الصين تكافح تلوث الهواء

لي وو تشو

أصبح الضباب الدخاني، في السنوات الأخيرة، ظاهرة خطيرة تسبب تلوثا عاما وتؤثر سلبا على الهواء في المدن الصينية. ففي الشتاء والربيع الماضيين، غطى الضباب الدخاني الكثيف سماء الصين عدة مرات، وكان الأكبر حجما هو الضباب الدخاني الذي خيم على مساحة مليون وثلاثمائة كيلومتر مربع من مناطق الصين. تتعرض العاصمة بكين، التي تقع في وسط  منطقة جينغجينجي (بكين وتيانجين ومقاطعة خبي) لتلوث شديد، ولا تتمتع بهواء نقي إلا في أربعة أيام في شهر يناير كله.

 الجزيئات الدقيقة جدا (PM2.5 ) هي المسبب الرئيسي للضباب الدخاني في المدن، وهي عبارة عن جزيئات متناهية الصغر عالقة في الهواء تدخل إلى رئتي الإنسان أثناء التنفس وتستقر فيهما، مسببة العديد من أمراض الجهاز التنفسي، أهمها السرطان وأمراض الرئة المختلفة. لذا، أصبحت كيفية تبديد الضباب الدخاني موضوعا ساخنا ويجذب اهتمام المجتمع، كما أن الحكومة الصينية تبذل جهودا كبيرة وحثيثة من أجل مكافحة التلوث.

بعد صدور "الخطة الخمسية الثانية عشرة لمكافحة تلوث الهواء والوقاية منه في المناطق الرئيسية" في نهاية السنة الماضية، وإصدار مجلس الدولة اللوائح العشر لمكافحة تلوث الهواء والوقاية منه في يونيو هذا العام، أصدرت الحكومة الصينية في 12 سبتمبر 2013 "برنامج العمل لمكافحة تلوث الهواء والوقاية منه"، حيث تشن حربا لمكافحة تلوث الهواء لتحقيق الهدف بمقياس عال وبحزم وهمة عالية وثقة تامة وإجراءات صارمة.

التقاء أهداف الخطة والبرنامج

من أجل حل مشكلة تلوث الهواء التي برزت بشكل أكبر في السنوات الأخيرة، أعلنت وزارة حماية البيئة "الخطة الخمسية الثانية عشرة لمكافحة تلوث الهواء والوقاية منه في المناطق الرئيسية" في نهاية عام 2012، وهي أول خطة شاملة تركز على معالجة تلوث الهواء في الصين. تطرح الخطة هدفا بتقليل جزيئات (PM10) التي يمكن استنشاقها بنسبة 10% والجزيئات الصغيرة (PM2.5) بنسبة 5% بحلول عام 2015، وتضم المناطق الرئيسية بكين وشانغهاي وتيانجين وتشونغتشينغ و15 حاضرة مقاطعة و47 مدينة.

اجتياح الضباب الدخاني للصين في الشتاء والربيع الماضيين، تحفز الحكومة الصينية إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من تلوث الهواء. في الرابع عشر من يونيو 2013، عقد رئيس مجلس الدولة الصيني، لي كه تشيانغ، اجتماعا لمجلس الدولة، حدد فيه عشرة إجراءات لمكافحة تلوث الهواء، وهي متطلبات جديدة تشمل إعادة الهيكلة الصناعية، وتصفية وحدات الإنتاج المتخلفة، وإكمال المعايير القانونية، والتعاون بين المناطق وغيرها من المجالات.

تسعى الإجراءات العشرة لمكافحة تلوث الهواء لتحقيق أهداف أعلى لتخفيض نسبة PM2.5 في الهواء في منطقة جينغجينجي ومنطقة دلتا نهر اليانغتسي ومنطقة دلتا نهر اللؤلؤ، مقارنة مع "الخطة الخمسية الثانية عشرة لمكافحة تلوث الهواء والوقاية منه في المناطق الرئيسية"، فعل سبيل المثال، تهدف الإجراءات العشرة إلى تقليل حجم PM2.5  في الهواء في منطقة جينغجينجي بنسبة 25% بحلول عام 2017.

بالإضافة إلى ذلك، تؤكد الإجراءات العشرة على ضرورة تصفية وحدات الإنتاج المتخلفة في الإنتاج الصناعي، خاصة في مجال صناعة الحديد والصلب، والأسمنت، والزجاج. كما تتعهد الحكومة الصينية بتخفيض حجم انبعاثات عوادم الصناعات الرئيسية بـنسبة 30 % بحلول عام 2017.

قال نائب رئيس الأكاديمية الصينية لعلوم البيئة، تشاي فا خه،: "برنامج العمل لمكافحة تلوث الهواء والوقاية منه" يعزز "الخطة الخمسية الثانية عشر لمكافحة تلوث الهواء والوقاية منه في المناطق الرئيسية" بشكل تفصيلي. والأكثر من ذلك، أن البرنامج وبنوده أكثر صراحة ووضوحا بالمقارنة مع الإجراءات العشرة لمكافحة تلوث الهواء المعلنة من مجلس الدولة، من حيث الأهداف والإجراءات الملموسة.

