مقص زينب تيان يغير حياة نساء هوي!

المقصوصات الورقية من الفنون الشعبية الأكثر انتشارا في الصين. لا أحد يعرف بالتحديد متى نشأ هذا الفن، ولكن الشائع هو أن المقصوصات الورقية ظهرت قبل ألف سنة تقريبا ضمن الطقوس والشعائر الدينية، وتطورت إلى نوع من الزينة قبل أن تُعتبر فنا تشكيليا. وتذكر كتب تاريخية أن النساء في فترة أسرة تانغ الإمبراطورية (618- 907) كن يستخدمن المقصوصات الورقية كزينة للرأس. وفي فترة أسرة سونغ الإمبراطورية (960- 1279) كان البعض يستخدمها في تزيين الهدايا، والبعض الآخر يلصقها على النوافذ والأبواب أو في تزيين الجدران والمرايا والفوانيس. وشهدت تلك الفترة ظهور حرفيين متخصصين في صنع المقصوصات الورقية.

في الثاني من مارس عام 2016، استضافت القاعة الزرقاء في ديوان وزارة خارجية جمهورية الصين الشعبية، فعاليات خاصة بالترويج لمنطقة نينغشيا في العالم، بحضور سفراء أكثر من مائة دولة معتمدين لدى الصين وخبراء وشخصيات أعمال وغيرهم. هذه الفعاليات هي المرة الأولى التي تقوم فيها وزارة الخارجية بالترويج للمقاطعات والمناطق الصينية. إضافة إلى تقديم وإبراز مزايا نينغشيا في الانفتاح الدولي، قدمت حكومة نينغشيا سلسلة من العروض التي تظهر الثقافة المتألقة لنينغشيا، باعتبارها المنطقة الذاتية الحكم الوحيدة لأبناء قومية هوي المسلمين.

من بين العروض التي نالت إعجاب الحضور، فقرة المقصوصات الورقية التي تضمنت عددا كبيرا من الأعمال المبهرة ذات المهارة العالية والتصميم الرائع، والتي تجسد ثقافة قومية هوي وحياة أبنائها، إضافة إلى اللوحات المصنوعة من المقصوصات الورقية لصور الزعماء العرب. صاحبة هذه الأعمال الرائعة هي السيدة تيان يان لان (زينب)، التي توارثت فن المقصوصات الورقية لقومية هوي، باعتباره أحد عناصر التراث الثقافي غير المادي على مستوى منطقة نينغشيا.

عائلة عريقة

ولدت تيان يان لان عام 1978 في أسرة مسلمة بمحافظة تونغشين في منطقة نينغشيا بشمال غربي الصين. جدة جدتها، واسمها عائشة قا، كانت تعمل مصممة وحائكة ملابس في البلاط الإمبراطوري في نهاية أسرة تشينغ. في عام 1835م، عادت عائشة قا إلى مسقط رأسها، وتزوجت تاجرا، ثم بدأت في نقل مهارتها في التطريز والمقصوصات الورقية إلى بنات الجيران والأقرباء. قالت تيان يان لان: "إضافة إلى وظيفة التزيين في الحياة، كان للمقصوصات الورقية وظيفة عملية، وهيمساعدة الخيّاط في التطريز. في زمن جدة جدتي، كان الخياط يصمم الأشكال الزخرفية على الورق قبل أن يبدأ في الحياكة، ثم يضع المقصوصات الورقية على الحرير ليقوم بالتطريز وفقا لها. وبعد إتمام التطريز، تختفي المقصوصات الورقية بعد غسل الملابس بالماء، فلا يبقى على الثوب أثر لخط القلم المستخدم في التصميم."

توراثت الأجيال هذه المهارة وصولا إلى جيل زينب تيان، التي بدأت وهي في الرابعة من عمرها تعلم مهارة المقصوصات الورقية من أمها. قالت: "بفضل شخصيتي المطيعة وصرامة أمي، أجدت كل المهارات الأساسية للمقصوصات الورقية في سنوات قليلة. كنت أقلد أعمال أمي التي تتطلب مهارة عالية، حتى بات من الصعب أن يفرق أحد بين أعمالي وأعمال أمي."  

بدأت زينب مساعدة أمها في إبداع بعض المقصوصات الورقية، لبيعها في أيام الأعياد أو حفلات الزفاف، من أجل إعالة أسرتها التي يعاني معظم أفرادها من مرض وراثي. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت زينب تيان يان لان وارثة الجيل الخامس لهذا الفن الرائع القادم من البلاط الإمبراطوري. قالت: "بصراحة، كنت أتعلم مجبرة مهارة المقصوصات على يد أمي، ولم أكن أدرك من قيمة هذه المهارة في ذلك الوقت إلا أنها حرفة موروثة من الأم والجدات لكسب الرزق، ولم أكن أحسبها مهارة فنية.  كنت مولعة بممارسة الرسم بعد الالتحاق بالمدرسة الثانوية."

