لم نصدق ما رأته عيوننا عندما دخلنا شيجياتشوانغ، فهذا الجمال لا يمكن أن يكون لمدينة صورتها في أذهاننا مدينة للمصانع ينبعث منها الدخان الأبيض ويسمع فيها هدير الماكينات. الذي أمامنا هنا حديقة يشقها نهر مياهه خضراء صافية، على ضفتيه أعشاب وأشجار وفي حديقة على شاطئ النهر جسر صغير ونبع فوار وأشجار  وزهور، إنها لوحة رائعة!.

قبل مائة سنة، كانت شيجياتشوانغ مدينة بها  سكة حديد واحدة ومحطة صغيرة، وقد بدأت منهما تنمية هذه المدينة الجميلة.

سكة الحديد .. المدينةفي الأرياف

شيجياتشوانغ هي عاصمة مقاطعة خبي، تقع في جنوب غربي المقاطعة الواقعة في منطقة شمال الصين ويحد شرقها بحر بوهاي.

في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت شيجياتشوانغ   قرية صغيرة لا يسكنها أكثر من 200 أسرة، وكانت مساحتها أقل من 1ر0 كيلومتر مربع، تقع على سفح جبال تايهانغ. وعلى البعد منها تقع مدينة تشنغدينغ التي كانت  مركزا سياسيا، وتقترب من نهر لينخه والطريق العام، كانت مواصلاتها عسيرة ويعمل أبناؤها في الفلاحة جيلا بعد جيل، يسكنون في مكان منعزل، حياتهم بسيطة وهادئة. إنشاء سكة الحديد بالصين في أوائل القرن العشرين جعل القرية المتخلفة تبدل جلدها.

في عام 1902، أنشأت حكومة أسرة تشينغ سكة حديد بكين – هانكو مرورا بشيجياتشوانغ، وأنشأت محطة صغيرة في شرق القرية، لأنها قرية صغيرة لا يعرفها الناس سميت بالمحطة وليس شيجياتشوانغ.

في سبتمبر عام 1903، بدأت شركة فرنسية بناء سكة حديد تشنغدينغ – تاييوان، وكانت شيجياتشوانغ نقطة الانطلاق لهذا الخط الحديدي . بعد أربع سنوات تم إنشاء الخط. وحيث أن شيجياتشوانغ تقع في نقطة التقاطع بين سكة حديد بكين– هانكو وسكة حديد تشنغدينغ – تاييوان، باتت محورا للمواصلات. منذ ذلك، بدأت تنمية المدينة الجديدة من مدينة سكة الحديد.

سكة الحديد جعلت القرية المتخلفة تبدل وجهها وتغير حياة أبنائها ومفاهيمهم. ومازالت شيجياتشوانغ الرابضة جنوب بكين وتيانجين من أهم محور المواصلات في شمال الصين، تتشابك بها خطوط سكك الحديد والطرق العامة والخطوط الجوية التي تربطها بكل إنحاء البلاد.

يبلغ عدد سكانها 2ر9 ملايين، ومساحة المدينة الحديثة 848 ر15 ألفا كيلومترا مربعا، وهي أيضا ميناء تجاري لمنطقة شمال الصين وقاعدة لصناعة الطب والدواء بالصين.

حلم "وجود نهر في المدينة"في الأرياف

شيجياتشوانغ هي مدينة داخلية، ليس بها شبكة للأنهار والبحيرات، وبناء السكة الحديد لم يغير هذه الحالة، والماء هو سر الحياة وشريان أي مدينة. وقرر أبناء المدينة التي تقع في بقعة جافة حفر نهر بأيديهم يأتي بالماء لمدينتهم.

بعد تأسيس الصين الجديدة، عندما وضع أبناء شيجياتشوانغ خطة بناء المدينة، كان مشروع نقل المياه إلى داخل المدينة في قلب الخطة. في البداية، كان هناك تفكير في الاستفادة من مياه قناة بكين –هانغتشو لتنمية الاقتصاد، لكن مع توسع حجم الصناعة وخاصة تنمية صناعات الغزل والنسيج؛ والطب والأدوية؛ والكيماوية الخ، أمست مشكلة الصرف في شيجياتشوانغ التي لا يوجد بها نهر مشكلة ملحة.  في الخمسينات، صرف أبناء شيجياتشوانغ المياه الصناعية الملوثة غير المعالجة إلى عدة ترع حول المدينة مباشرة، حتى تلوثت المياه الجوفية تدريجيا بل تلوث الجو، ولذلك باتت الترع مشكلة لسكان شيجياتشوانغ. أخبرت الحقيقة بلا رحمة أبناء شيجياتشوانغ أن المدينة لا تستطيع أن تخلق نهرا، لكن المياه الملوثة أشد خسارة، فبدأ يحلم أبناء المدينة تنقية المياه الملوثة.

