العـلاقـات الثقافية الصينية- المغربية
التفاعل بين الحضارة المغربية ونظيرتها الصينية، ليس بجديد بل هو قائم منذ فجر التاريخ. عند رجوعنا للتبادلات على مر العصور بين المغرب والصين، نجد أن الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة (1304-1377)، سافر إلى الصين في القرن الرابع عشر الميلادي، حيث عاش لمدة ثلاث سنوات في الصين ليعود بعدها ويُعرّف المغرب والعالم العربي والإسلامي بحضارة الصين العظيمة.
مع افتتاح سفارة الصين بالرباط، أقامت المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية علاقات دبلوماسية في نوفمبر 1958، أعقبها افتتاح البعثة المغربية ببكين سنة 1960. ويأتي تبادل الزيارات الرسمية لحكام البلدين في إطار تعزيز العلاقات الدبلوماسية والتي تلعب دورا محوريا في التقريب بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية. و قد استقبلت الصين في تاريخها شخصيتين مغربيتين بارزتين وهما: الرحالة ابن بطوطة والذي زار الصين سنة 1342، والملك محمد السادس نصره الله وأيده والذي زار الصين فى الفترة ما بين 4 و9 فبراير سنة 2002.
وتعتبر العلاقات المغربية- الصينية متميزة بفضل التقارب الحاصل في المواقف والرؤى والدعم المتبادل في المنظمات الدولية من جهة، والرغبة المشتركة في مواصلة تعزيز أواصر الصداقة وتنويع التعاون من منظور التآزر والمنفعة المتبادلة من جهة أخرى. كما يتميز تاريخ البلدين بقواسم مشتركة خاصة في بداية القرن التاسع عشر، فكلتا الدولتين كانتا تقاومان الاستعمار الأوروبي، ومن ثم اقتصرت العلاقات بين البلدين في تلك الفترة على الدعم المتبادل والعلاقات الودية بين الشعوب التي تكافح ضد الاستعمار.
تاريخ العلاقات الثقافية المغربية- الصينية
لكل من الشعبين المغربي والصيني تراث حضاري قديم، وهو عنصر جذب للطرفين. ولهذا، خطا المغرب والصين خطوات هامة في مجال دعم ما يتعلق بتطوير العلاقات الثقافية بينهما.
بالرجوع إلى التبادلات الثقافية الحاصلة بين المغرب والصين، نجد أنها تعتبر من أهم أبعاد علاقاتهما، ليس فقط في الوقت الحاضر بل على امتداد قرون عدة، وأيضا بالنظر إلى تراثهما ودورهما الحضاري المتميز. لم تكن زيارة ابن بطوطة للصين مجرد رحلة عابرة بقدر ما كانت وشيجة ثقافية ربطت المغرب بالصين منذ القدم. كل ذلك وضع أسسا طيبة للعلاقات الثقافية المغربية الصينية. ومع استقلال المغرب وإقامة العلاقات الدبلوماسية، تعززت الروابط الثقافية المغربية- الصينية أكثر، خاصة مع التوقيع على اتفاقية التعاون الثقافي رسميا في سنة 1982، إلى جانب التوقيع على عدد من البرامج التنفيذية لاتفاقية التعاون الثقافي والتي وصل عددها إلى خمسة برامج تنفيذية حتى الآن.
الحوار الحضاري والتبادل الثقافي بين المغرب والصين
يتخذ التبادل الثقافي المغربي- الصيني مظاهر عدة، وينصب على مجالات متعددة: منها المجال التعليمي والشؤون الثقافية العامة والإعلام. ففي المجال التعليمي، هناك تبادل المنح حيث يصل عدد المنح التي تقدمها الصين للمغرب خمس عشرة منحة، وبالمقابل بلغ عدد المنح المغربية المقدمة للطرف الصيني خمس منح. وتجاوز عدد الطلاب الصينيين المبعوثين إلى المغرب أربعين طالبا خلال الفترة مابين 1975-2007. وهناك تعاون بين المؤسسات التعليمية في البلدين، ففي مايو سنة 2000، تم التوقيع في بكين على اتفاقية تعاون في مجال التعليم بين المدرسة العليا الدولية للتدبير بالمغرب والجامعة الدولية للأعمال والاقتصاد بالصين. إضافة إلى اتفاقيات أخرى بين المؤسسات التعليمية المغربية والصينية. وفي السابع عشر من نوفمبر 2014، وعلى هامش الاجتماع الأول للجنة المشتركة المغربية- الصينية للتعاون، تم بمدينة الرباط التوقيع على خارطة طريق للتعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا بين المغرب والصين.
