سفير السودان لدى بكين في حوار خاص مع ((الصين اليوم))

l    العلاقات بين البلدين لم تتخذ شكلها المؤطر إلا بعد دخول الدبلوماسية

l    هناك مساعٍ جادة لإحداث تطور نوعي في مجالات التبادل التجاري بدخول الصين في التعدين والزراعة بالسودان

l    لا يزال الناس في السودان يتذكرون زيارةتشو أن لاي للسودان في يناير 1964

 

أجرى الحوار: ابتسام ودو تشاو

 

بعد مرور خمسة وخمسين عاما على إقامة العلاقات بين الصين والسودان، إلى أين تتجه علاقات البلدين؟ وما هي أبرز مجالات التعاون بينهما؟ وما هو دور الصين في دعم السودان لمواجهة تحدياته الراهنة؟ هذه التساؤلات وغيرها طرحناها على سفير السودان لدى الصين، عمر عيسى أحمد، في حوارنا معه بمناسبة الذكرى السنوية الـخامسة والخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسودان، في حوار يستعرض واقع ومستقبل علاقات البلدين الصديقين.

((الصين اليوم)): سيادة السفير، كيف تنظرون لأهمية دور الدبلوماسية في دفع مسيرة علاقات التعاون بين شعبي الصين والسودان الصديقين؟ 

السفير عمر عيسى أحمد:  الدبلوماسية في البلدين كانت رأس الرمح والمحرك الأساسي لكل ما أنجز من نجاحات في علاقات البلدين ويرجع لها الفضل في بناء القاعدة الصلبة التي قامت عليها العلاقات في الجوانب الأخرى، ألا وهي قاعدة الثقة السياسية المتبادلة. كانت هناك علاقات تواصل وتجارة قديمة بين البلدين منذ العهد المروي في السودان، ولكن العلاقات بين البلدين لم تتخذ شكلها المؤطر إلا بعد دخول الدبلوماسية. وتنتظر الدبلوماسية القائمة بين البلدين مشوارا طويلا في استمرار التعاون والتنسيق في الشؤون الدولية والإقليمية ووضع الخطط والبرامج لتطوير العلاقات الثنائية والسهر عليها لضمان إنجازها وتحقيق أهدافها. بدأ المشوار الدبلوماسي للعلاقات الصينية- السودانية منذ خمس وخمسين سنة، وتكلل بتطورات وإنجازات لافتة ومتميزة في مختلف المجالات.

((الصين اليوم)):  ما هي الأسس التي ساهمت في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين سنة 1959؟

السفير عمر عيسى أحمد:  أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين يوم 4/2/1959م، وبادرت الصين بفتح سفارتها بالخرطوم في ذات العام، وظلت الدبلوماسية في البلدين منذ ذلك التاريخ تقود مسيرة التنسيق والتعاون الطويل بينهما، حيث ساندت الدبلوماسية السودانية بقوة جهود الصين لاستعادة مقعدها في مجلس الأمن في عام 1971م، وتم تبادل الزيارات بين قيادات البلدين، فلا يزال الناس في السودان يتذكرون بكل إعجاب وتقدير زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني شو أن لاي للسودان في يناير 1964م، ثم زيارة أول رئيس سوداني للصين الفريق إبراهيم عبود  في مايو من نفس العام. أما الرئيس الراحل جعفر نميري فقد زار الصين ثلاث مرات كانت أهمها زيارته الأولى في عام 1970م التي وضعت الأسس وشهدت توقيع اتفاقيات التعاون الثقافي والصحي والعلمي بين البلدين التي لا تزال قائمة إلى اليوم. أما الرئيس البشير فقد زار الصين أربع مرات كانت أهمها زيارته في 1995م، العام الذي وضعت فيه أسس التعاون النفطي بين البلدين ثم زيارة الرئيس الصيني السابق هو جين تاو للسودان في عام 2007م. وقد بنيت العلاقات بين البلدين على أسس الاحترام المتبادل والثقة السياسية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر.

 

((الصين اليوم)): تعتبر العلاقات الصينية- السودانية من أقوى العلاقات الصينية- العربية وتجلى ذلك من خلال مواقف الصين الداعمة للسودان في المحافل الدولية. ما أهمية وتأثير هذا الدعم بالنسبة لدولة السودان؟

السفير عمر عيسى أحمد:  كان للدعم السياسي الذي قدمه الأصدقاء، وعلى رأسهم الصين، للسودان الأثر الأكبر في التغلب على التحديات التي واجهت السودان منذ الاستقلال. وكان لهذا دعم وإسهام واضح في التخفيف والحد من تأثير مكايدات الدوائر المعادية للسودان وكذلك في تحسين مستوى التنمية والخدمات المقدمة للمواطنين.

