دوييتشاي
حان وقت المطالعة والتفكير

شهدت السنوات الأخيرة انتشارا واسعا لتطبيق ويشات (wechat) على الهواتف النقالة، فصار جزءا من الحياة اليومية للصينيين، وزاد عدد الحسابات الرسمية في هذا التطبيق، حتى أضحت قناة هامة لنشر المعلومات المفيدة والتعبير عن الآراء. بعبارة أخرى صارت تلك الحسابات مكونا هاما لوسائل الإعلام الشخصية في هذا العصر.

ويواكب المسلمون الصينيون هذا التيار العصري، فأنشأوا العديد من الحسابات الرسمية على ويشات، ومن بينها حساب فريد يحمل اسم "دوييتشاي"، الذي أسسه مجموعة من الشباب المسلمين.

مواكبة عصر التغيير

تأسس حساب "دوي ي تشاي" في عام 2014، عندما كانت الحسابات الرسمية لويشات في ذروة تطورها. في تلك الفترة، ظهرت كثير من الحسابات الرسمية المشهورة وجذبت عددا هائلا من القراء. وقد ألهم هذا التطور ما يو، وهو شاب مسلم يعيش في شانغهاي، فكرة فتح حساب رسمي ينشر المعارف والآراء حول قراءة الكتب والثقافة الإسلامية. عرض ما يو على صديقه ما ته وصديقته ما لين فكرة تأسيس ستوديو للقيام ببعض الأعمال التحضيرية لإنشاء حساب على ويشات. في أبريل عام 2014، تم إطلاق حساب دوييتشاي رسميا.

علق ما يو أملا كبيرا على هذا الحساب الرسمي، ذلك أن اسم الحساب "دوييتشاي" يحمل معنيين؛ الأول له علاقة بكلمة "دو"، التي يقصد بها "القراءة والمطالعة" في اللغة الصينية. تمنى ما يو أن تكون قراءة الكتب هي طريق الفرد لمعرفة العالم ومعرفة ذاته. يمكن لكل الناس أن يستفيدوا من القراءة. أما المعنى الثاني فيكمن في كلمة "يي"، التي تعني"واحد" في اللغة الصينية. فمن جانب تشير هذه الكلمة إلى وحدة إيمان المسلمين الصينيين، ومن جانب آخر، تعني التركيز والمثابرة والعمل الدؤوب. تمنى ما يو في أن يستطيع الناس توسيع آفاقهم وشحذ أذواقهم عن طريق القراءة، كي يتمتعوا بسعادة الحياة في الأمور الصغيرة بحياتهم اليومية.

وقال ما ته، وهو الآن مسؤول عن كتابة بعض المقالات في هذا الحساب الرسمي: "عندما أسسنا هذا الحساب الرسمي، اتخذنا موقفا منفتحا وجديا. أردنا أن ننشئ حسابا رسميا يجمع وظائف المجلة والإنترنت. يعتقد كثير من الناس أن وسائل الإعلام الجديدة سوف تحل محل وسائل الإعلام القديمة، ومنها المجلات. بيد أننا نرى أن روعة المجلة الممتازة لن تمحى، وأن قوة الحكمة سوف تدفع الناس للتقدم إلى الأمام. قد يكون صحيحا أن وسائل الإعلام التقليدية تواجه بعض الصعوبات، إلا أن روعتها ستظل باقية في مضامينها القيّمة. لذا،علينا أن نبحث عن بعض السبل لتطويره، ومن ذلك الجمع بين وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، أي الجمع بين المجلة والإنترنت، لاستخدام الإنترنت كطريق لإظهار المضامين الوافرة."

القوة للمطالعة والتفكير

بلغ عدد المقالات التي نشرها حساب دوييتشاي حتى الآن أكثر من سبعمائة مقالة إبداعية، يتابعها أكثر من عشر آلاف شخص. يقوم على إدارة هذا الحساب الرسمي أربعة محررين ومصممان. المحررون كانوا يعملون في وسائل الإعلام التقليدية، واستطاعوا تطوير أنفسهم للعمل في هذا الحساب الرسمي ومواكبة التغيرات في المجال الإعلامي.  قال ما ته إنهم سجلوا شركة دوييتشاي في عام 2015 في شانغهاي. وبرغم عدم وجود هيئة معينة تدعم هذه الشركة، يثابر  هؤلاء الشباب على نشاطهم في التأليف والقراءة.

تركز كثير من المقالات المنشورة في الحساب على مشاطرة أفكار وآراء المحررين والكتاب بعد قراءة كتاب جيد أو الآراء التي يودون التعبير عنها بعد وقوع حدث كبير. يختار ما ته المقالات من رسائل القراء كما يدعو بعض المشاهير للكتابة. قال ما ته: "أهتم بمضامين المقالات، وأؤكد على ضرورة أن يكون لكل مقالة رأي وفكرة، وأن لا تكون مجرد لغو وكلام فارغ. ما نود أن نعبر عنه هو قيمة القراءة والمطالعة، فنرحب بالمقالات ذات الآراء والمنطق والعلم. ونحرص على أن لا تكون المقالات مقتصرة على موضوعات تخص المسلمين فقط، وإنما نهتم بالقضايا الساخنة في المجتمع. نحن منفتحون على النقاش مع القراء ومشاطرة الآراء والأفكار معهم. وفي نهاية المطاف، نود أن نظهر صورة المسلمين، وهم ليس مجرد مجموعة عرقية فحسب، وإنما أيضا جماعة تتكون من شباب يرغبون في التعلم، ويودون التعبير عن أنفسهم. هم يدركون هويتهم العرقية وثقافتهم وفي ذات الوقت يعرفون الثقافات الأخرى. نعيش في هذا العصر، فعلينا أن نواكبه لكي نقود في موقع القيادة، وليس مجرد لاهثين خلف تطورات العصر."

