تسونيي المدينة الأسطورية الحمراء

وو مي لينغ

 

مقر مؤتمر تسونيي

 

مدينة تسونيي في مقاطعة قويتشو تفوح بعبق التاريخ والثقافة والشعر، وتتميز بمناظرها الطبيعية الخلابة والمتنوعة كالجبال والكهوف والشلالات. حصلت هذه المدينة على اسمها من واحدة من الكلاسيكيات الصينية الخمسة، بمعنى "طريق الوسط، دون تحيز"، يحتوي اسم المدينة على مقطعي الكتابة "تسون" أي الاحترام، و"يي" ويعني البِر.

يرجع تاريخ المنطقة إلى العصر الحجري القديم، حيث كانت موطناً لأبناء تونغ تسي الذي أوقد بناره مشعل المسار التاريخي لشعب تسون يي، ليزداد اتقاد هذه الشعلة تدريجياً مع مرور الزمن، ويصل مع ثقافة ممالك تشين وتشو وباشو.

لآلاف السنين، اهتزت أرض تسونيي على وقع الحروب القبلية، ولذلك بقيت بعيدة قليلاً عن عيون العالم الخارجي.

ولكن مؤتمر تسونيي دفع المدينة لتتلألأ على صفحات التاريخ، كما أن ماوتاي الذي يعتبر "النبيذ الوطني في الصين"، ساهم في إكسابها سمعة عالمية. بينما ساهمت الجبال والأنهار التي تعبرها، إلى جانب نبيذ ماوتاي، في جعل تسونيي تتجاوز اختبارات الزمن بنجاح، لتتخمر بصمت وتتربع بفخر على معالم استثنائية.

تسونيي، مدينة على سفح جبل يقع بين حوض سيتشوان وهضبة يونقوي.

تاريخياً كان هذا الجبل حقلاً مشتركاً بين العديد من الممالك، بما في ذلك باشو ويهلانغ.

في بداية عهد أسرة تانغ (618- 907 م)، أنشئت في هذا الإقليم إدارة بوتشو، التي أصبحت لاحقاً إدارة تسونيي في السنة التاسعة والعشرين لحكم الإمبراطور وان لي في عهد أسرة مينغ (1368- 1644 م)، ولذلك حملت المدينة اسمها الرسمي تسونيي لأكثر من أربعمائة سنة، وتشكلت مدينة تسونيي الحالية شيئاً فشيئاً من خلال تقلبات التاريخ، لتصبح علامة من العلامات التاريخية التي لا يمكن لنهر الزمن أن يمحوها.

روعة أبدية في هايلونغتون

هايلونغتون، قلعة بنيت في العصور الوسطى في قرية تحمل نفس الاسم، على جبل لونغيان. يقع وادي هذا الجبل، الذي يمكن الوصول إليه من ثلاثة جوانب، على ارتفاع 907 أمتار، بينما ترتفع قمته إلى 1354 متراً، أي بفارق أكثر من 300 متر. وقد أقيمت القلعة في السنة السادسة من عهد الإمبراطور باو يو سنة 1257 بناء على أوامر من يانغ ون، الزعيم القوي والرئيس المحلي وسليل الجيل الخامس عشر من عائلة يانغ، وذلك من أجل الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات من قبل القوات المنغولية.

كانت القلعة واحدة من الحصون العسكرية الرئيسية التي يمتلكها زعماء قبائل بوتشو في عهد أسرتي يوان (1271- 1368 م) ومينغ (1368- 1644 م). في الواقع، لم تكن هايلونغتون مجرد قلعة، فجميع الإنشاءات المشيّدة فيها من قصور وصالونات ومعابد وغرف وحظائر ومستوصفات، كانت تشكل بلدة حقيقية مصغّرة، حيث صممها وبناها يانغ باو رن ويانغ لياو رين.

شكلت هايلونغتون ثمرة الحكمة الجماعية لعدة مهندسين معماريين ينحدرون من قوميات هان ومياو وقلاو وتوجيا. واليوم، ما تزال هايلونغتون تحمل بوضوح بصمات التاريخ، وتعرض نمطاً عرقياً قوياً.

