هانغتشو تستعرض تاريخها وحاضرها أمام قمة العشرين

موقعها الجغرافي في جنوب شرقي الصين مع وجود العديد من البحيرات والأنهار فيها، يجعل فصل الصيف في مدينة هانغنشو حاضرة مقاطعة تشجيانغ، حارا ورطبا للغاية. ويبدو أن صيف هذا العام في هانغتشو أكثر سخونة، بسبب التحضير والإعداد الشامل لقمة مجموعة الدول العشرين التي تستضيفها المدينة في أوائل سبتمبر 2016. لقد تم إعادة بناء وترميم بعض الطرق وتجديد وطلاء المرافق العامة والمواقع السياحية، مع تشديد الإجراءات الأمنية.

بعد انتهاء قمة العشرين في مدينة أنطاليا التركية على ساحل البحر الأبيض المتوسط عام 2015، تم اختيار الصين لاستضافة قمة هذا العام وفقا لنظام التناوب. الصين لديها خبرة كبيرة في تنظيم الأحداث العالمية على نطاق واسع، بما في ذلك، اجتماعان لقادة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) ودورة الألعاب الأولمبية ومعرض إكسبو العالمي. ولكن، لماذا تم اختيار مدينة هانغتشو وليس بكين أو شانغهاي الأكثر شهرة وعالمية؟ وقد طرح هذا التساؤل على عينة عشوائية من سكان هانغتشو، فقال بعضهم إن السبب يرجع إلى الأداء الاقتصادي القوي والبنية التحتية الجيدة والموارد الثقافية الوافرة في المدينة. بيد أن الغالبية منهم قالوا إن جمال وسحر طبيعة المدينة هو السبب الرئيسي لذلك الاختيار.

مشاهد تسر العين

بعد السفر إلى مناطق حضرية وريفية كثيرة في الصين، تكتشف أن هانغتشو هي المكان الذي يلبي رغبات ومتطلبات معظم المحترفين والهواة من المصورين، الذين يحرصون على التقاط صور للمناظر والمشاهد بتفاصيلها الدقيقة. التلال والبحيرات والطبيعة الطبوغرافية النادرة تجعل المناظر الطبيعية الخلابة في هانغتشو فريدة من نوعها. ولا شك أن المنظر الأكثر جمالا في المدينة هو بحيرة شيهو(البحيرة الغربية). والحقيقة أن البحيرة الغربية، التي تغطي تسعة وأربعين كيلومترا مربعا، تقع في وسط المدينة وليس في غربها، وتحيط بها العديد من المواقع السياحية والتاريخية الشهيرة، منها المعابد والباغودات وحدائق النباتات. ومنذ أن قررت الحكومة المحلية إلغاء رسوم دخول البحيرة الغربية  في عام 2002، شهدت أعمال الخدمات المحلية هناك ازدهارا كبيرا. تنتشر على شاطئ البحيرة أعداد كبيرة من المقاهي والمطاعم التي تتداخل مع المناظر الخلابة، وتقدم صنوفا متنوعة من المشروبات والأطعمة. في تلك البنايات الأنيقة بجانب البحيرة، يتمتع أهل المدينة بأوقات رائعة، خاصة أثناء هطول الأمطار أو غروب الشمس.

إضافة إلى بحيرة شيهو، تحتضن هانغتشو القناة الصينية الكبرى، وهي مدرجة بقائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) للتراث العالمي، نظرا لأهميتها التاريخية والطبيعية. بدأ إنشاء هذه القناة قبل ألفين وأربعمائة سنة للربط بين بكين وهانغتشو. هذه القناة التي يبلغ طولها ألفا وتسعمائة وأربعة وسبعين كيلومترا تعتبر معجزة هندسية قديمة. لا تزال القناة تعمل كممر للنقل المائي، وتستخدم لجولات القوارب السياحية لمشاهدة الزوارق المحملة بمواد البناء والمحاصيل الزراعية. في المساء، تخلق حركة المرور والمصابيح المضيئة على ضفتي القناة، ممزوجة مع أصوات الزوارق والأطواف أجواء خاصة، تعيد المرء إلى الأيام الخالية، عندما كانت هانغتشو في طريقها لتصبح مركزا تجاريا مزدهرا في جنوب شرقي الصين.

الاختيارات السياحية في هانغتشو متنوعة، ولكن عشاق الهدوء الراغبين في الانعتاق قليلا من صخب وضوضاء المدن الكبرى، يمكنهم التوجه إلى مناطق الأرض الرطبة والضواحي القريبة من المنطقة الحضرية للمدينة، وأكبرها حديقة شيشي الوطنية للأرض الرطبة. هذه الحديقة التي تغطي أحد عشر كيلومترا مربعا وتبعد عن وسط المدينة خمسة كيلومترات فقط، تشتهر بمناظرها الطبيعية الرائعة التي تتغير من موسم إلى آخر. وهناك أيضا مجموعة متنوعة من الحدائق ومناطق الأرض الرطبة والمنتجعات الصغيرة في المدينة.

