وجبة الحائط بالمطاعم الإسلامية في الصين
حفظ ماء وجه المحتاج

منذ بداية عام 2016، تشهد فكرة "وجبة على الحائط" انتشارا واسعا بين المطاعم الإسلامية في الصين، كنوع من العمل الخيري لتقديم الطعام للمحتاجين من دون جرح كرامتهم.

فكرة مبتكرة

"وجبة على الحائط" مأخوذة من فكرة "قهوة على الحائط" التي ظهرت في الدول الغربية أولا. الفكرة التي عرفتها إيطاليا منذ سنوات، يقصد بها أنك عندما تشتري فنجانا من القهوة لنفسك، تشتري فنجانا آخر وتضع فاتورته أو قصاصة ورقية على حائط المقهى، ليأتي شخص محتاج فيأخذ الفاتورة ويشرب القهوة مجانا. أجمل ما في هذه الفكرة أن المحتاج لا يعرف المحسن، فلا يشعر بالحرج ولا تُجرح كرامته.

في الصين، تحولت فكرة "قهوة الحائط" إلى "وجبة الحائط". ليس عليك لتقوم بهذا العمل الخيري إلا أن تخبر الشخص المعني في المطعم بشراء وجبة أو عدة وجبات إضافية، ثم يلصق صاحب المطعم الفاتورة أو القصاصات على الحائط ليعرف المحتاجون أن هذه الوجبات مدفوعة الثمن، فيأخذ الفاتورة أو القصاصة ويعطيها للشخص المعني في المطعم ويحصل على وجبته كالآخرين دون أن يشعر به أحد. وبهذه الطريقة يتحقق التكافل بين القادر والمحتاج. بهذه الفكرة المبتكرة، يمكن لكل زبائن المطاعم أن يشاركوا في العمل الخيري في حياتهم اليومية العادية من دون أن يعرفوا شيئا عن المحتاجين.

رائد أعمال وجبة الحائط

الشاب يالقون عثمان (Yalqun Osman)، هو أول من حول فكرة "وجبة الحائط" إلى عمل خيري كبير على مستوى الصين. يعمل يالقون موظفا حكوميا في جمرك أورومتشي بمنطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم.  اشتهر في شينجيانغ بأعماله الخيرية ونشاطاته التطوعية. في عام 2005، بدأ يالقون يشارك المتطوعين في دعم البناء والتعليم بالمناطق الريفية. في عام 2008، أسس يالقون منظمة لمتطوعي المدارس الريفية في شينجينغ (منظمة VSV)، التي تهدف إلى "تقديم الأعمال التطوعية للمدارس الريفية في شينجيانغ بشكل تطوعي ومتساوي وعدم طلب الأموال". فتحت هذه المنظمة موقعها على شبكة الإنترنت (http://www.xjvsv.org) وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي الكبيرة مثل sina وwechat، فحظيت بمتابعة واسعة من قبل الصينيين.

في يونيو عام 2015، ذهب يالقون إلى مطعم إسلامي في شينجيانغ، ولاحظ أن هناك "حائط الحب". عرف من صاحب المطعم قصة "قهوة الحائط" ودعاه أن يجرب هذه الطريقة لمساعدة الفقراء. دفع يالقون عشرين يوانا (الدولار الأمريكي يساوي 7ر6 يوانات) لشراء طبق من الشعرية، ولصق الفاتورة على "حائط الحب". بعد مغادرة المطعم، سجل يالقون هذه التجربة الخاصة ونشرها على الإنترنت. ما أدهشه أن هذه القصة تركت تأثيرا واسعا وانتشرت في وسائل الإعلام الصينية. وبعد أقل من أسبوع، اتصلت به هيئتان للعمل الخيري للتعبير عن رغبتهما في التعاون معه والمشاركة في هذا النشاط.

قرر يالقون أن ينظم نشاطا باسم "وجبة على الحائط" بشكل جدي في نهاية عام 2015. فتم تحديد الأهداف والمبادئ الأساسية لهذا النشاط وترجمة بعض مقالات الدعاية له إلى لغة الويغور. قال يالقون إنه نال الثقة لتنظيم هذا النشاط من دعم الهيئات الخيرية الأخرى. قال إن كل شخص يستطيع المشاركة في هذا النشاط، ويمكن للهيئات الخيرية تقليد هذه الطريقة. لتنفيذ هذا النشاط، ينبغي أن توقع الهيئة الخيرية المعنية اتفاق تعاون مع المطاعم الراغبة في الشماركة فيه، ثم تقوم الهيئة الخيرية بحساب قيمة الوجبات، لتقديم هذه السجلات المالية إلى المتطوعين لمراقبة أحوال استخدام الأموال في هذا النشاط. قال يالقون إن أهم شئ في هذا النشاط هو الشفافية في طريقة عمله وتكاليف تشغيله وطريقة موازنته. ولا بد من الإعلان عنه بشكل دوري، ليعرف كل واحد منا كم شخصا يستفيد منه.

