عيد العاشقين في الصين

"تشيشي"، أي عشية اليوم السابع من الشهر السابع القمري، أو "شوانغ تشي" أي السبعة المزدوجة، هو عيد الحب التقليدي الصيني، ويقال له أيضا مهرجان "تشي تشياو" وعيد الفتيات أيضا. يحتفل الصينيون وأبناء البلدان المتأثرة بثقافة مقاطع الكتابة الصينية، عشية اليوم السابع من الشهر السابع حسب التقويم القمري الصيني. تلعب الفتيات الدور الرئيسي في الاحتفال بعيد تشيشي، إذ يمارسنسباق "تشي تشياو" (اليد الماهرة)، وهي العادة المتوارثة الأقدم والأوسع انتشارا من بين عادات عيد تشيشي.

يُعتقد أن عيد تشيشي ظهر لأول مرة في تاريخ الصين في فترة أسرة هان (202 ق.م - 220 م)، قبل أن ينتقل إلى اليابان وشبه الجزيرة الكورية وفيتنام وغيرها من البلدان الواقعة في المحيط الثقافي لمقاطع الكتابة الصينية. في عام 2006، تم إدراج عيد تشيشي في الدفعة الأولى من التراث الثقافي غير المادي على مستوى الدولة في الصين.

أسطورة الراعي والنسّاجة

قصة الحب الأسطورية بين راعي البقر نيو لانغ والنسّاجة تشي نيوي واحدة من أشهر أربعة أساطير حب شعبية لأبناء قومية هان في الصين.  تحكي الأسطورة قصة شاب فقير يعمل راعيا للبقر اسمه نيو لانغ، وفتاة جميلة تعمل نساجة اسمها تشي نيوى. عرفت تشي نيوي، وهي واحدة من حوريات السماء، بالحياة الصعبة التي يعيشها نيو لانغ، فقررت أن تساعده. وقع الاثنان في الغرام وتزوجا. كان الراعي يخرج كل يوم ليعمل في الحقول، وتبقى النساجة في البيت تنسج الأقمشة وتعد الأطعمة، وعاشا حياة سعيدة.بعد سنوات أنجب الزوجان ولدا وبنتا، وعاشت الأسرة في  سعادة غامرة. الملكة الأم للسماء الغربية، التي كانت معنية بإدارة الكائنات المؤنثة في السماء، وفقا للأسطورة الصينية القديمة، عندما اكتشفت ذات يوم العلاقة بين الراعي والنساجة، غضبت غضبا شديدا لاعتقادها أن النساجة قد خرقت قوانين السماء،  فطلبت من الآلهة إلقاء القبض عليها وإعادتها إلى السماء. حاول الراعي أن يحمل طفليه ويلحق بها، بيد أن الملكة الأم للسماء الغربية رسمت خيطا بدبوس شعر لتفرق بينهما، إذ تحول الخيط إلى نهر المجرة العريض. منذ ذلك اليوم، لم يكن في وسع الراعي والنساجة إلا أن يقفا على جانبي نهر المجرة ليرى كل منهما الآخر من بعيد. كانا يجتمعان مرة واحدة في اليوم السابع من الشهر السابع حسب التقويم القمري الصيني. وفي ذلك اليوم، تطير عشرات الآلاف من طيور العقعق إليهما لتبنى جسرا طويلا على نهر المجرة لمساعدة الزوجين العاشقين على اللقاء.

اسما الراعي والنساجة  من أسماء النجوم في خرائط النجوم الفلكية الصينية القديمة، وهما يناظران نجم النسر الطائر ونجم النسر الواقع في الفلك الغربي. في خرائط النجوم الفلكية الصينية القديمة، كان النجمان يرسمان على شكل رجل يسحب بقرة وامرأة تجلس أمام عجلة الغزل.

إعجاب فتيات الصين بإخلاص ومثابرة الراعي والنساجة، يجعلهن ينظرن إلى السماء عشية اليوم السابع من الشهر القمري السابع، بحثا عن نجمي الراعي والنساجة، على أمل رؤية مشهد التقاء العاشقين مرة واحدة كل سنة، وتضرعا للسماء أن تهبهن ذكاء وبراعة النساجة. قديما، كانت بعض الفتيات تخفين أنفسهن تحت عرائش النباتات أملا في سماع همسات حديث العاشقين، ورغبة في العثور على حبهن الحقيقي.

