لعلاقات الصينية- العربية والوضع الجديد

في الثلاثين من هذا الشهر، مايو 2016، تدخل العلاقات الصينية- العربية عقدها السابع في ظل أوضاع داخلية وإقليمية ودولية جديدة. فالصين قد ولجت إلى "وضع طبيعي جديد"، تحدث عنه الرئيس شي جين بينغ خلال جولة تفقدية في مقاطعة تشيجيانغ عام 2015، بهدف تحقيق نمو اقتصادي أكثر اعتدالا وتوازنا واستدامة، في إطار سياسة الإصلاح والانفتاح التي تتبناها البلاد منذ عام 1978. وفي قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة أنطاليا التركية، قال الرئيس الصيني إنه برغم حدوث تباطؤ مؤخرا، مازالت الصين تسهم في النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 30%، وهو ما يعني أن الصين مازالت قوة اقتصادية عالمية كبيرة. وقد أصدرت الحكومة الصينية في نياير هذه السنة وثيقة رسمية، هي الأولى من نوعها حول سياسة الصين تجاه الدول العربية، بهدف وضع ملامح التعاون الصيني- العربي في المستقبل.

وقد أكد وزير خارجية الصين وانغ يي، في رسالة وجهها إلى الدول العربية قبيل زيارة الرئيس شي لكل من مصر والسعودية في شهر يناير 2016، على أن الصين والدول العربية يستطيعان أن يعملا معا يدا بيد لخلق مستقبل أفضل لعلاقتهما ولصداقتهما التقليدية التي تضرب بجذورها في التاريخ على الرغم من بعد المسافة الجغرافية الفاصلة بينهما. وقال إن ما يميز تلك العلاقة الطويلة الأمد هو تمسك الجانبين الصيني والعربي بمبادئ الاحترام المتبادل، والمعاملة الندية، والمحافظة على مشاعر الأخوة والصداقة والشراكة مهما تغيرت الأوضاع الدولية. هذا فضلا عن التاريخ المشترك ودعم الجانبين لبعضهما البعض أثناء الصراع من أجل حماية كرامة الأمة وحماية سيادة الوطن.

الدول العربية من جانبها، شهد بعضها خلال السنوات القليلة الماضية اضطرابات وتحولات سياسية، ومازال بعضها الآخر يشهد تقلبات ويسعى إلى التغيير، في ظل ظروف دولية وإقليمية معقدة. وخلال تلك الفترة، وفي هذا الوضع الجديد، تأكدت الدول العربية من جديد أن الصين دولة صديقة تحرص على وحدة وسلامة أراضي الدول العربية وتحترم إرادة شعوبها وترفض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية. ومن هنا فإن الوثيقة الصينية خطوة دبلوماسية هامة جاءت استجابة لتغيرات الأوضاع في الدول العربية واهتمامها بالعلاقات مع الصين. تتضمن وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية كافة أوجه التعاون بين الجانبين في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وتتناول الوثيقة لأول مرة بوضوح تام التعاون الأمني بين الجانبين الصيني والعربي، المتمثل في الأمن الإقليمي والتعاون العسكري والتعاون في مكافحة الإرهاب والتعاون في مجالات الشؤون القنصلية والهجرة والقضاء والشرطة والأمن غير التقليدي. وهذا يعني أن التعاون بين الصين والدول العربية يدخل مرحلة التعاون الشامل. وتؤكد وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية على الرؤية الصينية الثابتة في أن معالجة مشكلات الدول العربية تكون عن طريق دفع التنمية التي تحقق بدورها الاستقرار والازدهار. كما أنها تعكس نمطا جديدا للعلاقات الدولية، يرتكز على التعاون والكسب المشترك انطلاقا من الرغبة في السلام والتنمية في الدول العربية وتدعيما للمفهوم الصحيح للعدالة والمنفعة المتبادلة وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، وتسوية النزاعات عبر الحوار، ولعب دور مخلص وودي ومشجع في دفع عملية السلام بالشرق الأوسط والتسوية السياسية للقضايا الساخنة بالمنطقة.

وكما جاء في مقالة " العلاقات الصينية- العربية في ستين عاماً" بهذا العدد من ((الصين اليوم))، فإن الخط العام للعلاقات الصينية- العربية خلال العقود الستة الماضية تجسد في التوافق العام حول قضايا العلاقات الدولية، بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان والتنمية وإصلاح الأمم المتحدة والنظام الاقتصادي العالمي، من دون انخراط أي من الطرفين بشكل مباشر ومؤثر في قضايا تدخل في دائرة الاهتمام الاستراتيجي لأي منهما. غير أن هذا النمط التقليدي في العلاقات، شهد في السنوات الأخيرة بعض التطورات التي قد تكون توطئة لعلاقات أكثر تعمقا وتشعبا بين الجانبين؛ ففي عام 2004، تأسس منتدى التعاون الصيني- العربي كإطار للتعاون الجماعي والمتعدد المجالات بين الجانبين، وأقامت الصين علاقات شراكة استراتيجية مع ثماني دول عربية، وآلية للحوار الاستراتيجي مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول عربية أخرى.

لقد جرت مياه كثيرة في نهر العلاقات الصينية- العربية منذ تأسيسها في الثلاثين من مايو 1956، وشهد النظام الدولي تطورات وتغيرات هائلة، ظلت خلالها تلك العلاقات صامدة لاختبارات الزمن وأثبتت صلابتها. ولا شك أن الرصيد الكبير الذي تراكم للعلاقات الصينية- العربية خلال الستين عاماً الماضية يمكن أن يكون قاعدة انطلاق لعلاقات صينية- عربية أكثر قوة وتنوعا في المستقبل.