ابتكار الصين في مصلحة العالم
تتبنى الصين استراتيجية تنمية اقتصادية تقوم على الابتكار كقوة دافعة. هذا النهج الذي يوفر للصين فرصة إعادة هيكلة اقتصادها ورفع جودته وفعاليته، يساعد أيضا في تنمية الاقتصاد العالمي في ظل الظروف الصعبة الحالية.
ابتكار الصين بعين العالم
تقرير ((تأثير الصين على الابتكار العالمي)) الذي أصدره معهد ماكينزي العالمي، في الرابع والعشرين من يوليو عام 2015، يقدم تقييما شاملا لحالة ومستوى الابتكار لدى الشركات الصينية. يقسم هذا التقرير الابتكار إلى أربعة أنواع: الابتكار القائم على العلم، والابتكار القائم على الهندسة والتكنولوجيا، والابتكار الذي يركز على المستهلك، والابتكار المدفوع بالكفاءة. يقيس التقرير ابتكار الشركات الصينية عن طريق حساب نسبة عائدات الشركات الصينية في إجمالي إيرادات الصناعة التي تنتمي إليها في العالم. يظهر تقرير ماكنزي، أن الشركات الصينية تتمتع بتفوق بارز في الابتكار الذي يركز على المستهلك. واعتمادا على سوق الاستهلاك الداخلية الهائلة، تتقدم الشركات الصينية في صناعة الأجهزة المنزلية (تحتل 39% من إجمالي إيرادات هذا القطاع في العالم) وصناعة برامج الإنترنت (15%) والصناعة الإلكترونية (10%) أمام الشركات المنافسة الأخرى على مستوى العالم في مجال الابتكار الذي يركز على المستهلك. جهود الشركات الصينية في مجال الابتكار المدفوع بالكفاءة تزيد القيمة المضافة لمنتجات الصين الصناعية وتوطد مكانة الصين كمركز التصنيع في العالم.
في مجال الابتكار القائم على الهندسة والتكنولوجيا، تتطور شركات الصين بشكل غير متوازن، فبينما تتطور صناعات القطار الفائق السرعة وكهرباء الرياح ومعدات الاتصالات الكهربائية بسرعة، لم تحقق صناعة السيارات وصناعة المعدات الطبية الابتكار بشكل سريع. وفي مجال الابتكار القائم على العلم، هناك فجوة ملموسة بين الصين والدول المتقدمة.
وإجمالا، فإنه مع تنمية الاقتصاد الصيني، تتحسن بيئة الابتكار وترتفع قوة الابتكار باستمرار في الصين. حسب ((تقرير المؤشرات الدولية للابتكار لعام 2015)) الذي نشرته جامعة كورنيل الأمريكية وأكاديمية والمعهد الأوروبي لإدارة الأعمال والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، احتلت الصين المرتبة التاسعة والعشرين من بين مائة وإحدى وأربعين دولة شملها التقييم، ما يعني أن الفجوة بين الصين والدول المتقدمة تتقلص، وأن الصين تحتل مكانة رائدة بين الدول النامية.
الابتكارات التكنولوجية والتطورات التقنية لهما تأثير عميق في حياة الناس، وترفعان جودتها كثيرا. بالنسبة للصين، وهي دولة نامية كبيرة وكثيرة السكان، تلعب الابتكارات التكنولوجية دورا هاما في تغير حياة أهلها. في الفترة ما بين خمسينات وسبعينات القرن العشرين، كان الصينيون يحبون كثيرا الدراجة وماكينة الخياطة وساعة اليد وجهاز المذياع، في وقت كان الناس في الدول المتقدمة قد تجاوزوا هذا المستوى الاستهلاكي. ومع تطور التكنولوجيا وارتفاع مستوى الابتكار في الصين، دخلت حياة الصينيين سلع جديدة مثل أجهزة تكييف الهواء والحاسبات والهواتف النقالة والسيارات وغيرها. وفقا لبيانات مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة، في سنة 2015، بلغت نسبة تعميم الهاتف النقال 3ر92% والإنترنت 3ر49% في الصين.