إجراءات أكثر صرامة في منطقة جينغجينجي

هدف أعمال "برنامج العمل لمكافحة تلوث الهواء والوقاية منه" هو تحسين جودة الهواء بشكل عام على المستوى الوطني بعد خمس سنوات من الجهود، وتخفيض عدد أيام تلوث الهواء الشديد بشكل كبير؛ والعمل على تحسين جودة الهواء بصورة ملحوظة في منطقة جينغجينجي ومنطقة دلتا نهر اليانغتسي ومنطقة دلتا نهر اللؤلؤ. ثم، وبعد جهود لمدة خمس سنوات أخرى أو أكثر، تتم إزالة أعراض التلوث الهوائي بشكل تدريجي وتحسين جودة الهواء بشكل ملحوظ.

يتضمن البرنامج مؤشرات ملموسة لتحقيق تلك الأهداف: بحلول عام 2017، يتم تقليل الجزيئات التي يمكن استنشاقها في الهواء بـنسبة 10% بالمقارنة مع عام 2012 في المدن على مستوى المدينة؛ وتقليل الجزيئات الصغيرة في الهواء بـنسبة 25% في منطقة جينغجينجي  و20% في منطقة دلتا نهر اليانغتسي و15% في منطقة دلتا نهر اللؤلؤ، وأن تكون معدل نسبة الجزيئات الصغيرة في الهواء في بكين سنويا حواليmg/m³ 60. ومن المتوقع أن تستثمر الحكومة الصينية تريليونا و750 مليار يوان (الدولار الأمريكي يساوي 2ر6 يوانات) لتنفيذ هذه البرامج.

ثمة فارق كبير بين "الخطة" و"البرنامج" من حيث الأهداف المحددة للسيطرة على تلوث الهواء. فحسب الخطة، سوف ينخفض حجم PM2.5  في الهواء في منطقة جينغجينجي بـنسبة 6% بحلول عام 2015  مقارنة مع عام 2010، لكن هدف البرنامج هو تقليل حجم PM2.5  في الهواء في منطقة جينغجينجي بـنسبة 25% بحلول عام 2017  مقارنة مع عام 2012، فالمستهدف الأخير أعلى بأكثر من ثلاثة أضعاف.

قال تشاي فا خه: "هذه المؤشرات الملموسة ليست أهدافا وطلبات فحسب، وإنما أيضا مسؤوليات ومهمات كبيرة. هذه الخطوات في مكافحة تلوث الهواء تدل على عزم واهتمام الحكومة الصينية بالصحة العامة لجماهير الشعب، كما تشير إلى إعادة التفكير في أسلوب التنمية القديم على حساب البيئة."

الصين دولة غنية بالفحم وفقيرة في النفط، ولهذا يعتمد هيكل الطاقة فيها على الفحم كطاقة رئيسية، وهذا سبب هام لتلوث الهواء في الشتاء. وقال رئيس الأكاديمية الصينية لعلوم البيئة، منغ وي: "إذا أردنا حل مشاكل التلوث بشكل جذري، فلا بد أن نعمل على تحسين هيكل استهلاك الطاقة."

ومن أجل تحقيق تحسين هيكل الطاقة، يطالب البرنامج بتخفيض نسبة الفحم في الطاقة المستهلكة إلى أقل من 60% بحلول عام 2017، وخفض كمية استهلاك الفحم في منطقة جينغجينجي ومنطقة دلتا نهر اليانغتسي ومنطقة دلتا نهر اللؤلؤ. وبحلول عام 2017،  يكون قد تم استبدال مراجل الفحم بالمراجل التي تستخدم الغاز في المناطق الثلاث، وزيادة حصة الطاقة غير الأحفورية بـنسبة 13%.

الاختبار ونظام المسؤولية

قال نائب رئيس قسم معالجة التلوث في وزارة حماية البيئة، وانغ جيان: "على كل منطقة أن تحدد هدفها للسيطرة على تلوث الهواء، باستخدام نسبة الجزيئات التي يمكن استنشاقها أو نسبة الجزيئات الصغيرة كمقياس، ثم توقع على بيان المسؤولية مع مجلس الدولة. بالنسبة إلى الحكومات المحلية التي لا تحقق أهدافها، سوف تقوم جهات حماية البيئة وجهات تنظيم الموارد البشرية بالتحقيق والاستفسار عن المسؤولين المقصرين وتحثهم على تحمل المسؤولية. "

وأضاف: "هذا النظام هو اختراق هام في نظام المراقبة على أعمال مكافحة تلوث الهواء، وهي المرة الأولى التي تشارك فيها وحدات تنظيم الموارد البشرية في فحص عملية مكافحة التلوث." وأوضح وانغ جيان، أن درجة إكمال أهداف مكافحة التلوث سوف تدرج ضمن نتائج الاختبار الشامل للمسؤولين في الحكومات المحلية. وإذا لم يواجه المسؤول مشاكل التلوث مواجهة فعالة بسبب نقص في قدرة القيادة، أو لم يتم تحقيق الأهداف المحددة حسب المعطيات المعنية، فسوف تتم معاقبته من قبل وحدات التنظيم.

في العاصمة بكين، التي تتعرض لتلوث هوائي أكثر شدة، من المتوقع أن تتم صياغة (مسودة) "لائحة مكافحة تلوث الهواء والوقاية منه في مدينة بكين" هذا العام، وقد تكون هذه اللائحة أول لائحة محلية لمكافحة تلوث الهواء في الصين.