قال نائب رئيس الرابطة الأوروبية للسياحة عن هايلونغتون: "هي قلعة العصور الوسطى الأكثر روعة وصموداً والأكمل حفظا، التي رأيتها في حياتي، يمكن أن نصنفها بالمدينة الهوائية الأقدم عالمياً. واليوم، تتألق بقايا هذه القلعة لتزداد روعة مع مرور الزمن."

ينبغي أن نركز على تاريخ أسرة يانغ لنفهم أكثر أجواء الحروب التي اندلعت في هذه الأماكن، في أواخر عهد أسرة تانغ (618- 907 م)، فقد احتلت دولة نانتشاو إدارة بوتشو، وفي السنة الثالثة من عهد تشيان فو أمر الامبراطور شي تسونغ من أسرة تانغ الملكية يانغ دوان من أسلاف يانغ بالدخول الى بوتشو بالجيش، حيث فتح يانغ هذه المنطقة الشاسعة من أجل أحفادهم، وخلال السنة الخامسة من عهد باو يو، في عهد أسرة سونغ الجنوبية (1127- 1279 م)، توغلت قوات المغول التي كانت تسيطر على يوننان شرق دالي، وهددت بوتشو، وعلى إثر ذلك قام يانغ ون وهو زعيم محلي، وبموافقة من البلاط الإمبراطوري ببناء قلعة في نقطة استراتيجية لتعزيز الدفاع. وهكذا بنيت هذه القلعة على جبل لونغيان، وسُميت بـهايلونغتون، أي مدينة لونغيان الجديدة.

لنواصل استكشافنا للماضي، ففي السنة السادسة من عهد لونغ تشينغ في عام 1573 أثناء أسرة مينغ (1368- 1644 م)، ورث يانغ ينغ لونغ من والده مهام نائب حاكم إدارة بوتشو، وفي ذلك الوقت، كان أباطرة أسرة مينغ يمارسون سياسة ترك زعماء القبائل في تلك المنطقة على هواهم، وبالتالي بات هؤلاء ملوكاً حقيقيون في الإقليم الذي يسيطرون عليه طالما ظلوا مخلصين للحكم الإمبراطوري وقدموا الجزية المطلوبة. كما كان أباطرة بكين يسمحون أيضاً لهم بسنّ القوانين في مناطقهم، وبهذا أصبحت إدارة بوتشو أرضاً خصبة لأطماع الجميع، فتنازعت مقاطعتا قويتشو وسيتشوان على هذا الإقليم بشراسة، ولاسيما مقاطعة قويتشو التي حاولت بشتى الوسائل الحصول على موافقة البلاط لإدراجه في دائرتها، ومنذ ذلك الوقت عاش يانغ ينغ لونغ أياما عسيرة، حيث تسببت الأعمال الوحشية العديدة التي ارتكبها لاحقاً، بما في ذلك قتله إحدى زوجاته، في تقسيم مجموعة زعماء القبائل. استغل مسؤولو قويتشو هذه الفرصة لصياغة أربع لوائح اتهام مفبركة ضد يانغ ينغ لونغ، بما فيها جريمة التمرد. فدعت المدينة المحرمة في بكين إلى ضرورة شن حملة لقمع هذا التمرد. وهكذا بدأ هذا الرجل الذي أطلق عليه "نصف ابن السماء"، أي شبه امبراطور، والذي كان يحكم هايلونغتون في النضال يائساً.

ووفقاً للسجلات التاريخية، كان نائب وزير الدفاع، لي هوا لونغ، قائداً للقوات المكونة من 240 ألف شخص لتطويق هايلونغتون، وفي السادس من يونيو عام 1600 دخلت قوات مينغ المدينة من الناحية الغربية، وعلى إثر ذلك شنق يانغ ينغ لونغ وزوجتاه أنفسهم، بعد إضرام النار في منزلهم، لتنتهي بذلك هيمنة أسرة يانغ التي توارثت الحكم لمدة 29 جيلاً، واستمرت 725 سنة منذ عهد أسرة تانغ (618- 907 م) إلى عهد أسرة مينغ (1368-1644 م).

وفي عام 1992، أدرجت الحكومة المحلية هايلونغتون ضمن قائمة الآثار الثقافية المحمية. وفي عام 2001، أعلن مجلس الدولة أن أطلال هايلونغتون من الآثار الثقافية الوطنية الهامة. واليوم، ومنذ تقديم ترشيحه لإضافته لقائمة التراث الثقافي العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ما يزال صدى خطوات الكثير من السياح يُُسمع من جديد على المسارات الحجرية لـهايلونغتون.