إن زيادة قوة الابتكار الصينية تأتي من طلب السوق الهائل وموارد العمالة الوافرة والسياسات الاقتصادية المنفتحة. تتميز ابتكارات الشركات الصينية بسرعة التسويق وانخفاض التكلفة. يمكن للشركات الأجنبية أن تعتمد على السوق الهائلة وموارد العمالة الوافرة، والسرعة في تسويق ابتكاراتها، ما يزيد من قوة ابتكارها وقدرتها التنافسية في السوق.
السوق الاستهلاكية الضخمة قوة محركة لابتكار الشركات الصينية والأجنبية
السوق الاستهلاكية الصينية الكبيرة الحجم والمستمرة التطور توفر قوة محركة لا تنتهي لابتكار الشركات. ويساعد طلب المستهلكين الكبير في تسريع تسويق الابتكارات. مع تنمية الاقتصاد وزيادة دخل السكان، يتوسع حجم السوق الاستهلاكية الصينية باستمرار، ما يجعل زخم التطور قويا. حاليا، الصين سوق استهلاكية كبيرة في العالم، إذ يبلغ عدد مستخدمي الهاتف النقال الذكي في الصين سبعمائة وخمسين مليونا، أي 2ر4 أضعاف الرقم في الولايات المتحدة الأمريكية. في الوقت نفسه، يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت في الصين ستمائة وخمسين مليونا، وهو أكثر مما في الولايات المتحدة الأمريكية بأربعمائة وعشرين مليونا. وبالإضافة إلى ذلك، الصين سوق كبيرة لأجهزة الحاسبات ومكيفات الهواء والثلاجات والغسالات وأجهزة المايكرويف. اعتمادا على السوق الاستهلاكية الهائلة، أصبحت شركات مثل بايدو وعلي بابا وتنسنت وهاير، شركات رائدة في الصين وفي العالم في مجالات البحث على الإنترنت، و التجارة الإلكترونية وألعاب الإنترنت والأجهزة الكهربائية المنزلية. الشركات الأجنبية يمكنها تحقيق التطور السريع عن طريق السوق الاستهلاكية الهائلة أيضا. في ظل انخفاض الطلب على الأجهزة الكهربائية المنزلية في الدول المتقدمة، عدلت شركة فيليبس استراتيجيتها، ونقلت مصانع بعض الأجهزة الكهربائية المنزلية الصغيرة إلى الصين، واعتمادا على السوق الاستهلاكية الصينية الهائلة، حققت مكاسب جيدة، فقد زاد حجم مبيعاتها للأجهزة الكهرباية المنزلية في الصين عام 2014 بنسبة 56%، مقارنة مع عام 2012.
عمالة وافرة تقلل تكلفة الابتكار
لا تستغني الشركات، سواء في الإنتاج أو الابتكار، عن الإنسان. العمالة هي العنصر الرئيسي في عملية الإنتاج. رغم مواجهة تحديات الشيخوخة، ما زالت الصين من الدول الأكثر عمالة في العالم. حاليا، يبلغ عدد العاملين في قطاعات التصنيع بالصين مائة وخمسين مليونا، مقارنة مع أربعة عشر مليونا في الولايات المتحدة الأمريكية، وتسعة ملايين في اليابان وأربعة ملايين في كوريا الجنوبية. العدد الكبير من الأكفاء يجعل تكلفة الموارد البشرية في ابتكارات الشركات أقل، ويوفر دعما ذكيا ضروريا للشركات. في سنة 2013، بلغ عدد الصينيين الذين حصلوا على شهادة الدكتوراه في العلوم والهندسة 28700، وهو أكبر عدد في العالم. رغم ازدياد تكاليف العمالة الصينية، ما زالت منخفضة مقارنة مع الدول المتقدمة. وحسب تقدير معهد ماكينزي العالمي، سترتفع تكلفة العمالة لكل ساعة في قطاعات التصنيع الصينية من دولارين أمريكيين في عام 2010 إلى خمسة دولارات أمريكية بحلول عام 2019. ورغم أن هذه الزيادة ليست قليلة، فإنها تشكل 6ر11% من تكلفة العمالة في الولايات المتحدة الأمريكية و6ر9% من تكلفة العمل في ألمانيا. العمالة الكثيرة العدد المنخفضة التكاليف وكثرة عدد الأكفاء ضمانات لابتكار الشركات في الموارد البشرية، مما يقلل تكلفة الابتكار ويسرع عملية ابتكار الشركات.
