آفاق واعدة للاستثمارات الصينية في الدول العربية

هوانغ بي تشاو وتشانغ منغ شيوي وسون جيان

برغم الاضطرابات التي تسود بعض الدول العربية، زادت التدفقات الاستثمارية الصينية إلى المنطقة العربية بشكل كبير حتى وصلت إلى مليار وأربعمائة مليون دولار أمريكي في سنة 2012، بزيادة قدرها 120% مقارنة بسنة 2011. الأكثر من ذلك، أن مجالات الاستثمارات قد توسعت من تنمية الموارد والصناعة الخفيفة وصناعة النسيج والملابس إلى ماكينات التصنيع وتجهيزات السيارات وغيرها، مما يساهم في دفع تنمية الصناعات المحلية وتوفير أعداد كبيرة من فرص العمل. الآن، هناك زيادة كبيرة في مساهمة الشركات الصينية في مشاريع البنى التحتية في الدول العربية، والتي تؤدي إلى دفع تنمية المجتمعات والاقتصادات المحلية.

تشهد بعض الدول العربية توترات منذ نهاية سنة 2010، مما أوجد صعوبات في التبادل الاقتصادي والتجاري بين الصين والدول العربية في بعض المناطق. أمام هذه التوترات ، تتمسك الصين بمبدئها في عدم التدخل بالشؤون الداخلية، واحترام إرادة ورغبة الشعب العربي في الإصلاح والتنمية، ورفض استخدام القوة. وقد نال هذا الموقف الصيني الثابت تفهم الدول العربية وتقديرها. كما أن علاقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والدول العربية ما زالت مستمرة في  مسارها الطبيعي بفضل الجهود المبذولة من الجانبين.

تحديات ومثابرة

لا شك في أن توترات الأوضاع في المنطقة العربية تسبب بعض العراقيل لمسيرة التعاون الصيني- العربي في مجال الاقتصاد والتجارة، ولها تأثيرات سلبية مباشرة أو غير مباشرة على المصالح للصين في الخارج. على سبيل المثال، تعد ليبيا من أهم أسواق التعاقدات الدولية للشركات الصينية. في عام 2010، كانت هناك عشرات الشركات الصينية تنفذ أعمالا استثمارية وتعاقدية في أكثر من خمسين مشروعا يصل حجم تعاقداتها لأكثر من 20 مليار دولار أمريكي، ويزيد عدد العاملين فيها على خمسة وثلاثين ألف فرد. تشمل هذه المشروعات مجالات كثيرة، مثل بناء المساكن والمرافق البلدية، وبناء السكك الحديدية، الصناعة النفطية والاتصالات وغيرها. بعد الأحداث التي شهدتها ليبيا، سحبت الشركات الصينية موظفيها وأوقفت المشروعات، الأمر الذي أدى إلى خسائر مادية هائلة. حاليا، هناك ثلاث شركات صينية فقط تقوم بتنفيذ أعمالها في ليبيا، وهي شركة هواوي، وشركة تشونغشينغ وشركة سانيوان للحديد والصلب.

منذ اندلاع أعمال العنف والقتال في ليبيا حتى الآن، ظلت شركتا هواوي وتشونغشينغ تنفذان أعمالهما ومشاريعهما في ليبيا، وواصلتا تعاونهما مع ست شركات اتصال محلية، واستمرتا في مساعدة الحكومة الليبية في إصلاح محطات الاتصالات وصيانتها، وقدمتا مساهمة عظيمة من أجل ضمان سلامة عملية الاتصالات والشبكات في ليبيا. حاليا يوجد أكثر من 150 موظفا من شركة هواوي يعملون في طرابلس وبنغازي وسبها، أما شركة تشونغشينغ، فلديها أكثر من 300 موظف يعملون في طرابلس وبنغازي.

شركة سانيوان للحديد، وهي شركة أهلية تعمل في تدوير الأدوات المستعملة المصنعة من الحديد والصلب. بعد انسحابها التام من ليبيا في شهر فبراير عام 2011، عادت إليها مرة ثانية بعد مقتل القذافي تلبية لدعوة الحكومة الليبية الانتقالية. حاليا، تقوم شركة سانيوان بتنفيذ أعمالها في إحدى المناطق الصناعية التي تبعد ثمانين كيلومترا عن طرابلس جنوبا، ولديها مائة وخمسون موظفا صينيا، ومائة موظف أجنبي.