على خطى كفاح شهدائنا

المنعطف التاريخي الكبير المتبوع بأعظم الانتصارات الصينية، التي حدثت في تسونيي لم ينس حتماً إعطاءها جمالاً غير اعتيادي. فالمؤتمر الأكثر حيوية، والمنعطف التاريخي الأكثر أهمية، إضافة إلى المعارك الأكثر بطولة للجيش الأحمر خلال مسيرته الطويلة جرت على هذه الأرض الساحرة. في تسونيي أيضاً، ميز ماو تسي تونغ، صاحب الشخصية العظيمة في وقته، نفسه كسياسي بارز، وأخرج الثورة الصينية من تحت الأمواج لتشهد نقطة تحول تاريخية. هذه الشخصية العسكرية القيادية خاضت في هذا المكان معارك يفخر بها، معارك معروفة باسم المعابر الأربعة لنهر تشيشيوي. كان ماو تسي تونغ أيضا شاعراً لامعاً، كتب هذه الأسطر التي توارثتها الأجيال القادمة: "الممر المنيع جدار من حديد، ها نحن بخطى ثابتة نطوي قمته"، كما كتب بخط يده "مقر مؤتمر تسونيي" على لافتة المقر وهي المخطوطة الوحيدة من نوعها التي أهداها هذا الفنان الموهوب للأماكن التذكارية للثورة الصينية. ثقافة المسيرة الطويلة للجيش الأحمر، وكل هذه الذكريات الحمراء، أعطت أهمية كبيرة لتسونيي، لتتحول إلى مكان مقدس للثورة لا بديل عنه.

يقع مكان مؤتمر تسونيي في شارع تسيين في حي هونغواقانغ، وبفضل هذا المؤتمر، تم إبعاد سياسة وانغ مينغ، المصنفة ضمن انتهازية اليسار، وتولى ماو تسي تونغ زمام أمور الجيش الأحمر، واللجنة المركزية للحزب. غير هذا المؤتمر مسار التاريخ الصيني بإنقاذ الجيش الأحمر والحزب، مقدماً في نفس الوقت أكبر دليل على نضجه.

ينتصب عند مقبرة شهداء الجيش الأحمر، التي تقع في جبل شياولونغشان على تلة خضراء هادئة، مواجهة لنهر شيانغجيانغ، نصب تذكاري أقيم بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لمؤتمر تسونيي، محفور عليه ثمانية أحرف من ذهب بخط دنغ شياو بينغ: "خالدون هم شهداء الجيش الأحمر". 77 شهيداً يرقدون هنا، في هذا المكان الذي يطلق عليه السكان المحليون جبل الجيش الأحمر.

في المقبرة، قبرٌ مستدير يتميز عن القبور الأخرى بنصبه التذكاري العالي الذي حفر عليه بحروف كبيرة "قبر الجيش الأحمر"، هناك يرقد ممرض من الجيش الأحمر يدعى لونغ سي تشيوان، الذي ضحى بحياته من أجل تحرير الشعب.

ففي منتصف يناير سنة 1935، وصل الجيش الأحمر إلى تسونيي، ووسط حشد من الجماهير، علم الجيش بأن وباء حمى التيفوئيد انتشر في قرية سانغمويا، على بعد أقل من سبعة كيلومترات إلى جنوب المدينة، فانطلق ممرض الجيش الأحمر لونغ سي تشيوان على الفور لمعالجة المرضى، ولكنه وجد بعد عودته إثر شفاء المرضى أن فرقته قد غادرت، فلحق بها على الفور متتبعا تعليمات قليلة تركت على قطعة من الورق، راجياً اللحاق بفرقته، ولكن لسوء الحظ، أصيب بعيار ناري أثناء عبوره إحدى الغابات، فأُردي قتيلاً.

توافد القرويون من كل صوب عند الإعلان عن وفاة لونغ سي تشيوان، وحملوا جثمانه لدفنه على قمة التلة، ومنذ ذلك الحين، يأتي الزوار لوضع الزهور على قبره، بينما نقلت الحكومة المحلية مكان دفنه بعد التحرير من سانغمويا إلى ضريح شهداء الجيش الأحمر، مع إضافة تمثال برونزي له.