استراتيجية الابتكار الصينية تصب ثقة وقوة محركة للاقتصاد العالم
تطرح خطة الصين الخمسية الثالثة عشرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية خمسة مفاهيم للتنمية: التنمية الابتكارية والمتناسقة والخضراء والمنفتحة والمتشاركة، وتحتل التنمية الابتكارية في مكانة هامة، لكي يصبح الابتكار محركا جديدا لتنمية الاقتصاد الصيني في ظل الوضع الطبيعي الجديد. مفهوم التنمية الابتكارية لا يؤثر تأثيرا عميقا على تنمية الاقتصاد الصيني في المستقبل فحسب، وإنما يضفي ثقة وحيوية على الاقتصاد العالمي.
في أحدث توقعاته الاقتصادية، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني 2ر0 نقطة مئوية لعامي 2016 و2017، مقارنة مع توقعاته التي أعلنها في أكتوبر 2015، إذ توقع أن يصل معدل النمو في 2016 إلى 5ر6%، وإلى 2ر6% في 2017، في حين خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد في بعض الدول المتقدمة، فوفقا لتوقعات الصندوق، سيبلغ معدل نمو الاقتصاد الأمريكي 4ر2% في عام 2016 و5ر2% في عام 2017، وقد خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي 4ر0% لعام 2016 و3ر0% لعام 2017؛ بينما سيكون معدل نمو اقتصاد منطقة اليورو 5ر1% في عام 2016 و6ر1% في عام 2017، وقد خفض الصندوق توقعاته لنمو اقتصاد منطقة اليورو 1ر0نقطة مئوية لعامي 2016 و2017؛ وسينمو الاقتصادي الياباني بنسبة 5ر0% في عام 2016 و1ر0% في عام 2017، وقد خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد الياباني 5ر0نقطة مئوية لعامي 2016 و2017. لقد جاء رفع توقعات نمو اقتصاد الصين نتيجة لقوة اقتصادها واستراتيجيتها في التنمية الاقتصادية. باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الاقتصاد الصيني يؤثر على اقتصاد العالم كثيرا. في عام 2015، شكل الاقتصاد الصيني 1ر17% من حجم الاقتصاد العالمي وشكلت الصادرات الصينية من السلع والخدمات 4ر11% من حجم الصادرات الإجمالي في العالم. يتوقع صندوق النقد الدولي أنه خلال السنوات الخمس المقبلة (2016- 2020)، ستكون مساهمة الاقتصاد الصيني في نمو الاقتصاد العالمي 25% على الأقل. يرشد منهاج "الخطة الخمسية الثالثة عشرة" التنمية الاجتماعية والاقتصادية في الصين على المدى الطويل، وأكبر نقطة متألقة فيه هي تطبيق استراتيجية التتنمية المدفوعة بالابتكار وإصلاح جانب العرض الهيكلي. ابتكار الصين وإصلاحها سوف يدفعان تحول وترقية الصناعات التقليدية، ويعززان تحول نمط التنمية الاقتصادية من الاعتماد على الاستثمار إلى الاعتماد على الاستهلاك. تحول نمط التنمية الاقتصادية الصينية وترقية هيكل استهلاك السكان وتحسين هيكل الصناعات والتحول الحضري الجديد ليس في مصلحة الصين فحسب، وإنما أيضا يأتي بفرص استثمار جديدة للشركات الصينية والأجنبية. اقتصاد الصين المنفتح سوف يكون منصة جديدة لابتكار الشركات في أنحاء العالم.