أبناء شيجياتشوانغ الذين أشبعهم نقص المياه ألما يذهبون إلى ضفة النهر بعيدا لرؤيتة المياه. وعندما يرون قليلا من الماء الأصفر يجري في قاع النهر، تنبت فيهم جذوة الحلم بالنهر.

في نهاية عام 1996، بلغت القوة الوطنية الشاملة لمدينة  شيجياتشوانغ المركز الخامس عشر في الصين، ويوما بعد يوم ترتفع قوتها الاقتصادية ويرتقي مفهوم أبنائها نحو البيئة وكل هذا يقدم بيئة مناسبة لتحقيق الحلم.

الحلم " نهر مينشين"في الأرياف#

في يوم 29 سبتمبر عام 1997، بدأ رسميا عمل مشروع تحويل المياه إلى المدينة بتكلفة بلغت مليار يوان وقال نائب عمدة مدينة  شيجياتشوانغ بيان تشون يو إن هذا المشروع "مشروع لتحسين البيئة السكنية لا مثيل له في تاريخ مدينة شيجياتشوانغ".

مشروع نهر مينشين أطلق عليه أولا "مشروع تحويل المياه إلى المدينة وتحسين البيئة"، و في مرحلته الأخيرة ونظرا للتأييد الشعبي له سمي " نهر مينشين".  المشروع الرئيسي يهدف إلى تحويل مياه خزان قانغنان بمنطقة الجبال غربي المدينة وخزان هوانغبيتشوانغ إلى داخل المدينة عن طريق تمديد الأنابيب.

يبلغ طول  "نهر مينشين" 9ر56 كيلومترا، به أكثر من 600 وحدة عمل و2ر1 ألف  أسرة على ضفتي المشروع قدمت جميعها كل التسهيلات لتنفيذ المشروع  واشترك كثير من أبناء شيجياتشوانغ في الأعياد والعطلات بإزالة الغرين على ضفتي النهر ونقل الأحجار والتراب وزرع الأشجار. وعمل قادة المشروع  والعاملين به  في موقع البناء ليلا ونهارا يتحدون العواصف والأمطار ويصارعون البرد القارس في سباق مع الزمن حتى استطاعوا إنجاز المشروع قبل الموعد المقرر بسنة، كان وقت إنجاز المشروع يحتاج إلى ثلاث سنوات.

اهتم مصممو مشروع "نهر مينشين" بالمشروع اهتماما كثيرا، آملين أن يوفر   فضاء جيدا للمدينة عن طريق تحويل المياه إلى المدينة، وبما يجعل بيئة السكن لأبناء شيجياتشوانغ أكثر متعة.

يبلغ معدل عرض نهر مينشين 20 مترا، عن طريق إصلاح قناة تحويل المياه الأصلية؛ وقناة تصريف المياه المفتوحة؛ وحفر القناة المفتوحة حوالي 46ر9 كيلومترات، بلغت مساحة سطح  المياه  في النهاية 5ر2 مليون متر مربع. وبلغت مساحة  الأرض الخضراء على ضفتي النهر 4ر1 مليون متر مربع، بحيث زاد متوسط نصيب الفرد بالمدينة من المساحة الخضراء حوالي 3 أمتار مربعة.

لم يكن إنشاء "نهر مينشين" سببا في زيادة مساحة الأرض الخضراء فحسب بل الأهم أن نظام الأرض الخضراء لمشروع تحويل المياه إلى المدينة يكون من خط رئيسي باعتماد على النهر بالإضافة إلى أن أرض خضراء للحدائق على شاطئي النهر ، والأرض الخضراء تبرز مياه النهر الأخضر تبادلا ، مما يجعل منظرها أكثر من الجميلة الرائعة.

