الوئام والتعاون رسالة مسجد تشانغيه

تشانغيه واحدة من أهم مدن مقاطعة قانسو. كانت قديما تحمل اسم "قانتشو"، أي ولاية "قان"، ومن هذا الاسم اتخذت مقاطعة قانسو اسمها. مثل غيرها من مدن الصين، لا تخلو تشانغيه من بيوت الله التي يقيم فيها المسلمون شعائرهم.   

مسجد تشانغيه

يقع مسجد تشانغيه في جنوبي المدينة، وهو مسجد جديد، بني على أطلال مسجد قديم في عام ألف وتسعمائة وتسعة وتسعين، ويتسع لنحو مائتي شخص.

قال الإمام ما يو تشنغ، رئيس الجمعية الإسلامية في تشانغيه، إن تاريخ المسلمين في المدينة يرجع إلى وقت مبكر، فقد كانت تشانغيه ملتقى للتجار على طريق الحرير. وتشير سجلات تاريخية من فترة أسرة تانغ (618- 907)، إلى أن عددا غير قليل من العرب والفرس كانوا يعيشون في منطقة الممر الغربي للنهر الأصفر، وأن عددا من المسلمين كانوا يعيشون في مدينة قانتشو القديمة. في فترة أسرة يوان (1271- 1368)، زاد عدد المسلمين في هذه المنطقة بسبب فتوحات جنكيز خان (1165- 1227) إلى الغرب. وفي فترة أسرة تشينغ (1636- 1912)، ثار المسلمون في تشانغيه ضد حكم الأسرة الملكية، وبعد ان فشلت ثورتهم هرب كثير منهم من موطنهم ، فقل عدد المسلمين في مقاطعة قانسو. وأشار الإمام ما يو تشنغ إلى أن عدد المسلمين في مدينة قانتشو القديمة قبيل تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 لم يكن يتجاوز مائتي نسمة. وبعد تأسيس الجمهورية، توجه المسلمون إليها من مدينة لينشيا ومقاطعة تشنغهاي. حاليا في تشانغيه حوالي عشرة آلاف مسلم بإقامة دائمة.

عانى المسلمون في تشانغيه، مثل غيرهم من الصينيين، من الفقر وشظف العيش قبل تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح في الصين. حاليا، يعمل المسلمون في مجال المطاعم وتجارة لحوم البقر والغنم. ينتمي مسلمو تشانغيه لقوميات هوي والويغور ودونغشيانغ وسالار، مع أن معظمهم من قومية هوي. قال الإمام ما يو تشنغ: "تتحسن حياة مسلمي تشانغيه أكثر فأكثر. قبل الإصلاح والانفتاح، لم يكن في تشانغيه غير أسرة واحدة تبلغ قيمة ممتلكاتها عشرة آلاف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 4ر6 يوانات). حاليا، يوجد العديد من المليونيرات بين أبناء مسلمي المدينة، منهم أصحاب مراعي البقر والغنم، ومصانع تصنيع اللحوم والجلود، ومسؤولي شركات للعقارات. ومع أن عدد المسلمين ليس كبيرا، فإنهم يعملون في مختلف المجالات.

 قال الإمام ما هاي شيانغ، إن تربية المواشي والأغنام وتصنيع لحومها هي المجال الرئيسي لتحسين معيشة مسلمي تشانغيه، وذلك على أساس الجمع بين الإنتاج بالمواصفات القياسية والخصائص المحلية. مثلا، يشتهر لحم البقر في محافظة سونان بمذاقه الفريد. هكذا، يمكن للمسلمين المحليين العمل في تصنيع اللحوم وإنتاج الأطعمة باستغلال اللحوم العالية الجودة في تشانغيه. وفي الوقت الحالي، هناك عدة شركات كبيرة تنتج اللحوم الحلال، مثل شركة يوانباه، وشركة شوانهوان، وتصدر بعض الشركات اللحوم إلى الخارج.

واستطرد الإمام قائلا إن مسلمي تشانغيه يتميزون بالتعاون والوئام، وأكبر ميزة لهم أنهم لا يعرفون التمييز بين بعضهم البعض على أساس اختلاف الآراء الفقهية. وأضاف: "إن مسجد تشانغيه هو المسجد الوحيد في المدينة، وقد يسأل البعض ما هي الآراء الفقهية لهذا المسجد؟ وإجابتي هي أن المسلمين في تشانغيه والمحافظات التابعة لها، مهما كانت آراؤهم الفقهية، يذهبون إلى هذا المسجد معا، ويؤدون الصلاة معا تحت سقف واحد. والأكثر من ذلك، أن مسلمي تشانغيه يحرصون على توفير المساعدات للمسلمين الذين يهاجرون من المناطق الريفية والنائية أو الفقيرة. مثلا، أنا من قومية دونغشيانغ، وكانت بلدتي، محافظة دونغشانغ، فقيرة، فتوجه كثير من أهل بلدتي إلى تشانغيه لممارسة التجارة. لم يساعدهم أهل تشانغيه في تحسين مستوى حياتهم فحسب، وإنما أيضا وفروا ظروفا أفضل لتعليم أطفالهم. إن أهل تشانغيه يظهرون حماستهم وصدرهم الواسع. وفي الوقت الحالي، توجد في تشانغيه رياض أطفال ومدارس لأبناء الأقليات القومية بفضل دعم الحكومة المحلية، ويمكن لأبناء المسلمين تلقي التعليم الجيد هنا."