التقيتُ امرأة سبعينية في الساحة السابقة لمعركة تشينغدوبوه، أخبرتني بأن الجيش الأحمر قد أنقذ حياتها. ففي يوم من الأيام، عندما كانت والدتها تحملها على ظهرها قصفت طائرات العدو القرى. حينها ألقى سبعة جنود من الجيش الأحمر بأنفسهم على والدتها لحمايتها. فنجت هي وأمها بينما لقي الجنود السبعة حتفهم جميعاً دون استثناء.

هذه الأرض كانت شاهدة أيضاً على قصة حب جميلة، تكللت بحفل زفاف، ولكن لم تتجاوز حياة الزواج يومين، مع أن الحب دام طول الحياة. استمر ليومين وجمع بين زوجين حتى فرق الموت بينهما.

لنرجع إلى يناير عام 1935، وقت وصول الجيش الأحمر إلى تسونيي، حيث تم ترحيل كل من وانغ تشيوان يوان البالغة من العمر 22 سنة، ووانغ شو داو، إلى مكتب الأمن. كانا قد تزوجا في اليوم السابع من دخول الجيش الأحمر إلى مدينة تسونيي، حيث أهدى وانغ شو داو زوجته ليلة زواجهما مسدساً صغيراً غنمه من ساحة المعركة. ووفقاً لعادات وتقاليد موطن وانغ تشيوان يوان، ينبغي عليها أن تقدم له حذاء من صنعها، وبما أن الجيش كان يسير ويقاتل باستمرار، لم يكن لديها الوقت للوفاء بهذا الالتزام. وفي اليوم التالي، غادر الزوجان تسونيي مع القوات، وبعد ستة أشهر، وفي السادس والعشرين من يونيو سنة 1935 قضوا ليلة معاً، هي الثانية منذ زواجهما، ولم يلتق الزوجان بعدها مرة أخرى إلا بعد نصف قرن.

في مارس سنة 1937، كان على وانغ تشيوان يوان التي تقود فوجاً متقدماً مؤلفاً من 1300 امرأة ينتمين إلى الجناح الغربي للجيش الأحمر، مواجهة قوات أسرة ما عند ممر خشي. ولخداع العدو، أمرت جميع مقاتلات الفوج بقص شعرهن الطويل وارتداء ملابس الرجال، مدعيات بأنهن من الفوج 286 التابع للفيلق الثلاثين، وبعد أكثر من أربعين يوماً من المعارك الدامية، خاضت جنديات الجيش الأحمر المعركة النهائية التي كانت الأكثر مرارة في تاريخ فوجهن. حينها تم القبض على وانغ تشيوان يوان وتعرضت لأبشع أنواع التعذيب، لكنها تمكنت من الفرار ذات يوم، إلا أنها فشلت في إعادة الاتصال مع منظمات الحزب، فاضطرت للعودة إلى موطنها، لتقسو عليها الحياة وتقودها إلى دروب التسول، ولم تحظ بمعاملة تفضيلية من الحكومة كمقاتلة سابقة في الجيش الأحمر حتى بلغت السادسة والسبعين من العمر.

بعد نصف قرن من الزمن، وفي صيف عام 1982، وصلت وانغ تشيوان يوان من جيانغشي إلى بكين لتطلب من كانغ كه تشينغ، زوجة المارشال تشو ده، الإدلاء بشهادة لصالحها، حتى تتمكن من استعادة هويتها كعضو في الحزب، وخلال استعدادها لمغادرة بكين، أخبروها بأن وانغ شو داو، نائب رئيس المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني آنذاك، سيأتي لرؤيتها. نزل هذا الخبر كالصاعقة على هذه المرأة السبعينية، فخلال اجتماع الجمعية الصينية للنساء، تقدم وانغ شو داو ببطء نحو وانغ تتشيوان يوان، لتلمس أخيراً يد هذا الرجل، الذي كان في الماضي زوجاً ورفيقاً في القتال، وهنا ملأت الدموع وجهي هذين المسنين.

انقضى عقد آخر من الزمن لترجع وانغ تشيوان يوان إلى بكين لزيارة وانغ شو داو الذي كان في المستشفى وبحوزتها هدية واحدة فقط: زوج من الأحذية من صنعها.

