أول عربي يحصل على جائزة "الإسهام المتميز في الكتاب الصيني"

بعد رحلة ممتدة منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما مع اللغة الصينية وآدابها، كُللت جهود الدكتور محسن فرجاني، أستاذ اللغة الصينية بكلية الألسن في جامعة عين شمس المصرية، بمنحه جائزة "الإسهام المتميز في الكتاب الصيني" لعام 2013.

تسلم الدكتور فرجاني جائزته من نائبة رئيس مجلس الدولة الصيني ليو يان دونغ في حفل مهيب أقيم في قاعة الشعب الكبرى ببكين في السابع والعشرين من أغسطس 2013. 

"جائزة الإسهام المتميز في الكتاب الصيني" جائزة صينية دولية أنشئت سنة 2005 بهدف تشجيع نشر الثقافة الصينية، وتُمنح للناشرين والمترجمين والكتاب الأجانب الذين قدموا إسهامات عظيمة في ترجمة ونشر الكتب الصينية. د. محسن فرجاني هو أول عربي يحصل على هذه الجائزة، تقديرا للمجهود العظيم الذي بذله في مجال الترجمة من الصينية إلى العربية والذي فتح باباً للعالم العربي للاطلاع على ثقافة وآداب الصين من خلال ترجمته لبعض الأعمال الأدبية الكلاسيكية لكبار الكُتاب الصينيين، كما جاء في كلمة د. تشين دونغ يون، المستشارة الثقافية بسفارة الصين لدى مصر خلال حفل أقيم في السادس والعشرين من سبتمبر 2013 بالمركز الثقافي الصيني في القاهرة لتكريم الأستاذ المصري الذي يفضل لقب "باحث قديم في اللغة الصينية" على صفته الجامعية كأستاذ. 

محسن فرجاني، ابن مدينة الإسماعيلية المطلة على قناة السويس، بدأت رحلته مع اللغة الصينية بخبر قرأه في جريدة سنة 1977 عن إعادة افتتاح قسم اللغة الصينية في كلية الألسن، وهو القسم العريق الذي بدأ في سنة 1958 ثم توقف لفترة. اتجه قلب وفكر ذلك الشاب الذي كان قد حصل في تلك السنة على شهادة الثانوية العامة نحو دراسة الآثار صوب الصين، ذلك البلد الذي عرف عنه من خلال كتابين قرأهما، أحدهما مذكرات الإمبراطور الأخير للصين والآخر مذكرات صحفي أمريكي زار بكين، وهو الكتاب الذي رسم صورة جميلة للصين برغم عدم احتوائه على أي صور.

عندما قرر الالتحاق بقسم اللغة الصينية في جامعة عين شمس، حاول البعض أن يثنيه عن ذلك في وقت لم تكن الصينية لغة رائجة في مصر. عن تلك الفترة يقول: "عندما التحقت بقسم اللغة الصينية كان كل الأساتذة صينيين وأغلبهم لا يعرف اللغة العربية والقليل منهم يجيد الإنجليزية، فكان ذلك دافعا لنا لاتقان اللغة بصورة تامة. في السنة الثانية، بدأت أشعر بصعوبة اللغة الصينية، وأصابني إحباط شديد بعد أن فقدت فرصة السفر لدراسة السنة الثالثة في الصين. ولكن الأستاذ ليانغ شي تشيان، وهو أستاذ في جامعة بكين، أعطاني دفعة قوية لاستكمال الدراسة، ويرجع إليه الفضل في وصفي على طريق الترجمة، ولكن بشكل غير مباشر."
 يستكمل محسن فرجاني حديثه: "في العام الدراسي 1979/ 1980، جاء إلى مدينة الطلبة بجامعة عين شمس ثلاثة دارسين صينيين، كان أحدهم واسمه "تي شيا" يقيم معي بنفس المبنى. كان تي شيا مترجما من العربية إلى الصينية، وله ترجمات أدبية منشورة باسمه، كما أنه أحد تلاميذ العلامة المعروف ما جيان "محمد مكين"، رائد الدراسات العربية في العصر الحديث ومترجم القرآن الكريم إلى الصينية. كان تي شيا يترجم فقرات من كتاب صيني قديم وشعرا صينيا قديما إلى العربية، ثم يعرض ترجمته علي لاستطلاع رأيي. في ظل هذا الانسجام الإنساني؛ صباحا في الجامعة مع الأستاذ ليانغ ومساء في المسكن مع تي شيا، هكذا بدأت أولى خطواتي في الترجمة، فكنت أترجم بعض النصوص الصينية إلى العربية ثم أعرضها على تي شيا ليراجعها وينقحها." بعد ثالث محاولة في الترجمة قال المترجم الصيني للطالب المصري جملة لا يسناها محسن فرجاني:  "هنا أنا أقرا لمترجم"، وأشرف تي شيا على ترجمة ذلك النص الذي نشر فيما بعد في مجلة ((أخبار الأدب)) المصرية تحت عنوان "خمسة جنيهات فضية".
في عام 1994، شارك محسن فرجاني في مشروع ترجمة مشترك بين كلية الألسن وجامعة بكين لترجمة مختارات من عيون التراث العربي إلى الصينية وترجمة مختارات من عيون التراث الصيني إلى العربية. أشرف على المشروع من الجانب الصيني الأستاذ يانغ شياو بو (ياسين) ومن الجانب المصري الدكتور وحيد السعيد، وشارك فيه أكثر من ثلاثين أستاذا ومعيدا.