((الصين اليوم)): ما هي أهم الاستثمارات الصينية في السودان؟ وما هي الامتيازات والتفضيلات التي قدمتها الحكومة السودانية لتعزيز هذه الاستثمارات؟

 

السفير عمر عيسى أحمد:  أهم الاستثمارات الصينية بالسودان تكمن في مجال النفط، ومع ذلك سعى الجانبان لتشجيع الاستثمارات الصينية في مجال التعدين والزراعة. وحكومة السودان تقدم حوافز وامتيازات معتبرة لهذه الاستثمارات مثل الإعفاء الضريبي وتخصيص الأراضي برسوم رمزية وغير ذلك من الامتيازات. هناك اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار التي تم توقيعها بين البلدين في عام 1997م وتمثل هذه الاتفاقية إحدى ضمانات استثمارات البلدين.

تشهد العلاقات الثنائية بين البلدين لا سيما في مجال الاقتصاد والتجارة تصاعدا إيجابيا مثمرا، حيث تعتبر السودان ثالث أكبر شريك تجاري للصين في أفريقيا خاصة بعد دخول الصين كشريك أساسي في صناعة النفط في السودان.

((الصين اليوم)): ما هي أبرز التبادلات التجارية التي تركز عليها الصين والسودان ومدى انعكاسها على اقتصاد البلدين؟

السفير عمر عيسى أحمد: استيراد البترول من السودان يمثل أهم التبادلات التجارية، بالإضافة إلى المعدات وخطوط الإنتاج والصناعات الخفيفة والمنتجات الزراعية وبعض المعادن. هناك مساعٍ جادة لإحداث تطور نوعي في مجالات التبادل التجاري بدخول الصين في التعدين والزراعة بالسودان واستفادة السودان من إقامة المدن الصناعية المتخصصة والمناطق الحرة والتقنيات الصينية.        هذا الحراك ترك أثراً إيجابياً على التطور الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في السودان. وتعتبر الصين شريكا فاعلا في تطوير البنى التحتية في السودان وتوليد الطاقة وغيرها من المشاريع الهامة.

((الصين اليوم)): ما تقييمكم لدور هذه المشاركة الصينية في بناء السودان اقتصاديا؟

السفير عمر عيسى أحمد: هذه المشاركة غاية في الأهمية بالنسبة للسودان، ويكفي القول إن الصين ساهمت مساهمة معتبرة في تشييد سد مروى وتعلية سد الروصيرص وسد نهري عطبرة وستيت ومحطات شبكات الكهرباء وتشييد الطرق والجسور والسكة الحديد بجانب مشروع النفط، وهي من أهم مشروعات التنمية والبنى التحتية التي نفذت بالسودان في العقود الأخيرة.

 

((الصين اليوم)): يمتد التعاون بين البلدين إلى مجالات أخرى كالصحةوالثقافة والزراعة. ما طبيعة هذا التعاون ودوره في تعزيز علاقات الشعبين الصديقين؟

السفير عمر عيسى أحمد:   للصين مجهود لا تخطئه العين في دعم قطاع الصحة بالسودان، وأبرز الأمثلة على ذلك مستشفى الصداقة السودانية- الصينية في مدينة أبي عشر بولاية الجزيرة الذي ظل يعمل منذ سبعينيات القرن الماضي، وأضيف إليه لاحقاً أكثر من مستشفى بالخرطوم، ويجري الآن الإعداد لافتتاح مستشفى كبير بمدينة الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق بالسودان. أما التعاون الثقافي فأبرز جوانبه هو  الفرص المتاحة للطلاب السودانيين في الدراسات العليا وجهود تعليم اللغة الصينية ببعض الجامعات السودانية. وبشأن التعاون الزراعي، فقد أنشأت الصين مركزاً للتقنيات الزراعية بمشروع الرهد الزراعي بالسودان وتسعى بعض الشركات الصينية للدخول في مجال الاستثمار الزراعي بالسودان. جميع هذه المشروعات خلق آلاف الفرص للتواصل والتبادل، الأمر الذي يعمق الصداقة ويعزز العلاقة بين الشعبين.

((الصين اليوم)): تسعى الحكومة السودانية إلى الارتقاء باقتصاد بلادها وتعزيز مكانته لاسيما بعد الظروف الصعبة التي واجهته منذ انفصال الجنوب. ما هي الخطط التي تركز عليها الحكومة السودانية لتحسين مستوى البلاد اقتصاديا وزيادة انفتاحه وحضوره على الساحة الدولية؟

السفير عمر عيسى أحمد:  وضعت الحكومة خطتين لمعالجة المشكلة الاقتصادية، الأولى إسعافية قصيرة الأجل لامتصاص تأثيرات انفصال جنوب السودان وفقدان معظم إيرادات النفط، وهذه الخطة انتهت مدتها وحققت أهدافها إلى حد كبير، والخطة الثانية تهدف لاستعادة الحيوية وزيادة وتيرة إنجاز مشروعات التنمية والتركيز على الإنتاج خاصة في مجالي الزراعة والمعادن.

        أما بالنسبة للعلاقات الدولية فان الحكومة السودانية تركز على تعزيز التعاون الإقليمي مع دول الجوار بهدف زيادة نسبة التجارة البينية وتكثيف التعاون مع الأصدقاء والمؤسسات الدولية بهدف الإعفاء من الديون وتوفير فرص تمويل للمشروعات.