بيدين مرتجفتين ودموع منهمرة من عينيه، همس وانغ شو داو بصوت متقطع قائلاً: لقد وفيت بالوعد الذي قطعته لي في تسونيي!.

ثقافة المسيرة الطويلة هي جزء لا يتجزأ من ثقافة تسونيي، كما أن اتباع المسار الذي شقه يوماً الجيش الأحمر لا يتمثل فقط في المشي على خطى الأجيال السابقة، وإنما أيضا في الاستفادة من ذلك الغذاء الروحي المقدم لنا خلال هذه المسيرة الطويلة، فهذا الغذاء الذي يمنحنا التفاؤل، هو أهم وأغنى مكونات هذه الثقافة.

ثقافة تسونيي في أواخر أسرة تشينغ

تقع شاتان التي تعني الشاطئ، على بعد 47 كيلومتراً عن مدينة تسونيي، في قرية شاتان- ببلدة شينتشو، حيث جزيرة رملية وسط نهر لهآنجيانغ، ومنها تأتي تسمية القرية. هذه الجزيرة الرملية تأخذ شكل آلة موسيقية صينية ذات سبع أوتار، فيحمل هذا 'الشاطئ أيضا اسم "تشينتشو"، أي جزيرة الآلة الموسيقية.

يعكس المكان مناظر طبيعية خلابة، فالمنازل محاطة بحقول الخيزران الخضراء التي تنعكس صورتها على مياه النهر الصافية والشفافة، بينما تتوارى المعابد القديمة وراء الأشجار القديمة، ليرسم هذا المشهد روعة لامتناهية لهذا المكان.

من نهاية عهد أسرة مينغ وحتى أواخر أسرة تشينغ، أنجبت شاتان عدداً كبيراً من الأدباء، أمثال تشنغ تشن وموه يو تشي ولي شو تشانغ.

ولهذا مازال الناس حتى اليوم، يتحدثون عن ثقافة شاتان التي تعود جذورها إلى بداية ثقافة قويتشو.

قبل حوالي ألفي سنة، افتتح ين تشن، وهو معلم وخطاط عاش خلال عهد أسرة هان الشرقية، ثقافة قويتشو، ما شكل إنجازاً ثقافياً كبيراً مازال شعب هذا الإقليم يفتخرون به حتى اليوم.

تعتبر سجلات تسونيي كتاب مشتركا لتشنغ تشن وموه يو تشي، فقد صنفه المفكر ليانغ تشي تشاو كأول عمل فكري من نوعه، وتضعها الأوساط الأكاديمية على صعيد واحد مع ((كتاب الأنهار والبحيرات)) و((سجلات هوايانغ)).

موه يو تشي عالم كبير رفض المناصب العالية في البلاط الإمبراطوري التي عرضها عليه لي هونغ تشانغ وتشي جيوان تساو ليكرس نفسه تماماً لأعماله الأدبية. عند الإعلان عن وفاته، انتقل تسنغ قوه فان حاكم ليانغجيانغ التي تضم مقاطعات جيانغسو وآنهوي وجيانغشى شخصياً إلى قبره لرثائه وتأبينه.

ومن بين الثلاثة الممثلين لثقافة شاتان، كان لي شو تشانغ الوحيد القائم على الاتصال مع العالم الخارجي.

خلال فترة أسرة تشينغ، نجح لي شو تشانغ من بين المبعوثين إلى الخارج في تحويل البلد المضيف من استخفاف الدبلوماسيين الصينيين إلى احترامهم، بفضل أخلاقه ومواقفه الحسنة، بالإضافة لبراعته. ولست سنوات، شغل منصب مستشار في سفارات أربع دول أوروبية، وبعد سفره إلى إنجلترا، وفرنسا وألمانيا، وأسبانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، والنمسا والسويد، تحدث عن خبراته في هذه الأمم، وجعلها جزءاً من أفكاره في كتابه عن البلدان الغربية، التي لامست عقول العديد من الصينيين وفتحت لهم نافذة على العالم، بعد أن كانوا يعيشون في بلد مغلق تماماً في ذلك الوقت.

 

في تسونيي، لابد من زيارة شاتان للتعرف عن كثب على جوها الثقافي، فهذه القرية الجبلية المسالمة أصبحت قرية لكبار العلماء والشعراء والخطاطين، ولخمسة أجيال، أنجبت عدداً هائلاً من العلماء والرؤساء.