عشاق الشاي الأخضر يجدون ضالتهم في هانغتشو، فهي الاختيار الأمثل لهم. شاي البحيرة الغربية "لونغجينغ"، هو العلامة التجارية الأولى للشاي الأخضر في الصين، والشاي فيها معروف بنكهته العطرة المميزة ولونه الأخضر البلوري. وبفضل المناخ الطبيعي، تضم هانغنشو العديد من المناطق الخاصة لزراعة الشاي، وأكثرها شهرة المزارع التي كان يُرسل إنتاجها من الشاي مباشرة إلى بلاط الأسر الحاكمة في الصين القديمة. صارت هذه الأماكن مواقع سياحية، حيث يمكن للزوار تذوق وشراء الشاي، بل وقطف أوراق الشاي خلال مواسم الحصاد. تزرع سنويا مساحات محدودة بأشجار شاي "لونغجينغ" الأخضر، ولكن الطلب عليه كبير، ما يجعل أسعاره مرتفعة.

التراث الثقافي

في هانغتشو تعرف الكثير عن ثقافة وتاريخ الصين. المدينة ذاتها عمرها أكثر من ألفين ومائتي سنة، وكانت واحدة من سبع عواصم قديمة في الصين، ما جعلها متحفا ثريا للتراث الثقافي المادي وغير المادي. وينتشر في أنحاء المدينة أكثر من مائة متحف، منها متحف مقاطعة تشجيانغ الكبير ومتحف مدينة هانغتشو. وهناك أيضا العديد من المتاحف الأخرى المنتشرة في الأحياء الصغيرة والبعيدة عن نظر السياح والزوار. وكلها جواهر ثمينة وجذابة يجب على السائح أن يحرص على اكتشافها والتمتع بها.

هانغتشو تحمل لقب "مدينة الشاي والحرير"، ومن ثم  فإن متاحف الشاي والحرير تشكل أماكن جذب خاصة. يتمتع حرير هانغتشو المطرز بشهرة عالمية واسعة. متحف الحرير المطرز في هانغتشو الذي يحمل اسم "دو جين شنغ"، صاحب الشهرة في هذا المجال، تعرض فيه نماذج تاريخية وفنية من الحرير. وقد انتشرت أسرار التقنية الصينية غربا عبر طريق الحرير القديم. حتى اليوم، يستخدم الحرير والديباج كهدايا رسمية للدولة الصينية التي قدمت هدايا منه لرؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين، بيل كلينتون وجورج بوش.

زيارة متحف خزف البورسلين في هانغتشو أمر لا بد منه لكل من يذهب لهذه المدينة الساحرة. كعاصمة لأسرة سونغ الجنوبية (1127-1279) لم تشهد هانغتشو وضعا سياسيا حزينا فقط نتيجة انهزام البلاط والأباطرة الذين اتخذوا المدينة عاصمة لهم بعد الانسحاب من شمالي الصين، وإنما أيضا عرفت أسلوب الحياة  الباذخة والمرفهة للعائلات المالكة والنبلاء. لذلك، كان هناك طلب كبير على الأواني الخزفية الأنيقة. تاريخ إنتاج الخزف يعرضه متحف الفرن لأسرة سونغ الجنوبية في هانغتشو. يعرض في المتحف أنواع مختلفة من الخزف والسيراميك من مختلف العصور، والمستخدمة في عدة أغراض مثل تزيين البيوت والطاولات، وحتى كهدايا تقدم للأجانب.

هذه المتاحف العديدة تظهر مساهمات هانغتشو الخاصة في التنمية الاجتماعية في الصين. وأنشأت المدينة "متحف المال والضرائب" على تل يطل على البحيرة الغربية، وربما يكون هذا المتحف الوحيد من نوعه لتاريخ النظام المالي في الصين. يضم  المتحف الوثائق المالية والسندات والمعاهدات غير المتكافئة، التي تعود لأوائل القرن العشرين أو قبل ذلك، وهي محفوظة بشكل جيد؛ وتعرض لتذكير الناس بالأوقات العصيبة في فترات الحرمان والضعف الاقتصادي، وكيف عانت العديد من الحكومات من الحرج المالي وذل الديون الخارجية والمحلية.

هناك متاحف أخرى مخصصة لتاريخ مدينة هانغتشو كقاعدة لتصنيع الأدوات والأسلحة، فمتاحف السيوف والسكاكين والمقصات تؤكد أن هانغتشو لها تاريخ طويل في صناعة الأسلحة والأدوات، ما يؤهلها لتكون قاعدة تصنيع رئيسية. في الزمن القديم، كان الجنرالات يفضلون السيوف المصنوعة في هانغتشو. في الوقت الحالي، لا تزال المقصات التي تحمل علامة "تشانغ شياو تشيوان" المميزة، ذات شهرة واسعة، ويحرص السياح الصينيون على اقتنائها كهدايا تذكارية. وهناك أيضا متحف "مأكولات هانغتشو"، الذي يعكس مكانة أطعمة المدينة ومطبخها الذي يعتبر واحدا من  المطابخ الصينية التقليدية الثمانية. وتعرض في المعرض أيضا نماذج لأنواع الأطعمة التقليدية والموائد، ما يثير شهية الزوار شديدا.

