الجليد ينتشل تشونغلي من الفقر!

تقع محافظة تشونغلي في جنوبي مدينة تشانغجياكو بمقاطعة خبي. يبلغ عدد سكانها مائة وستة وعشرين ألف نسمة، منهم ثلاثون ألفا في حاضرة المحافظة. في عام 2010، بدأت هذه المحافظة، المصنفة من المحافظات الفقيرة في الصين، تطوير ساحات التزلج على الجليد، مستفيدة من ظروفها المناخية ومواردها الطبيعية. وعندما أعلن المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية في الحادي والثلاثين من يوليو عام 2012، فوز بكين وتشانغجياكو باستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 2022، دخلت تشونغلي التي ستستضيف سباقات الجليد، دائرة اهتمام العالم.

بناء ساحات التزلج على الجبال

تقع تشونغلي في شمال شرقي تشانغجياكو، وبسبب طول فترة سقوط الثلوج وانخفاض درجة الحرارة فيها، تكون المزروعات الرئيسية في تشونغلي هي البطاطس والشوفان فقط، مما يجعل دخل مزارعيها متواضعا. وفي الوقت نفسه، لم تشهد تشونغلي تطورا صناعيا ملموسا في السنوات الأخيرة. ومما زاد من صعوبة حياة أبناء تشونغلي، أن الحكومة الصينية بدأت في سنة 2003، تنفيذ سياسة إغلاق سفوح الجبال للحفاظ على الغابات وحظر رعي المواشي وتحويل الأراضي المزروعة إلى غابات ومروج في تشونغلي، وتكليف المحافظة بمهمة معالجة مصدر العواصف الرملية والتشجير، فواجهت تربية الدواجن والمواشي التي كانت مصدر الدخل الرئيسي للمحليين الرئيسي صعوبات كبيرة. وهكذا، ظلت تشونغلي تحمل لقب "المحافظة الفقيرة" حتى إعلان خبر الأولمبياد الشتوية.

تسقط الثلوج مبكرا في تشونغلي، وتكون كثيفة وتبقى لمدة طويلة. وتتميز المحافظة بجوها المعتدل نسبيا مقارنة مع منطقة شمال شرقي الصين التي تتساقط الثلوج فيها بكمية أكبر، ولذا تعتبر تشونغلي "أفضل منطقة طبيعية للتزلج على الجليد في شمالي الصين".

بعد زيارة إلى تشونغلي، أدرك شان تشاو جيان الفائز بميدالية ذهبية في أول مسابقة صينية للتزلج على الجليد عام 1957، ورجل الأعمال قوه تشينغ، أن الموارد الطبيعية في هذه المحافظة مناسبة للتزلج على الجليد، فشرعا في تنفيذ مشروع بناء ساحة للتزلج على الجليد هناك. تم نقل الثلوج إلى الجبال، وبعد فترة من العمل الجاد، تم بناء مضمار للتزلج على الجليد بطول ثلاثمائة متر في عام 1996، في أول ساحة من نوعها بالمحافظة. في بداية افتتاحها، كان المتزلجون يصعدون إلى الجبل بسيارات جيب لعدم توفر عربات المعبر الهوائي (التلفريك). كانت مرافق الساحة بسيطة، ومع ذلك كان الإقبال عليها كبيرا لقربها من بكين التي تبعد عنها نحو مائتي كيلومتر. في السنة الأولى بعد افتتاحها، بلغ الربح الصافي لساحة سايبي مائتي ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 5ر6 يوانات). أثبت نجاح سايبي أن الجليد مورد ثمين في تشونغلي، فظهرت ساحات كثيرة مماثلة، وبدأت تشونغلي تسير على طريق التحول الاقتصادي والتنمية الاقتصادية اعتمادا على الموارد السياحية.

في سنة 2003، تم إنشاء ساحة وانلونغ للتزلج على الجليد، أول منطقة سياحية وطنية للتزلج على الجليد على مستوى AAAA في الصين. وفي بداية تأسيس هذه الساحة، لم تكن ألعاب التزلج على الجليد شائعة في الصين، وكانت معظم التجهيزات في الساحة مستوردة من الخارج، ولهذا كانت تكاليف إنشائها كبيرة. في عام 2010، حققت ساحات التزلج على الجليد في تشونغلي شهرة كبيرة، في وقت كانت الشركات الصينية قد بدأت تنتج التجهيزات المتعلقة بالتزلج على الجليد، فانخفضت تكاليف بناء هذا النوع من الساحات تدريجيا.