الانفتاح المغربي على اللغة الصينية
تعتبر اللغة أهم جسر للتواصل بين شعوب العالم. وتزامنا مع تكثيف التبادل الثقافي والحضاري بين المغرب والصين، أصبح تعلم اللغة الصينية يحظى باهتمام مغربي متزايد، وفي هذا الإطار تم إحداث أول مركز لمعهد كونفوشيوس بمدينة الرباط في الرابع من ديسمبر عام 2009، بعد توقيع اتفاقية بين المقر العام لمعهد "كونفوشيوس" الصيني وجامعة محمد الخامس- أكدال بتاريخ 26 مارس 2008. وفي التاسع عشر من يناير سنة 2013، تم إحداث المقر الثاني لمعهد كونفوشيوس بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء. يضاف إلى هذا حركة ترجمة أعمال كبار الكتاب الصينيين، حيث صدرت في المغرب ترجمات عربية لأعمال أدبية صينية، لعل أبرزها "نهر سيتشوان"، وهو كتاب ضخم يضم قصصاً صينية ترجمتها إلى العربية الكاتبة المغربية الزهرة رميح.
إمدادات المكتبة الوطنية الصينية بالكتب
خلال زيارة الملك محمد السادس للصين في عام 2002، قدم مجموعة من الكتب هدية إلى المكتبة الوطنية الصينية، تتضمن كتابا عن تاريخ المغرب وثقافته وحضارته، و"كتاب الاستقصاء" للعلامة أحمد بن خالد الناصري، و"ورقات عن حضارة المرينيين" للمرحوم محمد المنوني، و"أعلام المغرب العربي الكبير" لعبد الوهاب بن منصور، إضافة إلى بعض الموسوعات عن تاريخ الإسلام بالمغرب وبعض المجلات وإصدارات بعض الجامعات المغريبة.
كما أن التبادل الثقافي بين المغرب والصين يمتد إلى مجالات الإعلام والفن والشؤون الدينية.
1- الإعــلام
شهد التعاون المغربي- الصيني على صعيد العلاقات الإعلامية تطورا متناميا في السنوات الأخيرة، وكانت هناك نتائج جيدة وهامة في إطار التعاون المغربي- الصيني في مجال الإعلام، ومنها وجود عدد من المكاتب التمثيلية في المغرب لعدد من الهيئات والمؤسسات الإعلامية الصينية نذكر منها: وكالة الصين الجديدة للأنباء "شينخوا" وصحيفة ((الشعب اليومية))؛ فضلا عن ارتباط عدد من المؤسسات الإعلامية في البلدين باتفاقيات وبروتوكولات تعاون، نذكر منها اتفاقية تعاون بين وكالة المغرب العربي للأنباء ووكالة الصين الجديدة للأنباء بتاريخ 27 ديسمبر1963، وكذا اتفاقية التعاون بين القناة المغربية الأولى وإذاعة وتلفزيون الصين الموقعة في سنة 2002؛ توزيع مجلة ((الصين اليوم)) بالمغرب بمختلف طبعاتها؛ التغطية المتزايدة من قبل الصحافة الصينية لما تنشره الصحافة المغربية.