الجبال والأنهار، ولوحات طبيعية جميلة

بجبالها وأنهارها ونوافيرها وكهوفها، تألقت تسونيي بتشكيلة واسعة من المناظر الطبيعية، متميزة بتضاريس دانشيا وبيئة مناسبة للسياحة الإيكولوجية. فهي لوحة رائعة تختلط فيها آلاف الألوان، بينما يطغى عليها اللون الأخضر طبعاً. تتضمن مواقع سياحية جميلة لا تحصى مثل تلك الموجودة بتشانغجياجيه أو المضايق الثلاثة وجيوتشايقو، إضافة إلى شلال تشيشوي، وهو موقع مكرس للشاي الصيني، وممر ووجيانغ، فضلاً عن محميات عديدة: سولوه، كوانكواشيوي، فينغهوانغشان وغيرها، دون أن ننسى حديقة الخيزران. تضم تسونيي أوسع منطقة لتضاريس دانشيا المسجلة في قائمة التراث العالمي لليونسكو، وكهف شوانغخه المسجل في ((موسوعة غينيس للأرقام القياسية))، وحفرة تشانغتشيان المغطاة بغطاء نباتي أولي دائمة الخضرة.

يعتبر شلال تشيشوي، أول شلال في تضاريس دانشيا في الصين، وقد صنف كأحد المواقع السياحية الوطنية، إذ يقع على بعد 39 كيلومتراً من مركز مدينة تشيشوي، عند المجرى الأوسط لنهر فنغشي، ارتفاعه 76 متراً وعرضه 80 متراً، وهو أعلى من شلال هوانغقوشو بثمانية أمتار، ولكن أقل منه عرضا بمتر واحد. وقد بدأ يجذب الأنظار في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، عندما قررت مصلحة الكهرباء بالمنطقة القيام بأشغال كهرومائية على نهر فنغشي في 19 يوليو عام 1986، حيث أظهرت محطة التلفزيون الصينية المركزية في نشرة الأخبار المسائية للعالم وللمرة الأولى صورة مذهلة لتضاريس دانشيا، ومنذ ذلك الحين، بدأ السياح يتدفقون إلى هذا الموقع.

 إضافة إلى هذين الشلالين، يمكن للزوار الاستمتاع بمناظر أخرى، طبيعية واصطناعية من مسارات حادة ومنحدرات مذهلة، طبقات الصخور، وبحيرة شيانغشي ومزرعة نباتات الشاي وفطريات (لينغتشي) وتماثيل معبد هويشوي وشعارات كتبها الجيش الأحمر.

تغطي الموقع غابة عذراء ومجموعة متنوعة من النباتات الخضراء على مدار العام، وهي موطن للحيوانات البرية كالنمور والغزلان وقرود المكاك. إنه مكان مثالي للاستمتاع بالشلالات والاسترخاء واسترجاع ذكريات الماضي.

بعد زيارته للموقع، أهدى ليو هاي سو، وهو رسام صيني مشهور، مخطوطة بأربعة مقاطع لهذا الشلال المدهش: "حسناء كسحلبية" التي تترجم تماماً المظهر الخلاب والروح النقية لهذا المكان.

موطن السرخس

محمية سولوه الطبيعية هي المحمية الوطنية لنبات السرخس الذي لا توجد منه إلا أحافيره في الأماكن الأخرى بالعالم. تضم المحمية أربعين ألف شجرة سرخس، ولذلك أطلق العلماء عليها اسم الموطن العالمي للسرخس.

عندما رأيت أشجار السرخس تذكرت أحافير الديناصورات في تشوشيونغ بمقاطعة يوننان البارزة على واجهة الجبل. كل هذه الديناصورات تدير رأسها في نفس الاتجاه وتنظر إلى وادي تشيشوي على مسافة خمسمائة كيلومتر تقريباً. كان نبات السرخس منتشرا على نطاق واسع في العالم خلال العصر الجوراسي من حقبة العصر الوسيط، قبل مائة وثمانين مليون سنة، وكانت تصل إلى أحجام كبيرة، وتعتبر علامة لعصر الزواحف الكبيرة التي كانت تعيش معها في نفس الحقبة. ولكن مع التغيرات الجيولوجية العميقة، وخاصة بسبب الهجمات المتكررة للأنهار الجليدية، اختفت تقريباً من على وجه الأرض.

