أرض البطاطس تنبت الأدباء

يقول عشاق الأدب الصينيون: "لا شيء في شيهايقو غير البطاطس والأدباء". والحقيقة أن منطقة شيهايقو، التي تضم بلديات فقيرة، منها شيجي وهاييوان وتونغشي، تقع في بيئة جبلية بوسط وجنوبي منطقة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية هوى في شمالي غرب الصين، تعاني القحط، إذ لا يزيد متوسط سقوط الأمطار فيها عن ثلاثمائة مليمتر سنويا، بينما يصل معدل التبخر إلى أكثر من ذلك بعشر مرات، ما جعل ظروف الحياة فيها بالغة الصعوبة في ظل بيئة إيكولوجية هشة جدا. في سنة 1972، أدرجها تقرير لمنظمة الأمم المتحدة ضمن مناطق الصين الأشد فقرا وغير الصالحة للحياة.

وبرغم ذلك، عاش- ومازال يعيش- على هذه الأرض أجيال من الناس، منهم كثيرون من أبناء قومية هوي. هنا، نشأ وترعرع أدباء معروفون مثل نباتات البطاطس التي تتغلب على الظروف الصعبة. في محافظة هايوان نشأ شي شو تشنغ، وفي محافظة تونغشين لي جين شيانغ وفي محافظة شيجي ما جين ليان، إضافة إلى شان يونغ تشن، وما تشان شيانغ، وجينغ خه وغيرهم من أدباء وشعراء قومية هوي، الذين صاروا بطاقة تعريف لمنطقة نينغشيا، ومشهدا رائعا لأدب قومية هوي.

ما جين ليان: أم تكتب قصة النساء

بعد نشر رواية ((النهر الطويل)) في عام 2013، حصلت كاتبتها ما جين ليان على العديد من الجوائز الأدبية: الجائزة السنوية لمجلة ((أدب القوميات))، والجائزة السنوية لمجلة ((مختارات الروايات))، وجائزة يو دا فو للرواية. وفي عام 2013، أصدرت جمعية الأدب القصصي في الصين قائمة أفضل الروايات التي تم اختيارها استنادا إلى آراء ثمانية وعشرين ناقدا أدبيا، وجاءت ((النهر الطويل)) في صدارة هذه القائمة. الموت هو الموضوع الرئيسي في رواية ((النهر الطويل)). ترى ما جين ليان أن الحياة "نهر طويل" يجري إلى بعيد بلا رجعة، فالموت أمر عادي مثل الحياة اليومية. وقد وصف الناقد الأدبي المشهور لي جيان جيون هذه الرواية بأنها "عمل عظيم"، ويرى كثيرون أن ((النهر الطويل)) جعلت ما جين ليان متميزة عن الأدباء الآخرين الذين وُلدوا بعد ثمانينات القرن الماضي.

قليلا ما تخرج ما جين ليان من شيهايقو، ليس لأنها تريد بيئة هادئة للكتابة وإنما لرعاية طفليها.

في قصتها ((الزهور والثعبان))، وصفت الكاتبة ما جين ليان قلق حامل على جنس جنينها؛ ذكر أم أنثى؟ تحكي في هذه القصة أن أبناء قريتها يعتقدون أن المرأة الحامل إذا رأت الزهور على الطريق فسوف تنجب أنثى، أما إذا رأت ثعبانا فستنجب ذكرا. ولهذا، فإن أمنية بطلة ((الزهور والثعبان)) هي أن ترى ثعبانا. وفي نهاية الرواية تحققت أمنية البطلة، حين أنجبت طفلا، مع أنها ظلت معجبة بحمرة وجمال الزهور التي تراها في المنام. والحقيقة أن ما جين ليان أنجبت طفلها الثاني، مع نشر ((الزهور والثعبان)) في نفس الوقت تقريبا!

شي شو تشينغ: أطيب رجل في العالم

الأديب الصيني المعروف شي شو تشنغ، ابن قومية هوي، من أكثر الكُتّاب قربا لقلب ما جين ليان، ولعله المرشد الروحي لها، كما هو الحال بالنسبة لكثير من عشاق الأدب. وقد قال أحد القراء، بعد قراءة رواية شي شو تشنغ ((السكين في المياه الصافية)): "مع أنني لم ألتق مع الكاتب، أشعر بمحبة واحترام حقيقي له." هذه المشاعر هي ما يجمع بين كثير من قراء السيد شي الذي جاوز تأثيره منطقة نينغشيا وقومية هوي.

يظن البعض أن شي شو تشنغ  أديب متقدم في العمر، ولكن الحقيقة أنه عندما كتب ((السكين في المياه الصافية)) في عام 1998، كان عمره تسعة وعشرين عاما فقط. في عام 2000، حصل شي شو تشنغ على "جائزة لو شيون" عن هذا العمل، المأخوذ عن حكاية متداولة بين أبناء قومية هوي. تقول الحكاية إن الثور عندما يكون على وشك الذبح يرى في المياه الصافية سكينا تنبئ باقتراب موته، فيمتنع عن الطعام والشرب لحفظ نظافة الأحشاء، استعدادا للموت الذي لا مفر منه.