بعد فوز الأديب الصيني الأصل قاو شينغ جيان، بجائزة نوبل في الأدب عام 2000، طلب جمال الغيطاني، رئيس تحرير مجلة ((أخبار الأدب)) المصرية من الدكتور فرجاني ترجمة بعض أعمال قاو، فترجم له مسرحية وقصة ونشرتا في المجلة. اقترح جمال الغيطاني عليه أن يترجم أعمالا تراثية صينية، فترجم ((محاورات كونفوشيوس)) الذي نشر على حلقات في ((أخبار الأدب))، وتبع ذلك ترجمته لكتاب "الطاو".

من خلال ترجماته، أدرك الدكتور محسن فرجاني الأهمية الكبيرة للتراث الصيني وحاجة المكتبات العربية إلى ترجمات لهذا التراث، فبدأ في ترجمة كتاب "الدول المتحاربة" الذي أصدره المركز القومي للترجمة في مصر، كما ترجم كتاب "فن الحرب عند سون بين" الذي أصدرته الهيئة العامة للكتاب في مصر. وتوالت أعمال محسن فرجاني فنشر أكثر من عشرين عملا في مجلة ((أخبار الأدب)) منذ عام 1994 حتى عام 2009، ويعتزم جمع تلك الأعمال ونشرها مجمعة في مجلد واحد.

عن جائزة "الإسهام المتميز في الكتاب الصيني"، يقول الأستاذ الدكتور محسن فرجاني: "لقد فوجئت بها، فأنا لم أتقدم للحصول عليها وإنما تم ترشيحي من قبل المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، الذي أحرص على التعاون معه. وعندما تم إبلاغي بخبر فوزي بالجائزة تملكتني مشاعر مختلفة من الفرحة والقلق والتوتر والفخر،  فتلك الجائزة لم يحصل عليها عربي من قبل، وأنا أمثل قارة أفريقيا بأكملها، كما أن هذه الجائزة لم يحصل عليها غير ثلاثة وثلاثين شخصا فقط حتى الآن، فهي جائزة كبيرة تقام مراسم تسليمها في بكين في قاعة الشعب الكبرى. وقد سلمتني السيدة ليو يان دونغ، نائبة رئيس مجلس الدولة الصيني، الجائزة وهي عبارة عن درع مصنوع من الذهب، في قمته رمز كلمة الكتاب باللغة الصينية القديمة، إضافة إلى القيمة المالية للجائزة وهي خمسون ألف يوان (الدولار الأمريكي يساوي 1ر6 يوانات). حقا شعرت بالفخر بأنني أمثل وطني وقارة  أفريقيا في قاعة الشعب الكبرى التي تمثل جزءا من تاريخ وحضارة الصين."

وفي نهاية حديثه يقول الدكتور محسن فرجاني: "أتمنى أن لا ننظر للجائزة بصفة شخصية كمترجم حصل على جائزة، ولكن لنعتبرها بداية تحفيز للمترجمين للإسهام في الترجمة من الصينية ونقل الثقافة والحضارة الصينية إلى المنطقة العربية لأننا تأخرنا كثيرا في نقل الثقافة الصينية."