارة  وشرعوا يعزفون. كانت نورينست تتحدث مع الأطفال والابتسامة لا تفارق محياها. هذا مشهد يتكرر يوميا في تلكالدار.

السيد أليف يسجل في دفتر خاص كافة معلومات التلاميذ الذين يأتون إلى داره، وهو يعرف أسماءهم جميعا وأعمارهم وعناوين بيوتهم، بل وهواياتهم وطبيعة كل منهم وأمزجتهم. يسجل أليف أيضا ملاحظاته الدقيقة حول كل طفل ويهتم بكل من يقصد داره.

سوليهوما طفلة عمرها اثنتا عشرة سنة، تبدو منطوية وتخجل من الحديث أمام الغرباء. في العطلة الصيفية العام الماضي أرسلها أبوها إلى فصل أليف. أقامت الطفلة في بيت أليف لمدة شهر كامل وأحبت المكان كثيرا، فهي تلعب وترقص وتغني مع صديقاتها وأصدقائها الجدد. تغيرت حالتها وصارت أكثر انفتاحا. قالت سوليهوما إنها أحبت الأب أليف واللعب مع أصدقائها، وإنها تود أن تذهب إلى الأب أليف بعد اليوم المدرسي.

كلهم أولادي

قال أليف إن القصة بدأت عندما لاحظ عدم وجود مكان يلعب فيه الأطفال، فقرر أن يقيم فصلا لتوفير مكان لهم يعزفون فيه على دوتار ويتدربون على فن الخط الويغوري، ويلعبون معا، وفي ذات الوقت يطمئن أولياء الأمور على أطفالهم. الذي لم يتوقعه أليف أن بيته لم يعد مقصدا لأطفال قريته فحسب، وإنما أيضا لأطفال من قرى أخرى مجاورة. في العطلات المدرسية، يكثر ضيوف دار أليف، مما شجعه على مواصلة هذا العمل.

تعلم أليف عزف قيثارة دوتار من أبيه وأتقن العزف تماما. هذا فضلا عن موهبته البارعة في تأليف الألحان وكتابة كلمات لأغاني. أبدع أكثر من عشر أغنيات، وتأتيه دعوات من قرى مجاورة لتقديم العروض الفنية هناك. بالإضافة إلى الموسيقى الويغورية التقليدية، يجيد أليف فن الخط الويغوري، واشتهر بأنه "رجل كفء" لثقافة قومية الويغور. ولنشر هذه الثقافة التقليدية، وخاصة بين الأطفال والشباب، أنشأ أليف فصلا لتعليم الأطفال هذه الفنون التقليدية لقومية الويغور، بما فيها الخط والموسيقى والرقص. لقى هذا الفصل إقبالا واسعا من قبل أولياء الأمور، فأرسلوا أولادهم إلى أليف، ومنهم من يقيم في داره لمدة غير قصيرة خلال عطلتي المدارس في الصيف والشتاء. قال أليف: "كلهم أولادي."

زوجة أليف،نورينست، وقفت إلى جواره ودعمته منذ البداية، لأنها تشاركه هواياته في العزف والغناء والفنون الويغورية التقليدية. ذات مرة، كان أليف في شركة صديق له واستمع إلى فتاة تغني بصوت رخيم واحدة من أحب الأغنيات إلى قلبه. لم تكن تلك الفتاة إلا نورينست، التي أحبها وتزوجها. أليف وزوجته ليسا من الأثرياء ولكنهما لا يبخلان بشئ لتوفير بيئة مريحة للأطفال.

نشر ثقافة الويغور

المدهش أن أليف لا يتقاضى أجرا عن كل الخدمات التي يقدمها للأطفال. وعندما ألح بعض أولياء الأمور عليه أن يقبل منهم بعض الأموال لأن أطفالهم يأكلون ويسكنون في بيته، رفض وقال: "في هذه الدنيا، يكفيني طعام بسيط وملابس متواضعة. لا نحتاج إلى مال فائض. كم من الطعام  يأكل طفل صغير؟ كيف أطلب أجرا منهم؟ بالإضافة إلى ذلك، وفرت الحكومة المحلية بعض الدعم المالي لهذا الفصل، واشتريت بعض الآلات الموسيقية واللوازم الدراسية بهذه الأموال. إن فرحتي الحقيقة هي أن أرى الأطفال يلعبون ويدرسون في بيتي، فاشعر بالرضا عن حياتي."

أليف أنجب ولدا وبنتين. أما الولد فقد مات في حادثة مرورية، والبنت الكبيرة عمرها اثنتا عشرة سنة، والصغيرة عشر سنوات. قال أليف إن ابنته الكبيرة ممتازة في الدراسة، وتحتل الترتيب الأول في مدرستها دائما، أما ابنته الصغيرة، فنشيطة ومفعمة بالحياة، تعزف دوتار ولوحة المفاتيح الموسيقية الإلكترونية. ذات مرة، كان أليف يقدم عرضا فنيا بصحبة ابنته الصغيرة في مسابقة فنية بالبلدة، وحققت البنت بمهارتها البارعة في عزف لوحة المفاتيح الموسيقية الإلكترونية الفوز، وحصلت على الجائزة الأولى.

فصل أليف بدأ منذ ثلاثة أعوام، وبلغ عدد تلاميذه خلالها أكثر من أربعين. ومن أجل دعم هذا الفصل الذي يوفر مكانا للتلاميذ للدراسة والاستراحة، قررت الحكومة المحلية دعم أليف لشراء الآلات الموسيقية وجهاز استيريو والأجهزة الكهربائية الأخرى.

قال أليف: "قومية الويغور لها تاريخ عريق وثقافة فريدة. يدين معظم أبناء قومية الويغور بالإسلام، فتمتاز ثقافتها بالجمع بين الخصائص الإسلامية والقومية. تتجسد هذه الخصائص في الموسيقى والرقص وخاصة فن الخط. لغة الويغور المكونة من اثنين وثلاثين حرفا، بينها وبين اللغة العربية علاقة وثيقة، وتّكتب من اليمين إلى اليسار."

التلميذ تشاي يوي شوه، عمره عشر سنوات، وهو الطفل الوحيد من قومية هان في فصل أليف. قال إنه يشارك في هذا الفصل لدراسة لغة الويغور والخط الويغوري. المسافة من بيت تشاي إلى دار أليف تستغرق حوالي نصف ساعة بالسيارة، ومع ذلك يحرص أهله على إرساله إلى أليف في العطلة الأسبوعية لتعلم كتابة اللغة الويغورية وتصحيح نطقه لها. وبفضل ذلك، يحقق تشاي يوي شوه تقدما سريعا.

قال أليف: "يتعلم الأطفال في هذا الفصل ثقافة الويغور ويحققون تقدما سريعا، لأن لديهم الرغبة والشغف بثقافة الويغور. أشعر بالفخر والسعادة لأنني أساعدهم في إحراز هذا التقدم، وأعتقد أن نشر هذه الثقافة التقليدية القومية مسؤولية تقع على عاتقي كواحد من أبناء الويغور. سوف أبذل مزيدا من الجهود لتنظيم هذا الفصل وتحسين دروسه في المستقبل."