نينغشيا.. معبر نحو المنطقة العربية

من بين الخمس مناطق الذاتية الحكم في الصين، نينغشيا هي المنطقة الوحيدة لأبناء قومية هوي المسلمين الذين يشكلون 6ر35% من سكان المنطقة. وإذا كانت الجغرافيا قد حرمت هذه المنطقة من مزايا كثيرة، فقد حباها التاريخ والثقافة مكانة فريدة لا تتوفر لغيرها من بقاع الصين، كمعبر خاص يربط بين الصين والدول العربية، والإسلامية.

والحقيقة أن نينغشيا أدركت مبكرا الظروف الخاصة لمكانها الجغرافي، في شمال غربي الصين، ومكانتها الثقافية والتاريخية كمنطقة مأهولة بالصينيين المسلمين، فحرصت على تعزيز روابطها مع الدول العربية والإسلامية من خلال مبادرات محدودة في البداية، وصولا إلى إقامة منتدى الصين والدول العربية في عام 2010، والذي أصبح في عام 2013 معرضا على مستوى الدولة باسم "معرض الصين والدول العربية"، وأُدرج ضمن استراتيجية "الحزام والطريق" (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين) التي تتبناها الحكومة الصينية. وقد أشار الرئيس شي جين بينغ في كلمته، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في يناير 2016، إلى أن قيمة مشروعات التعاون الموقعة خلال الدورة الثانية (2015) لمعرض الصين والدول العربية بلغت مائة وثلاثة وثمانين مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات)، منوها إلى أن هذا المعرض أصبح  منصة هامة في البناء المشترك بين الصين والدول العربية للحزام والطريق.

  لقد استطاعت نينغشيا خلال السنوات القليلة الماضية تطوير بنيتها الأساسية ومواردها البشرية، ما جعلها مؤهلة لهذا الدور الفريد الذي لا تنافسها فيه منطقة أخرى بالصين؛ فقد أنشأت في حاضرتها "منطقة ينتشوان للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية"، التي صارت قبلة العديد من الشركات الصينية الراغبة في التعاون مع الدول العربية والكثير من الشركات العربية، إضافة إلى خمس مناطق صناعية على المستوى الوطني وست عشرة منطقة صناعية على مستوى المنطقة الذاتية الحكم. وكل هذه المناطق تحقق حوالي 70% من قيمة الإنتاج في نينغشيا. وفي ظل استراتيجية الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، تبذل منطقة ينتشوان للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية، جهودها لتعزيز التعاون التجاري والاقتصادي مع الدول العربية، من أجل بناء علاقات تعاون معها في تصدير المعدات الصناعية والأطعمة الحلال، والتبادل الثقافي، والتجارة الإلكترونية العابرة للحدود وغيرها. كما عززت المنطقة الذاتية الحكم تعليم اللغة العربية بها من خلال إنشاء أقسام اللغة العربية في مؤسساتها التعليمية الحكومية، فضلا عن تشجيع تعليم اللغة العربية في معاهد خاصة، ومنها معهد اللغات العالمية في نينغشيا، وهومعهد مهني ثانوي يُعتبر قاعدة لتدريب وتأهيل الأكفاء الذين يخدمون في مجال الترجمة باللغة العربية كلغة رئيسية وبقية اللغات الأجنبية القليلة الاستخدام.  

خاضت نينغشيا أيضا تجربة فريدة في مكافحة الفقر من خلال مشروع إعادة توطين سكان القرى ذات الظروف الطبيعية الصعبة من أجل رفع مستوى معيشة أبنائها في ظل نهضتها التنموية. وبعد ثلاثين عاماً من الجهود المتواصلة، بلغ عدد الذين تخلصوا من الفقر في المنطقة مليونين وتسعمائة ألف حتى نهاية عام 2015. وخلال الفترة من عام 2011  إلى عام 2015 فقط، بلغ عدد السكان الذين تمت إعادة توطينهم ثلاثمائة وخمسين ألف شخص. وتعهدت حكومة المنطقة بالقضاء على الفقر تماما في نينغشيا بحلول عام 2018.

نينغشيا، وهي منطقة غير ساحلية وغير حدودية صارت معبرا اقتصاديا وتجاريا وثقافيا وسياحيا بين الصين والدول العربية، تقدم نموذجا للعديد من المناطق ذات الظروف المشابهة في الصين والدول العربية.