مطعم عربي في إيوو الصينية

في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية للدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي في الخامس من يونيو عام2014، أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى قصّة تاجر أردني، اسمه مهند، أنشأ مطعما عربيا في مدينة إيوو بمقاطعة تشجيانغ. وقال الرئيس إنّ التطور السريع للعلاقات الصينية- العربية يجعل مصائر الناس العاديين من الجانبين مرتبطة أكثر وبشكل وثيق.

مطعم "الأزهار" في إيوو

    التبادلات الصينية- العربية لها جذور تاريخية عميقة، كما قال الرئيس شي جين بينغ إنها كانت متقدمة في التبادلات الودية بين الأمم المختلفة في أنحاء العالم في العصور القديمة. توافد التجار المسلمون الفرس والعرب إلى الشرق عبر طريق الحرير البحري منذ بداية القرن السابع الميلادي، أي في فترة أسرتي تانغ وسونغ الإمبراطوريتين الصينيتين. وأثناء ممارستهم للتجارة، نقل هؤلاء التجار الدين الإسلامي وحضارته إلى الصين. واستوطن البعض منهم الصين، ثم تزوج فيها وأنجب، فتزايد عدد المسلمين العرب حتى صار لهؤلاء المهاجرين أحياء سكنية كاملة.

  بعد أكثر من ألف سنة، تجذب مدينة إيوو التي تقع في المنطقة الساحلية لشرقي الصين في مقاطعة تشجيانغ الآلاف من المسلمين من الدول العربية مع ممارسة الصين سياسة الإصلاح والانفتاح على الخارج، حيث يمارسون التجارة، ومنهم من استوطنها وعاش فيها. فذاعت شهرة إيوو بين العرب، لدرجة أن البعض يقول ممازحا إنها ستصبح "قرية عربية"، بفضل تزايد عدد العرب المقيمين فيها.

بعد شهر من ذِكر الرئيس الصيني مطعم "الأزهار" في كلمته، الذي يديره التاجر الأردني مهند وزوجته، جئت الى المطعم الذي يقع في شارع تشوتشو بيلو في مدينة إيوو. وصلت إلى المطعم في الساعة السابعة مساء، وكان مهند قد فتح  أبوابه قبل قليل، فقد كنا في شهر رمضان. في لمح البصر، أصبح المطعم ممتلئا. كانت هناك مقابلة تلفزيونية مع مهند الذي قال: "عمّت شهرة مطعمي أرجاء البلاد بفضل الرئيس شي جين بينغ ".

مهند عمره جاوز الثلاثين بست سنوات، وهو يتحدث الصينية جيدا، زوجته السيدة ليو فانغ، صينية من مقاطعة آنهوي. قال مهند: "أتيت من الأردن إلى الصين قبل عشر سنوات، وتوجهت إلى قوانغتشو حيث عملت في مطعم يديره عمي، وقابلت الشابة التي أصبحت فيما بعد زوجتي. كانت تعمل مترجمة في المطعم. أثناء العمل تعارفنا تدريجيا، ثم تحول التعارف إلى علاقة حب. بعد ذلك، سافرت إلى مسقط رأسها في آنهوي لزيارة أبويها. وبعد فترة قصيرة من ذلك، تزوجنا رسميا."

في عام 2002، وجد عم مهند أنّ مزيدا من العرب يسافرون إلى إيوو، فقرر أن يفتح فيها فرعا لمطعمه، فكان واحدا من أقدم المطاعم العربية في إيوو. تولى مهند وليو فانغ إدارة هذا المطعم رسميا في عام 2004. بعد الأزمة المالية في عام 2008، أعاد الزوجان ترتيب وتجديد المطعم وبدلا الطباخين والأطباق، وأعادا تسميته ليحمل اسم مطعم "الأزهار".

خصائص عربية في مطعم "الأزهار"

غالبية زبائن مطعم "الأزهار" من العرب، ويعرف مهند معظمهم جيدا. يقف مهند عند باب المطعم ويحيي كل الزبائن، ويتحدث مع الأصدقاء. من بين نادلات المطعم عدة فتيات صينيات لا يعرفن اللغة العربية جيدا، وربما لهذا السبب يكون تواصل الزبائن أكثر مرونة مع النادلين العرب الذين يعرفون بعض الصينية أيضا.

في مطعم "الأزهار" التقيت مع تاجر يمني، اسمه أسد، من زبائن المطعم الدائمين تحدثت معه بخليط من الإنجليزية والعربية البسيطة. قال إنه يشتري الأقمشة من إيوو ويبيعها في الشرق الأوسط. وقال: "الأطعمة هنا أصلية تماما، ومنها الخبز. الأطباق الأخرى كاملة نسبيا أيضا. كما أنّ الطباخين من المنطقة العربية".

المطعم ذو الزخارف العربية، يبث تسجيلات للقرآن الكريم، يتردد صداها مع الثريات ومصابيح السقف الذهبية والزهور المرصعة باللون الذهبي، فيبدو رائعا وفخما. أشارت ليو فانغ الذكية إلى الزخارف في المطعم وقالت إنّ العرب يفضلون الأصفر الذهبي بصورة خاصة، فالأصفر الذهبي هو اللون الرئيسي لمطعمنا. ولأنّ المطعم يحمل اسم "الأزهار" فإنه ممتلئ بالزهور المتنوعة. كما أنّ رمز مطعمنا الذي صممه مهند بنفسه هو الزهرة البيضاء".

عندما وصل مهند إلى الصين كان راتبه الشهري لا يزيد عن ثلاثمائة دولار أمريكي. أما اليوم فيمتلك هو وزوجته مطعما مع إدارة شركة استيراد وتصدير. قال مهند إنّه مشغول طول اليوم ولكنه يشعر بالسعادة. لدى الزوجين طفلان، أحدهما عمره إحدى عشرة سنة والآخر تسع سنوات، والاثنان يتحدثان الصينية بطلاقة. قال مهند إنّ الصينية هي اللغة الأم لولديه لأنهما يعيشان في بيئة صينية. في الوقت نفسه، يأمل أن يتلقيا تعليم اللغة العربية لدراسة الثقافة العربية.

ذوق عربي في إيوو

العديد من العرب مثل مهند يديرون مطاعم في إيوو. قال تشن لين، الذي يعمل في إحدى شركات التجارة الصينية- العربية في بكين: "رجعت من إيوو مؤخرا وأنا معجب بها. هناك، نزلت في فندق على مقربة من شارع تصطف على جانبيه مطاعم إسلامية، وتحمل لافتاتها كلمات عربية مختلفة، لا يمكن أن أضيع هذه الفرصة النادرة لتذوق الطعام الإسلامي الأصيل. ودخلت أحد المطاعم كما أردت، فشعرت أنّني في دولة إسلامية حيث يحيط بي أفراد من منطقة الشرق الأوسط، وصرت كأنني أنا الأجنبي بينهم. يا له من شعور عجيب! إن من تسنح له الفرصة لزيارة إيوو لا ينبغي أن يفوته تذوق الأطباق في المطاعم الإسلامية."

أصحاب المطاعم العربية الأصيلة كلهم عرب مثل مهند. قال مهند إنّ المطاعم تتنافس الآن نتيجة لزيادة عدد العرب في المدينة. أضاف: "لا بد أن نجلب أنواعا كثيرة من البهارات من الأردن إلى هنا من أجل ضمان المذاق الفريد وجذب المزيد من الزبائن." بعد جولة حول مطعم مهند وجدت أن هناك أكثر من عشرين مطعما حوله. وقال سائق سيارة الأجرة إنّ الأماكن التي تجمع المطاعم العربية ،مثل هذه المنطقة، في إيوو ليست قليلة.

أسعار الطعام العربي في إيوو مرتفعة للغاية مقارنة مع الطعام الصيني. قال مهند إنّ من أهم ثمار المطعم أنه تعرف على كثير من الأصدقاء الصينيين والعرب. وأضاف: "أعيش مع زوجتي وطفليّ حياة سعيدة في إيوو منذ وصولي إليها. صارت إيوو بلدي الثاني." في الحقيقة، فإن الحلم الصيني الذي ذكره الرئيس شي هو حلم مهند أيضا. سوف يسعى إلى إدارة المطعم بشكل أفضل ويفتح فروعا في قوانغتشو وشانغهاي وبكين، مع إدارة شركة الاستيراد والتصدير لبيع المنتجات الصينية إلى الدول العربية ويبذل قصار جهده ليكون رسول صداقة بين الصين والدول العربية .

 

لمعلوماتك

جاء في كلمة الرئيس الصيني شي جين بينغ أمام الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي:

"العلاقات الصينية- العربية بتطورها السريع جعلت حياة أبناء شعوبنا أكثر ترابطا. فهناك قصة حية حدثت في مقاطعة تشجيانغ حيث عملت سابقا. أنشأ تاجر أردني اسمه مهند مطعما عربيا في مدينة إيوو التي يوجد فيها عدد كبير من التجار العرب. وقد قام بتقديم ونشر الأطعمة العربية الأصيلة وما تمثله من الثقافة العربية إلى هذه المدينة، كما استفاد من تطور وازدهار المدينة وحقق نجاحا لتجارته، بل إنه تزوج فتاة صينية، واستقر في الصين. إن هذا الشاب الذي هو مثل أي شاب عربي يعمل على تحقيق الاندماج فيما بين حلمه الشخصي والحلم الصيني الذي يعد رمزا لسعي جميع أبناء الشعب الصيني إلى السعادة والرفاهية، ويبذل جهودا دءوبة بروح الإصرار، فيكتسب تجارب متنوعة ويجسد الانسجام المثالي بين "الحلم الصيني" و"الحلم العربي".