حاليا، تواجه الشركات الصينية كثيرا من التحديات في ليبيا في ظل الظروف الخاصة للبلاد، خصوصا في مسألة عدم الحصول على ضمانات أمنية. أما في مصر، فإن الشركات الصينية تعاني من نفس التأثيرات السلبية بسبب التوترات السياسية منذ سنتين. قال ليو آي مين، نائب رئيس اللجنة الإدارية والرئيس التنفيذي لشركة تيدا- مصر الاستثمارية: "تقع منطقة التعاون الاقتصادي الصيني- المصري في منطقة صحرواية بشمال غرب خليج السويس، حيث لا توجد أجهزة أمنية ولا مركز شرطة بالقرب منها، وقد عانينا بشدة من هذا الأمر. قمنا بالتعاون مع الجهات المصرية المعنية، التي سارعت بنشر أعداد من جنود الجيش المصري حول المنطقة لتأمين حياة حياة الموظفين وحماية الممتلكات، كما قمنا بالتعاون مع المواطنين المحليين لحماية المنطقة." وأضاف: "لم تكن مسيرة منطقة التعاون هذه سهلة وممهدة خلال السنوات الأربع منذ إنشائها، خاصة بعد التوترات السياسية في عام 2011، ولكن على كل حال، يمكننا القول إننا تجاوزنا الأزمة، وإن السحب الملبدة قد انقشعت عن سمائنا. حاليا، تم بنجاح إكمال أعمال المرحلة الأولى لتخصيص الأراضي في المنطقة التي تبلغ مساحتها ألفا وثلاثمائة وأربعين مترا مربعا، وجذبنا لها استثمارات بلغت ستمائة مليون دولار أمريكي من أربعين شركة ومؤسسة صينية. ويمثل هذا الحجم 80% من إجمالي استثمارات الشركات الصينية في مصر."

وأشار سونغ آي قوه، سفير الصين لدى مصر، إلى أن الصعوبات والمشاكل بل وحتى الأخطارالمفاجئة لم تثن الصينيين عن هدفهم، فلم تهرب معظم الشركات الصينية من مصر ولم تتردد، بل أصرت على  التمسك بأعمالها، وأظهرت قوة وشجاعة الصينيين وتعاونهم وثقتهم التامة بأنفسهم، إضافة إلى أنه بالأعمال الجادة والمجتهدة، حمت هذه الشركات مصالح البلاد، وعززت ثقة الشعب المصري في الصين والصينيين، ودفعت مسيرة تنمية الصداقة الصينية- المصرية.

وقال ما جيان تشون، المستشار الاقتصادي والتجاري بسفارة الصين لدى مصر، إنه خلال السنتين الماضيتين، وبالرغم من عدم استقرار أوضاع مصر السياسية والاقتصادية، لم تفتر حماسة الشركات الصينية للاستثمار في مصر، بل زاد عدد الشركات وتوسعت مجالات الاستثمار. كما أن زيارات الشركات الصينية وجولاتها التفقدية لمصر لم تتوقف، بل أتت بالمزيد من المشروعات الكبيرة، مثل مشروع الألياف الزجاجية من مؤسسة جيوشي، ومشروع العلف الحيواني من مؤسسة شينشيوانغ وغيرهما من المشروعات التي بدأت أعمالها. كما أن بعض المؤسسات مثل مؤسسة هواتشن لتصنيع السيارات ومؤسسة هاير للأدوات الكهربائية قامت بإجراء محادثات ومناقشات عميقة وبناءة مع شركاء مصريين حول مشروعات تعاونية. وأشار السيد ما إلى أن الحكومة المصرية الجديدة، خططت دفعة من مشروعات التنمية الاقتصادية ، ومنها مشروع تطوير محور قناة السويس، ومشروع السكك الحديدية العالية السرعة، ومشروع تنمية الطاقة الجديدة على ساحل البحر الأحمر وغيرها من المشاريع التي رسمت أفقا واسعا لتنمية اقتصاد مصر في المستقبل.