من تقاليد مدينة جينهواي في مقاطعة تشجيانغ أن تذبح الأسرة ديكا في يوم عيد تشيشي. يأمل المحليون أنه في غياب صياح الطائر الذي يؤذن بانتهاء الليل، لن يفترق الزوجان أبدا مرة أخرى.

 الأمر الذي يعبر عن رغبة الناس في أن يعيش العاشقان حياة سعيدة كل يوم.

"تشي تشياو" في شيخه

بلدة شيخه في مقاطعة قانسو هي مهد ثقافة "تشي تشياو". من المعروف أن المحليين يعتبرون النساجة "الإلهة تشياو". ولهذا، أبدعوا الكثير من أغنيات "تشي تشياو" وتوراثوها وصقلوها جيلا بعد جيل. في الوقت نفسه، كان يتم تنظيم سلسلة "فعاليات تشي تشياو الترفيهية"، التي تطورت إلى مهرجان للتقاليد الشعبية متعدد المحتويات الثقافية.

وفي بعض بلدات وقرى في شيخه، حيث تنتشر تقاليد "تشي تشياو"، كثير من مناطق التواصل الثابتة المتعارف عليها لتشي تشياو، وتعد كل منطقة تواصل نقطة التقاء للفتيات. يوجد في كل بلدة من أربع إلى ثماني نقاط، وفي كل قرية من نقطة واحدة إلى أربع نقاط. بعد وضع تمثال "الإلهة تشياو" على مذبح القرابين، تكون الاستعدادات لفعالية "تشي تشياو" قد اكتملت، فتبدأ الاحتفالات الرسمية مرة واحدة كل سنة في أجواء رائعة.

من العادة أن يرتدي شبان وشابات شيخه أساور مجدولة من حبال حمراء بأنماط مختلفة خلال مهرجان قوارب التنين كل سنة، وعندما يحل اليوم السابع من الشهر القمري السابع، يخلعون تلك الأساور، لاعتقاد أبناء شيخه أن أساور الفتيات أفضل المواد لبناء الجسر السماوي لمساعدة " الإلهة تشياو" في الذهاب والعودة بين السماء والأرض. قبل مراسم استقبال " الإلهة تشياو" في مساء اليوم الثلاثين من الشهر القمري السادس، تفك كل فتاة سوارها وتربطه بأساور الآخريات لتشكيل حبل طويل، يُمد على جانبي النهر في القرى.وفي الوقت نفسه، بعد إتمام مراسم حرق الشموع وأعواد البخور وتقديم قرابين الآلهة، يحتشد الناس صفا واحدا يدا بيد لإنشاد "أغنية دا تشياو" (بناء الجسر)، في نهاية الفعالية، تفك فتاتان واقفتان بجانبي النهر الحبل الطويل ويلقيان به في ماء النهر حتى يجرفه التيار إلى مكان بعيد. هذا يعني إتمام المراسم الأول لمهرجان "تشي تشياو".

في الساعة التاسعة مساء اليوم الثلاثين من الشهر القمري السادس، تنطلق مراسم استقبال "الإلهة تشياو"، وهي الحلقة الثانية في مراسم "تشي تشياو". ترتدي الفتيات ملابس جميلة جديدة ويحملن البخور وينشدن أغنية استقبال "الإلهة تشياو" في مكان لاستقبال، حتى يدخل تمثال "الإلهة تشياو" المنزل، وخلال سبعة أيام وثمانية ليال بعد دخول التمثال، تكون الفعاليات الأساسية هي الغناء والرقص أمام التمثال، لتظهر الفتيات مهارتهن ويعبرن عن رغباتهن.

بعد سبعة أيام وثمانية ليال من غناء ورقص الفتيات، وفي الساعة الثانية عشرة في الليلة الأخيرة، تنشد الفتيات أغنية "وداع آلهة تشياو"، لتنتهي كل فعاليات "تشي تشياو" بعد مراسم وداع "الإلهة تشياو".

في عام 2010، أدرجت فعاليات "تشي تشياو" في شيخه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي على مستوى الدولة في الصين.

"تشي تشياو" في حي تيانخه

يهتم أبناء قوانغتشو بمهرجان "تشي تشياو" اهتماما كبيرا منذ قديم الزمان، وخاصة منذ أواخر فترة أسرة تشينغ (1644-1911) وأوائل فترة جمهورية الصين (1912-1949). قبيل المهرجان، تقام سوق متخصصة للمستلزمات النسائية الخاصة بمهرجان "تشي تشياو". تزدهر تقاليد "تشي تشياو" في حي تيانخه وفانيوي وهوانغبو، وغيرها، وقرية تيانخهتشو هي القرية التي تقيم فعاليات فعاليات "تشي تشياو" الأكبر حجما في قوانغتشو.