في الصين، لا نجد السرخس إلا في عدد من المقاطعات الجنوبية، مثل قويتشو وسيتشوان وفوجيان، ووادي تشيشوي الرطب بالقرب من تسونيي، إنه المكان الوحيد الذي تنمو فيه أربعون ألف شجرة سرخس يانعة مترعرعة.

حاول البعض إعادة زرعها على بعد بضعة أمتار، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً. فهل يمكن أن يكون هذا الارتباط العميق بالتربة هو الذي سمح لأشجار السرخس بتفادي الكارثة التي تسببت في انقراض الديناصورات؟ كشاهد على تاريخ الأرض، تضفي أشجار السرخس أهمية كبيرة لدراسة مستحاثات النباتات والحيوانات، والجيولوجيا، والمناخ والبيئة، وكذلك بالنسبة لبحوث تطور الكائنات الحية.

تبدو الأشجار كمظلات عملاقة، في حين تشبه أوراقها ريشاً ناعماً. في هذه المحمية الطبيعية، يصل ارتفاع أشجار السرخس في المتوسط من أربعة إلى ستة أمتار، ويمكنها أن تتجاوز هذا الطول لتصل إلى ثمانية أو تسعة أمتار. وهي تنمو ببطء، ربما يكون سنتيمترا واحدا في السنة، ولعل هذا يفسر استمرارها لأكثر من مائتي مليون سنة.

بحيرة تشينغشي

تشكلت بحيرة تشينغشي قبل عامين فقط في محافظة سوييانغ، نتيجة لبناء السدود الكهرومائية على نهر تشينغشي، ومنذ جولتي الأولى، تأثرت بمياه هذه البحيرة، التي يبلغ طولها خمسين كيلومترا ويقل عرضها عن مائة متر.

تقع بحيرة تشينغشي في قلب منطقة ذات تضاريس متميزة، من الجبال والوديان والكهوف، محصورة بين جبال متموجة وعالية، يعتقد زوارها لوهلة أنهم في لوحة ضخمة، في جولة على متن قارب.

عندما تشرق الشمس بعد هطول الأمطار، تعكس البحيرة مناظر طبيعية أكثر من مذهلة، الآلاف من أقواس قزح تلون الشلالات المتساقطة من أعالي الجبال، لتشكل منظرا فريدا من نوعه في العالم.

جيوداومن، أي الأبواب التسعة، هو المكان الأكثر قرباً من بحيرة تشينغشي، حيث تنتصب فوقه 13 صخرة ضخمة الصواعد، تعتليها أشجار صنوبر عمرها آلاف السنين، وبعض القمم تشبه أعمدة طبيعية تشق السماء، مع عدد قليل من الشجيرات الصغيرة أسفلها وأشجار مورقة كبيرة في القمة، تشبه جبل هاليلويا في الفيلم الأمريكي بلوكبوستر.

يمكن النزول إلى نهر تشينغشي بالتجديف من أعلى البحيرة والانسياب مع تيار النهر بطول 8ر11 كيلومترا وعرض عشرين مترا في المتوسط، تستغرق الجولة بين ساعتين إلى ثلاث ساعات. شعور لا يوصف عند نزول السيل، سريعا أحياناً، وبطيئا أحيانا أخرى، تحيط به الجبال الوعرة التي يتراوح ارتفاعها بين مائة ومائة وخمسين مترا. إنه المنتجع المثالي في الصيف للتجديف والاستكشاف، والسياحة والترفيه.

كهف شوانغخه

شوانغخه هو أطول كهف في الصين. في الواقع، مازال يواصل التمدد.

أعلن الاتحاد الدولي لدراسة الكهوف (السبيليولوجي)، الذي يتابع استكشافاته أنه لا يزال يمتد طولاً من سنة إلى أخرى، يقع معه في سوييانغ، متحف التضاريس الكارستية.

شكلت التفاعلات بين المياه والصخور هذه التضاريس الكارستية الرائعة، وساهمت الكهوف في تشكيل اللوحة الأجمل على الإطلاق.