المساهمة والأمانة

وانغ جيون، مسؤول مكتب شركة تشونغشينغ لدى ليبيا، روى تفاصيل حادثة وقعت في سرت في شهر أغسطس عام 2010، عندما حدث تبادل إطلاق نار شديد  بين مؤيدي القذافي والمعارضين له في مدينة سرت، مما أسفر عن تدمير كامل لمحطات الاتصال في المدينة، وانخفضت فعالية كل إشارات الهواتف النقالة وشبكة الإنترنت. في اليوم التالي وبعد توقف القتال، بعثت شركة تشونغشينغ فريقا من الفنيين لإصلاح المحطات المدمرة، وبعد فترة قصيرة لم تتجاوز عشرة أيام، أكمل الفريق مهمته الصعبة، وأعيدت الإشارات وشبكة الاتصالات في مدينة سرت. وقد قال وزير الاتصالات الليبي أثناء جولته التفقدية للمحطات التي تم إصلاحها: "عملت الشركات الصينية كثيرا من الأعمال المفيدة، ونجحت في  تحقيق المستحيل."

تتخذ ليبيا موقفا إيجابيا من موضوع عودة الشركات الصينية، فقبل فترة أعلن رئيس الوزراء الليبي عن أمله في عودة الشركات الصينية لمساعدة ليبيا في عمليات إعادة البناء والإعمار.

في ورشة التجهيز لمؤسسة هواتشن للسيارات، والتي تقع في مدينة السادس من أكتوبر المصرية، معظم العاملين مصريون، وهم يحصلون على رواتب شهرية جيدة، حيث يبلغ راتبهم الشهري ضعفي رواتب نظرائهم في المؤسسات الحكومية المصرية. بعد توتر الأوضاع في مصر، أغلق أكثر من ثمانية آلاف شركة أبوابها، مما أدى إلى فقدان عدد هائل من المصريين لوظائفهم.  وعلى ضوء كل ما ذكر، فإنه من النادر أن يجد المواطن المصري وظيفة براتب عال. وترى وسائل الإعلام المحلية المصرية أن الشركات الصينية لا تحقق عوائد مالية فحسب، بل توفر العديد من الوظائف للمحليين، مما يساهم في التخفيف من وطأة مشكلة بطالة الشباب المصريين إلى حد ما، ويدفع عملية تنمية الاقتصاد المصري أيضا.

الصين والدول العربية من الدول النامية، وعملية التكامل الاقتصادي  بينهما واضحة، وأفق التعاون الاقتصادي واسع جدا بين الجانبين اللذين يجتهدان في البناء الاقتصادي. حاليا، تسعى الصين لعملية التحول الاقتصادي، وتحقيق ترقية الاقتصاد الصيني، أما الدول العربية، فمعظمها بدأ أعمال الإصلاح والتنسيق الاجتماعي، لتحقيق أفضل سبل التنمية. في هذه الفترة الحاسمة المشتركة لتحول الاقتصاد وترقيته، تتزايد نقاط المصالح المشتركة والاحتياجات المتبادلة بين الصين والدول العربية، وأصبحت ميزة الجانبين أكثر وضوحا في التكامل الاقتصادي حول المجالات المختلفة، مثل: الطاقة والسوق والتقنية والإدارة والموارد البشرية. كما أن الجانبين سيعمقان تعزيز تعاونهما في مجالات التجارة والاستثمار والمشاريع، إضافة إلى توسيع تعاونهما في صناعة الخدمات والزراعة وقطاع المنتجات الحلال وقطاعات المال واللوجستيات والطاقة الجديدة وغيرها من المجالات الأوسع.

تطلعا إلى المستقبل، نعتقد أن التعاون الصيني- العربي الودي سيدخل إلى مرحلة تنمية شاملة في مجالات أوسع ومستويات أعلى، وسيكون للشركات الصينية الأثر الأكبر في الدول العربية.