بالإضافة إلى نشر المقالات، هناك عمود خاص للمحررين للرد على أسئلة القراء المتعلقة بحياتهم اليومية. تتطرق كثير من هذه الأسئلة لموضوعات حول القومية والإسلام. في ردهم على تلك الأسئلة،  يهتم المحررون بالانفتاح والتضامن والإيمان، بينما يتجنبون الأسئلة الحساسة. وقال ما ته إنهم يدعون أحيانا خبراء ومتخصصين للرد على تلك الأسئلة، أو يوفرون قنوات للقراء للبحث عن الإجابات. وعندما يطرح القراء بعض الأسئلة الملموسة في حياتهم، نادرا ما يقدم الحساب إجابات محددة، بل يدعو القراء إلى التفكير في الجوانب المختلف للأسئلة، ثم يكتشف القراء الإجابات بأنفسهم.

قال ما ته: "لا نعتقد أننا مرشدين للقراء في حياتهم، وإنما نحن أصدقاء لهم، نتمنى أن ننمو ونترعرع معا. من خلال قراءتي للتعليقات في حسابنا، لاحظت أن الكثير من القراء يشعرون أن هذه المقالات تعطيهم الجرأة على التعبير والزوايا المختلفة للتعامل مع الأمور في الحياة، وهذا هو الاتجاه الذي نود أن نواصله في أعمالنا في المستقبل. نتمنى أن نزيل الحيرة والقلق في حياة القراء، ونأتي إليهم بالثقة والسعادة والمتعة في بيئة مريحة."

نشاطات ومنتجات

بالإضافة إلى نشر المقالات على الحساب الرسمي، تنتج الشركة سلسلة من المنتجات التذكارية لبيعها عبر الإنترنت، كما تبيع الكتب التي تعرضها في بعض المقالات. قالت ما لين، وهي مصممة حساب دوييتشاي، إن الشركة تصمم هذه المنتجات بنفسها. تأمل ما لين أن تجمع تلك المنتجات بين الفن المعاصر والثقافة، لأنها ترى أن الإبداع الفني قد يصبح أسلوبا تعبيريا لكل من الفنان والمستخدم، وأن هذه المنتجات يمكن أن توقظ إحساس الناس بالجمال، وخاصة جمال الثقافة الإسلامية.

في البداية، أنتجت الشركة بعض البطاقات البريدية التي تحمل حروفا عربية وصورا للمساجد ومشاهد احتفال المسلمين بعيد الأضحى. حظيت هذه البطاقات بإقبال كبير، فاستمرت في طرح منتجات أخرى، مثل شاي بوأر، والدفاتر التذكارية، والختم بالحروف العربية، وجسدت كل هذه المنتجات مفهوم الإبداع والثقافة لحساب دوييتشاي. قالت ما لين: "إذا قلنا إن المقالات المنشورة في حسابنا تعبير عن الآراء، فإن هذه المنتجات التذكارية تعتبر تجسيدا واقعيا لآرائنا."

كما يقوم حساب دوييتشاي بتنظيم نشاطات. يلقى ما يو وما ته محاضرات لمشاطرة أفكارهما مع  القراء، والتواصل معهم والإصغاء إلى أصواتهم. في مايو عام 2016، أقام حساب دوييتشاي لقاءات مع قرائه في مدينة شينينغ بمقاطعة تشينغهاي. هذه المدينة من التجمعات الكبيرة للمسلمين الصينيين في غربي الصين، فيكثر قراء الحساب فيها. في هذه اللقاءات، عبر ما يو وما ته وغيرهما من محرري الحساب عن أفكارهم حول موضوع "تغير وسائل الإعلام في العصر الجديد". قال ما ته: "عندما ظهرت وسائل الإعلام الجديدة، أكدت وسائل الإعلام التقليدية أهمية المضامين، وكانت تعتبر أن المضامين الممتازة تجذب القراء مهما تغيرت طرق الإعلام. ولكن حاليا لا يوافق على ذلك إلا قليل من الناس، لأن وسائل الإعلام الجديدة تستطيع أن توفر المضامين الرائعة بينما تملك التفوق في سرعة النشر. كان هناك انتقاد للإنترنت والهواتف النقالة بأنها تضيع الوقت. ولكنني أرى أن المطالعة على الإنترنت طريقا للمطالعة فقط، وهناك عدد متزايد من الناس حاليا يفضلون قراءة المقالات العالية الجودة على الإنترنت. تقدم وسائل الإعلام الجديدة كما هائلا من المعلومات للناس، وعليهم الانتقاء من بينها. وبالنسبة لنا، نحن نقوم بمهة الاختيار للقراء."

وعن تطلعه لتطوير حساب "دوييتشاي" الرسمي قال ما يو: "نحن نسعى إلى النشر السريع ونطرح بذور الأسئلة، لترسخ وتنمو في قلوب الناس، وتتحول في النهاية إلى الرؤية."

تقديم المقالات ذات القيمة، وكسب الأموال بالجهود، والقيام بالأعمال التي تخدم الناس. كل هذه مبادئ وأهداف حساب "دوييتشاي".