في التقاطع بين مجري النهر وخط المواصلات الرئيسي للمدينة، عدد من الرقع الخضراء الصغيرة والميادين. وفي أشرطة التشجير في الحدائق وعلى جانبي مجرى النهر، اهتم المصممون بتحقيق الانفتاح والدمج بين الطبيعة والإنسان. وكل حديقة تتميز بموضوعها الرئيسي وأسلوبها، جمع أساليب مختلفة لبناء الحديقة من القديم والحديث والصيني والأجنبي، وهي تناسب المتطلبات المختلفة رجالا ونساء وكبارا وصغارا، بحيث باتت الحديقة مكان جذب عن طريق المعالجة الفنية. والمدينة التي كانت بقعة جافة أصبحت مفعمة بالحيوية بعد إنشاء نهر مينشين.

أنجز مشروع نهر مينشين في يوم 29 سبتمبر عام 1999، وتحول الماء النقي من الخزان المائي عن طريق خمسة مجاري ( شرق؛ جنوب؛ غرب؛ شمال وسط) إلى المدينة، وتحقق حلم  الأجيال من أبناء شيجياتشوانغ .

حصل مشروع "نهر مينشين" على "جائزة  المشروع النموذجي للبيئة السكنية بالصين" من وزارة الإنشاء والتعمير.

تغير وتطور .. حلمفي الأرياف

كانت تسعينات القرن الماضي فترة تنمية سريعة لمدينة شيجياتشوانغ. من عام 1995 حتى عام 2000، استثمرت مدينة شيجياتشوانغ 3ر6 مليارات يوان في مرافق البنية الأساسية، فتحسنت المواصلات  وتموين المياه  والحدائق العامة والبيئة الخ، و"نهر مينشين" هو أحد مشروعات البناء الهامة  لمدينة شيجياتشوانغ.

في السنوات الأخيرة أتمت مدينة شيجياتشوانغ إنشاء وإعادة إنشاء أكثر من سبعين طريقا هاما، وفي الوقت الذي كانت توسع فيه الطرق الرئيسية في المدينة، كانت تصلح  مداخل ومخارج الطرق العامة الرئيسية التي تؤدي إلى داخل المدينة. وتم إنجاز الطريق  الدائري الثاني السريع وعدة جسور معلقة  من أول يوليو عام 1996، حتى نهاية عام 2000، والآن يوجد في شيجياتشوانغ  30 جسرا معلقا، ويبلغ معدل نصيب الفرد بها من الطرق حوالي 8 متر مربع.

في الماضي ، كانت شيجياتشوانغ تعتمد على المياه الجوفية. في يوليو عام 1997، تم إنشاء المرحلة الأولي لمشروع المياه على سطح الأرض المسمى"مشروع الحياة" لتوفير المياه النقية؛ وبدأ العمل في المرحلة الثانية للمشروع ، والعمل في إصلاح محطة المياه ومد الأنابيب تحت الأرض لمسافة أكثر من ألف كيلومتر، وتحسين جودة المياه على سطح الأرض، مما تجعل أبناء المدينة يستخدمون ماء الحنفية النقي.

وتجري عملية إصلاح المدينة القديمة وبناء المساكن بخطوات متسارعة. وإضافة إلى ذلك أنشأت مجموعة كاملة من المرافق، وبدأ تجميل البيئة السكنية. وبلغت المساحة السكنية الجديدة لكل عام 2ر1 مليون متر مربع.

في تقرير لمجموعة من وزارة الاقتصاد النيبالية قامت باستقصاء المشروع جاء "إن بناء نهر مينشين  بالصين شق طريقا جديدا للدول النامية لتحسين البيئة ومعالجتها". في مرحلة بناء نهر "مينشين"، من أجل ضمان جودة الماء، قامت مدينة شيجياتشوانغ بإصلاح شبكة أنابيب الصرف، فارتفعت قدرة تصريف المياه للمدينة وتصريف الفيضان.

اليوم شيجياتشوانغ بها منظومة شاملة للمدينة مكونة من منطقتي الصناعة من شمال شرقها وجنوبها والمنطقة السكنية في وسطها، فقد ظهرت بها الخطوط العريضة لمدينة كبيرة.

في أحدث خطة شاملة للمدينة  حتى عام 2010 تتخذ المنطقة الحضرية بالمدينة مركزا، لتمتد منه  التنمية إلى كل اتجاه مع خطوط  المواصلات الرئيسية إلى ثلاث جهات هامة  جنوبا وشمالا وشرقا، لتشكل هيكلا متكاملا منفتحا. إنه حلم جديد نثق بأن أبناء المدينة قادرون على تحقيقه.