قال دوان جيان جيون، نائب مدير مكتب الشؤون العامة بساحة وانلونغ للتزلج على الجليد: "الفوز باستضافة دورة الألعاب الشتوية لعام 2022، فرصة ثمينة للدعاية لساحات التزلج على الجليد في تشونغلي وتعميم لعبة التزلج على الجليد بين الصينيين. وإضافة إلى هذه الفرصة، تواجه ساحات الجليد تحديات في الإدارة الذاتية لتتوفر فيها المعايير الدولية."

فنادق النجوم في تشونغلي

يلاحظ زائر تشونغلي أن هذه المحافظة شهدت تغيرات سريعة في السنوات الأخيرة. قبل بضع سنوات، لم يكن في حاضرة المحافظة غير شارع رئيسي واحد، وكان عدد المطاعم فيها قليلا. حاليا، كثرت الشوارع والطرق في الحاضرة وانتشرت المطاعم، فيصعب على المرء أن يجد مكانا لسيارته أمام أبوابها في أيام العطلات.

قالت هاي يون، ابنة تشونغلي البالغة من العمر اثنتين وعشرين سنة، إنها كانت في طفولتها تتجول في شوارع وأزقة حاضرة المحافظة فعرفت كل المحلات التي تبيع الأطعمة. وعن تشونغلي الحالية، قالت: "لا أعرفها كلها، ولا أدري متى فتحت هذه المطاعم الكثيرة. أما متاجر أدوات التزلج على الجليد فكأنها خرجت من تحت الأرض في ليلة واحدة." والحقيقة أن التغيرات في المنطقة الجديدة لتشونغلي تدهش سكانها.

يشق نهر تشينغشيوي تشونغلي إلى منطقتين: المنطقة القديمة على الضفة الغربية للنهر وتقع فيها المدارس ومقر الحكومة المحلية؛ والمنطقة الجديدة على الضفة الشرقية. شهدت المنطقة القديمة تطورا في السنوات الأخيرة، ولكنها مازالت محتفظة بملامحها القديمة. أما الضفة الشرقية التي كان من أبرز ملامحها البيوت ذات الطابق الواحد والأزقة الضيقة، فقد صارت منطقة جديدة وحديثة بعد الإصلاح في السنوات الأخيرة.

تم توسيع طريق يوييويشينغ في المنطقة الجديدة، وصار طريقا هاما إلى ساحات التزلج على الجليد ومن الطرق الرئيسية لحاضرة تشونغلي، وتنتشر على جانبيه متاجر الأدوات الرياضية والشركات السياحية والفنادق.

في عام 2010، ومع انتشار ساحات التزلج على الجليد، بدأت السياحة في تشونغلي تتطور بسرعة. حاليا، يوجد في تشونغلي خمس ساحات للتزلج على الجليد في الشتاء وثلاث مناطق سياحية صيفية. وفي حاضرة المحافظة، يوجد مائة وسبعة عشر فندقا، منها ثلاثة وعشرون من الفنادق ذات النجوم.

بيوت الفلاحين

في موسم الجليد 2012/ 2013، بلغ عدد زوار تشونغلي مليونا وستة عشر ألفا، ارتفع إلى مليون وأربعمائة ألف ومائتين وأربعين في موسم 2013/ 2014، بزيادة قدرها 40% بالمقارنة مع الموسم السابق، قبل أن يصل إلى مليون وستمائة وسبعين ألفا في موسم 2014/ 2015.

وقد أعلن مكتب تشونغلي للسياحة والرياضة أن عدد زوار تشونغلي في عطلة السنة الجديدة لعام 2016، والتي امتدت ثلاثة أيام وصل إلى مائة وستة وعشرين ألفا، وأن دخل تشونغلي في تلك الأيام الثلاثة بلغ تسعة وثمانين مليونا وأربعمائة وستين ألف يوان.