سياسات الدعم

الشوارع المحيطة بالمسجد هي منطقة تجمع مسلمي تشانغيه، حيث يقيم عدد كبير منهم، ويمارسون تجارة لحوم البقر والأغنام. قال ما هاي شيانغ إن حكومة تشانغيه المحلية تهتم بتحسين مستوى معيشة المسلمين، وتخطط الحكومة حاليا لإصلاح وتحسين بيئة السكن في محيط المسجد، ويعتقد أن هذا الإصلاح سوف يجذب المزيد من المسلمين ليعيشوا هنا، بما يجعل دور المسجد أكثر نشاطا في توفير التسهيلات للمسلمين المحليين.

يعمل مسجد تشانغيه على إتمام الأعمال اليومية للتجمعات السكنية والأعمال الدينية معا، وذلك من أجل جعل المسلمين أكثر تآلفا وتضامنا. مثلا، يجمع المسجد أطفال المسلمين معا في المسجد في عطلتي المدارس الصيفية والشتوية، للاستماع لمحاضرات يلقيها الأئمة والمتطوعون حول الدين واللغة العربية والأخلاق. المتطوعون هم طلاب مسلمون في جامعات تشانغيه، وهم  يتطوعون لتعليم الأطفال واللعب معهم. هذا لا يساعد في تربية وتعليم الأطفال فحسب، وإنما أيضا يقوي التواصل بين المسلمين في تشانغيه، ويعزز المودة والعواطف الطيبة بينهم. قالت هو شيو فن، رئيسة لجنة تجمع قانتشوان السكني: "تولي مصلحة الشؤون الدينية في المدينة اهتماما بالغا لحياة المسلمين، وخاصة ضمان جودة الأطعمة الحلال. يساعد التجمع السكني الفئات الضعيفة من المسلمين عن طريق توفير فرص العمل والتعليم لهم."

وفي مقابلة خاصة مع مجلة ((الصين اليوم))، قال هوانغ تسي يوان، عمدة تشانغيه: "تتميز مدينة تشانغيه بثقافاتها المتنوعة، حيث يعيش هنا أبناء مختلف القوميات في تناغم وانسجام. تحتاج الثقافات المختلفة إلى الاحترام المتبادل والفهم المتبادل، وأعتقد أن كثيرا من النزاعات، العرقية أو الاجتماعية، ترجع إلى التحامل والتمييز، كما جاء في رواية مشهورة للكاتبة الإنجليزية جاين أوستن. يؤدي سوء الفهم بين الثقافات المختلفة إلى التحامل، ويؤدي التحامل إلى التمييز والازدراء، ثم إلى النزاعات. "

أضاف هوانغ تسي يوان، أن تشانغيه بها  38 قومية يؤمنون بعقائد مختلفة؛ منهم المسلمون والبوذيون والمسيحيون. التناغم بين مختلف الأديان وتضامن القوميات من ميزات تشانغيه منذ قديم الزمان. قال: "أعتقد أنه على تشانغيه، حكومة ومواطنين، الالتزام بالنقاط التالية: أولا، احترام حرية العقيدة وعادات أبناء القوميات، أي لا يجوز لأحد التدخل في حرية العقيدة للآخرين، بينما لا يجوزللمؤمن بعقيدة معينة أن يؤثر على حرية عدم الإيمان بالأديان أو الإيمان بالأديان الأخرى. تعمل الحكومة المحلية، من حيث السياسات والإجراءات الملموسة، على تعزيز حرية العقيدة واحترام عادات القوميات. ثانيا، علينا أن ندفع التفاهم بين الثقافات العرقية المختلفة، لأن الكثير من النزاعات ترجع إلى عدم معرفة الحقائق. التفاهم بين مختلفة الأديان والثقافات يزيل النزاعات أو التناقض. فتعمل الحكومة المحلية على رفع مستوى التعليم لأهل المدينة."

يجتهد المسلمون كل يوم، مع إخوتهم من مختلف القوميات في تشانغيه، في أعمالهم اليومية، ويسعون لبناء موطنهم ليكون أكثر جمالا وازدهارا بدعم من الحكومة لتكون مدينتهم أكثر إشراقا.