بحر الصين الجنوبي لرخاء الجميع

ظلت الصين طوال تاريخها الممتد تحرص على إقامة وشائج مودة وعلاقات طيبة مع الدول المجاورة لها، بل والبعيدة عنها. ويذكر التاريخ أنه خلال فترة حكم الإمبراطور وو دي، (156-87 ق.م) لأسرة هان، أوفد مبعوثه تشانغ تشيان مرتين إلى الدول الواقعة غرب الصين لتوثيق العلاقات الودية معها، وفي القرن الخامس عشر الميلادي أرسلت الصين تشنغ خه في سبع رحلات بحرية وصلت إلى البحر الأحمر وسواحل إفريقيا لنفس الغرض. ومنذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، استطاعات الصين تسوية خلافاتها الحدودية مع دول الجوار، ومنها روسيا والهند وكازاخستان، عبر المفاوضات السلمية.

والحقيقة أن مسألة بحر الصين الجنوبي لم تطف على السطح بقوة إلا في السنوات الأخيرة، مع ظهور ثروات تحت مياهه، وبخاصة بعد أن أخذت الولايات المتحدة الأمريكية تدس أنفها بقوة في هذه المنطقة وتؤجج النزاعات فيها، وهو ما اتضح جليا منذ الاجتماع الوزاري للمنتدى الإقليمي لرابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) في عام 2010، وإعلان واشنطن استراتيجية "إعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادئ"، والتي تعني تحديدا تعزيز الوجود الأمريكي في الجانب الآسيوي من المحيط الهادي. وقد أدركت الصين مبكرا، أهمية صياغة علاقات مع الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، تضمن التوصل إلى تسوية سلمية للخلافات حول جزر بحر الصين الجنوبي. وتوصلت بكين ودول آسيان إلى اتفاق "مدونة سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي" الذي يقضي بحظر إقدام أي طرف على إجراءات أحادية استفزازية، خاصة في عمليات التنقيب عن النفط والغاز، والشروع في التفاوض لإيجاد صيغة للاستثمار المشترك للمنطقة المتنازع عليها.

وبرغم الانتهاكات الجسيمة التي قامت بها الدول المعنية بخلافات بحر الصين الجنوبي، التزمت الصين دائما بضبط النفس حرصا منها على علاقات حسن الجوار، وأكدت غير مرة أنها ترغب في التعاون مع الدول المجاورة لها للتوصل إلى صيغة تضمن للجميع الفوز المشترك. ومع ذلك، خالفت الفلبين تعهداتها ولجأت من طرف واحد إلى التحكيم الدولي، متجاهلة رفض الصين القاطع لهذه الخطوة التي لا تساهم مطلقا في تسوية الخلافات، بل على العكس تزيد الأمر تعقيدا. لقد كانت الصين واضحة وحازمة منذ البداية، عندما أعلنت في السادس من مايو سنة 2015، أنه من غير الواقعي إجبارها على الاعتراف أو القبول بالحكم فى قضية التحكيم المتعلقة ببحر الصين الجنوبي على أنه أمر واقع لا يمكن تغييره. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هونغ لي: "مهما كان الحكم فى قضية التحكيم التى أثارتها الفلبين، لن يكون قانونيا أو قابلا للتنفيذ. والصين لن تقبله ولن تعترف به. وستعلمون أن فكرة إجبار الصين على الاعتراف أو القبول به على أنه أمر واقع لا يمكن تغييره من خلال الحكم فكرة غير واقعية. الصين مصرة على حماية سيادة أراضيها وحقوقها البحرية. وستظل متمسكة بأحكام القانون الدولي في هذا الشأن وستحافظ على سلامة وسلطة اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون البحار."

إن حل النزاعات عن طريق المشاورات والمفاوضات المتكافئة أمر مرغوب، وجهود الصين في حماية السلام والاستقرار وفي تحقيق الفوز المشترك والمنفعة المتبادلة تنال تقدير شعوب العالم. إن الصين قوة لحماية السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي، وتتحمل مسؤولياتها، ولن تقبل إلا أن يكون بحر الصين الجنوبي ساحة للسلام وللصداقة والتعاون.