تزايد عدد زوار تشونغلي لا يفيد ساحات التزلج على الجليد فحسب، وإنما أيضا يساعد على تنمية القرى القريبة من تلك الساحات. استفاد أبناء تلك القرى من موقعها، فطفقوا يبنون المنازل الريفية ويجهزونها لاستقبال الزوار، مما عوضهم عن رعي الغنم وتربية المواشي.

كانت هوانغتوتسيوي قرية فقيرة، وكانت بيوتها مبنية بالطين الأصفر والتراب المدكوك. تبعد هذه القرية ثلاثة كيلومترات فقط عن ساحة وانلونغ للتزلج على الجليد، ويمكن منها رؤية مناظر الساحة. بعد افتتاح ساحة وانلونغ في أغسطس عام 2003، شجعت الحكومة المحلية أبناء هوانغتوتسيوي على فتح أبواب بيوتهم لتقديم خدمات الإقامة للزوار، وقدمت دعما ماليا لهم يصل إلى عشرة آلاف يوان للأسرة، وفقا لمساحة البيت. في البداية، لم تكن هذه الفكرة جاذبة لمعظم أبناء القرية الذين تعودوا رعي الغنم والماشية، فلم يرغب كثير منهم في هذه التجربة لعدم معرفتهم بأحوال ساحات التزلج على الجليد. بيد أن أسرة ليو سو ينغ ومعها خمس أسر أخرى، قررت المشاركة في هذه التجربة، فجهزت كل منها غرفة في بيتها للزوار. بلغت تكلفة تجهيز غرف الزوار أربعين ألف يوان، وبدأت استقبال الزوار في ديسمبر عام 2003.

في أول موسم للجليد بعد استقبال الزوار في بيوت الفلاحين، حققت أسرة السيدة ليو سو ينغ دخلا بلغ أربعة آلاف يوان في شهرين. ما أدهش هذه المرأة الريفية، أن غرفة الزوار في بيتها تم حجزها لعطلة عيد الربيع قبل نصف سنة، فقررت أن تجهز ثلاث غرف أخرى للزوار. قالت السيدة ليو إن سعر الإقامة للغرفة الواحدة في بيتها يتراوح بين 130 و150 يوانا لليلة الواحدة. يفضل الكثير من الزوارالقادمين من بكين الإقامة في بيتها، وينصحون أصدقاءهم بالإقامة فيه أيضا.

شعر أبناء قرية هوانتغتوتسيوي بفرحة عارمة بعد سماع خبر فوز تشانغجياكو باستضافة الأولمبياد الشتوية. قالت ليو سو ينغ: "سيزيد دخل بيوت الفلاحين مع زيادة عدد الزوار."

تثق ليو سو ينغ بأن بيوت الفلاحين السياحية لها مستقبل واعد، وترى أن أسرتها استفادت من تطور ساحات التزلج على الجليد. زوج ليو سو ينغ من الدفعة الأولى من العاملين في ساحة وانلونغ للتزلج على الجليد. يبلغ راتبه ألفي يوان شهريا وله تأمين معاش. بالإضافة إلى العمل في الساحة، يساعد الزوج في العطلات زوجته في أعمال البيت السياحي الريفي. أما ابنهما، فيعمل مدربا رسميا في الساحة، وقد سافر في بعثة إلى اليابان للمشاركة في التدريب، ويتجاوز راتبه الشهري عشرة آلاف يوان، ويعد هذا الراتب أعلى من رواتب معظم المحليين بكثير.

حاليا، يبلغ عدد البيوت الريفية التي تقدم خدمات الإقامة للزوار في قرية هوانتغتوتسيوي أربعين بيتا بمساحات متنوعة، ويبلغ عدد الغرف في أكبر بيت بها سبعين غرفة، فكأن هذا البيت فندق كبير.

فوز تشانغجياكو باستضافة الأولمبياد الشتوية 2022، أكسب تشونغلي شهرة واسعة. وقد صار من العادة أن يُسأل زائر تشونغلي: "هل تزلجت على الجليد؟" لقد صار التزلج على الجليد بطاقة تعريف لتشونغلي حاليا.