الفن للتعبير عن الثقافة القومية

تخرجت زينب في قسم الفنون بجامعة نينغشيا عام 2002، وتم تعيينها معلمة تربية فنية في إحدى المدارس الثانوية. اتخذت زينب مهارة المقصوصات الورقية هواية لها في وقت الراحة لتزيين البيت، قبل أن تأتي نقطة التحول في حياتها الفنية. في عام 2006، حضرت زينب تيان افتتاح معرض الصناعات الثقافية في مدينة تشنغدو حاضرة مقاطعة سيتشوان، تلبية لدعوة من منظمي المعرض. لاحظت، وهي تتفقد المعروضات، أن لكل مقاطعة في البلاد علامة مميزة في الصناعة الثقافية، إلا نينغشيا التي ما زالت ضعيفة في إظهار ملامح ثقافتها العريقة. قالت: "بعد عودتي من تشنغدو، فكرت كثيرا في إمكانية جعل المقصوصات الورقية الحامل المناسب للتعبير عن ثقافة نينغشيا بشكل عام، وعن ثقافة قومية هوي بشكل خاص. وبالفعل،  بدأتُ في إثراء محتويات أعمال المقصوصات الورقية التي كانت تقتصر على العناصر المحددة في مقاطع الكتابة والأزهار والحيوانات."

بدأت زينب تيان يان لان تعيد النظر في هذه المهارة القديمة، ودراستها بشكل منتظم من حيث التشيكل والتصميم. عملت على دمج عناصر من قومية هوي، مثل إبل الصحراء والفتيات المحجبات، والمساجد، والهلال، وغيرها من العناصر الإسلامية والمحلية في المقصوصات الورقية. وسعت في ذات الوقت إلى التعلم من الفنانين الكبار في أنحاء البلاد، لتحسين مهارتها. بعد إصدار مجموعتها الأولى للمقصوصات الورقية ذات خصائص قومية هوي، حصلت زينب على تقديرات واسعة من زملائها المتخصصين في الرسم والمقصوصات، ما شجعها على مواصلة الإبداع الفني للمقصوصات الورقية. في عام 2007، وبدعم من مركز نينغشيا لحماية التراث الثقافي غير المادي، أدرجت "مهارة المقصوصات الورقية لقوية هوي" ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي على مستوى منطقة نينغشيا.

في عام 2008، حصل عمل "ملامح نينغشيا" الذي أبدعته زينب على الميدالية الفضية في الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للمقصوصات الورقية، وفي عام 2009، حصل عملها "فتاة هوي المسلمة" على الميدالية الذهبية في الدورة الخامسة لنفس المهرجان. منذ ذلك وقت فصاعدا، ذاعت شهرة زينب في نينغشيا وفي أوساط المقصوصات الورقية في عموم الصين.

تَعتبر زينب "عناصر قومية هوي" روح أعمالها، وشكلت لنفسها أسلوبا خاصا تدريجيا، وحصلت على اعتراف كبار الفنانين والمتخصصين بأن فن المقصوصات الورقية لقومية هوي الذي تقوده زينب تيان يان لان، مذهب ناضج من مذاهب المقصوصات الورقية في الصين.

مقص الإبداع

مع ذيوع شهرتها وحصولها على الجوائز والألقاب الشرفية، تواصل مع زينب بعض شخصيات الأعمال وقدموا لها عروض عمل برواتب مغرية، لكنها رفضتها. تؤمن زينب بأن المقصوصات الورقية مهارة شعبية هدفها زيادة جمال حياة عامة الناس وليس الاحتكار الاقتصادي. إذا كانت لها قيمة اقتصادية، فعلى الجميع أن يستفيدوا منها.

تقيم زينب دورات تدريبية مجانية للراغبين في تعلم مهارة المقصوصات الورقية في أنحاء المنطقة، إضافة إلى زيادة محتوى المقصوصات الورقية في مادة الفنون بالمدارس، لتعميم المهارة واختيار المتفوقين. وأنشأت زينب تيان جمعية تعاونية لتسويق أعمال ربات البيوت اللاتي تعلمن بعض المهارات الأساسية. قالت: "مقارنة مع مقاطعات ومناطق الصين الأخرى، كانت نينغشيا متأخرة اقتصاديا. ولكن، بفضل سياسات الحكومة المركزية شهدت نينغشيا تطورا ملحوظا في شتى المجالات. علينا نحن النساء المسلمات أن نشارك في موكب التنمية بمهارتنا في المقصوصات الورقية لإبراز ثقافة نينغشيا العريقة. هذا من جانب، ومن جانب آخر، أدرك كثيرون أن الورق يمكن أن يتحول إلى مال بلمسة من مقص. ومع إسهام ربات البيوت في زيادة دخل العائلة، ارتفعت ثقتهن بأنفسهن مع ارتفاع مكانتهم في بيوتهن."

بدعم من حكومة نينغشيا ومركز حماية التراث الثقافي غير المادي بها، قامت زينب تيان يان لان بعرض أعمالها في عشر دول، من بينها مصر والإمارات وسويسرا. تعمل زينب مع أخواتها في الجمعية التعاونية لتلبية الطلب المتزايد على منتجاتهن في أنحاء البلاد وفي خارج الصين. قالت: "علينا أن نشكر الله على هذا العصر المزدهر، فقد تحولت مهارة فنية كانت تمارسها المرأة داخل بيتها بالأمس، إلى مهنة شريفة اليوم تخدم الثقافة القومية، وتزيد من اعتزاز المرأة المسلمة بنفسها. سوف أبذل كل جهودي في هذا الطريق المنير، لتعميم مهارة المقصوصات الورقية لقومية هوي بين مزيد من الهواة والراغبين."