في عام 2007، وكنت ما أزال طالبا في الجامعة، قصصت هذه الحكاية على زميل لي في كلية الإخراج، فأعجب بها وسألني ما إذا كان من الممكن تحويل هذه القصة إلى فيلم. ظننت أن هذا الأمر مستحيل، فما الذي يجعل هذا الكاتب المشهور يعطي روايته لشابين مازالا في مرحلة الدراسة؟ على أي حال، قلت أحاول، وبعثت برسالة بالبريد الإلكتروني إلى السيد شي. كانت المفاجأة أن شي شو تشنغ رد على رسالتي بسرعة، ووافق على تحويل عمله إلى فيلم، بدون مقابل. قال زميلي شاكرا مندهشا: "هذا أطيب رجل في العالم!"

لي جين شيانغ: أشتاق إلى شعرية زوجتي

نهر "تشينغشوي" المعروف في محافظة تونغشين نهر عادي، لكنه يظهر مرات في روايات لي جين شيانغ. في كل رواياته، يّذكر هذا النهر وأبناء قومية هوي الذين يعيشون على ضفتيه، ويظهرون بشخصيات حيوية.

بفضل روايات لي جين شيانغ، يتطلع كثير من قرائه لزيارة تونغشين ورؤية نهر تشنغشوي. من بين هؤلاء سيدة فرنسية تبلغ من العمر ستين عاما، وتعمل بترجمة الأعمال الأدبية الصينية. في عام 1998، قرأت المترجمة الفرنسية، التي قدمت للقراء الأجانب العديد من الأدباء الصينيين، قصة ((شخصيات على ضفتي نهر تشنغشوي))، التي يحكي فيها لي جين شيانغ قصة حب بين شاب وفتاة من قومية هوي. في هذه القصة، يصف الكاتب عادات وتقاليد قومية هوي وعاطفة أبناء قومية هوي الخاصة تجاه المياه في شيهايقو.

بدأتُ أقرأ أعمال لي جين شيانغ وأنا تلميذ في المدرسة الإعدادية. كان ينشر لي جين شيانغ قصصه في مجلة ((أدب قومية هوي))، وكانت أعماله ممتازة، فكلما تم نشر قصة، نقلتها مجلات مشهورة أخرى مثل ((مختارات الروايات)). مع أن هذه المجلات أكثر شهرة من مجلة ((أدب قومية هوي))، يصر لي جين شيانغ على تقديم أعماله لمجلة ((أدب قومية هوي)) لأنها من أولى المجلات التي نشرت أعماله.

قابلت لي جين شيانغ في بكين عام 2009 في دورة تدريبية لأدباء من القوميات الصينية الست والخمسين، حيث كان ممثلا لكتاب قومية هوي. في تلك المرة، كان لي جين شيانغ يشعر بألم في المعدة، وعندما سألته: "ما الذي تريد أن تأكله؟"  ابتسم وقال: "يا أخي، أنا أشتاق إلى الشعرية التي تصنعها زوجتي!"

طريق الشعراء

إذا سار المرء في اتجاه الجنوب على الطريق الجبلي بجبل ليوبان في شيهايقو، فسوف يصادف في رحلته كثيرا من الشعراء. محافظة تونغشين هي موطن الشاعر ما تشان شيانغ، ومحافظة قويوان هي مسقط رأس الشاعرة شان يونغ تشن، وفي محافظة جينغيوان يعيش الشاعر جينغ خه. هؤلاء الشعراء الثلاثة، يحملون "نصف السماء" لأشعار قومية هوي.

شيهايقو لا تحتوي على كل ما في نينغشيا. وقد جاء الى نينغشيا أدباء قومية هوي من أنحاء البلاد، مما يضيف حيوية جديدة لهذه الأرض العريقة. يعيش في نينغشيا حاليا الكاتب ها كوان قوي، أول من كتب روايات موضوعاتها مستوحاة من حياة أبناء قومية هوي؛ وما تشي ياو، مؤلف الرواية الملحمية (( العم ياسر وعائلته))؛ والكاتبتان بينغ يوان، وتساو هاي ينغ، وهما من أفضل أديبات قومية هوي.

لماذا يعيش الأدباء المتميزون في نينغشيا؟

أتساءل نفسي دائما، ولا أجد إجابة مقنعة. ولكن، كلما دخلت هذه الأرض المقدسة للأدب، والتقيت بوجوه مألوفة، شعرت بالدفء والاحترام في قلبي.

 

*شي يان وي، كاتب صيني حر من قومية هوي