2- الشؤون الثقافية العامة
أفردت البرامج التنفيذية للاتفاق الثقافي بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية، حيزا هاما لمجال الشؤون الثقافية العامة. فقد دأب المكتب الثقافي لسفارة جمهورية الصين الشعبية بالمغرب على إقامة العديد من المعارض والأيام الثقافية، التي تهدف إلى تعريف المواطن المغربي بالتطورات التي تشهدها الصين في عدة مجالات، كمعارض الصور الفوتوغرافية، كما هو الشأن بالنسبة للمعرض الذي نظمته الصين ما بين 22 و27 سبتمبر 1999، إلى جانب معارض الرسوم التشكيلية لكبار فناني الصين، وأعمال الحرف اليدوية. وفي ذات الوقت، نجد أن المكتب الثقافي الصيني بالمغرب ينظم بعض الاستعراضات الفنية من خلال استضافة فرق من الصين، بما فيها فرق الفنون الشعبية وفرق الأكروبات. ففي سنة 2008، وبمناسبة مرور خمسين سنة على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والصين نظم المكتب الثقافي الصيني بالمغرب بالتنسيق مع وزارة الثقافة المغربية عدة عروض فنية لفرقة صينية في إطار جولة شملت عددا من المدن.
أما فيما يتعلق بالأنشطة الثقافية التي يقيمها المغرب بالصين، نجد الأسبوع الثقافي المغربي بالصين، الذي نظم ما بين 5 و10ديسمبر 1998، إلى جانب مشاركة المغرب في ندوة العلاقات الثقافية بين الصين والدول العربية. وفي الثالث عشر من أكتوير 2009، تم في بكين الإعلان عن تأسيس جمعية ابن بطوطة لأصدقاء المغرب في الصين. وفي الخامس من نوفمبر 2011، عقدت "الدورة الأولى لندوة التبادل الثقافي والتعليمي بين الصين والمغرب" في جامعة الدراسات الدولية ببكين، بحضور شخصيات من الأوساط الدبلوماسية والتعليمية والثقافية والإعلامية الصينية والمغربية. وفي الثامن والعشرين من أكتوبر سنة 2012، عقدت الدورة الثانية لندوة التبادل الثقافي والتعليمي بين الصين والمغرب بموضوع "تنمية السياحة والتعليم السياحي في الصين والمغرب". وفي السابع والعشرين من أكتوبر سنة 2013، عقدت بمدينة بكين الدورة الثالثة لندوة التبادل الثقافي والتعليمي بين جامعة الدراسات الدولية ببكين الصينية وجامعة محمد الخامس المغربية. وفي السابع والعشرين من أكتوبر 2014، أقيمت الدورة الرابعة لندوة التبادل الثقافي والتعليمي بين الصين والمغرب. كما أن المغرب كان البلد الأفريقي الوحيد الذى بنى جناحا خاصا به في معرض إكسبو شانغهاي 2010، وأشارت حينذاك الإحصاءات الرسمية الصينية إلى أن هذا الجناح يعتبر الجناح الثاني الأكثر شعبية بعد جناح الصين. وفي الفترة من الخامس والعشرين من نوفمبر 2013 إلى الخامس عشر من يوليو 2014، تم تنظيم معرض تراثي بعنوان "الشاي، ثقافة مشتركة بين المغرب والصين". وفي الخامس من ديسمبر عام 2013، قامت جمعية المتخصصين في الشاي بالمغرب وسفارة الصين لدى المغرب بتنظيم المنتدى الأول للشاي.
ولم يقف التعاون الثقافي بين المغرب والصين عند هذا الحد، بل تعداه أيضا إلى المجال الديني. فجرت مباحثات في هذا الصدد بين البلدين عام2007، تناولت بالأساس تدبير المجال الديني بالبلدين.
ومما يزيد من أهمية التفاعل الثقافي المغربي- الصيني هو أن الصين تمتلك تجربة متقدمة في مجال مواجهة تحديات التنمية. من هنا تبرز مسألة النموذج الصيني في التنمية، وهي مسألة تستحوذ على قدر كبير من الاهتمام، لأن أحد عناصر السياسة الصينية تجاه المغرب هو "مبدأ التعلم المتبادل" من خبرات كل طرف في مختلف المجالات، وهو مبدأ تطرحه الصين من خلال نموذجها التنموي وتجربتها في مختلف المجالات، ويُبدي المسؤولون المغاربة عادة إعجابهم بهذا النموذج.
--
* فـؤاد الغـزيزر: رئيس المركز الجامعي للدراسات الصينية- المغربية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله- فاس، المغرب.