متاحف هانغتشو مفتوحة بالمجان للجمهور، وتغلق يوم الاثنين من كل أسبوع.

متعة واستجمام

الصين بلد كبير لا يزال فيه تفاوت اقتصادي بين المناطق الشرقية الأكثر تطورا والمناطق الغربية الأقل تطورا. ولا يزال تفاوت الدخل في مختلف المناطق واضحا وجليا. ومدينة هانغتشو ومقاطعتها تشجيانغ تتمتع بثراء تقليدي. وفقا لإحصاءات عام 2015، بلغ المتوسط السنوي لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في هانغتشو 112268 يوانا، (أكثر من 18 ألف دولار أمريكي)، وهو أعلى من المتوسط الوطني الذي يبلغ 49351 يوانا، (حوالي ثمانية آلاف دولار أمريكي). الاقتصاد المزدهر وفر للعديد من المواطنين حياة مرفهة ومريحة. وتشير الإحصاءات إلى أن قطاع الخدمات ساهم بنحو 6ر74% من نمو الناتج المحلي الإجمالي في هانغتشو في عام 2015.

هانغتشو مقصد سياحي مريح للزوار المحليين والأجانب. وفيها العديد من الفنادق العالمية والنُزُل المريحة والمتاجر الراقية، بأسعار تناسب جميع أنواع السياح، ومنها ما هو في متناول العامة، ومنها المخصص للأثرياء.

تذوق الأطباق المحلية  يوفر فرصة لجذب حشود من السياح. وينتشر في المدينة العديد من المطاعم، ففيها المطاعم الراقية الفاخرة التي تخصص للولائم والمناسبات الرسمية وتقدم وجبات باهظة الثمن، وبالمقابل هناك العديد من المطاعم الصغيرة التي تنتشر في الشوارع والأزقة الصغيرة وتقدم للسياح ولعشاق الطعام الصيني التقليدي أصنافا عديدة من أطعمة هانغتشو اللذيذة المميزة وبأسعار مناسبة. وفي هذه المطاعم هناك العديد من الأصناف الشهية من الطعام للمحليين وللزوار والسياح.

هانغتشو أيضا محور لوسائل النقل في الصين. مطار شياوشان الدولي، الذي يبعد ثلاثين دقيقة فقط  بالسيارة أو الحافلة عن مركز المدينة، تنطلق منه رحلات مباشرة إلى العديد من مدن العالم، من بينها أمستردام الهولندية، الدوحة في قطر، سول في كوريا الجنوبية، إضافة للعديد من الرحلات الداخلية لعدة مدن في الصين منها بكين. كذلك تربط محطتا القطار في المدينة، هانغتشو بكل المناطق والمدن الصينية. أسعار سيارات الأجرة والمترو والحافلات العامة معقولة. وتقدم العديد من الأماكن خدمة تأجير السيارات مع الإعفاء من الأجرة للساعة الأولى.

انفتاح وابتكار

يفخر أبناء هانغتشو بروح الانفتاح والإبداع في مدينتهم. متحف معرض البحيرة الغربية الدولي الذي أقيم في الفترة من السادس إلى العاشر من يونيو سنة 1929، واستقطب أكثر من عشرين مليون زائر من داخل وخارج الصين، ليعرفوا الصين ومقاطعة تشيجيانغ والصناعة الوطنية التي كانت قد سارت على طريق تطورها بطموح كبير. هانغتشو حاليا مقر للعديد من الشركات الضخمة، مثل شركة علي بابا وشركة جيلي الرائدة في صناعة السيارات بالصين والتي تمتلك شركة فولفو، والآلاف من شركات الابتكار الصغيرة، التي تقع مقراتها الرئيسية في هانغتشو. في الآونة الأخيرة، طورت هانغتشو مكانا مخصصا للمعارض وللمؤتمرات الوطنية والدولية. معرض الرسوم المتحركة الدولي عبارة عن مهرجان للصناعات الإبداعية. يحرص سكان هانغتشو على معرفة تاريخ مدينتهم القديم والمعاصر بشكل جيد. وهم يذكرون دائما رجل الأعمال والرحال الإيطالي، ماركو بولو، الذي زار الصين في القرن الثالث عشر، وأمضى سنوات عديدة فيها. وبعد عودته لوطنه كتب عن هانغتشو ما يلي: "من دون شك أن أروع وأفضل مدينة في العالم هي هانغتشو".

ملاحظة

قمة العشرين، تشمل الأرجنتين، أستراليا، الصين، اليابان، البرازيل، كندا، فرنسا، ألمانيا، الهند، أندونيسيا، إيطاليا، كوريا الجنوبية، المكسيك، روسيا، المملكة العربية السعودية، جنوب أفريقيا، تركيا، المملكة المتحدة، أمريكا، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي.