الشاي الصيني
تاريخ وتقاليد وفوائد شتى

 

المقطع الصيني (تشا) الذي يعني الشاي يتكون من ثلاثة أجزاء: رمز الإنسان "" بين رمزي العُشب "" والشجرة "". والشاي يحمل معنى كبيرا بالنسبة  للصينيين، فقد قالوا قديما إن ثمة سبعة أشياء لا غنى للحياة اليومية عنها، وهي الحطب والأرز والزيت والملح وصلصة الصويا والخل والشاي. الشاي  هو المشروب الرئيسي في الصين، وله شهرة عالمية. يحتسيه الناس في بيوتهم، وأيضا في المناسبات الاجتماعية والحفلات. وعلى مدى التاريخ، ظهرت تقاليد وأساليب حول تحضير الشاي وتقديمه وشربه، ضمن ما يُعرف بثقافة الشاي.  يرجع اكتشاف الشاي إلى شخص أسطور من عصور ما قبل التاريخ اسمه شن نونغ 神农. كان شن نونغ ماهرا في زراعة الأعشاب والعقاقير التقليدية الصينية. ومن أجل تمييز الأعشاب الطبية التي يمكن للناس تناولها عن الأعشاب الضارة والسامة، كان شن نونغ يجوب المناطق الجبلية ويختبر الأعشاب بنفسه. ذات يوم، شعر بالتعب بعد أن تناول عشبا ساما، فجلس تحت ظل شجرة كبيرة للراحة، فرأى أوراقا قد تساقطت من الشجرة مع النسيم. التقط ورقيتن منها ومضغهما فوجد طعمها جيدا، بل زال تعبه وآثار التسمم فور ذلك. تعجب مما حدث، وجمع بعض الأوراق، وحفظها لإجراء الاختبارات عليها. وهكذا، ظهر الشاي كمشروب.

 تنتج الصين أنواعا عديدة من الشاي، منها الأخضر والأسود والأبيض والأصفر والداكن، وشاي وولونغ乌龙 وشاي بوآر 普洱.

 يعتبر الشاي العطري نوعا فريدا من الشاي الصيني، فهو خليط من الزهور والشاي، ويصنع غالبا من الشاي الأخضر، وقد يصنع من الشاي الأسود وشاي وولونغ. هذه الخلطة تُنتقى جيدا وتُحفظ لفترة حتى تتغلغل الرائحة جيدا بين المكونات، ويظهر الشاي معطرا بشكل رائع.

الشاي الأخضر يتم من خلال عمليات عديدة، مثل المعالجة الحرارية واللف والتجفيف وغيرها. الشاي الأخضر غير المخمر، يكون منعشا نسبيا، بنكهة خام مميزة. ومن أبرز أنواع الشاي الأخضر في الصين شاي لونغجينغ 龙井، أي شاي بئر التنين. إنه نوع يقف شامخا بين الأنواع الأخرى بفضل أوراقه ذات اللون الأخضر الفاتح المميز وشكلها اليانع ونكهتها العبقة. هذا النوع من الشاي نادر في السوق، لأن إنتاجه قليل.

وهناك الشاي الأحمر أيضا، الذي يكتسب لونه العنبري بسبب التخمر. الغربيون يسمونه بالشاي الأسود. أفضل أنواع هذا الشاي هو شاي تشيمن祁门، الذي أخذ هذه التسمية نسبة لمهد زراعته في تشيمن بمقاطعة آنهوي. يُعتقد أن عملية التخمير تسهم في إنتاج مكونات معينة تفيد المعدة.

وهناك نوع من الشاي الصيني شبه المخمر، هو شاي وولونغ، أثبتت البحوث والدراسات أنه يفيد في حرق الدهون بالجسم، ويفضله أولئك الباحثون عن تقليل أوزانهم. ولكن احتساءه بكميات كبيرة، قد يسبب مشاكل بالمعدة والهضم. أشهر أنواع  شاي وولونغ هو شاي تيقوانين الذي يتميز بنكهة ومذاق يبقى لفترة طويلة، حتى لو تمت إضافة المياه إليه عدة مرات. هذه الميزة تجعله مشابها لعرض موسيقي رائع، يترك أثرا في المستمعين حتى بعد مغادرتهم مكان العرض.

 ولا ننسى بالطبع شاي بوآر، المشهور الذي ينتج في جنوب غربي الصين، ويزرع أيضا في لاوس وميانمار وفيتنام. منذ قديم الزمان وهذا النوع من الشاي يزرع ويحضر وينقل عبر ممر تاريخي قديم مشهور بهذه المناطق وما حولها. إنه نوع يتم تخميره، فيصبح مميزا بلون داكن ونكهة خاصة. وعلى أساس مفاهيم الطب التقليدي الصيني، يتمتع شاي بوآر بطبيعة دافئة لطيفة تنعش يانغ (الطاقة الموجبة بالجسم)، الأمر الذي يجعله مفضلا في الشتاء، بينما يُفضل شاي لونغجينغ للصيف. 

في الحقيقة، هناك الكثير جدا من أنواع الشاي في الصين، التي تعتبر المهد الأول للشاي. والصينيون متمسكون بثقافة وتقاليد الشاي، ويعتزون بها، ويرحبون بضيوفهم الكرام بأجود أنواع الشاي وأطيبها نكهة ومذاقا. ومع تطور العصر، تنتشر في مدن الصين مقاهي الشاي، والأنواع الأخرى من المشروبات. ومنذ قديم الزمان، تنتشر تجارة الشاي في الصين وما حولها وتمتد عالميا، وتتعزز يوما بعد يوم، وهناك أنواع من الشاي لا تقدر بثمن. ويصل سعر الكيلوغرام الواحد من بعض أنواع الشاي إلى عشرات الآلاف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر6 يوان صيني).

الشاي الصيني مشهور منذ القدم، ويحظى حاليا بشعبية متزايدة في أرجاء العالم لما له من فوائد شتى لا تنحصر في التمتع بشربه في وقت مميز فحسب، وإنما أيضا تتعداها لمجالات كثيرة تظهر وتتطور مع تطور العصر.