محتويات مهرجان "تشي تشياو" في قوانغتشو متنوعة، تشمل تحضير أدوات المهرجان وإدخال الخيط في ثقب الإبرة وتناول الوجبات ومشاهدة عروض التمثيل التقليدية الخ.

قبل مهرجان "تشي تشياو" بثلاثة أو أربعة أشهر، تبدأ كل فتاة تحضير الأدوات التي تحتاجها في المهرجان، مثل الزهور الاصطناعية والأواني المنزلية وغيرها من الأشغال الفنية اليدوية الصغيرة الدقيقة التصميم، التي تصنع من الأوراق الملونة وحبات الرز والسمسم وبذور البطيخ الخ.

في ليلة اليوم السادس من الشهر القمري السابع، تستعد كل فتاة أمام بوابة منزلها أو في قاعة استقبال منزلها بمائدة مربعة تضع عليها الشموع وأعواد البخور وأشغال فنية يدوية تم صنعها قبل المهرجان، والزهور الطازجة والفواكه، وكذلك مستحضرات التجميل، لكي يتمتع الزوار بهذا المشهد.

في ليلتي السادس والسابع من الشهر القمري السابع، بعد تجميل الوجوه وارتداء الملابس الجميلة، تبدأ الفتيات إشعال الشموع وأعواد البخور وتقوم بمراسم السجود للنساجة سبع مرات متتالية، لا يكون المستهدف بالسجود النساجة فقط، وإنما أيضا الراعي والأخوات الست للنساجة؛ رغبة في الحصول على حياة سعيدة ورغيدة.

بعد مراسم السجود، تبدأ لعبة إدخال الخيط في ثقب الإبرة، أي تلقيم الإبرة في ضوء خافت. يفوز بهذا السباق الأسرع في إدخال الخيط في ثقب الإبرة، وتكون الفائزة ذات يد ماهرة.

خلال مهرجان "تشي تشياو"، تقيم النسوة والفتيات المشاركات في المهرجان مأدبة عشاء لتعميق الصداقة بين الفتيات من ناحية، وطلبا لحماية الإلهة تشياو (النساجة) من ناحية أخرى. أما الأسر الميسورة الحال فتدعو فنانين  لتقديم العروض الفنية خلال العشاء. 

في عام 2011، أدرجت فعاليات "تشي تشياو" في تيانخه ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي على مستوى الدولة في الصين.

"تشي تشياو" في بلدة شيتانغ

يسمي أبناء بلدة شيتانغ بمدينة ونلينغ بمقاطعة تشجيانغ النساجة بـ"العمة السابعة"، ويعتبرونها إلهة حراسة الأطفال. حسب الأساطير الشعبية، اليوم السابع من الشهر القمري السابع هو عيد ميلاد النساجة، لذا يسمى عيد تشيشي أيضا بـ"عيد ميلاد العمة السابعة". في هذا اليوم، تقيم أسر كثيرة حفلات تذكارية لـ"العمة السابعة" طلبا لسلامة نمو أطفالها، فيسمى هذا العيد بـ"عيد الطفل" أيضا. حسب التقاليد المحلية، يكون عمر الست عشرة سنة الحد الفاصل بين الطفولة والبلوغ، وقبل وصول الطفل إلى هذا العمر، يحتفل بهذا العيد كل سنة، وبعد أن يجاوز عمره ست عشرة سنة من عمره، لا يتمتع بهذه الميزة.

حسب التقاليد المحلية، يضع الآباء أمام بوابة المنزل مذبح قرابين  وبجواره نماذج ورقية للمقصورات، وتضاء الشموع وتُشعل أعواد البخور وتدور سبعة أقداح من الخمر والخضراوات والفواكه واللحوم وغيرها من الأطعمة المختلفة. وبعد ذلك تُشعل ثلاثة أعواد من البخور ويطلب من الأطفال تقديم نذورهم ثم إحراق  النماذج الورقية للمقصورات وإشعال الألعاب النارية للاحتفال.

في عام 2011، أدرجت فعاليات "تشي تشياو" في شيتانغ ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي على مستوى الدولة في الصين.