آخر الأخبار تؤكد أن طول شوانغخه يبلغ7ر145 كيلومترا وهو يضم ثمانية كهوف رئيسية على ثلاثة مستويات، مع 118 كهفاً ثانوياً، وأربعة أنهار تحت الأرض و23 مخرجاً. يعتبر الكهف الأكبر في الصين من حيث الأبعاد، وموقعاً سياحياً من الدرجة العالمية.

في الواقع، هو شبكة كهوف مركزة، منها 76 كهفاً في أربع قرى، تتصل مع بعضها البعض، أما الحرارة فتتراوح بين 13 درجة مئوية و15 درجة مئوية، مع كمية ثاني أوكسيد الكربون فيها 400 ppm تقريبا.هذه الشروط تشجع على السياحة في فصل الصيف، أما الكهوف المتعددة التي تشكل شوانغخه فيحمل كل منها اسماً يرتبط بشكله، مثل الجبس، ستارة الماء، اللوتس، القرفة، ملك الجبال، الأشجار، إلخ.

كل كهف له خصوصيته، فعلى سبيل التوضيح، حفرة العنب في كهف الجبس تذكرنا بعنب توربان في شينجيانغ؛ في كهف اللوتس، يمكن للسياح أن يمتعوا أنظارهم بباقة زهور اللوتس في بركة مياه صافية. المدهش أكثر، أنك تشاهد في كهف القرفة 500 متر مربع من التكتلات الحجرية، وهو رقم قياسي في آسيا، أما العجائب الأخرى فهي كثيرة وتنتظركم في هذه الكهوف، مثل النوافير الغامضة، النباتات الغنية والمتنوعة مع ثقافة بشرية قديمة. وفوق ذلك، هناك الحديقة الجيولوجية لكهف شوانغخه التي تعتبر ممراً إجبارياً لأي زائر مغامر في تسونيي.

باختصار، إن ثقافة كهوف قويتشو تتميز بروعتها العظيمة والغموض والثقافة الرحبة.

روائح الكحول

هل من الممكن أن ترفض تذوق خمور تسونيي عندما تطأ قدماك أرضها؟ ومع ذلك، يبدو لي أنه من المستحيل تذوقها كلها، إذ تنتج تسونيي أكثر من 360 صنفاً من المشروبات الكحولية، يحظى عشرة منها بسمعة وطنية، بما فيها ماوتاي الذي يعتبر الخمر الوطني في الصين، وهناك مائة وأكثر من الشركات المسجلة المصنعة للكحول، التي تؤلف معاً الأسرة الكبيرة لصناعة المشروبات الكحولية.

هذه الأسرة ترتوي من نهر منبعه في تشوشيونغ بمقاطعة يوننان؛ نهر تشيشوي، وهو رافد من نهر اليانغتسي، ومنبع الخمور الجميلة، وأطلق عليه بذلك "نهر الخمر الجميل"، يمر النهرً بمنطقة ذات تربة حمراء، ويأخذ لوناً أحمر داكناً بعد أن تجرف الأمطار الغزيرة هذه التربة وتأتي بها الى النهر، ومن هنا جاء اسمه "تشيشوي" أي الماء الأحمر. على ضفتي نهر تشيشوي، تظهر منحدرات حادة والعديد من المصانع التي تفوح منها رائحة كحول طيبة. ولكن وحدها مدينة ماوتاي نجحت في صب مياه تشيشوي في جميع أنحاء العالم.

في عام 1915، وخلال معرض بانما- باسيفيك، حصل ماوتاي، باعتباره ثاني أفضل كحول على الميدالية الفضية، لم يسبقه غير الكونياك الذي فاز بالميدالية الذهبية. متعة حقيقية حدثت هناك ذلك اليوم، فخلال المأدبة وبينما كان الضيوف يشربون الكونياك، أوقع شخص عن غير قصد زجاجة من ماوتاي فملأت رائحته القاعة، وعند شم رائحته الطيبة ردد الضيوف " لذيذ"!، ثم اتجهوا نحو المندوب الصيني ليطلبوا هذا المشروب. أصبح ماوتاي المشروب الكحولي الأكثر مبيعاً في العالم وقتها. ومنذ ذلك الحين، يتمتع ماوتاي بسمعة عالمية، لم تنقص تسونيي قط من الكحول، ولم تفتقر ابدأ إلى كبار الأدباء والاستراتيجيين العسكريين.