مع القراء


ليس من الحصافة بمكان أن نتناول موضوع التنمية الاقتصادية بمعزل عن دراسة وضع علاقاتنا مع دول العالم وخاصة مع الاقتصاديات الكبرى لا سيما الصين، وعندما تقول جمهورية الصين الشعبية، أنت هنا لا تتكلم باسم الغائب بل تخاطب الحاضر. في كل مكان بالعالم يوجد شيء من الصيــن، دون استعراض للقوة أو تهديد بالغزو. فمن منا، غنيا كان أو فقيرا، لا يملك شيئا من الصيــن. وهذا يعكس الكم الهائل لإنتاج المصانع الصينية، إنها تصنع ملابس أكثر وأحذية أرخص وألعاب أطفال أفضل، وتتحرك بسرعة وثبات نحو تكنولوجيا الفضاء وتعقيدات الهندسة الوراثية. تقدمت الصيــن من خلال وعي شعبها بضرورة التحرر من الإعجاب الأجوف بالرأسمالية الغربية والتفكير بطريقة مستقلة مع الاعتصام بمبدأ الحداثة وفق "الخصائص الصينية"، واستجابت فقط لحركة المستقبل فمتى يمكن أن نستجيب في عالمنا العربي لهذه الحركة الجبارة؟

 أراد الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، من منطلق فكرة السيطرة على العالم، واعتمادا على قاعدة "فرق تسد"، ومن خلال الإعلام الأوحد، تسويق معلومات خاطئة عن الصين لابتزازها من جهة ولتظليل بقية العالم وخاصة العالم العربي، أكبر مصدر للثروات، من جهة أخرى، حتى ساد الاعتقاد عند العرب أن الشعب الصيني شعب قصير، فقير، لا ينام، يعمل كثيرا، وربما يطير. في هذه الفترة، تقرّب الغرب من الصين، تعلم لغتها وترجم كتبها وتعامل معها مستفيدا من الفجوة المعرفية التي أراد تكريسها بين الصيــن وبقية العالم. أما نحن، فمازلنا لا نعرف الشعب الصيني المعرفة الحقيقية ونجهل ثقافته إلا ما ندر، وبترت معرفتنا له إلا من خلال السلع ذات التصنيف الرديء التي ساهم في جلبها التجار العرب من المصانع الموازية في الصين إلى الأسواق الموازية في العالم العربي ابتغاء الربح السريع. وحتى التجربة السينمائية التي ولدت بعد طول انتظار لتقريب الصيــن والشعب الصيني من العقل العربي، فكأنما سكتنا دهرا وعندما تكلمنا نطقنا كفرا، فقد أطل علينا فلم "فول الصين العظيم" لتكريس ما يريده الغرب، وصور لنا الشعب الصيني شعبا ساذجا، يطير، يأكل الصراصير. وبناء عليه، فقد فشل العالم العربي في معرفة الصيــن فشله في سياساته التنموية وذلك لاعتماده على "الميديا" الأمريكية التي اعتمدت على تسويق المعرفة المغلوطة حسب مصالحها وحتى تبقى هي الوحيدة التي تعرف مسالك وطرق التعامل مع "جمهورية الصيــن الشعبية"، صاحبة أكبر سوق وأكبر احتياطي من العملة في العالم. وهذا ما يفسر تكالب الغرب الآن على طلب ود هذا القطب الاقتصادي. هذه الدولة التي تمكنت من نقل مليار وثلاثمائة مليون مواطن من مجتمع التخلف إلى مجتمع الحداثة في نحو ثلاثين عاما، بينما استغرقت هذه القضية في أوروبا نحو مائتي عام. لذا يكون لزاما علينا الوصول مباشرة إلى الصيــن والنظر إليها بعيون عربية و التكلم مع شعبها بلغتهم والابتعاد عن انتقادها بلسان الغرب، فتارة نصفها بالخطر الأصفر الذي يبتلع الثروات، خاصة البترولية منها، أو أنها السبب الوحيد في غلاء أسعار المواد الأساسية، وطورا نأخذها على عدم مساندتها للشعوب المتحررة؛ وحسبنا الحقيقة نتكلم والحقيقة ما قلنا إلا شططا. نتساءل من المستفيد من ذلك؟ هل السذاجة في انتقاد الصينيين أم الحكمة في الابتعاد عن سذاجة المنتقدين؟

لقد سئمت الصين من السيطرة المطلقة للشركات الأمريكية وقوة وكالات الأنباء في تأكيدها على وجهة النظر الأمريكية "الماكدونالدية" المتعلقة بالقضايا العالمية، فسعت الصيــن في كل مرة لإظهار الفروق العميقة بين إيمانها بالسيادة وحق الدول في تقرير مصيرها دون التدخل في شؤونها الداخلية وبين ولع الغرب بالتدخل لمصلحة الإنسانية والإصلاح المزعوم لأحوالها. والعرب لا يدرون أن الغرب "يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي". لذا ظلت الصيــن تقدم الدعم السياسي والعون الاقتصادي للأنظمة المختلفة التي تتعرض للضغط الدولي.

صفوة القول، يبقى على العرب التقرّب أكثر من الصيــــن والتوجه إلى الجنوب؛ ونحن من دول الجنوب، والانحناء إلى الشرق؛ ونحن الشرق لنلتحق بآخر عربة من عربات قطار التقدم.

 المنجي الجلاصي

مترجم وباحث في الشؤون الصينية- تونس