مشاركة جماعية

حظي هذا النشاط بإقبال واسع من الناس. بدأت المطاعم في مدينة إيلي تشارك في هذا النشاط أولا، ففي نوفمبر عام 2015، شاركت ستة مطاعم إسلامية في هذا النشاط، وأنشأت "حائط الحب". سرعان ما شاركت هيئات كثيرة في شينجيانغ في هذا النشاط. وقالت رئيسة هيئة بابا قدير الخيرية، السيدة باتيمم: "بهذه الطريقة، لا يعرف المحتاج من يساعده، ولا يعرف المتبرع هوية المحتاج، فنحفظ كرامة المحتاجين في نفس الوقت الذي نقدم لهم المساعدة. أشعر بالشرف بأن هذا النشاط بدأ في شينجيانغ، التي يقطنها أبناء قوميات مختلفة. يعيش في شينجيانغ نصف عدد مسلمي الصين، فتكثر المطاعم الإسلامية هنا. أعتقد أن هذا النشاط يجسد المحبة والأخوة بين المسلمين الصينيين، وأتمنى أن يستمر هذا النشاط الجيد." السيدة باتيمم جمعت أربعمائة وجبة في مطعم إسلامي، تكلفتها خمسة آلاف يوان.

يتوسع هذا النشاط من شينجيانغ إلى أنحاء الصين بصورة سريعة، فوصل إلى كثير من المطاعم الإسلامية في بكين وشانغهاي ومقاطعات قانسو وخنان وشنشي وقوانغشي ويوننان وغيرها. على سبيل المثال، شارك مطعم سيلو ينشيانغ (انطباعات طريق الحرير) الإسلامي في هذا النشاط. تعاون صاحب المطعم، السيد ليو ون تاو مع يالقون مباشرة وتعهد بتنفيذ هذا النشاط وإدارة الأعمال المتعلقة به على قدر استطاعته. قال: "أنا ابن شينجيانغ أيضا، ويسرني أن أرى هذا النشاط المميز يبدأ من بلدتي. إن هذا النشاط يوفر للناس أسلوبا بسيطا للمشاركة في الأعمال الخيرية. علينا ونحن نتمتع بالأطعمة اللذيذة أن نتيح للمحتاجين الفرصة للتمتع بلذة الطعام. ما نفعله عمل بسيط، ولكن لا بد أن نستفيد من هذا الفعل البسيط."  يطلب ليو ون تاو من العاملين في المطعم أن يتعاملوا مع المحتاجين بشكل متساو لاحترام كرامتهم.

قال يالقون إن التبرعات لوجبات الحائط بلغت قيمتها أكثر من ستمائة ألف يوان حتى مايو عام 2016، وساهم في تنفيذ هذا النشاط  أكثر من مائة وعشرين هيئة خيرية وأكثر من ألفين وخمسمائة متطوع. أشار يالقون إلى أن نشاط وجبة الحائط يتفق مع قول الله تعالى:" وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا.(76:8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (76:9)". وفي الوقت الحالي، لا يقتصر النشاط في المطاعم الإسلامية فقط، بل يتوسع إلى المطاعم العادية وبعض المتاجر، فقد ظهرت أعمال "الخبز على الحائط" و"الملابس على الحائط" وغيرها من الأشكال المختلفة لهذا النشاط لمساعدة المحتاجين.

 تحظى الأعمال الخيرية في الصين باهتمام متزايد تماشيا مع التنمية الصينية الاقتصادية والاجتماعية. في مارس عام 2016، أثناء فترة انعقاد  دورتي المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، تم إقرار أول قانون صيني للأعمال الخيرية، مما يشكل القواعد النظامية لتطوير الأعمال الخيرية في المجتمع الصيني. يهدف هذا القانون إلى تعزيز تطور الأعمال الخيرية، ويسعى إلى تشجيع الناس على المشاركة في الأعمال الخيرية. هذا  القانون الذي يبدأ سريانه في الأول من سبتمبر عام 2016، سوف يدفع تقدم الأعمال الخيرية، لأنه يقدم الدعم والمراقبة الفعلية أثناء تنفيذ الأعمال الخيرية.